أين يكمن مقتل مؤتمر أنابوليس للسلام

20-11-2007

أين يكمن مقتل مؤتمر أنابوليس للسلام

الجمل: من السهل بمكان أن نقدر كم كانت هجمات الحادي عشر من أيلول مؤلمة بالنسبة للولايات المتحدة، ولكن من الصعب جداً أن نفهم الحجم الكبير من الوقائع والأحداث  المتعلقة بالحرب الواسعة المفتوحة التي قامت الإدارة الأمريكية بشنها ضد العالم ضمن عملية رد الفعل والانتقام والقصاص للهجمات التي استهدفت مبنى برج التجارة العالمي ومبنى البنتاغون..
* الرهانات الأمريكية (ما وراء السقف المفتوح):
ضمن الفجوة الكبيرة بين الفعل العدواني (تنظيم القاعدة)، والفعل الانتقامي (إدارة بوش)، تكمن العديد من الأسئلة حول الرهانات الأمريكية إزاء منطقة الشرق الأوسط، فقد وقفت الإدارات الأمريكية -كما لم يقف أحد من قبل- إلى جانب إسرائيل، وظلت الإدارات الأمريكية تقدم تأييدها المطلق لإسرائيل، دون التقيد بأي موقف أخلاقي أو حتى معياري يرتبط بالعدالة والنزاهة، فأمريكا تقف إلى جانب إسرائيل ظالمة ومظلومة.
ما هي المصالح الإسرائيلية في أمريكا؟ وكيف ينظر الإسرائيليون إلى أمريكا؟ الجواب بكل وضوح هو أن المصالح الإسرائيلية معلقة على كتف أمريكا، وينظر الإسرائيليون بوضوح إلى أن وجودهم يرتبط بالدعم الأمريكي، وقد أكدت الإحصائيات أن توقف الدعم المالي الأمريكي لإسرائيل لخمس سنوات سوف يؤدي تلقائياً إلى انهيار كامل إسرائيل.
ما هي المصالح الأمريكية في إسرائيل؟ وكيف ينظر الأمريكيون إلى إسرائيل؟ والجواب بكل وضوح لا توجد مصالح أمريكية في إسرائيل، أما كيف ينظر الأمريكيون إلى إسرائيل فهي اللغز والأمر المحير.
حتى الآن لا توجد إجابة جامعة مانعة، غير تلك التي وردت في كتاب السياسي الأمريكي بول فندلي الذي حمل عنوان "من يجرؤ على الكلام؟"، والدراسة التي أعدها البروفسوران الأمريكيان جون مارشايمر وستيفن والت، حول اللوبي الإسرائيلي وسيطرته على السياسة الخارجية الأمريكية.
* محور "تل أبيب - واشنطن": من صيف حزب الله إلى شتاء المحافظين الجدد:
راهن محور "تل أبيب – واشنطن" على العمل العسكري ضد حزب الله في صيف العام 2006م، ولكن حرارة الصيف في جنوب لبنان كانت أقوى من قدرة تحمل دبابات «الميركافا» الإسرائيلية، ولم تحقق العملية العسكرية أهدافها، التي كان القضاء على حزب الله يمثل الخطوة الأولى التي يتوجب أن تأتي بعدها الخطوات الثانية..
وعلى خلفية صعود الديمقراطيين إلى الكونغرس، بدأت الأوضاع تسوء بالنسبة لمحور تل أبيب – واشنطن، وتل أبيب أصبحت ضعيفة الشعبية بسبب الهزيمة العسكرية ومزعزعة الاستقرار بسبب تقرير فينوغراد، أما واشنطن فأصبحت لا تجد حرية الانطلاق التي سبق أن وجدتها نهاية عام 2001م عند غزو أفغانستان، ومطلع عام 2003م عند غزو العراق، وذلك بسبب القيود التشريعية المفروضة عن طريق الكونغرس.
وعندما دخل صيف عام 2007م، فقد محور تل أبيب – واشنطن الأمل في القيام بعمل عسكري جديد، وجاءت في 6 حزيران 2007م عبارات الرئيس بوش وهي تحمل رغبة الإدارة الأمريكية في التصدي لعملية السلام في الشرق الأوسط ضمن اجتماع أنابوليس الذي سوف يعقد هذا الشتاء بإشراف معلن من الإدارة الأمريكية وإشراف غير معلن من جماعة المحافظين الجدد.
* مؤتمر سلام أنابوليس وإشكالية القراءة:
مقتل مؤتمر سلام أنابوليس يكمن في البون الواسع بين الواقع الميداني وأجندة المؤتمر، بكلمات أخرى:
• الاحتلال الإسرائيلي للجولان السوري يمثل أحد المشاكل الميدانية، وفي أجندة المؤتمر لم يتم وضع مشكلة الجولان.
• قضية القدس تمثل أحد المشاكل الميدانية وفي أجندة المؤتمر لن يتم التطرق لموضوع القدس لأن البرلمان الإسرائيلي (الكنيست) أكد مرة أخرى على ما سبق أن قامت الحكومة الإسرائيلية به في الماضي عندما أعلنت القدس عاصمة أبدية لإسرائيل.
• قضية حدود إسرائيل لم يتم وضعها ضمن أجندة المؤتمر علماً بأنها تمثل الحد الفاصل بين إسرائيل والآخرين.
• الدولة الفلسطينية المستقلة لم يتم وضع قيامها في أجندة المؤتمر علماً بأنها تمثل جوهر الصراع الفلسطيني – الإسرائيلي.
• حق العودة للاجئين الفلسطينيين، أيضاً لم يتم وضعه في الأجندة علماً بأن أكثر من ثلثي الشعب الفلسطيني تعيش مشردة في الخارج.
والآن بات من الصعوبة بمكان على معظم المراقبين والمحللين (بما في ذلك المؤيدين لإسرائيل)، أن يتكهنوا ما يمكن أن يحدث في المؤتمر، إضافة لذلك فقد أصبحت تصريحات كبار المسؤولين الإسرائيليين والأمريكيين أكثر تضارباً وعدم ثقة.
* الصراع حول أنابوليس أم الصراع من أجل أنابوليس:
الخلافات داخل الإدارة الأمريكية بين فريق المواجهة بالوسائل الدبلوماسية الذي يقوده محور رايس – غاتز، وفريق المواجهة الذي يقوده ديك تشيني، وتداعيات هذه الخلافات على توازنات القرار في البيت الأبيض الأمريكي.
صارع محور رايس – غاتز من أجل مؤتمر أنابوليس، وبسبب عوامل الضعف التي ألمت بالإدارة الأمريكية نجح هذا المحور في التقدم على الطريق الذي شارف الوصول إلى أنابوليس، ولكن عندما أعلن الرئيس بوش في 16 أيلول الماضي عن الدعوة لإقامة المؤتمر لم يستسلم فريق تشيني وإنما تحول من تكتيك الممانعة لقيام المؤتمر إلى تكتيك الممانعة لنجاح المؤتمر.
وهكذا، تحولت نظرية المؤامرة من سيناريو إلى سيناريو، وبدأت المعالم والمؤشرات البارزة لإفشال المؤتمر على النحو التالي:
• عدم إدراج المشاكل الحقيقية ضمن أجندة المؤتمر.
• تغييب أطراف الصراع الحقيقية عن المؤتمر.
* ما معنى تغييب قضية الجولان عن أجندة أنابوليس؟
توقيع الرئيس المصري أنور السادات على اتفاقية كامب ديفيد، وتوقيع الزعيم الفلسطيني ياسر عرفات على اتفاقية أوسلو، وتوقيع الملك الأردني الحسين بن طلال على اتفاقية وادي عربة، تمثل مجتمعة ثلاثة توقيعات ترتبت عليها النتائج التالية:
بالنسبة لأصحاب التوقيعات:
• خروج مصر من حلبة الصراع العربي – الإسرائيلي.
• خروج الأردن من حلبة الصراع العربي – الإسرائيلي.
• إبقاء الإسرائيليين للزعيم الراحل المسموم ياسر عرفات وحركة فتح ضمن ما عرف بـ"المنزلة بين المنزلتين"، وهي ليست المنزلة التي تحدث عنها شيخ المعتزلة واصل بن عطاء، وإنما هي المنزلة التي وضع فيها إرييل شارون وجهاز الموساد معسكر ياسر عرفات خلال فترة حصار الدبابات الإسرائيلية لمقر السلطة الفلسطينية في رام الله.
بالنسبة لأنصار الحقوق العادلة:
• حزم سوريا لأمرها بالاعتماد على نفسها أولاً، وعلى الشارع العربي المؤيد لها، والرأي العام المستنير.
• حزم المقاومة اللبنانية لأمرها بالاعتماد على نفسها وعلى التحالف مع سوريا من أجل مواجهة الاحتلال الإسرائيلي لجنوب لبنان.
• حزم المقاومة الفلسطينية لأمرها بعدم الاعتماد على ياسر عرفات والاعتماد على نفسها حصراً وعلى التحالف مع سوريا من أجل مواجهة الاحتلال الإسرائيلي للأراضي الفلسطينية.
* مصير سلام أنابوليس:
حتى الآن لم تُعرَف الأطراف العربية التي سوف تشارك في المؤتمر، وحتى الآن لم يعلن أي طرف عربي بوضوح عن مشاركته في المؤتمر.
برغم ذلك، أعلنت إسرائيل رسمياً اليوم بأن الوفد الإسرائيلي الذي سيشارك في مؤتمر أنابوليس سوف يكون مكوناً من:
• إيهود أولمرت رئيس الوزراء.
• تسيبي ليفني وزيرة الخارجية.
• إيهود باراك وزير الدفاع.
وسوف يغادر الوفد تل أبيب مساء السبت القادم متوجهاً إلى واشنطن، ومن ثم إلى أنابوليس في ولاية ميرلاند الأمريكية لحضور المؤتمر.
تقول صحيفة يديعوت أحرونوت الإسرائيلية بأن الثلاثي الإسرائيلي سوف يتحرك مغادراً إسرائيل على متن طائرة إيرباص خصصت لنقل الوفد والمرافقين له. وتقول المعلومات بأن طائرة الإيرباص سوف تكون ممتلئة بالمراسلين الأمنيين والمستشارين العسكريين والسياسيين ومراسلي الصحافة الإسرائيلية والأجنبية.
عموماً، تبنى العقل اليهودي أساطير السماء عن طريق محاولة إقامة الدولة التي أوردتها هذه الأساطير على الأرض، وذلك في أكبر محاولة للـ"تنزيل" المثالي من السماء إلى الأرض، ونجح اليهود في إرغام الرئيس المصري أنور السادات والملك الأردني الحسين بن طلال والزعيم الفلسطيني ياسر عرفات على التوقيع اعترافاً بهذا المشروع الأسطوري، ولكن جورج بوش وإيهود أولمرت يعملان حالياً ليس إلى نقل إسرائيل من الأرض إلى السماء بل إلى نقل كامل قضية "الحقوق العربية" من الأرض إلى السماء، وذلك عبر مدينة أنابوليس التي سوف يقوم فيها بوش – أولمرت بدور عزرائيل الذي سوف يقبض على روح قضية الحقوق العربية ويصعد بها معرجاً إلى السماء.
بكلمات أخرى، ولتتضح الصورة أكثر نشير إلى الآتي:
• يعرف كل العالم بأن صراع سوريا مع إسرائيل هو بسبب احتلال إسرائيل لأراضي هضبة الجولان السورية، والآن في مؤتمر سلام أنابوليس للشرق الأوسط، هل تستطيع سوريا المشاركة دون أن تتطرق أجندة المؤتمر إلى قضية الجولان المحتل باعتبارها سبب مشكلة سوريا مع إسرائيل؟ والإجابة بالتأكيد تتمثل في أن مشاركة سوريا في مؤتمر أنابوليس الذي لا يدرج قضية الجولان في أجندته يعني اعتراف سوريا أمام العالم بأن الجولان ليس من بين قضايا الشرق الأوسط.
• في بداية الأمر كان عدم دعوة سوريا لحضور المؤتمر يقصد منه تغييب سوريا بالكامل عن دائرة الصراع الذي تعتبر سوريا الطرف الأكثر حساسية فيه، ولاحقاً عندما تبين لإدارة بوش أن عدم حضور سوريا سوف يؤدي إلى فشل المؤتمر، بدأت الإدارة الأمريكية مساراً جديداً لدعوة سوريا حضور المؤتمر لكن بشرط أن لا يتطرق المؤتمر لمناقشة قضية سوريا،وذلك على النحو الذي يؤدي إلى إفراغ مضمون سلام الشرق الأوسط من سوريا، والتي بدونها لا سلام لا في الشرق الأوسط ولا في غيره.

 

الجمل: قسم الدراسات والترجمة

إضافة تعليق جديد

لا يسمح باستخدام الأحرف الانكليزية في اسم المستخدم. استخدم اسم مستخدم بالعربية

محتويات هذا الحقل سرية ولن تظهر للآخرين.

نص عادي

  • لا يسمح بوسوم HTML.
  • تفصل السطور و الفقرات تلقائيا.
  • يتم تحويل عناوين الإنترنت إلى روابط تلقائيا

تخضع التعليقات لإشراف المحرر لحمايتنا وحمايتكم من خطر محاكم الجرائم الإلكترونية. المزيد...