هل يدعم بلير حربا أهلية فلسطينية؟

19-12-2006

هل يدعم بلير حربا أهلية فلسطينية؟

الجمل:   قام رئيس الوزراء البريطاني طوني بلير خلال اليومين الماضيين بزيارة إلى إسرائيل، قابل خلالها المسؤولين الإسرائيليين، وجماعة محمود عباس من الجانب الفلسطيني.
تقول الحكومة البريطانية بأن زيارة طوني بلير تهدف إلى دفع عملية سلام الشرق الأوسط، وعلى غرار القول الشائع تأتي الرياح بما لا تشتهي السفن، فقد جاءت كل التحليلات البريطانية والعالمية، بل وحتى بعض التحليلات الإسرائيلية في غير مصلحة طوني بلير.
كتب باتريك وينتور اليوم 19 كانون الأول 2006م في صحيفة الغارديان البريطانية تحليلاً حمل عنوان (بلير يقوم بالدفعة الأخيرة في الشرق الأوسط عن طريق خطة تمويل الفلسطينيين) قال فيه: إن طوني بلير قام باقتراح خطة مثيرة للجدل تهدف إلى تعزيز محمود عباس في صراعه ضد حماس، وذلك عن طريق القيام بضخ ملايين الجنيهات الاسترلينية لمحمود عباس مباشرة من بريطانيا، بحيث يتضمن ذلك دعم قدرات قوى الأمن التابعة لمحمود عباس.
وقد وصف الكاتب خطة تمويل محمود عباس بالتحرك الخطر، وذلك لأنها تمثل الإجراء الأخير الذي يحاول طوني بلير تنفيذه في المنطقة، قبل مغادرته منصب رئاسة الوزراء. كذلك يضيف الكاتب بأن هذا الإجراء سبق وأن اتفق عليه طوني بلير مع الإدارة الأمريكية.
المبلغ الذي تم الاتفاق عليه بين بلير وبوش، هو 4و13 مليون جنيه استرليني (حوالي 26 مليون دولار)، وقد تم تحديد استخداماته لتركز حصراً على الآتي:
- تمويل قوات الأمن التابعة لمحمود عباس.
- تطوير أمن المعابر مثل معبر رفح وغيرها.
- دعم قدرات الشرطة الفلسطينية.
وفي هذا الصدد يقوم حالياً السكرتير الاقتصادي لوزارة الخارجية البريطانية بزيارة لإسرائيل بهدف مناقشة التفاصيل الخاصة بتقديم هذا المبلغ، بحيث لا يتم استخدامه في الجوانب التي لا توافق عليها الحكومة الإسرائيلية.
يقول الكاتب: إن طوني بلير يواجه حالياً اتهامات داخل بريطانيا مفادها أن بلير يقوم بتمويل ودعم الميليشيات في بلد على حافة هاوية الحرب الأهلية، وبالتالي فإن طوني بلير يقوم بتوظيف المساعدات والمعونات البريطانية المخصصة لدعم السلام والاستقرار، بما يؤدي إلى الحرب الأهلية.
في صحيفة التايمز البريطانية الصادرة اليوم 19 كانون الأول 2006م، كتب ستيفن فاريل سام كواتيز تحليلاً حمل عنوان: (لا أحد يملك الفيتو لإحراز التقدم)، وقد ركّز التحليل على نقطتين فرعيتين هما:
- رفض طوني بلير لحكومة حماس.
- الزيارة أدخلت طوني بلير في دائرة الصراع على السلطة بين الفلسطينيين.
يتهم التحليل طوني بلير بالتحرك تحت غطاء سياسي بريطاني رسمي، الجانب المعلن فيه هو دعم ودفع عملية سلام الشرق الأوسط باعتبارها مطلب أخلاقي بريطاني، وذلك تنفيذاً لجانب غير معلن، غير أخلاقي يتمثل في تقديم السلاح لجماعة محمود عباس على النحو الذي يعزز قدراتها في السيطرة على الشارع الفلسطيني، وفقاً للشروط والأجندة الإسرائيلية.
ولتأكيد مسايرة طوني بلير للتوجهات الأمريكية إزاء الملف الفلسطيني أشار المقال إلى تصريح كوندوليزا رايس وزيرة الخارجية، الذي قالت فيه أنها سوف تطلب من الكونغرس الأمريكي الموافقة على تقديم عشرات الملايين من الدولارات الأمريكية من أجل تقوية وتعزيز قوات الأمن الفلسطينية التابعة لمحمود عباس، والذات تقديم الأسلحة والعتاد الكافي لاستيعاب 1000 عنصر فلسطيني جديد سوف يتم إحضارهم من بين اللاجئين الفلسطينيين الموجودين في الأردن، وافقت إسرائيل على إدخالهم المناطق الفلسطينية رغم  أنها ترفض مطلقاً عودة اللاجئين الفلسطينيين.
كذلك أشار المقال إلى اتهامات حركة حماس لطوني بلير بأنه جاء بسعي لإشعال وتأجيج نيران الفتنة والحرب الأهلية بين الفلسطينيين.
في صحيفة الاندبندنت البريطانية، جاءت المقالة الافتتاحية الرئيسية للصحيفة تحمل عنواناً نارياً يقول: (انهيار وسقوط مهمة السيد بلير التعجرفية). يبدأ المقال الإشارة إلى حديث طوني بلير بعد وقوع هجمات الحادي عشر من أيلول، والذي قال فيه: (دعونا نعيد تنظيم هذا العالم الذي يحيطنا).. ويضيف كاتب المقال بأن العالم قد بدأ يعيد تنظيم نفسه، ولكن لسوء حظ السيد طوني بلير، ليس بالطريقة التي يريدها.
ثم يحاول المقال تقديم مقاربة بين الوضع الفلسطيني والوضع العراقي، متهماً طوني بلير بالعمل إلى جانب أمريكا من أجل دفع الوضع الفلسطيني باتجاه جعله يأخذ شكل الوضع العراقي، باعتبار أن المطلوب هو تنفيذ سيناريو أن يقوم الفلسطيني بقتل الفلسطيني على غرار سيناريو قتل العراقي للعراقي الجاري حالياً.
كذلك يتطرق المقال إلى الموقف الإشكالي في سياسة طوني بلير الخارجية، بحيث يشير إلى الآتي:
- يرفض طوني بلير القيام بأي مواجهة في العراق ضد ميليشيات مقتدى الصدر، بحجة أنها تساعد وتدعم حكومة نوري المالكي، المنتخبة ديمقراطياً، وذلك على أساس اعتبارات مزاعم احترام الديمقراطية الوليدة في العراق.
- يرفض طوني بلير دعم الحكومة الفلسطينية المنتخبة ديمراطياً، ويعمل من أجل دعم جناح محمود عباس الذي يحاول تنفيذ انقلاب ضد الديمقراطية.
ومن هاتين النقطتين يشير المقال إلى إشكالية المأزق الأخلاقي الذي تواجهه سياسة طوني بلير الخارجية، وتداعياتها على المصالح البريطانية في منطقة الشرق الأوسط.
وتقول نهاية المقال: (إن مهمة بلير المتعجرفة، الهادفة والساعية لإعادة ترتيب العالم، والتي يتسول فيها بلير محمولاً على ظهر السياسة الأمريكية، قد أدت من جهة إلى تعاسة وبؤس وشقاء سكان الشرق الأوسط، ومن الجهة الأخرى إلى تشويه وتلطيخ السمعة الدولية لبريطانيا.
وأخيراً نقول: السياسة الخارجية البريطانية لم يعد لها ذلك الدور المستقل الذي كانت تتمتع به في الفترات الماضية، وقد أصبحت السياسة البريطانية تعمل كفاعل ثانوي تحت غطاء  السياسة الخارجية الأمريكية، على النحو الذي أدى لاحقاً إلى أن تفقد بريطانيا توازن (الدور) و(المكانة) في البيئة السياسية الدولية المعاصرة.
- بالنسبة لعلاقات عبر الأطلنطي، أصبح الأوروبيون يشككون بمصداقية قيام بريطانيا بدور فاعل في تعزيز استقلال السياسات الأوروبية عن السياسة الأمريكية.
- بالنسبة لمنطقة الشرق الأوسط: يمكن القول: عن تبعية السياسة الخارجية البريطانية للسياسة الأمريكية أصبحت واضحة بدءاً من عملية غزو واحتلال العراق، وحتى رحلة طوني بلير الأخيرة للأراضي المحتلة.
الأهداف الحقيقية لزيارة طوني بلير الأخيرة يمكن رصدها على النحو الآتي:
الاتفاق مع الإسرائيليين حول أجندة الصراع القادم في منطقة الشرق الأوسط:
- الملف اللبناني المتأزم.
- العدوان الإسرائيلي المرتقب ضد سوريا ولبنان، وربما إيران.
- الإبقاء على الوضع الحالي في العراق.
- إشعال فتيل الحرب الأهلية الفلسطينية.
- تنسيق عملية محاصرة الفلسطينيين في الفترة القادمة، خاصة وأن مجلس النواب الأمريكي قد أجاز ووافق بشكل نهائي على قانون مكافحة الإرهاب الفلسطيني بالصيغة التي طرحها مجلس الشيوخ وتم رفع الأمر للرئيس بوش لكي يقوم بعملية التنفيذ.
كذلك تهدف زيارة طوني بلير لتعزيز ودعم التحركات الأمريكية- الإسرائيلية، الهادفة إلى عزل سوريا، وإيران، وحماس، وحزب الله، عن طريق دعم وتعزيز تحالف الدول العربية المعتدلة، وأيضاً الاتفاق على ما هو مطلوب من الحكومة البريطانية القيام به في المرحلة القادمة، وذلك لأن قانون مكافحة الإرهاب الفلسطيني سوف يحد من تحركات الإدارة الأمريكية في الساحة الفلسطينية، وسوف تقوم بهذا الدور بريطانيا باعتبارها (البروكسي) الجديد أو الوكيل الذي سوف يتحرك في المنطقة نيابة عن الإدارة الأمريكية.


الجمل: قسم الدراسات والترجمة

إضافة تعليق جديد

لا يسمح باستخدام الأحرف الانكليزية في اسم المستخدم. استخدم اسم مستخدم بالعربية

محتويات هذا الحقل سرية ولن تظهر للآخرين.

نص عادي

  • لا يسمح بوسوم HTML.
  • تفصل السطور و الفقرات تلقائيا.
  • يتم تحويل عناوين الإنترنت إلى روابط تلقائيا

تخضع التعليقات لإشراف المحرر لحمايتنا وحمايتكم من خطر محاكم الجرائم الإلكترونية. المزيد...