لـغــز مكـتبــة «إيــــفـان الـرهيـــب»

19-03-2013

لـغــز مكـتبــة «إيــــفـان الـرهيـــب»

يبقى اللغز الغامض الذي يحوم حول مجموعة المخطوطات القديمة والثمينة للقيصر الروسي السابق «إيفان الرهيب»، الذي حكم روسيا القيصرية في منتصف القرن السادس عشر، الشغل الشاغل للعلماء والباحثين عن الكنوز منذ اختفائها.
لم يكن إيفان الرابع «الرهيب» المالك الأول لهذه المجموعة، لأن هذه المكتبة جمعت في بداية القرن الأول من قبل الأباطرة البيزنطيين.
ويذكر هنا أنّ العاصمة القسطنطينية، التي تدعى حالياً اسطنبول، كانت مركزاً لاستقبال المخطوطات الأكثر قيمة من جميع أنحاء العالم. فعلى سبيل المثال تم جلب مخطوطات قيمة وثمينة من مكتبة الإسكندرية الشهيرة في مصر، وفي العام 1453 استولى العثمانيون على القسطنطينية، وتم الحفاظ على هذه المكتبة بأعجوبة بعد أن تعرضت المدينة لحريق كبير.
وبعد مرور 19 عاماً، تزوجت آخر أميرة بيزنطية، واسمها صوفيا، من ايفان الثالث، جد ايفان الرابع. ومع قدوم الأميرة إلى موسكو، اصطحبت معها قافلة كبيرة، بما في ذلك تلك المجموعة الثمينة. ومنذ ذلك الحين أصبحت المخطوطات الكنز الرئيسي في المكتبة الإمبراطورية وملكاً للقياصرة في موسكو.
في الواقع، عرف «ايفان الرهيب» تاريخياً بأنه حاكم طاغية قاس في تعامله، لكنه في المقابل كان أحد أكثر الرجال المتعلمين في زمنه، وكان يتمتع بذاكرة هائلة، وذهن حاد، وكان هذا القيصر يحب الكتب، ولذلك قام باختيار المخطوطات شخصياً، وأضافها إلى مكتبته، حيث تم تخزين آلاف من المخطوطات التي لا تقدر بثمن في صناديق من الحديد، ولم يكن يسمح بالاقتراب منها إلا لشريحة محدودة من المقربين منه.
وعلى العموم، ففي سنواته الأخيرة، التي اشتهرت بغموض كبير، لم يعد القيصر يثق بأحد، وبعد وفاته المفاجئ في العام 1584، اختفت المكتبة. ومنذ ذلك الحين، أخذ الجميع يبحث عنها.
وتشير وثائق الأرشيف الروسي، التي تعود للقرن الثامن عشر، عن وجود شخص يدعى كونن اوسيبوف قد حدثه صديقه قبل وفاته عن الصناديق الثمينة، مدعياً أنها موجودة في غرفة سرية عثر عليها في احد أنفاق ممرات الكرملين. وقد قرر أوسيبوف البحث عن هذه الغرفة، ولكن النفق الذي أشار إليه صديقه كان مهدماً، ما اضطره لطلب المساعدة من السلطات حيث قام عمال الحفريات بتنظيف الممر، ولكن لم يتم العثور على أية غرفة.
وفي العام 1822 ذكر البروفسور الروسي دابيلوف، في إحدى مقالاته، عن وثيقة تتضمن لائحة مخطوطات مكتبة «ايفان الرهيب»، ما أثار فضول العلماء، لأن القائمة تحتوي على أعمال غير معروفة لفنانين كلاسيكيين من اليونان وروما، مثل أريستوفانس، وسوتونيوس، وتاسيتوس، وفيرجيل، وسيسرون، علماً أن قيمة هذا الاكتشاف لا تقدر بثمن للثقافة العالمية في يومنا هذا.
ولكن تبين في ما بعد أن دابيلوف يمتلك نسخة عن هذه الوثيقة فقط، وأن النسخة الأصلية اختفت بشكل غريب. ولم يتمكن دابيلوف من تقديم أي شرح، لأنه توفي بعد اكتشافه، والسؤال الذي يطرح نفسه هو كيف استطاع البروفسور الخبير أن يفقد مثل هذه الوثيقة الهامة؟
من جانبه، أكد عالم الآثار اغناطيوس استيليتسكي، الذي كرس حياته للبحث عن المكتبة القيصرية، للمشككين بوجود الوثيقة، بأنه في العام 1914 استطاع العثور على هذه اللائحة الغامضة، ولكنها اختفت في ظروف غامضة أيضاً. ولم تكن هناك نهاية لهذا الأمر، فقد استمر استيليتسكي، ولم يفقد الأمل، وتابع البحث بشكل منهجي وبإصرار كبيرين عن المكتبة في المقرات التي كان يعيش فيها «ايفان الرهيب».
وفي العام 1933 توجه عالم الآثار هذا بطلب للمساعدة من الزعيم السوفياتي ستالين، الذي أمر بتخصيص فريق للتنقيب والبحث، لكن جميع المساعي والجهود ذهبت أدراج الرياح.
وفي أيامنا هذه، وبالتحديد في العام 1995، شرعت حكومة موسكو بالبحث عن المكتبة، وبعد مضي أربعة أعوام من العمل المضني لم يتم العثور على شيء.
وفي هذا السياق، يتساءل عدد من المحللين والعلماء والمراقبين إن كان هناك دواع للبحث عن هذا الكنز المفقود إذ أنّ تلك المخطوطات يمكن أن تكون تعرضت للتعفن، أو للحرق، أو أنها وقعت في أيدي اللصوص. وهناك احتمال آخر كبير، وهو أن المكتبة القيصرية قد تم العثور عليها جزئياً، لأنه وبحسب أقوال العاملين في المكتبة الحكومية الروسية يوجد لديهم 600 ألف مخطوطة، منها 60 ألفا قديمة، وهذه من المتوقع أن تكون بعض من مخطوطات «ايفان الرهيب».
في المقابل، ومهما كان من أمر، فمن السابق لأوانه وضع نقطة النهاية على القصة الأسطورية، قصة المكتبة المفقودة.


(«صوت روسيا»)

إضافة تعليق جديد

لا يسمح باستخدام الأحرف الانكليزية في اسم المستخدم. استخدم اسم مستخدم بالعربية

محتويات هذا الحقل سرية ولن تظهر للآخرين.

نص عادي

  • لا يسمح بوسوم HTML.
  • تفصل السطور و الفقرات تلقائيا.
  • يتم تحويل عناوين الإنترنت إلى روابط تلقائيا

تخضع التعليقات لإشراف المحرر لحمايتنا وحمايتكم من خطر محاكم الجرائم الإلكترونية. المزيد...