ترميم قلعتي حلب وصلاح الدين: الحجر من أجل البشر

06-09-2008

ترميم قلعتي حلب وصلاح الدين: الحجر من أجل البشر

احتُفل أخيراً في قلعة حلب التاريخية بالانتهاء من أعمال الترميم في عدد من قلاع سورية التاريخية، ومن أبرزها قلعة صلاح الدين (٢٤ كم شرق اللاذقية)، وقلعة حلب، وسط المدينة التي لطالما اعتبرت تقاطع طرق ثقافيا، ومفترق طرقمشهد لقلعة حلب بين الشرق والغرب، يصل بين الطرق التجارية الهامة ويربط الصحراء بالبحر.
المشروع قامت به مؤسسة الآغا خان للثقافة، بشراكة مع مديرية الآثار والمتاحف في سوريا، أما التمويل فقد وفّرته بشكل أساسي مؤسسة الآغا خان، إلى جانب »صندوق الأوابد العالمية«. في قلعة صلاح الدين، التي تحوي شواهد فريدة للتحصينات، وتعدّ أضخم حصن مغلق في الشرقين الأدنى والأوسط، كما تقدم نظرة نادرة على العديد من طرز الأبنية التاريخية الموجودة إلى جانب بعضها البعض، وهي كانت أعلنت من قبل اليونسكو في العام ٢٠٠٦ موقعاً من مواقع التراث العالمي، فقد تركزت أعمال الترميم والحفريات الأثرية فيها على الآثار الإسلامية في القلعة.
اللافت في نظرة »الآغا خان« لمشاريع إعادة إحياء القلاع التي تبدو في الظاهر مشاريع ترميم وحسب، هو تلك الرؤية العميقة بحق لما يعنيه التراث للشعوب التي تمتلكه، فـ »التراث الغني يمكن له أن يكون عبئاً عندما تواجه الحكومات معضلة تكاليف الترميم والحفاظ الكبيرة«، وحيث الثقافة »تلعب دور المحفز للتنمية حتى في أفقر مناطق المعمورة وأكثرها بعداً«، كما يقول الآغا خان نفسه. وحيث »مشاركة المجتمع المحلي وتدريب المحترفين المحليين في كافة مواقع المشروع من المكونات الأساسية له«.
إن فكرة الترميم هنا تعني بشكل أساسي الربط ما بين القلعة والنسيج العمراني المحيط، بما يتضمن احترام الآبدة واستخدام المواد المتوفرة محلياً. وغالباً ما يشبّه الآثاريون المشتغلون هنا الأمر كما لو أن القلعة حجر من الماس تحتاج إلى محيط لإبرازها. ليس الأمر إذاً أمر حجر، بل بشر. فبالنسبة لقلعة حلب استُكملت إعادة تأهيل أقسام من جدران القلعة وعدد من الأبراج والمجمّع الأيوبي، كما كُشفت مناطق واسعة من البنى العثمانية. وجرى ترميم الثكنة العثمانية، حيث تم تطويرها لتستخدم كمركز للزوار. لكن الأهم من ذلك هو المرحلة الثانية من هذه المشاريع، التي تربط الموقع الأثري بالبيئة العمرانية الأوسع. هكذا جرى تصميم الساحات المفتوحة في محيط قلعة حلب (الأمر الذي حرمت منه قلعة صلاح الدين باعتبارها تقع في منطقة نائية عن المدينة)، بما في ذلك ترميم جدران الخندق الخارجي المحيط بها. كما يجري حالياً التخطيط لمشاريع اجتماعية للأحياء السكنية الفقيرة في المناطق المجاورة. ومن بينها المشروع الذي أعلن عنه إثر زيارة الآغا خان الأخيرة إلى حلب، حيث الاتفاق على تحويل التلة السودا، المجاورة لباب قنّسرين إلى حديقة عامة على نحو حديقة الأزهر في القاهرة التي أنشأتها مؤسسة الآغا خان. الحديقة تقع في مساحة تحيط بها أحياء فقيرة ومعدمة، وإنشاؤها سيسهم، على نحو ما صار في محيط حديقة الأزهر أيضاً، في النهوض بالأحياء المحيطة. وهذا هو دأب المؤسسة؛ النهوض بأحوال الأحياء الفقيرة والمحيطة للمواقع التي تعمل عليها، وصولاً إلى توفير قروض لإعادة تأهيل المساكن في المدينة القديمة.
ليس هذا هو النوع الوحيد من الأعمال الثقافية التي تقوم به مؤسسة الآغا خان، فإلى جانب اهتمامها بالمدن التاريخية، ومن ضمنها اهتمام عال بالقلاع، سبق لمؤسسة الآغا خان أن طرحت جائزة للعمارة تعتبر الأكبر في العالم وتقدم كل ثلاثة أعوام، وهي لا تكافئ المعماريين الأفراد على أعمالهم النموذجية المعاصرة فحسب، بل تنتقي المشاريع التي تقترح حلولاً خلاقة قابلة للتكرار لمشاكل التنمية الاجتماعية، كما تقول المؤسسة. بالإضافة إلى مبادرة المؤسسة للموسيقى في آسيا الوسطى، التي تدعم جهود موسيقيي ومجتمعات آسيا الوسطى في استدامة وتطوير ونقل التقاليد الموسيقية التي تشكل جزءاً حيوياً من تراثهم الثقافي، وبالإضافة كذلك إلى مشاريع المتاحف المكرسة لعرض الفنون والثقافة.

راشد عيسى

المصدر: السفير

إضافة تعليق جديد

لا يسمح باستخدام الأحرف الانكليزية في اسم المستخدم. استخدم اسم مستخدم بالعربية

محتويات هذا الحقل سرية ولن تظهر للآخرين.

نص عادي

  • لا يسمح بوسوم HTML.
  • تفصل السطور و الفقرات تلقائيا.
  • يتم تحويل عناوين الإنترنت إلى روابط تلقائيا

تخضع التعليقات لإشراف المحرر لحمايتنا وحمايتكم من خطر محاكم الجرائم الإلكترونية. المزيد...