أندونيسيا الفردوس المفقود لنصف مليون هولندي

27-12-2010

أندونيسيا الفردوس المفقود لنصف مليون هولندي

للحرب عواقبها، ولكن قلما جرى الحديث عن عواقب الحروب على المستعمر نفسه، كما يفعل الفيلم الهولندي «الفنادق العائلية التعاقدية – لا تنس!» حين يتحدث عما حل بالهولنديين، والهولنديين المهجنين، أو الاندو – هولنديين كما يسميهم الفيلم، الذين عادوا إلى بلادهم إثر استقلال أندونيسيا بعد استعمار دام ثلاثة قرون ونصف، ليجدوا أنفسهم لاجئين في بلادهم.
الفيلم، وهو من إخراج هيتي نايكنس – ريتل هيلمخ (2008)، وثائقي يعود إلى فترة ما بعد الحرب العالمية الثانية، عندما منحت السيادة للأندونيسيين الذين وضعوا السكان الهولنديين أمام خيار الرحيل أو البقاء كمواطنين من الدرجة الثانية. ورغم إصرارهم على البقاء يتعرّض الهولنديون للمضايقات، وصلت حسب الفيلم إلى التهديد بخطف أطفالهم.
تحمل السفن ثلاثمئة ألف اندو – هولندي لتعود بهم إلى بلادهم، ولكن هؤلاء يبدون كمقتلعين من فردوسهم المفقود إلى عالم بارد مجهول وغريب، هو في الحقيقة وطنهم الأصلي. ومن ذلك الفردوس يحمل هؤلاء صوراً ولوحات لمناظر طبيعية من أدونيسيا ظلوا يحتفظون بها إلى اليوم، مثل كل اللاجئين الذين يحتفظون بمفاتيح البيوت.
يوضع هؤلاء في ما أسمي «الفنادق العائلية التعاقدية» التي تبدو في حقيقتها أشبه بمعسكرات تفتقد لأدنى مقوّمات العيش.
يتتبع الفيلم النظرة التي جوبه بها العائدون من أدونيسيا، ويروي أحدهم كيف جوبه بوصف «القرد الذي يتحدث الهولندية»، أو «زنوج الغابة».
يتحرّك الفيلم بين فئتين من الهولنديين؛ الاندو – هولنديين وأصحاب «الفنادق العائلية التعاقدية»، بين من يحكي مأساة العيش في تلك «الفنادق»، حيث من غير المسموح نشر الغسيل أو الاستحمام أكثر من مرة في الأسبوع، أو الطهي في الغرف، ليقدم لهم طعاماً غير مطهوّ كفاية، وليقطع عنهم الماء بشكل اعتباطي ومفاجئ، وبين أصحاب «الفنادق» الذين راح بعضهم يصور تلك «الفنادق» على أنها هي الفردوس المفقود.
ويكشف الفيلم عن كتاب قدم إلى الوافدين الجدد كهدية عند استقبالهم، وهو يحمل العنوان Djangan Loepah والذي يعني «لا تنس»، ومن الواضح أن الفيلم أخذ عنوانه من هنا، والكتاب هو مجموعة توصيات تعكس النظرة إلى القادمين من أندونيسيا، إنها توصيات تأمر السكان بالغسيل والعناية بتنظيف الأظافر والأسنان، كما لو أنهم جاؤوا من عالم بدائي.
ورغم أن الفيلم يحرص على تقديم وجهتي نظر السكان والمالكين، إلا أنه يظهر وكأنه جردة حساب متأخرة مع المالكين، الذي لا هم لهم سوى الربح.
بعض هؤلاء الاندو – هولنديين ما زال إلى اليوم ينظر إلى المستعمرة الهولندية القديمة كفردوس مفقود، لكن هناك من يقول صراحة «أنا ممتنّ لسوكارنو أنه طردني، فلولاه لبقيت هناك، أما الآن فأنا في الولايات المتحدة الأميركية». لكننا نجد بين هؤلاء من يتمنى فقط لو يسمعه أحد «لم يرغب أحد بسماع قصصنا في المعسكرات، وكان ذلك مؤلماً» تقول امرأة. أما فيلم «الفنادق التعاقدية العائلية - لا تنس!» فيبدو أن لا هم له سوى أن يسمع الناس تلك القصص، حتى لو جاءت متأخرة بعض الشيء.
الأهم أن الفيلم، من حيث هو وثائقي يتوخى الموضوعية، عرض وكأنه مناظرة بين «اللاجئين» القدامى، وبين أصحاب الفنادق، أو من تبقى منهم ومن أبنائهم، فكانت الحجة بالحجة، والوثيقة بالوثيقة، والذكريات بالذكريات.
الفيلم عرض في إطار تظاهرة «الحرب وعواقبها»، التي أقامها «المعهد الهولندي للدراسات الأكاديمية» أخيراً في دمشق، وضمّ أربعة أفلام هي «دين هيلدر» للمخرجة يورين فان نيس، ويحكي قصة لقاء شقيقين بعد خروج أحدهما من السجن، ثم افتراقهما بعد أجواء مشحونة، ولقائهما من جديد.
وفيلم «النور الأبيض» لجين فان دي فيلده، الذي يحكي قصة تجنيد الأطفال في أفريقيا، عبر حكاية أب يبحث عن ابنه المختطف مع العشرات من الأطفال الأفارقة ليتم تدريبهم كجنود في معسكر تدريبي. الأب يصل في بحثه إلى عمق الأدغال وصولاً إلى مرحلة يواجه فيها واقعاً أفريقياً لا يمكن إدراكه. أما الفيلم الأخير فهو «الشتاء في زمن الحرب» للمخرج مارتن كولهوفن، وتجري أحداثه في هولندا العام 1944 أثناء الحرب العالمية الثانية، وهو يحكي قصة مراهق يتوق لفعل شيء ما للمقاومة السرية المتنامية، وهو سرعان ما يجد الطريق إلى ذلك، ليجد نفسه قد شب قبل الأوان، ويلمس الاختلاف الصارخ بين قصص المغامرات والحقيقة البشعة للحرب.

راشد عيسى

المصدر: السفير

إضافة تعليق جديد

لا يسمح باستخدام الأحرف الانكليزية في اسم المستخدم. استخدم اسم مستخدم بالعربية

محتويات هذا الحقل سرية ولن تظهر للآخرين.

نص عادي

  • لا يسمح بوسوم HTML.
  • تفصل السطور و الفقرات تلقائيا.
  • يتم تحويل عناوين الإنترنت إلى روابط تلقائيا

تخضع التعليقات لإشراف المحرر لحمايتنا وحمايتكم من خطر محاكم الجرائم الإلكترونية. المزيد...