نهاية العالم بين تراث الحضارات وحقائق الإيمانيات

18-06-2011

نهاية العالم بين تراث الحضارات وحقائق الإيمانيات

الإنسان يهجس بالغيب، هكذا فطر، ولو عرف الغيب لرضي بالواقع، يسعى ليعرف المستقبل وأحداثه، وكثيراً ما تكون محاولة معرفة الغيب حلوة في فمه، لأنها تطفئ نيران المعرفة، لكنها في الغالب تضحي مرة في جوفه، نتيجة علمه بالآلام التي سيعانيها في مقبل الأيام؟ في هذا السياق يأتي الحديث عن نهاية العالم والذي كثر حوله اللغط لا سيما بعد ما تردد عن اكتشاف أحد التلسكوبات التابعة للوكالة الأميركية الدولية للفضاء (ناسا) عن ظهور كوكب يعادل حجم الشمس أطلقوا عليه اسم «نيبرو» NIBIRU «وسينهي الحياة على كوكب الأرض».

ما مدى صحة هذه الرواية من خطئها؟ ما حقيقة الأمر؟ وهل الخرافة تتداخل مع العلم؟ أم إن هناك من يسعى لاستغلال الاثنين معاً لتحقيق مآربه الشخصية؟ ثم يبقى التساؤل الأولي مفتتح هذه القراءة: ماذا عن التنبؤات الإنسانية المختلفة التي تحدثت عن نهاية الحياة البشرية على كوكب الأرض والتي لا علاقة لها بما جاء في الديانات التوحيدية الثلاث لا سيما الكتب المقدسة التوارة والإنجيل والقران وفق ترتيب نزولها؟

هناك في واقع الأمر أكثر من شخص أو حضارة تنبأت بهذه النهايات ومنها:

- في عام 1890 تنبأ العراف الفرنسي الشهير نوستراداموس بأن الكواكب التابعة للمجموعة الشمسية ستضطرب بنهاية الألفية الثانية وستسبب دمار الحياة بعد 12 سنة فقط.

- وعام 1950 تنبأ عالم الرياضيات الياباني هايدو ايناكاو بأن كواكب المجموعة الشمسية ستنظم في خط واحد خلف الشمس وأن هذه الظاهرة ستصاحب بتغييرات مفاجئة وجسيمة تنهي الحياة على الأرض بحلول 2012.

- من جهة أخرى رأى علماء صينيون أن بداية نهاية العالم ستكون في 21 كانون الأول (ديسمبر) من عام 2012 حيث يكون الكوكب المجهول في أقرب نقطة له من الأرض، وفي عام 2014 سيصل الى نقطة ينتهي فيها تأثيره في الأرض مكملاً مساره الشمسي حتى يعود مرة أخرى بعد 4100 سنة.

- في الكثير من الثقافات الدينية المسيحية الغربية كان هناك من يؤمن بفكرة الملك الألفي، أي ان الحياة ستنتهي بعد ألف سنة من مولد السيد المسيح، ولما لم يحدث ذلك اعتبر هؤلاء أن الألفية الثانية هي موعد نهاية العالم واعتبر كثيرون أيضاً أن إشكالية الأرقام الصفرية الكمبيوترية هي التي ستنهي العالم لكنه لم ينتهِ.

- أما النبوءة التي سنتحدث عنها لاحقاً بالتفصيل فهي تلك التي تنتسب الى شعوب المايا والذين هم من أقدم الحضارات التي كانت موجودة في شمال غواتيمالا وما زال الهنود يحترمون تقاليد أسلافهم، والمايا قبائل هندية أسست حضارة مدنية ويقولون بنهاية العالم في 2010.

قصة «ناسا» بين الواقع والخيال

تقول القصة الرائجة أخيراً وهي غير موثقة علمياً، إن وكالة الفضاء الأميركية ناسا رصدت وجود كوكب جديد إضافة الى الكواكب الأحد عشر المتعارف عليها. ودرست الوكالة الكوكب الغامض فوجدت أنه ذو قوة مغناطيسية هائلة تعادل ما تحمله الشمس وبالتالي وجدت أن هناك مخاطر كثيرة لو اقترب من مسار الأرض.

وبعد اختبارات استمرت أكثر من خمس سنوات وجدت أن هذا الكوكب «نيبرو» سيمر بالقرب من الكرة الأرضية على مسافة تمكن سكان شرق آسيا من رؤيته بكل وضوح بل انه سيعترض مسار الأرض عام 2012 وسيتمكن جميع سكان الأرض من رؤيته وكأنه شمس أخرى.

ونظراً إلى قوته المغناطيسية الهائلة فإنه سيعمل على عكس القطبية أي ان القطب المغناطيسي الشمالي سيصبح هو القطب المغناطيسي الجنوبي، والعكس صحيح وبالتالي فإن الكرة الأرضية ستبقى تدور دورتها المعتادة حول نفسها، ولكن بالعكس حتى يبدأ الكوكب بالابتعاد عن الأرض مكملاً مساره حول الشمس. وهذا ما يقول البعض انه يفسر طلوع الشمس من مغربها كعلامة من علامات الساعة.

وتضيف الرواية ان كوكب «نيبرو» يدور حول الشمس في مسار الكواكب الأخرى نفسها ولكن على مدى أبعد إذ توصل العلماء الى ان هذا الكوكب يستغرق دورانه 4100 سنة لإكمال دورة واحدة حول الشمس أي انه قد حدث له أن أكمل دورته السابقة قبل 4100 سنة وهذا يشرح لنا سبب انقراض الديناصورات والحيوانات العملاقة قبل 4100 سنة تقريباً وانفصال القارات بعضها عن بعض. وبمرور هذا الكوكب بالقرب من الأرض سيفقد الكرة الأرضية قوتها المغناطيسية وبالتالي سيكون هناك خلل في التوازن الأرضي ما سينتج عنه زلازل هائلة وفيضانات شاسعة وتغيرات مناخية مفاجئة تقضي على سكان العالم. كما ان في هذا الوقت ستكون سرعة الرياح والأعاصير حوالى 150 ميلاً في الساعة وارتفاع الأمواج سيتعدى ثلاثة أميال.

وحتى وإن أكمل طريقه وصار على مقربة من الشمس فإنه سيؤثر في قطبيتها وبالتالي ستحدث انفجارات هائلة في الحمم الهيدروجينية على سطح الشمس ما سيؤدي الى وصول بعض الحمم الى سطح الأرض وستؤدي الى كوارث بيئية عظيمة ويتوقع ان يكون ذلك في 12/12/2012.

يعتبر روبرت سابت من جملة هؤلاء الذين يتوقعون نهاية مأسوية للعالم قريباً وقد خصص موقعاً إلكترونياً ليتحدث فيه عن نهاية العالم عام 2012. ويستند سابت الى أن شعب المايا الذي بنى حضارة قديمة وعظيمة في أميركا اللاتينية كان يتبع تقويماً ينتهي في 21 كانون الأول عام 2012. ويشير هذا التاريخ الى نهاية دورة الحياة لدى حضارة المايا التي يبلغ طولها 5126 سنة، ولطالما عرف عن ذلك الشعب شغفه بالفلك ومعرفته بتعمق. ولا يعرف بعد لماذا تم تحديد ذلك التاريخ ليكون نهاية العالم.

ويقول سابت الذي أطلق كتاباً حمل اسم «النجاة 2012»: «أعتقد أن شيئاً ما مروعاً سيحدث وإلا لماذا تركت تلك الحضارات القديمة تحذيرات مبهمة». ويضيف: «أنا هنا لا أتحدث عن نوستراداموس وتكهناته، ويذكر أيضاً أن يوم 21 كانون الأول يتوافق مع يوم انقلاب الشمس في الشتاء».

وأكثر ما يشدنا هو هذا القول ان النهاية ستكون عام 2012 بناء على إيمانهم بالتقويم (أي شعب المايا) بأن البشر يخلقون ويفنون في دورات تزيد قليلاً عن خمسة آلاف سنة، وبما أن آخر سلالة وفق وجهة نظرهم ظهرت قبل 3144 من الميلاد، فإن نهاية العالم ستكون 2012 وتحديداً قرابة 23 كانون الأول.

في الديانات التوحيدية

النظرة الكارثية لعام 2012 يمكن ملاحظتها حتى بين أتباع الديانات السماوية الثلاث، ففي حين يؤمن شعب المايا بأن البشر يخلقون ويفنون في دورات تساوي خمسة آلاف سنة، نجد توافقاً بين هذا الاعتقاد وما جاء في التوراة حول خلق الإنسان وبقائه على الأرض خمسة آلاف سنة ينتهي آخرها عام 2012.

وهذا الاعتقاد يتوافق بالتبعية مع كثير من النبوءات المسيحية التي اعتمدت على ما جاء في العهد القديم أو التوراة، ومنها نبوءات النبي دانيال أحد أنبياء بني إسرائيل عن نهاية الزمان ووفقها قد يحل يوم الغضب ومتى يدمر الله رجاسة الخراب ومتى تفك قيود القدس؟

وتشير هذه النبوءة الى ان الفترة من الكرب الى الفرج هي 45 سنة فنقول إن قياد دولة الرجاسة كانت عام 1967 وبالتالي ستكون النهاية أو بداية النهاية عام 1967 + 45 = 2012.

وهناك قس مشهور يدعى ادجار كايسي سبق ان تنبأ بانهيار البورصة الأميركية عام 1929 وادعى أن نول المسيح سيكون بعد 58 سنة من وفاته وأن العالم سينتهي حينها بزلازل وحرائق تشتعل في الوقت نفسه عام 2012.

أما الشيخ أمين جمال الدين فيقول في كتاب «عمر أمة الإسلام وقرب ظهور المهدي عليه السلام»: «أنا أميل الى القول إن عام 2012 هي النهاية وليست بداية النهاية لدولة إسرائيل، فبداية النهاية لدولة إسرائيل ستكون على يدي المهدي ومن معه ثم تكون النهاية لرجاسة الخراب على يدي عيسى عليه السلام والمؤمنين معه. والفرق الزمني بين اعتبار عام 2012 هو النهاية أو بداية النهاية هي فترة حياة المهدي وهي سبعون أو ثمانون سنة كما جاء في الأثر الصحيح.

وفي حين اعتبر البعض في العالم الإسلامي حدث 2012 مجرد خرافة قديمة لأن نهاية العالم تستند الى علامات الساعة التي لم تتحقق بعد أو يصعب تحققها فقط خلال العام أو العامين المقبلين ومنها ظهور المسيح الدجال وخروج ياجوج وماجوج وعلامات أخرى تكشف عن الانحلال الخلقي آو التفكك الساري وفق ما جاء في بعض الأحاديث الشريفة، ومع ذلك لم يخف البعض الآخر قلقه من حدوث كارثة خطيرة قد لا تفني البشر كلهم ولكن قد تسبب في فناء قسم كبير منهم.

هل قصة «نيبرو» مزيفة بالكامل؟

ربما كانت قصة كوكب «نيبرو» هذا من أصلها ضرباً من ضروب الزيف، وقد أتت تسمية «نيبرو» من روايات تنجيمية بابلية مرتبطة باسم اله يوناني قديم يدعى «ماردوخ». وقام كاتب يدعى زاخاريا سيتشن بسرد معلومات حول حضارة السومريين والتي وصفها بأنها تملك علماً واسعاً في المجال الفلكي وإن الإله نيبرو مجرد خيال أنتجه الكاتب عن تلك الحضارة ولا يوجد دليل حسي علمي يثبت هذا.

ومن جهة أخرى نفت وكالة ناسا عام 1983 ما أشيع عنها في مجلة Astrophysical بأنها اكتشفت كوكباً أو مجسماً بواسطة الأشعة الحمراء في نظامنا الشمسي، وذكرت حينها أنها اكتشفت أشياء عدة من ذلك البحث ولكنها لم تكتشف أي شيء يتعلق بمجسم له القدرات الهائلة كما وصف نيبرو أو ERIS كما أسمته الوكالة.

وقد بدأت إشاعة هذا الكوكب عند مؤلف كتاب «الكوكب الثاني عشر» زاخاريا السابق الإشارة إليه، والذي صدر عام 1976 وقام بترجمة حضارة السومريين في وصف خصائص هذا الكوكب: يدور حول الشمس مرة كل 3600 سنة، وأمور عدة أخرى مذكورة في قصة الملاح القديم التي تحدثت عن حضارة تدعى انونكاي التي أتت من الفضاء وقامت بزيارة الأرض في حقبة زمنية معينة. ثم أتت جماعة أخرى تدعي بقدسيتها وعلمها بأشياء لا يعلمها البشر وذكرت ان كوكب الأرض هو الخطر الأول الذي سيصادف نيبرو وقد خمنوا حينها ان نهاية العالم ستكون في ايار (مايو) 2003، وفشلت كل تخميناتهم وبدأوا بوضع التخمين النهائي لحادثة ارتطام الكوكب وذلك بعد نهاية تقويم Bakhtun. وينص هذا التقويم على إكمال دورة كاملة بعد 144 ألف يوم على حضارة المايا، ويصادف ذلك اليوم الذي يكمل فيه كوكب الزهرة المرتبط بحضارة المايا التاريخ ذاته الذي توقعوا فيه نهاية العالم في 21 كانون الأول 2012.

الشيء الأكيد الوحيد هو أن كل ما سبق أحاديث قابلة للشك وربما يكون البعض منها صواباً وربما يتم إخفاؤها لمصالح القوى العظمى غير أن قيام الساعة يبقى علمه عند الله وحده: «يسألونك عن الساعة أيان مرساها قل إنما علمها عند ربي لا يجليها لوقتها إلا هو ثقلت في السماوات والأرض لا تأتيكم إلا بغتة يسألونك كأنك حفي عنها قل إنما علمها عند الله. ولكن أكثر الناس لا يعلمون» الأعراف 187.

إميل أمين

المصدر: الحياة

إضافة تعليق جديد

لا يسمح باستخدام الأحرف الانكليزية في اسم المستخدم. استخدم اسم مستخدم بالعربية

محتويات هذا الحقل سرية ولن تظهر للآخرين.

نص عادي

  • لا يسمح بوسوم HTML.
  • تفصل السطور و الفقرات تلقائيا.
  • يتم تحويل عناوين الإنترنت إلى روابط تلقائيا

تخضع التعليقات لإشراف المحرر لحمايتنا وحمايتكم من خطر محاكم الجرائم الإلكترونية. المزيد...