10 أيام من الصمت التام

12-03-2011

10 أيام من الصمت التام

هل من الممكن البقاء على قيد الحياة بعد 10 ايام من التأمل في رياضة روحية هندية من دون التحدث او القراءة أو حتى التواصل البصري مع الآخرين؟
جلست القرفصاء في قاعة كبيرة، يحيط بي غرباء، والعرق يتصبب من وجهي. أحاول الاستغراق في التأمل لكن عقلي لا يكف عن احتساب الساعات التي امضيتها هنا (حوالى خمس ساعات) وكم يبقى من الوقت الاضافي (حوالى 100 ساعة اخرى).
انه اليوم الاول لجلسات الصمت الروحية في جوغارا في الهند. لم يُسمح لي بالكلام طيلة الايام العشرة. في الواقع، لم يكن يُسمح لي بالكثير: لا استطيع أن انظر في عيون زملائي المتأملين، أو القراءة او الكتابة او الاستماع إلى الموسيقى، بل فقط الجلوس هنا على الأرض.
ورغم اقتناعي بأن مثل هذا التأمل يفيد في تحوّلي الى شخص اكثر هدوءا وألطف واكثر قابلية للنوم، إلا انني شعرت بشيء ما ينقصني. فعادة ما يصف المشاركون في جلسات التأمل رؤيتهم للألوان وشعورهم بالنعيم وفهمهم الهادئ لتعقيدات الحياة، لكن هذه الامور لم تكن تحدث معي.
سافرت الى مركز «داما سيندو» لاختبار رياضة «فيباسانا» الروحية التي تعني «رؤية الامور كما هي»، وهي تقنية بوذية قديمة أحياها البورمي، الهندي المولد، أس أن جونكا، والتي تدرّس في 140 مركزاً في العالم: الاستيقاظ عند الرابعــة فجرا، التـأمل لنصف ساعة، تناول الفطور عند السادسة والنصف، التأمل من جديد، تناول الغداء عند الحادية عشرة ظهرا، التأمل مرة اخرى، تناول العشاء عند السادسة مساء، ثم التأمل ايضا، الإصغاء الى كلام مسجل لجونكا، وأخيراً إطفاء الانوار عند التاسعة والنصف ليلاً.
بعد مرور الساعات الخمس الاولى على التأمل، بدأت اختبر هواجس كثيرة، بعد انقطاعي في غرفة صغيرة، عن الهاتف الخلوي والكتب وموقع «تويتر» للتواصل الاجتماعي وغيرها من الامور. لم يكن الصمت المسألة الاكثر صعوبة بل الألم، نتيجة الجلوس 10 ساعات يومياً على الارض.
بعد يومين، بدأ شعور الاستسلام يظهر في القاعة الكبيرة، قبل أن يحذرنا القيّمون أن اليومين الثاني والسادس سيكونان الأصعب. شخصياً، كنت أعاني. فتقنية الـ«فيباسانا» تجعلك تدرك أوجاع جسدك من دون الاستجابة اليها، بل عليك مراقبة أفكارك والسماح لها بالمرور من دون الحديث بشأنها.
تزايد عدد المنسحبين مع مرور الوقت، فلم يكن من شيء يبعث على الأمل سوى خطابات جونكا التي تعد بالسعادة، «وتقبل الألم كما نتقبل الملذات». اما في اليوم الثامن، فتبدلت الامور بالنسبة لي، حيث اصبحت انظر الى الأشياء بفرح وتوهّج وهدوء بعيداً عن القلق والشك.. لا اعرف عملياً ما جرى لي، قد يكون رد فعل كيميائي لتجريد ذهني من المتعة وأفكارها... لكن لا يهم ...


المصدر: السفير نقلاً عن «الغارديان»

إضافة تعليق جديد

لا يسمح باستخدام الأحرف الانكليزية في اسم المستخدم. استخدم اسم مستخدم بالعربية

محتويات هذا الحقل سرية ولن تظهر للآخرين.

نص عادي

  • لا يسمح بوسوم HTML.
  • تفصل السطور و الفقرات تلقائيا.
  • يتم تحويل عناوين الإنترنت إلى روابط تلقائيا

تخضع التعليقات لإشراف المحرر لحمايتنا وحمايتكم من خطر محاكم الجرائم الإلكترونية. المزيد...