الراية الكاذبة تبعث من الموت

12-03-2016

الراية الكاذبة تبعث من الموت

الجمل ـ توني كارتالوتشي ـ ترجمة رندة القاسم: علم الاحتلال الفرنسي في سورية  بألوانه الأخضر و الأبيض و الأسود ، الذي رفعه وكيل الغرب "الجيش السوري الحر" ، أضحى في طي النسيان وسط بحر الرايات السوداء التي رفعت عاليا من قبل أتباع واشنطن و الرياض، الأكثر تطرفا، لكسب القوة بهدف المزيد من التدخل المباشر في أرض المعركة.و لكن مع تمكن القوات السورية، المدعومة بحلفائها الإقليميين و السلاح الجوي الروسي، من سحق هذه القوى خلال بناء تحالفات مع أطراف أخرى، بما فيهم الأكراد، يواجه مشروع الغرب المتعلق بتغيير النظام انهيارا مشينا.و يبدو ، و مع نفاذ كل الخيارات الأخرى، أن الغرب قد قرر تغيير الكثير من هذه الرايات السوداء و العودة  قدر الإمكان إلى أخضر و أبيض و أسود "المتمردين" ، و ذلك قبل إغلاق الصراع ، ما يمنح الغرب أفضل موقع في "محادثات السلام".إن مجرد إلقاء نظرة على الخارطات السورية خلال السنوات الماضية، بما فيها تلك التي وضعتها خلايا التفكير في واشنطن، كفيل بكشف حقيقة الصراع الدائر في سورية، و يمكن رؤية القوات و هي تتدفق إلى البلد، الأمر الذي يتوقعه المرء في حالة الغزو لا الحرب الأهلية. و بينما ادعت الحملات العسكرية الغربية ،فوق و على التراب السوري، أنها تقضي على ما يسمى الدولة الإسلامية ، يبدو من الواضح أن شيئا لم يحدث فيما يتعلق بقطع ممرات الإمداد التي تدعم القوة القتالية لداعش.بكلمة أخرى، حرب الولايات المتحدة و حلفائها ضد داعش كانت خدعة، و لا يمكن أبدا خوض حملة عسكرية حقيقية مع إهمال الخطوط الحيوية اللوجستية للعدو، و خاصة عندما تكون هذه الخطوط ممتدة من أراضي الناتو. و  لم   يسبق  التدخل الروسي ،نيابة عن الحكومة السورية، أي استهداف أو تدمير لهذه الممرات، و بهذا كُشِفت اللعبة أمام أعين العالم كله..و لذا لم يكن من المفاجئ أنه مع بدء هذا التدخل ظهرت الآثار الفورية على القوات الوكيلة عن الغرب المقاتلة عبر سورية، و منذ تلك اللحظة بدأت القوات السورية المدعومة من روسيا بتأمين الحدود السورية بشكل متزايد  و تفريق  أمواج المجموعات الإرهابية داخل الأراضي السورية و استعادة السيطرة على الأراضي مع ضمور هذه القوات و تبددها.. و منذ سنوات يدور التساؤل حول عدم قيام الغرب بأي شيء حيال قطع هذه الممرات التي تؤدي إلى سورية و تدعم بقاء الفصائل الإرهابية مثل داعش و النصرة و حلفائهم، إنها المجموعات التي تشكل الآن بوضوح الغالبية العظمى من الميليشيات المقاتلة ضد الحكومة السورية و باعتراف من حكومة الولايات المتحدة نفسها. و مع إدراك العالم بشكل متزايد لهذه النقطة المنطقية الساطعة، يبدو أن الغرب يحاول الآن الاستفادة منها و بنفس الوقت إنقاذ آلاف المرتزقة الواقعين في الشرك و الذي يواجهون المحاصرة و الاستئصال في المراحل الأخيرة من الصراع السوري.فقبل أسبوع ، ظهر فجأة "الجيش السوري الجديد" ، و هو اسم آخر للجيش السوري الحر سيء السمعة، و ذلك على الحدود العراقية السورية، قاطعا خطوط إمداد داعش ذهابا و إيابا بين الدولتين.وقالت رويترز: "استولى المقاتلون المتمردون السوريون على معبر حدودي مع العراق كان تحت سيطرة الدولة الإسلامية، و ذلك وفقا للمرصد السوري لحقوق الإنسان..  و كانت الدولة الإسلامية قد سيطرت على معبر  التنف، القريب أيضا من الحدود السورية- الأردنية منذ أيار العام الماضي  و أخذته من  قوات الحكومة السورية. لقد كانت هذه آخر نقطة حدودية مع العراق واقعة تحت سيطرة الحكومة السورية"..المصدر الوحيد هو المرصد السوري لحقوق الإنسان، و هو في الحقيقة رجل وحيد يعيش في انكلترا و يتعامل بشكل نظامي مع وزارة الخارجية البريطانية.و قد يتساءل المرء لماذا لم تنفذ عمليات حدودية كهذه من قبل، و لماذا لم يقم هؤلاء "المتمردون" ، الذين قيل أنهم حصلوا على الملجأ و التدريب  و التمويل و التسليح  من الأردن و تركيا، بحماية الحدود السورية و منع داعش من الدخول إلى سورية من نفس المناطق التي يفترض أن "المتمردين" يعملون فيها؟ و الجواب ببساطة هو أن الغرب لا يملك أية نية بإيقاف داعش، و في الحقيقة داعش هي المتمردون و المتمردون هم داعش. و استيلائهم على نقطة الحدود العراقية السورية أمر سطحي تماما. فالسلاح و المال و المقاتلون سيستمرون بالتدفق ، تماما مثلما مرروا قوات الناتو عبر الحدود التركية السورية.و الفرق الوحيد هو أن هؤلاء الإرهابيون سيرفعون علم الجيش السوري الحر، ما يمنحهم الحماية وسط اتفاق وقف إطلاق النار الذي وافقت الحكومة السورية و حلفاؤها عليه بصدق .تمكن وقف إطلاق النار ، على الأقل حتى الآن، من منح الوقت للمجموعات التي اعتبرتهم سورية و روسيا مجموعات مقاتلة يمكن التفاوض معها... و باستغلال كامل للفرصة ، فجأة بدا و كأن الجيش السوري الحر قد بعث من الموت في كل مكان كان واقعا و لسنوات تحت سيطرة القاعدة و داعش.نشرت نيويورك تايمز نداءها اليائس لإقناع الرأي العام العالمي بأن "المحتجين المؤيدين للديمقراطية" يخرجون ثانية من دمار ادلب و حلب، المدينتين الواقعتين تحت سيطرة القاعدة و داعش، و يرفعون علم الجيش السوري الحر.و في مقال تحت عنوان "المحتجون السوريون يخرجون إلى الشارع مع تخفيف الضربات الجوية" قالت نيويورك تايمز: " اندفع المحتجون في الشوارع عبر المناطق الواقعة تحت سيطرة التمرد في سورية، و مع انتهاز المتظاهرون للتوقف النسبي للضربات الجوية خلال الهدنة الجزئية، خرجوا بأكبر عدد منذ سنوات للإعلان بأنهم بعد خمس سنوات من الحرب لا يزالون يريدون التغيير السياسي.... و تحت شعار "الثورة مستمرة" ، لوح المتظاهرون بالعلم الأخضر و الأبيض و الأسود السابق لفترة البعثيين،  و الذي اعتنق خلال المراحل الأولى السلمية من هذه الثورة، قبل تكاثر الفصائل الإسلامية المسلحة ذات الرايات السوداء".بعد مضي خمس سنوات على  بداية ما يسمى "الربيع العربي"  تم الكشف عن الطبيعة المنظمة للاحتجاجات الأصلية عام 2011 و أدركها الرأي العام، بحيث أن قلة من يصدقون بأن هذه الاحتجاجات الآن ليست أكثر من  حملة يائسة لإثبات أن  هناك أشخاصا في مكان آخر إلى جانب واشنطن و لندن و بروكسل و لا يزالون يسعون إلى تغيير النظام في سورية...إن وكلاء الغرب الإرهابيين يتحولون من منهزمين في الحرب إلى معارضة شرعية تأمل بإنقاذ ما تبقى من الشبكات السياسية و جبهات الإرهابيين المتعاونة مع الغرب في هذه المؤامرة المدمرة الكبيرة.و أخيرا في الرقة ،  مركز القوات الإرهابية الوكيلة عن الغرب و عاصمة داعش، وردت تقارير عن "انتفاضات" من قبل السكان المحليين ، و ذلك بالتزامن مع اقتراب الجيش العربي السوري من الغرب و هبوط الأكراد إلى المدينة من الشمال الشرقي... ورد الكلام عن هذه  "الانتفاضة" في صحيفة تيليغراف اللندنية تحت عنوان :"الدولة الإسلامية تتعرض لأزمة في عاصمتها الرقة": "مع مواجهة عجز مالي في خلافتها الإسلامية، خفضت الدولة الإسلامية في العراق و الشام الرواتب و طلبت من سكان الرقة دفع الفواتير بالدولار الأميركي حسب السوق السوداء، و تطلق الآن سراح معتقلين مقابل 500 دولار عن الشخص"و بينما تنسب التلغراف هذه الأزمة إلى "الضربات الجوية للتحالف" ، يبدو من الواضح تماما أن الضربات الجوية السورية -الروسية على طول الحدود التركية هي من دمر كل خطوط الإمداد لمناطق داعش ما أدى إلى خفض قدراتها القتالية و إمكانية إدارة الأماكن المحتلة من قبلها.  أي خيار بقي مع مواجهة القوة الإرهابية، التي أمضى الغرب خمس سنوات لبنائها و أنفق المليارات، للحصار الشامل و الإبادة؟ هل يكون الحل في  "انتفاضة" تشمل  كل المدينة و ترفع  أعلام الجيش السوري الحر، و بهذا تبطل الحاجة للقوات السورية و التركية للتحرك قدما و استعادة المدينة؟ يبدو أن هذه هي الرواية التي يجهز لها الغرب في الرقة و أماكن أخرى في سورية، كعنصر وسط ما يسمى "وقف إطلاق النار" و "محادثات السلام".ألبست ال BBC قائدا إرهابيا ملابس الجيش السوري الحر من أجل لقاء معه، و لكن خلال المشاهد المرافقة للقاء ظهر القائد و هو يعمل بوضوح تحت رايات إرهابية، انه مثال عن ما يحاول الغرب القيام به على نطاق أوسع.....خلال الانتصارات الأولى ضد  القوات الوكيلة عن الغرب، تنكر مقاتلو القاعدة و داعش بزي النساء من أجل الهروب من أرض المعركة، و الآن يتنكرون بزي الجيش السوري الحر غير الموجود.هل يتوقع الغرب من سورية و حلفائها التفاوض مع هذا الجيش الوهمي العامل تحت راية خيالية؟ بالنسبة لسورية و حلفائها،ما يقوم به الغرب هو انتهاك واضح لروح وقف إطلاق النار و محادثات السلام. و هو تأكيد على كذب الغرب حيال الالتزام بمحاربة الإرهاب و الذي تستخدمه كأداة لخوض معاركها و ذريعة للتدخل حين لا يمكن للإرهاب وحده تحقيق الهدف  و عندها يمكن أن يتنكر فيلق كامل من الإرهابيين من أجل القتال ليوم آخر....

*باحث جيوسياسي مقيم في بانكوك

عن مجلة New Eastern Outlook الالكترونية

الجمل

إضافة تعليق جديد

لا يسمح باستخدام الأحرف الانكليزية في اسم المستخدم. استخدم اسم مستخدم بالعربية

محتويات هذا الحقل سرية ولن تظهر للآخرين.

نص عادي

  • لا يسمح بوسوم HTML.
  • تفصل السطور و الفقرات تلقائيا.
  • يتم تحويل عناوين الإنترنت إلى روابط تلقائيا

تخضع التعليقات لإشراف المحرر لحمايتنا وحمايتكم من خطر محاكم الجرائم الإلكترونية. المزيد...