مهندس الرعب جون برينان: المدير الجديد لوكالة الاستخبارات المركزية

10-03-2013

مهندس الرعب جون برينان: المدير الجديد لوكالة الاستخبارات المركزية

الجمل - نورمان بولاك*- ترجمة: د. مالك سلمان:

في الجدل المفترَض حول تنصيب برينان مديراً لوكالة الاستخبارات المركزية (سي آي إيه), الفيل الموجود في الغرفة الذي وطأه الجميع بأقدامهم هو "سي آي إيه" نفسها. فلو كانت الولايات المتحدة ديمقراطية بالفعل, لكانت الأدلة الكثيرة على التعذيب تستدعي استئصال "سي آي إيه" من بنية الحكومة وممارساتها.
إن سبب وجود العمليات السرية يكمن في استحالة الإعلان عنها. المعلومات الاستخباراتية, الشيفرات, لا بأس – لكن كل شيء من تسييس العلوم العصبية إلى الطائرات الآلية المسلحة التي تستخدم في الاغتيالات, بالإضافة إلى عمليات الترحيل القسري, والحفر السوداء, والمساعدات للمجموعات المحلية الفاشستية المستخدمة في تفريق التظاهرات, يرتقي بعمليات الجريمة السوداء هذه إلى مستوى وحشي من السادية المخططة التي تضرب بعرض الحائط جميعَ قيود السلوك المتحضر.
فنحن نحترم الجريمة السياسية بصفتها ضماناً لحماية الوطن, كما ننظر إلى منفذيها على أنهم المحاربون النبلاء الذين يقاتلون على الخطوط الأمامية للعدالة. و برينان مدير مناسب جداً سوف يعمل على "تصحيح" الأخطاء السابقة؛ أي أنه سيجعل اكتشافها أكثر صعوبة. فالسرية هي درعه ودرع أوباما, درع لا يمكن اختراقه كما يليق بعبادة "دولة الأمن القومي" وطموحاتها الضخمة في الهيمنة. وبمعنى من المعاني, أصبحت الاغتيالات الموجهة علنية على الأقل, إلا أن زعزعة المجتمعات والحكومات المعادية لأمريكا – وفنزويلا مثال حديث على ذلك – تبقى من مهمات "سي آي إيه" السرية. وفي أوباما, وجدت "الوكالة", والأجهزة الاستخباراتية الأخرى, راعيَها ومديرَها ومشجعَها ومستشارَها التكتيكي في شخص واحد.
إن مقولة "قل لي من تعاشر, أقل لك من أنت" – التي تعني هنا أن قسوة برينان وخدمته في "سي آي إيه" التي دامت ربع قرن سوف تثبت فعاليتها في تعزيز هذه المؤسسة – أشبه بالهزل السوداوي, إذا أخذنا بالحسبان سجله الحافل (وليس أقله تقديره الدقيق للإنكار عندما يتعلق الأمر بعمليات التعذيب بالمياه "ووتربوردينغ", وبقية الممارسات الوحشية). إن الهمسَ في أذن الرئيس حول الطريقة المثلى لتوجيه العنف ضد "أعداء" أمريكا (الذين تخلقهم أمريكا في معظم الأحيان) هو الأسلوب الذي سيحكم علاقة هذا "الثنائي الديناميكي" في محاولته مأسَسة برنامج الطائرات الآلية الحربية, وتعزيز فكرة "أمريكا المحصنة", وخلق أعداء أكثر, وتدخلات أكثر, ورقابة أكثر داخل البلاد, وعمليات شبه عسكرية أكثر, وكل ذلك كجزء مما أسميته في مقالة سابقة "الفاشية الليبرالية", حيث تتم تغطيتها بعبارات ملطفة مرتبطة بالسلام والعدالة وفضائل السوق.
الوضع كما أراه, يبدو أن أحدهما لا يستطيع التواجد من دون الآخر: أوباما, الغر في تفويض جرائم الحرب, الذي يعتمد على برينان تفاصيل تنفيذها وتوسيع مداها, وبرينان, الذي لم تكن له أي سلطة إلى أن تم تعيينه الآن, حيث اكتسب الشرعية لترجمة هذه الخطط إلى أفعال.
وهكذا فإن أوباما, وهو متعلم سريع في كرسي السلطة (الجمعية, إذ لا يمكن للمرء الآن أن يتجاهلَ العلاقة بين الجيش والطيف السياسي والاقتصادي الحاكم), يتجاوز حدودَ ذكائه وتدريبه وفهمه ليطلع علينا فجأة بعقيدة "المحور", وهذا التحرك الهائل نحو الشرق الأقصى, وهذه المشاعر اليمينية التي تنبع من مركز التفكير الإستراتيجي ومهد المحافظين الجدد, البنتاغون, التي تنتظر الإعلان عنها, والمدعومة بشكل كامل من حاملات الطائرات الضخمة, والتحالفات الدفاعية, والمناورات المشتركة, والتحركات العسكرية, والأسلحة الجديدة المتمثلة في أنابيب النفط والغاز, وكل ذلك بهدف مواجهة الصين في محاكاة للحرب الباردة؛ في هذه الحالة, رؤية واستراتيجية جيوسياسية قائمة على الباسيفيك – أولاً موجهة لاحتواء وعزل الصين, وإضعاف استثماراتها وتجارتها في أفريقيا وأمريكا الجنوبية, وإزاحتها من طريق الولايات المتحدة في سعيها إلى الهيمنة الكونية.
فإذا كانت "سي آي إيه", كما أعتقد, سرطاناً يعشش في الحكومة الأمريكية, هل بمقدور "الإصلاح" أن يحقق أي شيء, أم هل يجب استئصالها من جذورها للحفاظ على الديمقراطية؟ إن تعيين برينان, كمدير لهذه "الوكالة" (بعد أن أصبح تنصيبه حقيقة, بما أن الطرفين متفقان على الحاجة إلى استخدام الطائرات الآلية الحربية لتنفيذ اغتيالات موجهة, من بين أشياء أخرى), أشبه بإرسال صانع حرائق محترف لإطفاء حريق ينذر بحريق أكبر. فقرار أوباما بترشيحه يقول الكثير عن ميوله الفاشستية المماثلة ورغبته في خرق القانون الدولي – إذا تذكرنا برينان وتوسيعه الهائل لحملة الاغتيالات التي أمر بوش بتنفيذها, وتوسيع دائرة السرية المحيطة بذلك البرنامج وربما بكافة المسائل تحت مسمى الأمن القومي.
لماذا كل هذه السرية الهائلة؟ لإخفاء جرائم الحرب. نقطة. فتعيين برينان مديراً ﻠ "سي آي إيه" يخدم غرضاً واحداً فقط يتمثل في إضفاء أهمية أكبر على عقيدة أوباما العسكرية: إضافة إلى الطائرات الآلية (والاغتيالات), التأكيد بشكل أكبر على العمليات شبه العسكرية [أي, الاستخباراتية], أوباما + برينان = عقيدة وممارسة الحرب الدائمة.

* نورمان بولاك/بروفسور في التاريخ, جامعة ولاية ميشيغان
تُرجم عن: ("كاونتربنتش", 8 آذار/مارس 2013)

الجمل: قسم الترجمة

إضافة تعليق جديد

لا يسمح باستخدام الأحرف الانكليزية في اسم المستخدم. استخدم اسم مستخدم بالعربية

محتويات هذا الحقل سرية ولن تظهر للآخرين.

نص عادي

  • لا يسمح بوسوم HTML.
  • تفصل السطور و الفقرات تلقائيا.
  • يتم تحويل عناوين الإنترنت إلى روابط تلقائيا

تخضع التعليقات لإشراف المحرر لحمايتنا وحمايتكم من خطر محاكم الجرائم الإلكترونية. المزيد...