تقييم وتحليل ورقة عمل الخبير كورديسمان حول "صندوق الشر العراقي"

11-10-2007

تقييم وتحليل ورقة عمل الخبير كورديسمان حول "صندوق الشر العراقي"

الجمل: نشر مركز الدراسات الإستراتيجية والدولية الأمريكي على موقعه الإلكتروني ورقة عمل أعدها الخبير الاستراتيجي أنطوني إتس كورديسمان، حملت عنوان: "صندوق الشر: الفيدرالية العراقية، التقسيم، الانتداب الصعب، والسياسة الأمريكية".
تناول كورديسمان موضوع ورقة العمل ضمن تسعة نقاط، يمكن استعراضها على النحو الآتي:
* إشكالية الكفاءة:
توجد أوقات لابد أن تكون فيها الدبلوماسية هادئة، ويتوجب على الولايات المتحدة أن تعترف بحدود ونهايات دورها. كذلك يجب على الولايات المتحدة أن تكون قد تعلمت بعضاً من القدرة على ضبط النفس والتواضع من جراء الأخطاء التي ارتكبتها خلال الأعوام الأربعة الماضية. وفي كل مرة كانت الولايات المتحدة تحاول تطبيق تجربة حول مصير ومستقبل العراق، دون أخذ العراقيين بالاعتبار، وكأنما العراق مكان يقطنه 28 مليوناً من الفئران البيضاء، وفي نهاية الأمر تكون النتيجة تدميره.
* خلق صندوق الشر أم فتحه؟
لا يعرف حتى الآن المدى الذي قامت الولايات المتحدة –بالنسبة إليه- بخلق صناديق الشرور وفتحها. ولكن على أية حال يمكن الإشارة إلى أبرز الشرور التي تسببت فيها أمريكا منذ أيام صدام حسين وبعده:
       * الانفصالية الكردية.
       * الانقسام السني – الشيعي.
       * تصفية الخصوم.        
       * الحرب العراقية – الإيرانية الأولى.
       * الحرب العراقية – الإيرانية.
       * نشوء وتكوين المليشيات الشيعية والسنية والكردية.
       * الإعدامات والاعتقالات والتعذيب وجرائم الاغتصاب وغير ذلك.
       * التوتر في كل دول الجوار الإقليمي العراقي.
       * تشريد وتهجير الملايين.
* الانتقال من المضمون إلى الواقع القائم:
بدلاً من تعزيز قدرة القضاء على دورة العنف والقتل والتطهير العرقي والإثني والديني، لجهة العمل من أجل تعزيز قدرة العراقيين في تقرير مستقبلهم، اتجهت الولايات المتحدة ضمن المسار الذي أفقدها القدرة والكفاءة والفعالية.
عدم الأهلية والكفاءة أصبح واضحاً في المصطلحات التي يتم تداولها في واشنطن حالياً باعتبارها تحمل الوصفة الناجعة لعلاج الداء العراقي الذي أصيبت به الولايات المتحدة، ومن أبرز هذه الوصفات:
* التقسيم: يتضمن وضع العراقيين ضمن مناطق منفصلة أشبه بـ"الكانتونات"، تتكون من: مناطق سنيّة، مناطق شيعيّة، مناطق كرديّة، ومناطق مختلفة.
* الفيدرالية: وتتضمن تحديد مناطق تُشكَّل فيها الإدارة السياسية المسيطرة عن طريق التصويت، بحيث تصبح كل منطقة عبارة عن ما يشبه الدائرة الانتخابية التي تقرر مصيرها الأغلبية الموجودة فيها، وهذا يؤدي أيضاً إلى ما يشبه حالة التقسيم، فالمناطق الكردية سوف تأتي بسلطات كردية إقليمية، ونفس الشيء بالنسبة للمناطق الشيعية والسنية، أما المناطق المختلفة فسوف تكون بمثابة المناطق الملتهبة التي تدفع إلى المزيد من الصراع والتصعيد والتوتر في العلاقات البينية العراقية – العراقية.
* الأقاليم المستقلة ذاتياً: ويتضمن تحويل العراق إلى دول صغيرة مستقلة توجد ضمن دولة شكلية واحدة. وهذا أمر يترتب عليه إضعاف القوام المركزي الموحد للعراق.
* الدول المنفصلة: ويتضمن تحويل العراق إلى عدة دول منفصلة كل واحدة منها تمثل دولة ذات سيادة قائمة بذاتها.
والمشكلة الأكبر من كل ذلك تتمثل في أن كل واحد من هذه الخيارات النظرية، تنطوي عملية فرضه وتطبيقه على أرض الواقع كمّاً هائلاً من الشرور التي لا حصر لها.
* التقسيم القسري:
يقول كورديسمان، بأن عملية التقسيم القسري رغماً عن إرادة العراقيين، قد أخذت طريقها في التحقق على أرض الواقع، وذلك برغم عدم وجود أي مؤشر يؤكد أنها سوف تجلب الأمن والاستقرار للعراق...
ويشير كوديسمان إلى الملامح العامة التي بدأت تظهر باعتبارها ستمثل الخطوط الرئيسية التي ستتم عملية تقسيم العراق على ضوئها:
       * مناطق العرب الشيعة في الجنوب.
       * مناطق العرب السنة في الوسط.
       * مناطق الأكراد في الشمال.
       * المناطق المختلفة.
ويضيف كورديسمان، استنتاجاً بأن تقسيم العراق بهذه الطريقة، وإن كان سهلاً من الناحية النظرية، فإنه في غاية الصعوبة من الناحية العملية، وذلك لأنه سوف تكون هناك الكثير من مناطق الأقليات والجيوب المنعزلة ضن المناطق الكبرى...
* تحليلات كورديسمان حول العراق: تقييم عام:
يمثل أنطوني كورديسمان واحداً من أبرز الاستراتيجيين الأمريكيين المعاصرين، وبرغم ذلك، وبرغم خبرته العالية ومهارته الفائقة، فإن تحليلاته حول الشأن العراقي، برغم كثافتها وتغطيتها لكافة الجوانب، فقد تميزت بالنتائج والاستنتاجات المتأرجحة، وعلى سبيل المثال:
·  تطرقت التحليلات كثيراً إلى مظاهر الأزمة العراقية، وإلى دور الولايات المتحدة الأمريكية في هذه الأزمة، ومسؤوليتها عن حالة الاضطراب وعدم الاستقرار الأمني... ولكنها لم تقترح ولا مرة واحدة أن الانسحاب الأمريكي الفوري هو مفتاح الحل الوحيد لهذه الأزمة...
·  برغم تناول كورديسمان المفصل والدقيق للخسائر المادية والبشرية ومعاناة العراقيين، فإن بعض تحليلاته تتحدث صراحة عن ضرورة التفاؤل باستمرارية الاحتلال الأمريكي للعراق...
·  بعض تحليلات كورديسمان يغلب عليها طابع "المناسبات"، وغالباً ما يصدرها قبل أو بعد خطابات الرئيس بوش الرئيسيّة المتعلقة بالعراق.. وتتميز هذه التحليلات بالثنائية، فقبل خطاب بوش تتحدث هذه التحليلات بتفاؤل عن استمرارية الاحتلال الأمريكي، وبعد خطاب بوش تتطرق بتشاؤم إزاء الوجود الأمريكي في العراق...
·  منهجية التحليلات التي يقدمها كورديسمان ترتبط بتطبيق منهجية حسابات تحليل الـ"فرص" والـ"مخاطر" التي تواجه الأمريكيين في العراق، وكيفية التغلب عليها، ولم يحدث ولو مرة واحدة أن قدم كورديسمان تحليلاً يوضح حسابات الـ"فرص" والـ"مخاطر" التي تواجه العراق والعراقيين من جراء استمرار الاحتلال الأمريكي!! وبالتأكيد لا يمكن الافتراض بأن هذا الأمر غائب عن إدراكه، وهو الخبير الاستراتيجي المرموق، ولكن على ما يبدو، فإنه غير راغب في طرح تحليلات تقول بأن العراقيين سوف يواجهون مخاطر كبيرة وفرصاُ ضئيلة في حالة استمرار الاحتلال الأمريكي.. وسوف يواجهون مخاطر قليلة وفرصاً أكبر في حالة إنهاء الاحتلال الأمريكي للعراق.
* الأمن الإقليمي وإشكالية احتلال العراق: حالة سوريا:
أدى قيام الولايات المتحدة باحتلال العراق، إلى اختلال معادلة توازنات الأمن الإقليمي للشرقين الأوسط والأدنى، وذلك لجهة قيام الاحتلال الأمريكي برفع مستوى الـ"مخاطر" وتقليل الـ"فرص" المتعلقة باستقرار وسلامة أمن كامل منطقتي الشرق الأوسط والأدنى.. ومن أبرز ما ترتب على ذلك:
* بالنسبة لطبيعة التهديدات: كانت التهديدات الإقليمية في دول منطقة الشرقين الأوسط والأدنى تتميز بطابعها الداخلي البيني المحدود، ولا تتجاوز الجوانب الاقتصادية والسياسية، وبكلمات أخرى كانت دول هذه المنطقة تعاني من المخاطر الاقتصادية التي لم تكن تتخطى خلافات الزعماء والقيادات، على النحو الذي يتحول في بعض الأحيان إلى تهديدات عسكرية أسفرت عن إشعال بعض الحروب الإقليمية المحدودة... وحتى هذه الحروب نفسها، ما كانت لتندلع لولا تدخل الولايات المتحدة الأمريكية، كما حدث في حالة الحرب العراقية – الإيرانية، عندما دعمت أمريكا العراق في "العلن"، وزودت إيران بالأسلحة في "السر"..
* بالنسبة للفاعلين: الفاعلون الرئيسيون في المنطقة كانوا يتمثلون حصراً في دول المنطقة، ولكن بمجيء الاحتلال الأمريكي، تزايد عدد الفاعلين وأصبح أكثر تنوعاً:
              * قوى دولية: أمريكا، والدول الحليفة لها، والمنظمات الدولية..
              * قوى إقليمية: دول المنطقة.
              * قوى محلية: المليشيات المسلحة.
ترتبط سوريا مع العراق بأكثر من عامل ورابطة، وحالياً تعتبر سوريا الأكثر معاناة وعبئاً في تحمل تداعيات الاحتلال الأمريكي في العراق، وذلك لأن العلاقات السورية – العراقية، التي كان من المفترض أن تترتب عليها الإيجابيات، أصبحت، وبكافة المقاييس، تترتب عليها المزيد من السلبيات.
* ضغوط سياسية: وتتمثل في الضغوط الدولية التي تتزعم حملتها الإدارة الأمريكية، وفقاً للمزاعم القائلة أن سوريا هي المسئولة عن المقاومة العراقية المسلحة التي ألحقت بقوات الاحتلال الأمريكي الخسائر المادية والبشرية الفادحة. كذلك، أدى وجود الاحتلال إلى دخول الإدارة الأمريكية كلاعب مباشر التأثير في توازنات العلاقات العربية – العربية، والعربية – الإيرانية، والعربية – التركية، وقد ترتب على ذلك عملية اصطفاف واسعة أدت إلى ترتيب خارطة التحالفات السياسية بين دول تابعة مؤيدة لأمريكا، ودول مستقلة رافضة للاحتلال الأمريكي، هذا، وبسبب تزعم سوريا لاستقلالية المنطقة وشعوبها عن كافة أشكال الهيمنة، فقد أصبحت هدفاً ليس لأمريكا وحسب وإنما لدول المنطق المؤيدة لأمريكا أيضاً..
* ضغوط اقتصادية: وتمثلت في الإضرار بتوازن نظام التجارة الإقليمية الذي كان موجوداً وقائماً قبل الاحتلال، بحيث أصبحت العلاقات التجارية البينية في المنطقة تخضع للاعتبارات السياسية، الأمر الذي ترتب عليه اختلال الموازين التجارية وموازين المدفوعات بين اقتصادات المنطقة..
* ضغوط اجتماعية: وتمثلت في موجات اللجوء والنزوح العراقي الهائلة، وحالياً أصبح 25% من الشعب العراقي لاجئاً في دول الجوار، وحالياً تستضيف سوريا وحدها معظم هذه النسبة، الأمر الذي ترتب عليه مزيداً من الضغوط التي أدت إلى ارتفاع الأسعار في الأسواق، والضغط على المرافق الخدمية وبالذات التعليم والصحة، وأيضاً ارتفاع استهلاك المواد الإستراتيجية كالكهرباء والمياه...
وبرغم معاناة سوريا، وبرغم التهديدات الأمريكية والدولية، وبرغم الإغراءات الأمريكية، فإن سوريا ما تزال متمسكة بموقفها الثابت القائم على اعتبارات رد الحقوق المشروعة إلى أصحابها، والذي يتمثل بوضوح في ضرورة إنهاء الاحتلال الأمريكي حتى لو كان ثمن ذلك أن يخوض العراقيون حرباً أهلية –كما يزعم الأمريكيون- وذلك لأن الوسيلة الوحيدة لإعادة الاستقرار وتحقيق الأمن في العراق هي الخروج النهائي لأمريكا من العراق وترك العراقيين لوحدهم يقررون مصيرهم ومستقبلهم... سلماً أو حرباً.


الجمل: قسم الدراسات والترجمة

إضافة تعليق جديد

لا يسمح باستخدام الأحرف الانكليزية في اسم المستخدم. استخدم اسم مستخدم بالعربية

محتويات هذا الحقل سرية ولن تظهر للآخرين.

نص عادي

  • لا يسمح بوسوم HTML.
  • تفصل السطور و الفقرات تلقائيا.
  • يتم تحويل عناوين الإنترنت إلى روابط تلقائيا

تخضع التعليقات لإشراف المحرر لحمايتنا وحمايتكم من خطر محاكم الجرائم الإلكترونية. المزيد...