سوق العقارات تبشر بانخفاض الأسعار

11-06-2007

سوق العقارات تبشر بانخفاض الأسعار

تشهد سوق العقارات ركوداً ملحوظاً بعد أن وصلت الأسعار إلى حد فاق التصور وبات الحصول على مسكن حلماً يصعب تحقيقه بالنسبة لشريحة واسعة من الناس. فشقة لا تتجاوز مساحتها مئة متر لا يقل سعرها عن خمسة ملايين ليرة, هذا خارج نطاق العاصمة وفي ريف دمشق وقراها دون أن نتعرض للأسعار في العاصمة والضواحي التابعة لها. فهناك الأسعار حدث ولاحرج, وهي أضعاف ما ذكرنا وهي خارج التغطية كما يقولون, أي خارج التصور السعري والتداول من قبل الشريحة العظمى من المواطنين, لأنها تقع في خانة الخيال السكني والحلم بعيد المنال وهي مخصصة لسويات اجتماعية أفرزت نفسها من خلال امتلاكها للمال والنفوذ وسيطرتها على سوق العقارات والاتجار بكل شيء!!‏

لقد وصل ترمو متر أسعار العقارات إلى أعلى حد ولم يعد أمامه إلا الهبوط من خلال خط بياني متراجع بعد أن اكتملت الصورة على مختلف الجوانب وأصبح المشهد العقاري واضحاً وحدوده بادية للعيان.‏

فالمنطق في علم الاقتصاد غير موجود أحياناً, ولا تعترف سوق العقارات بمنطق وإلا فما معنى أن يصل سعر المتر المربع على الهيكل لمحل تجاري إلى أكثر من 130 ألف ليرة في منطقة كالكشكول التابعة لمدينة جرمانا وفي الأحياء المهملة منها التي تفتقر إلى أبسط الخدمات?!‏

مليارات الليرات وظفت في العقارات والقسم الأكبر جمد في كتل اسمنتية بانتظار جني المزيد من الأرباح.‏

ويبدو أن الأسعار كغيرها من مكونات الاقتصاد تمر بدورات صعوداً وهبوطاً فتعود بعد فترة إلى حالتها الأولى, مثلها مثل الدورات المناخية الطبيعية التي تعيد إلينا سيرتها الأولى بعد تحولات وتبدلات تخالف المألوف.‏

وكذلك الأسعار فهي الأخرى لا بد أن تعود إلى طبيعتها الأولى, لأن الركود يلفها وهي لا تعبر عن الواقع وقد فرضتها ظروف غير طبيعية نتيجة استغلال حاجة الناس للسكن في أزمة غير طبيعية أيضاً..!‏

فمنذ نحو عقد ونصف من الزمن ارتفعت أسعار العقارات آنذاك بشكل كبير يشابه وضعها الحالي, ثم ما لبثت أن انخفضت بشكل كبير أيضاً, فالمسكن الذي كان ثمنه /20/ مليون ليرة مثلاً انخفض إلى /10/ملايين ليرة, وهكذا في بقية المساكن والعقارات أي أن الارتفاع الحالي في أسعار العقارات مرشح للانخفاض إن لم يكن بنفس النسبة التي حصلت في السابق, فبنسبة كبيرة.‏

قام المستثمرون وأصحاب الأموال الذين وظفوا أموالهم في العقارات وتجارتها بفرض أسعار مزاجية لا يحكمها قانون ولا ينظمها ناظم, فوضعوا أسعاراً للشقق والبيوت والمحلات من طرف واحد, وعلى المشترين أن يخضعوا لإرادة هؤلاء المستثمرين الذين على ما يبدو أنهم غير مستعجلين على استعادة أموالهم مع الأرباح ويراهنون على ضعف الطرف الآخر وإذعانه لمشيئتهم واضطراره لدفع السعر الذي وضعوه وحددوه مهما طال الانتظار رغم أن تحديد الأسعار لا يعتمد على معايير محددة ولا على حساب تكلفة حقيقية يعتمد عليها عادة عند وضع أسعار المساكن والبيوت والمحلات التجارية.‏

فقد جرت العادة عند تسعير البيوت التي تبنى حديثاً أن يتم حساب التكلفة كثمن الأرض أو مواد البناء ومواد الكسوة وبقية مستلزمات البناء في الحالتين عندما يباع على الهيكل أو عندما يباع جاهزاً للسكن. يضاف إلى ذلك نفقات رخص البناء والرسوم البلدية وغيرها من النفقات التي يتم حسابها عند حساب تكلفة الشقة السكنية أو المحل التجاري أو المكاتب وخلافها.‏

هذا يتم في الأحوال العادية ولكن في حساب أسعار العقارات حالياً,فإن الأسعار تتضاعف عدة مرات, بحجج مختلفة كغلاء أسعار الأراضي ومواد البناء والمواد الداخلة في الكسوة وغيرها من المواد, إضافة إلى أجور العمالة والنقل والوساطة العقارية وتخليص المعاملات, كلها أمور تحسب عند تقدير التكلفة وتضرب بعشرة أمثال إن لم يكن أكثر وتكون الحصيلة أسعاراً كاوية تعلن من جانب واحد ويحددها أطراف يتحكمون بسوق العقارات تعودوا منذ زمن على جني أرباح طائلة ولا يريدون التنازل عنها أو عن جزء منها, لأن حساباتهم تتم بطريقتهم وتكاليفهم لا تخضع للمنطق وبعيدة عن الواقع.‏

ولكن إلى متى يستطيع أولئك الذين وظفوا أموالهم في تجارة العقارات الانتظار من أجل استعادة رأس المال وبالتالي تكون أرباح منتظرة يأملون أن تكون مجزية.‏

إن الانتظار طويلاً يدخلنا في مرحلة القلق ويشكل ضغطاً باتجاه التنازل عن جزء من الأرباح المنتظرة مقابل الإسراع في البيع, وهذا الوضع لا شك سيؤدي إلى انخفاض الأسعار ولو نسبياً لكسر الجمود الحاصل والركود الذي تعاني منه سوق العقارات وهو مخالف لمنطق دورة رأس المال الذي يجب أن يتجدد وينمو ويتوالد..!‏

ولا بد أن يفرض الحرص على تحريك الأموال المستثمرة وعدم تجميدها, نفسه في حركة السوق ويعيد إليها الحيوية والتجدد ومواصلة الاستثمار وتوظيف الأموال في مجالات أخرى. وقد يكون الاستثمار في العقارات أكثر أنواع الاستثمار ضماناً, فالأموال المستثمرة مضمونة ومجسدة في عقارات وأبنية ومساكن ومكاتب ومتاجر كانت أسعارها دائماً إلى ارتفاع, على عكس الأموال النقدية التي يطالها التضخم وعجز الأوعية الادخارية(المصارف) عن استثمارها وتقديم فوائد مقنعة.‏

وقد كان لتخفيض الفوائد المصرفية أثره الكبير على ابتعاد الكثيرين عن الادخار في المصارف والتوجه إلى مجال استثمارات أخرى وعلى رأسها الاستثمار في العقارات وتجارتها بيعاً وشراء وإيجاراً.‏

ولن تبقى المراهنة على استمرار أزمة السكن صالحة لمزيد من الوقت, بعد صدور تشريعات وقوانين تسمح بإقامة ضواح سكنية خارج المخططات التنظيمية وإقامة شركات عقارية عملاقة ستشتغل بالبناء وتأهيل مناطق السكن العشوائي وتطويرها وإقامة أحياء وضواح سكنية جديدة. إضافة إلى المساهمة الهامة للسكن الشبابي الذي تم الاكتتاب فيه لأكثر من 50 ألف وحدة سكنية ومازال الباب مفتوحاً أمام الشباب في مختلف المحافظات لتأمين المزيد من المساكن للأسر الفتية وللشباب الطامح إلى تأسيس أسرة يشكل المسكن أساسها المتين.‏

وينتظر الجميع صدور قانون التعاون السكني الجديد الذي ينتظره الجميع منذ أكثر من عشر سنوات والأمل معقود على الدور التشريعي التاسع لإقرار هذا القانون ومن ثم إصداره.‏

وسيساهم القانون الجديد ولا شك في توفر المزيد من المساكن في إطار التعاون السكني ومن خلال الجمعيات التعاونية السكنية التي وفرت المساكن للتعاونيين لكنها كانت تصطدم دائماً بالعراقيل والصعوبات وعلى رأسها عدم توفر الأرض الصالحة للبناء ضمن المخططات التنظيمية وصعوبة التمويل وتعقيدات القروض العقارية التي كانت عاجزة عن تمويل المسكن التعاوني.‏

والذي يؤمل أن يحلها القانون الجديد الذي ينص على تغطية كامل تكلفة الشقة السكنية ويرفع آجال القروض من /15/ سنة إلى 25 سنة ويخفض بذلك من الأقساط الشهرية المستحقة للمصرف ويخلق نوعاً من الاستقرار بأن الحصول على السكن التعاوني يمكن أن يصبح مأمولاً.‏

كل تلك الأمور, لابد أنها ستساهم في حلحلة أزمة السكن ووضع حد لها والانتهاء من مرحلة الحلم والتحول إلى واقع يعيشه الجميع بأن الحصول على المسكن حق للجميع وحاجة أساسية بعيدة عن الكماليات وسوق المتاجرة والمضاربات والاستغلال لحاجات الناس.‏

قد تتم إعاقة وعرقلة بعض القوانين والتشريعات وتفسيرها لمصلحة الآخرين وتأخير الإنجاز وخلق أزمات جديدة للاستفادة منها.‏

وإذا لم تنجح المحاولات فقد ينخرط هؤلاء في المنظومة الجديدة للسكن والاستفادة من الثغرات والتحول إلى مسارات جديدة مؤثرة على سوق العقارات كالتحكم بأسعار مواد البناء وشراء الأراضي القريبة من مواقع المشاريع السكنية والضواحي والاستفادة من كافة الفرص المتاحة, لأن هؤلاء يستطيعون أن يبدلوا لون جلودهم حسب الظروف.‏

لكن لن تستمر الأمور على حالها وستكون الغلبة للإجراءات السليمة والخطط والبرامج المستقبلية التي تهدف إلى معالجة أزمة السكن ووضع حد للمضاربات ورفع الأسعار والعودة بالأسعار إلى الحالة الطبيعية والسعر الحقيقي بعيداً عن الأسعار الوهمية.‏

عبد الحميد سليمان

المصدر: الثورة

إضافة تعليق جديد

لا يسمح باستخدام الأحرف الانكليزية في اسم المستخدم. استخدم اسم مستخدم بالعربية

محتويات هذا الحقل سرية ولن تظهر للآخرين.

نص عادي

  • لا يسمح بوسوم HTML.
  • تفصل السطور و الفقرات تلقائيا.
  • يتم تحويل عناوين الإنترنت إلى روابط تلقائيا

تخضع التعليقات لإشراف المحرر لحمايتنا وحمايتكم من خطر محاكم الجرائم الإلكترونية. المزيد...