كيف توعي طفلك ضد التحرش الجنسي؟

26-08-2022

كيف توعي طفلك ضد التحرش الجنسي؟

هدى الرافعي:

جاءت الطفلة ذات الخمس سنوات إلى والديها وهي تبكي خائفة من العقاب لتحكي لهما عن تعرضها للتحرش من ابن عمها الذي يبلغ من العمر 12 عامًا وأخته التي تكبره بسنتين!

لقد أصبح التحرش بالأطفال شائعًا من قِبَل أفراد العائلة أو الخادمات أو السائقين أو المعلمين أو المدربين. ووفقًا لما ذكر موقع مصر العربية أن المركز القومي للبحوث الاجتماعية والجنائية المصري أكد أن62.6% من ضحايا التحرش والاعتداء الجنسي في مصر لا يتجاوز عمرهم الـ 20 عامًا، ونصفهم من الأطفال ما دون الـ 15عامًا.ومن هنا يهدف هذا المقال إلى تعريف المربين بكيفية توعية أطفالهم ضد التحرش الجنسي من خلال التربية الجنسية السليمة.

كيف تحدث طفلك عن خصوصية أجزاء جسمه واختلافها؟

يمكن أن تكون البداية بالحديث عن الجسم بشكل عام. قل له إن جسمه ملكه، وأنه من المهم أن يعتني به، عن طريق الأكل الصحي، والنظافة، والرياضة، وارتداء الملابس المناسبة صيفًا وشتاءً، والذهاب إلى الطبيب عندما يمرض.من الممكن إجراء حوار عن أجزاء الجسم بشكل عام، وتعريف الطفل أن لكل عضو من أعضاء جسمه وظيفة مختلفة وطريقة خاصة في التعامل معها. فهناك أجزاء ظاهرة من جسمه، وهناك أعضاء لا يصح أن يراها أو يلمسها غيره عنده، ولا يراها هو أو يلمسها عند أحد، هذه الأعضاء هي تلك التي تغطيها الملابس الداخلية. يمكن أن تساق له تلك المعلومات مثلاً في سياق أنه عندما كان صغيرًا كان أبواه يغيران له الحفاضات، ولكنه الآن كبر ولا يصح لأحد أن يطلع على كل جسمه، حتى لو كان أحد الأقارب أو مهما كان الطفل يحبه. فنعلّم الطفل أن يدخل الحمام منفردًا دون حاجة لمساعدة أحد، ونفهمه أننا نساعده حتى يتمكن من العناية بنفسه دون مساعدة، ونعوّده على إغلاق باب الحمام عليه. وهنا قد يثور التساؤل التالي:

هل نسمي الأعضاء الخاصة بأسمائها الحقيقية أم بأسماء رمزية؟

أجمعت الآراء على ضرورة تسمية أعضاء الطفل بأسمائها الحقيقية.فهناك الفَرْج الذي يتكون من قُبُل ودُبُر، القُبُل عند المرأة به فتحتان: المِهبَل وفتحة البول، وعند الرجل فتحة واحدة في القضيب. وهناك المقعدة/ المؤخرة والخصيتان والثديان. لن نحتاج إلى تعريف الطفل بكل هذه التفاصيل التشريحية مرة واحدة. فغالبًا لن نستخدم من تلك المسميات في حياتنا اليومية سوى القليل، والباقي يعرفه بالتدريج في سياق تعليمي عند تعريفه بأسماء أعضاء جسمه أو عند قراءة كتاب أو شرح معلومة معينة حسب سنه واستيعابه. وأهمية معرفة الطفل للأسماء الصحيحة لأعضائه الخاصة تتلخص في الآتي:

- التسمية الصحيحة تساعد الطفل على تقبل جسده، أما استخدام الأسماء الرمزية فيدفع الطفل إلى الاعتقاد بأن جسده شيء مخٍز أو مخجل عليه الخوف منه، مما قد يدفعه إلى الخجل من إخبارك إذا تم لمسه لمسة غير سوية، أو من سؤالك إذا خطر له سؤال في هذا الجانب فيستقي معلوماته من مصادر مشكوك في صحتها.

- التثقيف الجنسي عملية تراكمية، ولذلك فإن التسمية الصحيحة ستساعدك في إجابات تساؤلات الطفل الجنسية وهو يكبر، وفي شرح التغييرات التي تحدث للجسم عندما يوشك الطفل على البلوغ، دون تحويل الأمر إلى مزاح أو التقليل من أهميته.

- عندما يكون هناك مشكلة طبية في تلك الأعضاء يكون من الأسهل للطفل أن يخبرك أو يخبر الطبيب بدقة أكبر.

- إذا تعرض الطفل للتحرش، يكون كلامه دقيقًا وله وزن أكبر عندما يخبر شخصًا بالغًا، أو إذا تقرر تقديم بلاغ أو رفع قضية.

-إذا لم نعلم الطفل الأسماء الصحيحة في المنزل، فسوف يتعلم أسماء خاطئة خارج المنزل من الأقران أو وسائل الإعلام.

قد يخشى البعض من ترديد الطفل لتلك المسميات أمام الناس مما يسبب له الشعور بالحرج. ويمكن الوقاية من ذلك بإفهام الطفل ما ذكر سابقًا من أن هذه الأعضاء خاصة لا يراها ولا يلمسها غيره، وبالمثل لا نتحدث عنها أمام الآخرين (إلا مع الوالدين أو الطبيب في حضور الوالدين). نفهمه كذلك أنه كما أن هناك ملابس نرتديها في المنزل وأخرى خارجه، فإن هناك موضوعات يمكن أن نتحدث عنها في المنزل ولا نتحدث عنها خارجه كالحديث عن الأعضاء الخاصة وما يخص ماليات الأسرة إلخ. وإذا حدث وذكر أحد تلك الأسماء أمام الآخرين، فلننتحِ به جانبًا ونذكره بالكلام السابق دون تعنيف حتى لا يخشى الرجوع إلى الأهل عندما يكون لديه أسئلة في هذا الصدد.

كيف تعلّم طفلك الفرق بين اللمسة الآمنة واللمسة غير الآمنة؟

تتحدث أجسامنا إلينا كما تتحدث أفواهنا مع الآخرين، فتخبرنا مثلًا عندما نجوع أو نعطش أو نحتاج إلى النوم أو اللعب إلخ؛ لهذا يجب علينا الاستماع إليها.جسمنا يخبرنا بنوع اللمسات التي نتعرض لها، هناك لسمات آمنة ولمسات غير آمنة.

اللمسة الآمنة

يمكنك أن تقول للطفل «على الرغم من أنه يجب ألا ينظر أحد إلى أعضائك الخاصة أو يلمسها أو يحدثك عنها إلا أن أشخاصًا نثق بهم كالأم لا بأس أن تلمس هذه المناطق الخاصة وهي تساعدك في تبديل ملابسك أو تحميم نفسك أو دخول الحمام. الطبيب أيضًا قد يلمس تلك المناطق عندما تكون مريضًا، ولكن ذلك يتم في حضور والديك. هذه اللمسات تبقيك نظيفًا وصحيًا. عندما يحبنا أحد ويهتم بأمرنا ويلمسنا فهذه لمسة آمنة، كاحتضان ماما أو بابا أو أحد المقربين لنا، بم نشعر بعدها؟، ألا نشعر بشعور جميل؟، اللمسات الآمنة أيضًا قد تكون من الأقارب عندما يصافحوننا، وتكون لليدين والكتفين والذراعين وبصورة سريعة، ودون الحاجة لكشف أي جزء من الجسم أو رفع ملابسه عنه».

اللمسة غير الآمنة

يمكن أن نشرحها للطفل قائلين «قد تسبب لك اللمسات غير الآمنة أمراضًا أو آلامًا أو شعورًا بالخجل أو الخوف أو عدم الراحة. بعض تلك اللمسات تشمل الضرب، أو عندما يقبلك أحد وفمه تفوح منه رائحة الدخان، أو عندما يحاول شخص غريب أو من غير من يعتنون بك لمس أعضائك الخاصة، بعيدًا عن أعين الناس أو محاولًا ألا يراه أحد. قد تشعرك هذه اللمسات بإحساس لطيف لكنها لمسات غير آمنة، لأنه لا يجوز لأحد أن يمس الأعضاء الخاصة لغيره. كما أنك بعدها تشعر بالخزي والخوف. ربما يصاحب تلك اللمسات أن يطلب منك الشخص خلع ملابسك أو يجبرك على كشف أعضائك الخاصة. يجب أن نخبر الآخرين فورًا عندما تشعرنا لمستهم بعدم الارتياح». كما يجب تعليم الطفل من له أن يقبله، والأماكن التي يمكن التقبيل فيها.

وللتحرش أشكال كثيرة غير ما ذكر أعلاه، مثل: كشف الأعضاء التناسلية أو تعمد ملامستها/ إجبار الطفل على ملامسة أعضائه الخاصة، أو التلفظ بألفاظ فاضحة/ حث الطفل على ملامسة أو ملاطفة جسدية خاصة لشخص آخر/ التلصص على الطفل/ تعريض الطفل لصور أو أفلام فاضحة من خلال التفاعل المباشر أو من خلال الإنترنت/ التحديق في جسم الطفل، أو إبداء الملاحظات الجنسية على جسمه أو ملابسه، أو إلقاء النكات الجنسية/ الاغتصاب في صوره الطبيعية والشاذة.

الشاشات أيضًا قد تكون متحرشًا. لذلك يجب ترشيد مشاهدة التليفزيون واستخدام الإنترنت، ومراقبة استخدام الطفل لهما؛ لأن إدمان المشاهدة يولد الرغبة في الفعل، فيكون لدى الطفل استعداد لقبول التحرش دون وعي. وإن وجدت طفلك يتصفح موقعًا إباحيًا، حاول أن تتجنب الغضب، ففضوله أمر طبيعي، ولكنك تحتاج أن توضح له أن هذا يتنافى مع تعاليم الدين الذي يأمرنا بستر العورات وعدم النظر إليها. أدن الفعل ولكن لا تدنه شخصيًا. وحاول أن تحمّل التطبيقات التي تساعدك أن تكون أكثر تحكمًا فيما يشاهده.

كيف تعلم طفلك الحفاظ على سلامته مع الغرباء؟

الغرباء هم الأشخاص الذين لم نقابلهم قط من قبل، معظمهم طيبون، ولكن ليس كلهم كذلك. بعض البالغين يمكنك الوثوق بهم مثل الوالدين وبعض الأقارب وبعض المدرسين، ..إلخ. تناقش مع طفلك حول الأشخاص الذين يمكنه الوثوق بهم ومواصفاتهم. على الجانب الآخر، بعض الغرباء قد يستخدمون حيلًا للتقرب من الأطفال ثم يؤذونهم. بعض هذه الحيل مثل:

- تخويف الطفل أو تهديده بأن أحدًا لن يصدقه، أو محاولة إيهامه أن هذا الفعل عادي أو أنه خطؤه.

- طلب المساعدة (التي غالبًا ما تتطلب من الطفل الذهاب مع المتحرش إلى مكان آخر) كالبحث عن حيوانه الأليف، أو سؤاله عن الطريق، أو حمل أشيائه معه، ..إلخ. لنفهم الطفل أن الأشخاص المحترمين يطلبون تلك المساعدات من الكبار لا من الأطفال، وأن هذا يختلف عن مساعدة أفراد الأسرة بعضهم لبعض.

إثارة تعاطف الطفل بأن يكون لطيفًا جدًا معه، فيقدم له الهدايا والحلوى، ويأخذه إلى أماكن يحبها ويلعب فيها، ثم يتحرش به، وبعدها قد يعتذر متحججًا بأنه يشعر بالوحدة أو الخوف.

- وحتى يحافظ الطفل على سلامته من الغرباء يمكننا أن نرشده إلى بعض الاحتياطات على النحو التالي:

- ألا يأخذ أي شيء من أي أحد لا يعرفه، وألا يتحدث مع الغرباء أو يرد على أسئلتهم دون إذن والديه.

- ألا يذهب لأي مكان مع أشخاص لا يعرفهم، وألا يركب سيارة مع أحد الغرباء أو يدخل منزله.

- أن يحرص على البقاء في مجموعات والسير في شوارع مزدحمة بالناس، فهناك بعض الأشخاص الذين يبحثون عن الأطفال الذين يسيرون بمفردهم. وعلى الأبوين الحرص على عدم انفراد أحد بالطفل، خاصة الخدم والسائقين، ويفضل عدم ذهاب الطفل إلى الحضانة حتى يتمكن من الكلام وفهم توجيهات الوالدين (غالبًا من 2 إلى 5 سنوات). ومع تقدمه في السن وتزايد إدراكه نشرح له أحكام الخلوة بأجنبي.

- أن يحافظ على مسافة آمنة بينه وبين الآخرين، ويدخل في ذلك التفرقة بين الأبناء في المضاجع عند بلوغهم العاشرة سدًا للذرائع، عن طريق النوم خلف خلاف، أو استخدام كل منهم لغطاء منفصل، أو وضع حائل بينهم.

علم طفلك الفرق بين الهدايا الجيدة (الحلوة) والهدايا السيئة (الوحشة): يمكنك أن تقول له «الهدايا الجيدة تكون بمناسبة نجاحك أو العيد أو يوم ميلادك، وهي تشعرنا بالسعادة، ونقبلها. الهدايا السيئة يجب أن نرفضها، وذلك إذا حاول من أعطاك هدية أن يقوم بشيء خطأ بعدها كأن يلمس أعضاءك الخاصة أو يريك أعضاءه، ..إلخ، أو طلب منك ألا تخبر أحدًا عن الهدية».

- علمه كذلك قراءة نظرات العيون ونبرات الصوت، وقد يساعدك هذا المقطع في شرح تلك المفاهيم:

علم طفلك كيف يتصرف إذا تعرض لمحاولة اعتداء

- علم طفلك إذا أراد شخص أن يتحرش به، أو يطلب منه أن يفعل شيئًا خطأ كالتدخين، أن يقف منتصبًا، وبصوت مرتفع وواضح أن يقول “لا”، وأن يجري ويصرخ طالبًا المساعدة من شخص كبير يثق به، وأن يستمر في إخباره بما حدث حتى يستمع إليه، وأن يذهب إلى غيره إذا لم يسمعه أو لم يصدقه. وذلك حتى لا يؤذيه مجددًا ولا يؤذي غيره من الأطفال. أكد لطفلك أحقيته في حماية جسده، وأن تعرضه للإيذاء لا يعني أنه شخص سيئ، فهذا خطأ الشخص المعتدي ولا ذنب للطفل في ذلك. واحرص على أن تبني مع طفلك علاقة قائمة على الحب والصداقة، وعوّده على رواية أي موقف يحدث له بالتفصيل دون عقاب أو زجر. واحرص على فحص جسد الطفل يوميًا أثناء تحميمه أو تغيير ملابسه لكشف أي آثار لكدمات أو خمش، وفحص ملابسه الداخلية والتأكد من خلوها من الشعر أو أي إفرازات غريبة وخلافه.

توعية الطفل بالموضوعات السابقة يمكن أن تبدأ في سن الثالثة تقريبًا حيث تكون قدرة الطفل على الاستيعاب جيدة، وتتدرج في كمية ونوعية المعلومات التي نقدمها حسب سن الطفل واستيعابه. لذا، اشعر بالحرية في أن تبسط المعلومات المقدمة في المقال من حيث لغتها أو تفاصيلها بما يناسب طفلك. ويلاحظ أن التربية الجنسية لا تأتي في صورة محاضرة، بل تكون تلقائية، فالمربي الماهر هو الذي يقتنص الفرص ليحولها إلى مجالات تعليمية، مع العلم بأن الفرص غالبًا ما تأتي في أوقات غير متوقعة؛ مثل دخول الحمام، أو التعليق على مشاهد في التليفزيون، أو التعليق على مظاهر الحمل والرضاعة أو عضو جنسي للحيوان، أو تحميم الأخ الأصغر أو تبديل غياراته، أو سيدة حامل أو ترضع طفلها، أو أثناء قراءة القصص، ..إلخ. ومن الكتب المخصصة للأطفال في التوعية ضد التحرش الجنسي، والتي يمكنك أن تستعين بها: نحن مميزون، سلامتك عند التعامل مع الغرباء، لا تتكلم مع الغرباء يا ويني، وكلها من إصدارات نهضة مصر.

إن التثقيف الجنسي للأطفال لا يقصد به الإباحية وإلغاء القيود على محادثاتهم وتعاملاتهم، بل تهذيبها. وقد كان السبب في اتجاه الغرب نحو وضع منهج للتربية الجنسية في المدارس يعود إلى رغبتهم في منع الممارسات الجنسية غير القانونية أو الشرعية في مجتمعاتهم، وحماية من هم دون سن الزواج من التحرش. ولا يحدث ذلك بالتعتيم، بل بالعلم الذي يمحو الجهل ويلبي الفضول الذي قد يؤدي إلى هوجائية التصرفات، وهذا ما تؤكده البحوث والدراسات الاجتماعية الحديثة التي قامت بها منظمة اليونيسكو (2007) حيث أثبتت أن التربية الجنسية تؤدي إلى تأخير ظهور السلوك الجنسي عند الأطفال واتسامه بمزيد من المسؤولية.

إضاءات

إضافة تعليق جديد

لا يسمح باستخدام الأحرف الانكليزية في اسم المستخدم. استخدم اسم مستخدم بالعربية

محتويات هذا الحقل سرية ولن تظهر للآخرين.

نص عادي

  • لا يسمح بوسوم HTML.
  • تفصل السطور و الفقرات تلقائيا.
  • يتم تحويل عناوين الإنترنت إلى روابط تلقائيا

تخضع التعليقات لإشراف المحرر لحمايتنا وحمايتكم من خطر محاكم الجرائم الإلكترونية. المزيد...