سوريا تأخذ بندر إلى موسكو وروحاني إلى الرياض

02-08-2013

سوريا تأخذ بندر إلى موسكو وروحاني إلى الرياض

إذا صحت المعلومات المتداولة، فإن سعد الحريري عائد الى بيروت قبل نهاية ايلول المقبل. هذه العودة، تبعا للظروف التي رافقت الغياب القسري لزعيم «تيار المستقبل» لأكثر من سنتين ونصف السنة، تعتبر عودة سياسية بامتياز، واذا حصلت بقوة دفع أميركية، ثم بمباركة سعودية، لن تكون منفصلة عن المناخ الاقليمي واللبناني المتحرك بسرعة على ايقاع الحدث السوري.
هل يمكن استثمار تلك العودة أبعد من حدود «البيت الأزرق» وفريق «14 آذار» اللذين يتخبطان.. ويفتقدان المرجعية؟
لعل الجواب البديهي أن تعالوا نعيد بناء الثقة المفقودة منذ سنوات بين السيد حسن نصرالله والرئيس سعد الحريري، لعل في تكريسها مجددا، تفتح صفحة جديدة في العلاقة بين القوتين الأكثر تأثيرا في المعادلة اللبنانية. ولعل الف باء استعادة الثقة، أن يخوض الطرفان غمار مراجعة نقدية شاملة لكل التجربة الممتدة من العام 2005 حتى يومنا هذا.
من الواضح أن استشهاد الرئيس رفيق الحريري شكل ضربة كبيرة للشراكة التي كانت قائمة بين «مشروع هانوي ـ هونغ كونغ» (المقاومة لـ«حزب الله» والاقتصاد والاعمار للحريري)، وشكل الخروج السوري من لبنان فاتحة مرحلة جديدة، سمتها الأبرز غياب الناظم الاقليمي للعلاقات والتوازنات الداخلية اللبنانية منذ ولادة الطائف، وهي سمة، بيّنت وما تزال تبين، أن اللبنانيين، ومن أسف كبير، لم يبلغوا بعد سن الرشد السياسي، بدليل تكرار اثبات عجزهم عن حد أدنى من الصياغات والتفاهمات الداخلية، لا بل اتخاذ أصغر القرارات وأتفهها.
تبدت المعادلة بعد استشهاد الحريري كالآتي: «خذوا الأكثرية ومعها السلطة ورئاسة الحكومة، وفي المقابل، أعطوا المقاومة المشروعية والأمان». هذا هو جوهر «التحالف الرباعي» في انتخابات 2005. انتهت اول انتخابات من دون وصاية سورية، وأمسك الحريري الابن بناصية الزعامة وقرر جعل «الوكيل» رئيسا للحكومة، لتتقدم عوامل خارجية، فتملأ الفراغ السوري وتكبل الحاكم بشروط ومعادلات جعلت المقاومة أسيرة الشكوك والثقة المهتزة وصولا إلى إحراجها فإخراجها من السلطة من دون أن يرف جفن الحاكم ـ الوكيل، فكان أن انهارت الثقة وتراكمت الخلافات لتنفجر في السابع من أيار 2008.
قبيل مؤتمر الدوحة، توجه رئيس الوزراء القطري السابق حمد بن جاسم من بيروت بسؤال محدد للمعاون السياسي للأمين العام لـ«حزب الله» الحاج حسين خليل: «ما هي مطالبكم»؟ أجابه خليل: «لتتراجع الحكومة عن قرار فك شبكة الاتصالات وقرار إقالة وفيق شقير، فتعود الأمور إلى ما كانت عليه قبل الخامس من أيار».
بيّنت نظرة حمد بن جاسم دهشته الكبيرة من الجواب، فأعاد تكرار السؤال: أنا أسألك عن مطالبكم السياسية؟ فرد حسين خليل مجددا: «ليتراجعوا عن القرارين».
لاحقا همس أحد المقربين جدا من حمد بن جاسم في آذان مسؤول لبناني كبير ينتمي الى فريق «14 آذار» سائلا: «لو أن أي حزب لبناني يملك الترسانة العسكرية التي يملكها «حزب الله» والقدرة على السيطرة الميدانية على العاصمة في أقل من ثلاث ساعات وامساك كل مفاصل البلد، هل كان ليقبل بأقل من طائف جديد. تصوروا لو أن وليد جنبلاط أو سمير جعجع أو ميشال عون هم من فعلوا 7 أيار، هل كان ليقبل أحدهم بأقل من حصة وازنة في السلطة»؟
هذا السؤال لو كرره أي مسؤول عربي أو دولي، على «حزب الله»، قبل معركة القصير أو بعدها، لكان لقي الجواب نفسه.
لا يستطيع أحد أن يجزم بأن «حزب الله» هو مشروع سلطة. نعم هو مشروع مقاومة وله تحالفاته الاقليمية. يستطيع الحزب أن يبرر لنفسه الولاء بالمعنى العقائدي والسياسي للولي الفقيه في طهران، مثلما يستطيع زعيم «تيار المستقبل» أن يبرر ولاءه لولي الأمر في «المملكة»، ولو أن ثمة فارقا بين هذا الولاء وذاك.
يقود ذلك موضوعيا الى الاستنتاج أن لبنان، بارادة القوتين الوازنتين فيه، جزء لا يتجزأ من الاصطفافات الاقليمية، فاذا اتفق أهل الاقليم، وخاصة أهل الرياض وطهران ودمشق، أصاب وفاقهم أهل لبنان بالخير، واذا اختلفوا، شاركهم اللبنانيون في أثمان خصومتهم. هذه هي الحال في المنطقة ولبنان منذ ثماني سنوات. ربما شكلت ظاهرة «السين سين» علامة فارقة لم يدم مفعولها أكثر من سنة، غير أن احتدام الساحات والمحاور يطرح سؤالا كبيرا عما اذا كان بالامكان الحديث عن صياغة أي علاقة لـ«حزب الله» بتيار «المستقبل» بمعزل عما يجري في الاقليم المحتدم؟
ليس خافيا على أحد أن دعوة السيد نصرالله للحوار ومد يده الى سعد الحريري لم تأت من الفراغ. صحيح أنه لدى كل طرف من الطرفين أسبابه للخصومة والقطيعة، لكن الجرأة والشجاعة، في النموذج اللبناني، تتمثل في المبادرات، فهل أقدم «حزب الله» لو لم يكن مستعدا للمضي في مبادرته؟
للحزب اسبابه. من معركة القصير الى طي ملف اسقاط النظام السوري، مرورا بكل الحراك الدولي والاقليمي الباحث عن تسوية سياسية في سوريا وليس عن حسم عسكري من هنا أو هناك.
وبمعزل عن حسابات هذه العاصمة أو الجهة أو تلك في ما يخص نتائج الانتخابات الايرانية، فان فوز الشيخ حسن روحاني، فتح بحد ذاته، نافذة اقليمية جديدة يعول عليها الجانبان الايراني والسعودي، وقد زاد منسوب التفاؤل مع اعلان السعوديين مشاركتهم في حفل تنصيب «الرئيس الاصلاحي»، وكذلك مع اعلان روحاني تدشين زياراته الاقليمية والدولية من البوابة السعودية، واضعا نصب عينيه مهمة تبديد المخاوف الخليجية وتحديدا السعودية من «الدور الايراني».
في موازاة ذلك، ستبدأ مجموعة «5+1» محادثاتها الجديدة مع إيران في أيلول المقبل قبل التئام الجمعية العامة للأمم المتحدة بمشاركة روحاني. يقول تقرير أميركي أن المجموعة «تأمل أن يقدم ذلك لروحاني فرصة اظهار وجه إيران الآخر، لتبدأ بعد ذلك خطوات بناء الثقة. ولكن الخوف يبقى في أن يصرح روحاني بما هو مطلوب، ولكن من دون أن يغير شيئاً في السياسة. وبالتالي، فإن المسؤولين الأميركيين (وليس فقط الإسرائيليين) يعتقدون أن ذلك سيؤدي إلى الحد من العقوبات الدولية».
من يقرأ زيارة رئيس الاستخبارات السعودية الأمير بندر بن سلطان الى موسكو، أمس الأول، يمكنه الاستنتاج تلقائيا، ان هكذا زيارة تحصل من دون أوهام سعودية بامكان تراجع روسيا عن خياراتها الاستراتيجية في سوريا، غير أن السؤال التلقائي، ماذا يمكن أن يحصّل السعوديون مقابل ما تسمى «التنازلات المؤلمة» في سوريا؟
قبل أن تطأ أقدام بندر أرض مطار موسكو، كان رئيس «الائتلاف السوري» أحمد الجربا يبدي استعداده للجلوس الى طاولة تفاوضية مع النظام من دون أي شروط مسبقة. كلام «الرجل السعودي» في المعارضة السورية، يتقاطع مع ابداء الكونغرس الأميركي مقاومة لقرار تسليح المعارضة السورية في ضوء «الموجز الخطير» الذي قدمته وكالة الاستخبارات الأميركية التي باتت حرة أكثر من أي وقت مضى في التعبير عن رفضها لأي تدخل في «الوحل السوري».
«لا بد من ضوء أخضر سعودي ايراني ربما تكون إحدى أبرز اشاراته رؤية بندر في طهران او من يوازيه ايرانيا في الرياض». عندها تصبح عودة سعد الحريري بمثابة تحصيل حاصل «مهما طال سفره» على حد تعبير مسؤول لبناني مواكب للاتصالات بين الحريري و«فريق 8 آذار». الصمت الحريري حتى الآن، ازاء مبادرة «حزب الله» الحوارية، فُســر ايجابيا. الإضافة التي أطلقها الرئيس نبيه بري بدعوة الحريري لترؤس حكومة انقاذية جديدة لم تأت من الفراغ.
كانت مهمة سلام تشكيل حكومة انتخابات لثلاثة أشهر. طارت الانتخابات، فتبدلت المعطيات. السعوديون يمسكون بالمعادلة طالما أن المكلف لن يؤلف، أما إذا اعتذر فلا أحد يضمن ما سيكون عليه موقف وليد جنبلاط الذي حسم أمر توريث تيمور نهائيا في مطلع العام 2014، ناهيك عن الكلفة غير المضمونة لحكومة أمر واقع قد تطيح بما يمسك به السعوديون بيدهم، وهي الحقيقة التي يدركها هؤلاء أكثر من حلفائهم اللبنانيين.. ومن هنا دعوتهم للتريث أولا وأخيرا.
يستطيع «حزب الله» أن يتباهى بتحالفه مع ميشال عون (بالمناسبة سألت مورا كونيلي «الجنرال» قبل يومين، كم خسرت من علاقتك بالسيد نصرالله، فأجابها «حوالي 80 في المئة»، وتابعت سؤالها له «وماذا عن الـ20 في المئة المتبقية»، فكان جوابه «هي نسبة ايماني الراسخة بمقاومتهم ضد اسرائيل»). نعم هو تحالف استراتيجي، غير أن طرفيه يدركان أن لا قيامة للبلد من دون «شريك سني». المعضلة نفسها يواجهها سعد الحريري وبعض حلفائه في رحلة بحثهم عن شريك شيعي وازن.
من أين يبدأ اللقاء وكيف يرمم الطرفان جسور الثقة؟
ثمة أوهام وحقائق. الأوهام من هنا أو هناك حول السلطة والسلاح لا يبددها الا الحوار.. أما الحقائق فتتحدث عن نفسها، برغم الحقيقة اللبنانية الجارحة التي تجعل أكبر زعيم أو حزب، غير قادر على اختزال البلد أو اقصاء أي من مكوناته، لا بل يمكن لأي أقلية أن تهزمه مهما امتلك وكبر.
من حق رئيس الجمهورية أن ينادي بالتمسك باعلان بعبدا ومن حق «حزب الله» أن يحمي نفسه ووجوده بقتاله في سوريا، بدل ترك اللاهثين لقطع عنقه يواجهونه في ساحته اللبنانية.. ومن حق سعد الحريري أن يشعر جمهوره أنه برغم البحر السني المحيط ببلده وبرغم كل «الثورات»، لا يستطيع أن يسمي رئيس حكومة.
لسعد الحريري أن يعود ويطمئن.. وللمقاومة أن تعيد صياغة منظومة علاقاتها الداخلية.. بما يحمي جمهورها وسلاحها ووظيفته الحقيقية في قتال العدو الاسرائيلي. هل من يسمع؟

المصدر: السفير

إضافة تعليق جديد

لا يسمح باستخدام الأحرف الانكليزية في اسم المستخدم. استخدم اسم مستخدم بالعربية

محتويات هذا الحقل سرية ولن تظهر للآخرين.

نص عادي

  • لا يسمح بوسوم HTML.
  • تفصل السطور و الفقرات تلقائيا.
  • يتم تحويل عناوين الإنترنت إلى روابط تلقائيا

تخضع التعليقات لإشراف المحرر لحمايتنا وحمايتكم من خطر محاكم الجرائم الإلكترونية. المزيد...