أبعاد الدور الإقليمي المصري في مرحلة ما بعد الحرب الباردة

08-04-2008

أبعاد الدور الإقليمي المصري في مرحلة ما بعد الحرب الباردة

الجمل: تردد الأخبار والمعلومات بكثافة هذه الأيام عن التحركات المصرية والجهود التي تقوم بها القاهرة من أجل حل مشاكل الشرق الأوسط العالقة، وبرغم اهتمام التحليلات، وعلى وجه الخصوص التحليلات المصرية بإبراز الدور المصري وجهود القاهرة.
* أبرز التساؤلات حول الدور المصري:
برغم توقيع القاهرة على اتفاقية كامب ديفيد التي أخرجتها من دائرة المواجهة في الصراع العربي – الإسرائيلي، فقد ظلت القاهرة تحاول القيام بدور إقليمي يحفظ لها مكانتها ووزنها من خطر التآكل والانجراف بفعل تداعيات بنود اتفاقيات كامب ديفيد وما ألقته على عاتق القاهرة من مشروطيات رسمت وحددت الهامش المتاح لحريتها في المجال الجيوسياسي الشرق أوسطي.
تحليل الأداء السلوكي للسياسة الخارجية المصرية يشير إلى أن مصر لم تعد تقوم بـ"دور الطرف الثاني" في الصراع، وإنما تخطت ذلك أصبحت تقوم بـ"دور الطرف الثالث"، ومن المعلوم أن دور الطرف الثاني يختلف عن دور الطرف الثالث لجهة تركيز الطرف الثالث على التوسط بين أطراف الصراع أو التأثير على مجريات الصراع.
* هل تستطيع مصر القيام بدور الطرف الثالث؟
القيام بدور الطرف الثالث في الصراع لا يتم بالتصريحات الإعلامية، أو إرسال الوفود والمبعوثين، وعقد اللقاءات والاجتماعات، وإنما هو دور يحتاج إلى المزيد من المزايا التي تعطي هذا الطرف الوزن الجيوبوليتيكي الذي يؤهله للتدخل والتأثير في إدارة الصراع.
وبرغم تقديرنا لطموحات القاهرة الهادفة إلى الحفاظ على وزنها ومكانتها الإقليمية الشرق أوسطية، فإن هناك جملة أشياء تعرقلها في القيام بذلك في ما يتعلق بالصراع العربي – الإسرائيلي، من أبرزها:
• الارتباط باتفاقيات ملزمة مع أحد أطراف الصراع وهو إسرائيل.
• الاعتماد على الولايات المتحدة (حليفة وشريكة إسرائيل الرئيسية) في الحصول على الدعم والمعونات والمنح التي تؤمن استقرار النظام في القاهرة.
وقد ترتب على هذين العاملين الاندماج المباشر لأجندة السياسة الخارجية المصرية ضمن أجندة السياسة الخارجية الأمريكية، والاندماج غير المباشر لهذه الأجندة ضمن أجندة السياسة الخارجية الإسرائيلية، بسبب الارتباط الوثيق بين السياسة الخارجية الأمريكية والسياسة الخارجية الإسرائيلية.
* أبعاد الدور الإقليمي المصري في مرحلة ما بعد الحرب الباردة:
برغم خلافات القاهرة – موسكو خلال الحرب الباردة، فإن مصر كانت تتمتع بمركز قوي نسبياً بسبب مخاوف الأمريكيين والإسرائيليين من ارتداد مصر إلى التحالف مع المعسكر الشرقي، وكان محور واشنطن – تل أبيب أكثر استجابة لمطالب القاهرة.
ولكن بعد انتهاء الحرب الباردة وتفكك المعسكر الشرقي، زالت مخاوف الإسرائيليين والأمريكيين إزاء احتمالات ارتداد القاهرة، وأصبح محور تل أبيب- واشنطن يدرك تماماً أن مستقبل النظام المصري أصبح في يد واشنطن، وبعد ذلك بدأت عناصر استخدام القاهرة في لعبة شرق أوسط ما بعد الحرب الباردة، ومن أبرز قواعد هذه اللعبة:
• تقليل هامش حرية الحركة للسياسية الخارجية المصرية في المنطقة.
• استخدام القاهرة كقناة لنقل الرسائل والإشارات إلى أطراف الصراع.
• استخدام القاهرة كمركز لبناء تحالف عربي أكثر ميلاً للتعامل مع أمريكا.
• استخدام القاهرة كمركز يمهد للتطبيع العربي – الإسرائيلي، وفقاً لصيغة السلام مقابل السلام، ودون أي تقيد بصيغة الأرض مقابل السلام.
• استخدام واشنطن – تل أبيب لسياسة العصا والجزرة في توجيه القاهرة، فالمعونات الأمريكية تمثل الجزرة وقطع هذه المعونات يمثل العصا عندما لا يتم إنجاز ما هو مطلوب.
* آفاق الدور الإقليمي المصري:
يرتبط الدور الإقليمي المصري في منطقة الشرق الأوسط بجملة من المحددات والمعطيات التي تشكل مستقبله، من أبرزها:
• حجم الطموحات الإقليمية المصرية ومدى قدرة القاهرة على تحقيقها.
• تأثير الأمر الواقع القائم على هذا الدور وتداعيات الشراكة المصرية – الأمريكية.
• القوة العسكرية المصرية ووزنها في مرحلة ما بعد الحرب الباردة ومدى قدرتها على التكيف مع المهددات الشرق أوسطية الجديدة.
• طبيعة ومستقبل العلاقات الأمريكية – المصرية.
وبالتدقيق في هذه المحددات والعناصر نلاحظ ما يلي:
• بالنسبة للطموحات المصرية، ما تزال القاهرة تنظر لنفسها باعتبارها العاصمة ذات الوزن الاستراتيجي في الشرق الأوسط، ولكن هذا الإدراك المفرط كما هو واضح، لا يصاحبه إدراك حقيقي بمدى قدرة القاهرة فعلاً على القيام بتحقيق هذا الطموح، الذي كان للقاهرة قبل اتفاقيات كامب ديفيد، ولكنه أصبح بعيداً وفي منأى عن تناولها بعد اتفاقيات كامب ديفيد.
• بالنسبة لتأثير الوضع القائم، نلاحظ أن القاهرة لم تعد تملك القوة اللازمة للضغط على إسرائيل أو على أمريكا، وفقط يتم استخدامها بواسطة محور واشنطن – تل أبيب لممارسة الضغوط على خصوم إسرائيل في المنطقة.
• بالنسبة للقوة العسكرية المصرية نلاحظ أنها تراجعت كثيراً، وذلك لسبب رئيسي لا يتعلق بالعتاد العسكري الكبير الذي حصلت عليه مصر عن طريق الدعم والمعونات الأمريكية، وإنما بسبب تراجع المذهبية العقيدية والقتالية المصرية. بكلمات أخرى، كان المصدر الرئيسي لقوة مصر العسكرية قبل اتفاقيات كامب ديفيد يتمثل في الوضوح الاستراتيجي الذي تعرف به هذه المذهبية إسرائيل وأمريكا باعتبارهما العدو الرئيسي، والآن بعد أن أصبحت إسرائيل وأمريكا ضمن دائرة القوات الصديقة، فإن المذهبية العسكرية المصرية فقدت واحداً من أهم مؤشرات القوة الحقيقية. وقد انعكس تأثير ذلك على توازن القوى داخل مصر نفسها، وحالياً أصبح وزير الداخلية المصري ووزير المخابرات المصري يتمتعان بقوة رمزية تفوق أضعاف المرات تلك التي يتمتع بها وزير الدفاع المصري برغم وجود طائرات إف 16 ودبابات إبرامز الأمريكية ضمن ترسانة أسلحة وزارة الدفاع المصرية.
• بالنسبة لمستقبل واتجاه الشراكة المصرية – الأمريكية، فإن كل المؤشرات تؤكد بوضوح أن هذه الشراكة أصبحت تتمتع بقدر كبير من عدم التوازن، وأصبحت مثل علاقة الحب من طرف واحد، وبأي حال من الأحوال لن يكون للقاهرة مقعد الشريك الحقيقي في هذه الشراكة خاصة وأن الدور الذي سبق أن قامت به القاهرة في الأراضي الفلسطينية بعد اتفاقية أوسلو أدى إلى إضعاف مصداقية السياسة المصرية إزاء الصراع العربي – الإسرائيلي.
آخر التطورات على خط الشراكة المصرية – الأمريكية غير المتوازن:
• قيام القاهرة باستمالة الرياض إلى جانب المعتدلين العرب بدءاً من لقاءات العقبة وشرم الشيخ التي ضمت السعوديين جنباً إلى جنب مع الأردنيين والمصريين والإسرائيليين والفلسطينيين.
• توريط السعودية في الساحة اللبنانية، بحيث كانت القاهرة تخطط بالاتفاق مع واشنطن، وكانت السعودية تنفذ في لبنان تحت الضغط الأمريكي.
والآن، بعد أن تم توريط الرياض في مستنقع المعتدلين العرب، بدأت القاهرة مناورة جديدة، تهدف إلى التخلي عن الرياض القيام بعملية تجميلية لتحسين صورة القاهرة الشرق أوسطية. بكلمات أخرى، فإن قمة شرم الشيخ المصغرة التي رتبت لها القاهرة جيداً بحيث يتم تطبيقها ضمن سيناريو لا يتيح للرياض بأي حال من الأحوال المشاركة، فالقاهرة رتبت القمة بحيث يحضرها رئيس الوزراء الإسرائيلي إيهود أولمرت والذي بحضوره لن تستطيع الرياض الحضور.
وبالتالي، فإن ترتيب دعوة أولمرت للقمة لم تقصد بها القاهرة تبادل وجهات النظر مع الإسرائيليين لأن خط القاهرة – تل أبيب الساخن يعمل بشكل دائم، وإنما المقصود هو عدم إتاحة الفرصة للرياض لكي تكون حاضرة في قمة شرم الشيخ المصغرة التي سيحضرها جورج بوش، وبالطبع سيتيح ذلك للقاهرة إبعاد الرياض والانفراد بملف التفاهم حول أجندة القمة مع واشنطن.

 

 

الجمل: قسم الدراسات والترجمة

إضافة تعليق جديد

لا يسمح باستخدام الأحرف الانكليزية في اسم المستخدم. استخدم اسم مستخدم بالعربية

محتويات هذا الحقل سرية ولن تظهر للآخرين.

نص عادي

  • لا يسمح بوسوم HTML.
  • تفصل السطور و الفقرات تلقائيا.
  • يتم تحويل عناوين الإنترنت إلى روابط تلقائيا

تخضع التعليقات لإشراف المحرر لحمايتنا وحمايتكم من خطر محاكم الجرائم الإلكترونية. المزيد...