التكنوقراط 2: المشاعات الشاملة

03-01-2022

التكنوقراط 2: المشاعات الشاملة

في كانون الثاني ديسمبر عام 2020 قال سكرتير الأمم المتحدة أنتونيو غوتيريس في محاضرة له في جامعة كولومبيا في نيويورك (المصدر):

"لنكن واضحين، النشاط البشري هو السبب الأساسي لانحدارنا نحو الفوضى. وهذا يعني أن النشاط البشري قادر على حل هذه المشكلة. السلام مع الطبيعة هو المهمة الرئيسية للقرن الحادي والعشرين. يجب أن يكون على أعلى قمة أولويات كل شخص في كل مكان"

وأضاف

علينا أن نتذكر أنه لا يمكن فصل السياسات المناخية عن الصورة الكوكبية الشاملة، كل شيء مترابط ببعضه. المشاعات الشاملة والرخاء الشامل"

كانت الأمم المتحدة قد عرفت المشاعات الشاملة في تقرير أصدرته عام 2015 حول الحوكمة الشاملة للمشاعات الشاملة (التقرير هنا) وجاء فيه:

القانون الدولي يحدد المشاعات الشاملة، وهي أعالي البحار، الغلاف الجوي، القارة القطبية الجنوبية، والفضاء الخارجي. مؤخرا أضيفت إليها الموارد الطبيعية المهمة لرخاء مجتمع الأمم، مثل الغابات الاستوائية والتنوع الحيوي. وبعض الناس يستخدمون تعريفا موسعا يشمل العلوم والتعليم والمعرفة والسلام.”

وفي خلاصة هذا التقرير اقترحت الأمم المتحدة "تعزيز التنسيق والتعاون والانسجام بين صانعي السياسات في نظام الأمم المتحدة" عبر تأسيس "نظام حوكمة عالمي شفاف وتمثيلي لإدارة التنمية المستدامة"

بتنقية هذا الخطاب من بروباغاندا التنمية المستدامة نجد أن هذا المستند القصير (11 صفحة تشمل صفحتي الغلاف وصفحتين تسردان مؤسسات الأمم المتحدة) يقول أن صناع السياسات يريدون تأسيس نظام عالمي لإدارة الموارد الطبيعية، أي أنهم يريدون الاستيلاء على الطبيعة وفرض أتاوات أو ضرائب على كل من يريد الانتفاع منها بحجة أنها موارد مهمة للبشرية.

في النظام الحالي، لا يوجد ما يمنع الإبحار في أعالي البحار، ولا الطيران فوق البحار، ولا إطلاق أقمار صناعية. الحوكمة الشاملة تريد تغيير هذا الوضع، وإنشاء نظام إدارة للمشاعات الشاملة،

إضافة لذلك، في النظام الحالي تدفع السفن رسوما لاستخدام المياه الاقليمية، ولكنها لا تدفع أية ضرائب على الإبحار في أعالي البحار والمحيطات. وتدفع الطائرات رسوما على الطيران في المجالات الجوية للدول، ولكنها لا تدفع رسوما على الطيران في المجالات الجوية فوق البحار والمحيطات. الحوكمة الشاملة تريد تغيير ذلك، وفرض رسوم على استخدام الطبيعة بحجة التنمية المستدامة.

بمجرد إطلاق فكرة حوكمة المشاعات الشاملة، لا يوجد ما يمنع الحوكمة الشاملة من إدراج أي شيء ضمن المشاعات الشاملة، مثلا في حزيران 2021 نشر المنتدى الاقتصادي العالمي رأيا حول المشاعات الرقمية الشاملة يقترح إدراج التقنيات الرقمية ضمن المشاعات الشاملة لأنها "ضرورية لرخاء البشر" مما يعني أن استخدام هذه التقنيات سيخضع للحوكمة الشاملة لاحقا.

وهذا نجد أن مشروع الحوكمة الشاملة يريد تحويل كل الموارد الطبيعية إلى مشاعات شاملة، واستبدال سيطرة الناس عليها بسيطرة الحوكمة الشاملة. من يديرون هذا المشروع يريدون تحويل الكوكب والفضاء والتعليم والعلم والتقانة إلى مشاعات شاملة تحت إدارتهم. قد يبدو ذلك بعيدا عن الواقع أو جزءا من نظرية المؤامرة، ولكن كتابات وبروباغاندا هؤلاء الناس تقول ذلك بصراحة. مثلا في 18 تشرين الثاني نوفمبر 2018 نشر المنتدى الاقتصادي العالمي على تويتر فيديو بعنوان: “لن تملك أي شيء، وستكون سعيدا. هكذا سيصبح العالم في 2030” (المصدر) مع رابط لمقالة على موقعهم بعنوان "8 توقعات للعالم في عام 2030" (المصدر).

يومها سببت رؤية المنتدى الاقتصادي العالمي رد فعل غاضبا من قبل نخب متعددة طرحت تساؤلات عدة بينها: "إذا لم يكن الناس يملكون أي شيء، فمن الذي سيملك كل شيء؟" و "إذا كان البشر سيأكلون كمية أقل من اللحم، فمن الذي سيأكل الكمية الفائضة؟ وهل سيستطيع أي شخص أكل ما يريده أم أن الحوكمة الشاملة ستتحكم بطعام كل شخص؟"

هذه الأيام نرى الحوكمة الشاملة تتدخل في صحة الناس، وتفرض عليهم إجراءات قسرية كشرط لممارسة حياتهم الطبيعية، وهذه مجرد مقدمة لما تقول الحوكمة الشاملة أنها تريد فرضه على البشر. مشروع المشاعات الشاملة لا يعني تحويل كل شيء إلى مشاع، بل يعني سيطرة الطبقة الأولى على المشاعات، ثم توسيع هذه السيطرة لتشمل كل الموارد الطبيعية، وكل ما تتطلبه الحياة البشرية على الأرض. هذا مشروع تحكم شامل بالبشر وحياتهم، ويتم التأسيس له حاليا عبر نشر منظومة الرقابة والتجسس على البشر من الفضاء، وعبر تأسيس قواعد بيانات شاملة لأرشفة البيانات الصحية لكل إنسان. ورغم أن الحوكمة الشاملة تستهدف تدمير الدول الوطنية، نجد أن حكومات أغلب الدول تسير في خط الحوكمة الشاملة بخضوع مطلق، ونجد أن الكثيرين من "المثقفين" يسوقون للحوكمة الشاملة ولمشاريعها المطروحة تحت شعارات التنمية المستدامة.

بعض الناس لا يمانعون أن يتم التحكم بهم بهذه الطريقة، وهم يقبلون الإجراءات القسرية عن قناعة. أنا لست منهم ولا أقبل أي إجراء قسري. وأستطيع أن أفهم الأهداف الحقيقية لبروباغاندا التنمية المستدامة، ولذلك فأنا أرفض الحوكمة الشاملة وأقف مع من يقاومونها. فما موقفك أنت؟

تنويه: الحوكمة الشاملة هي التطبيق العملي لفلسفة انطلقت في ثلاثينات القرن الماضي من جامعة كولومبيا، نفس الجامعة التي ألقى فيها غوتيريس خطابه الذي اقتبسته أعلاه. سمت هذه الفلسفة نفسها التكنوقراطية Technocracy، وفي الحلقات القادمة من هذه السلسلة سنتعرف على فلسفة التكنوقراطية وبعض مراحل تطورها التاريخي.

الأيهم صالح

 

إضافة تعليق جديد

لا يسمح باستخدام الأحرف الانكليزية في اسم المستخدم. استخدم اسم مستخدم بالعربية

محتويات هذا الحقل سرية ولن تظهر للآخرين.

نص عادي

  • لا يسمح بوسوم HTML.
  • تفصل السطور و الفقرات تلقائيا.
  • يتم تحويل عناوين الإنترنت إلى روابط تلقائيا

تخضع التعليقات لإشراف المحرر لحمايتنا وحمايتكم من خطر محاكم الجرائم الإلكترونية. المزيد...