لبنان بعد 3 سنوات على خروج القوات السورية: هل أصبح أكثر استقراراً؟

06-05-2008

لبنان بعد 3 سنوات على خروج القوات السورية: هل أصبح أكثر استقراراً؟

الجمل: نشر الموقع الإلكتروني لمركز «سابان» لسياسة الشرق الأوسط التابع لمعهد بروكينغز دراسة بحثية حملت عنوان «تشكيل مستقبل لبنان» أعدها بلال واي ساب، الباحث الرفيع المستوى بالمركز، وقد تطرقت الدراسة للموضوع من خلال خمسة نقاط هي: الملخص التنفيذي، أزمة لبنان التي لا تنتهي، الجذور المحلية للأزمة، التشعبات الإقليمية والدولية، وما هو مطلوب: سياسة أمريكية مختلفة.
* الملخص التنفيذي:
أكد الملخص التنفيذي على أن لبنان قد "تورط في أوحال مستنقع أزمة سياسية عنيدة يصعب تهدئتها"، وما كان لافتاً للنظر أن الملخص قد أشار قائلاً بأن لبنان "وبعد مرور ثلاثة أعوام على خروج القوات السورية قد أصبح أقل استقراراً وليس العكس"، وإلى أن "الولايات المتحدة تحتاج، تبعاً لذلك، إلى صياغة سياسة لبنانية تساعد على إخراج لبنان من الوضع الدستوري المغلق، هذه السياسة التي يجب أن تسعى إلى بناء قدرة الدولة وتحمي لبنان من التدخلات الأجنبية السلبية وتحترم توازن القوى اللبناني الداخلي".
* أزمة لبنان التي لا تنتهي:
أشارت الدراسة إلى أن لبنان ظل يعاني من أزمة لم تتوقف منذ لحظة اغتيال رئيس الوزراء السابق رفيق الحريري في 4 شباط 2005م، وأشارت الدراسة كذلك إلى الوقائع الآتية:
• حدوث سلسلة من الاغتيالات السياسية.
• المعاناة والخسائر الباهظة لحرب صيف العام 2006م.
• الصراع مع التنظيمات الأصولية الإسلامية التي استعملت نموذج تنظيم القاعدة.
• العداء الداخلي الشديد القسوة.
وبسبب كل ذلك كانت النتيجة ما يلي:
• حالة الجمود والشلل المؤسساتي.
• الركود الاقتصادي.
• الأداء السياسي المكبوح.
• سلسلة متقطعة من العداوات المحلية الأقرب شبهاً للحرب الأهلية.
• وقوع الحكومة تحت حصار المعارضة الذي استمر لأكثر من عام وما زال مستمراً.
• مواجهة التحالف الحاكم لأزمة الأغلبية البرلمانية المتناقصة.
وعلى خلفية كل هذه التطورات تبلور موقفان سياسيان متعارضان يصعب التوفيق بينهما:
• التحالف الحاكم يقول بأنه لن يترك لبنان يقع في المحور السوري – الإيراني.
• التحالف المعارض يقول بأنه لن يسمح بانضمام لبنان إلى دائرة نفوذ الولايات المتحدة الأمريكية.
وما زاد الأمر سوءاً، أن عدم الثقة بين الكتل السياسية المتناحرة قد أدى إلى عدم انتخاب رئيس جديد للجمهورية. وتبعاً لذلك، ظل لبنان بلا رئيس منذ لحظة مغادرة الرئيس السابق إيميل لحود لمنصبه في 23 تشرين الثاني 2007م الماضي. وحتى الآن لم تنجح جلسات مجلس النواب في حل مشكلة انتخاب الرئيس، إضافة إلى أنه لم يعد هناك أي بارقة أمل لانتخابه في القريب العاجل.
* الجذور المحلية للأزمة:
حددت الدراسة الجذور المحلية للأزمة اللبنانية الحالية باعتبارها ترجع إلى سببين هما:
• الأداء السلوكي اللاتعاوني في علاقات النخب اللبنانية.
• طبيعة ترتيبات اقتسام السلطة القائمة على المحاصصة في لبنان.
وقد أدت إسقاطات وتداعيات هذه الأسباب إلى الإطاحة بأي أمل في إحداث تغيير بعد خروج القوات السورية من لبنان.
وأشارت الدراسة إلى أن لبنان شهد بعد اغتيال الحريري اندلاع مظاهرات تعتبر الأضخم والأكبر في تاريخه، وبعد فترة قصيرة نجحت قوى 14 آذار في الفوز بانتخابات حزيران 2005م، وكانت تلك المرة الأولى في تاريخ لبنان أن حصل تحالف سياسي على أغلبية واضحة تضمنت 72 من أصل 128 مقعداً برلمانياً. إن حدوث مثل هذه النتيجة كان غير عادي وغير ممكن في أي انتخابات لبنانية لأن النظام الانتخابي اللبناني يجعل الحصول على الأغلبية الكبيرة أمراً صعباً بسبب:
• عمليات الكبح الداخلي.
• التوازنات الداخلية.
• طبيعة نظام الدوائر الانتخابية.
إضافة لذلك، فإن التحالفات الفضفاضة التي ظلت تجمع بين الكتل والقوى السياسية اللبنانية على المستوى المحلي كانت تحالفات فوقية ذات طابع شكلي سياسي، ولم يحدث أن أدت على المستوى الوطني اللبناني إلى تشكيل كتل متماسكة القوام داخل البرلمان اللبناني. ومن ثم، فقد كان العامل الرئيسي لفوز قوى 14 آذار هو القانون الانتخابي القائم على نظام التقسيم إلى وحدات سياسية، والذي أتاح للساسة اللبنانيين من مختلف الأطياف والألوان أن يتحركوا "بحبور" ضمن سقف هذا القانون.
* قوى 14 آذار: إشكالية تجاوز التوتر:
لم تنته حماسة قوى 14 آذار التي أمسكت بالسلطة التنفيذية والتشريعية، وبرغم حصولها على تأييد الولايات المتحدة والمجتمع الدولي، فقد واجهت تحديات كبيرة في إدارة شؤون الحكم. وكان أحد هذه التحديات هو صلابة وعناد المعارضة، وكان أحد المظاهر الغريبة في النظام اللبناني يتمثل في الطبيعة الاستشارية المثيرة للغرابة، ونتيجة لذلك كانت المعارضة اللبنانية تجلس ضمن مجموعة منفصلة في البرلمان إشارة إلى تميزها عن مجموعة الحكومة، علماً بأن نفس هذه المعارضة لها وزراء يعملون داخل الحكومة!!
كذلك، فقد عانى تحالف قوى 14 آذار من "سوء الحظ" الذي صنعه بيده، من جراء تسليمه منصب القيادة لسعد الحريري، والذي بسبب نزوعه العدواني في التعامل مع المعارضة كان الناتج هو الإطاحة بكل آمال وطموحات الشعب اللبناني. وفي الحقيقية، كان يمكن أن يسعى الحريري وقوى 14 آذار إلى التوافق مع المعارضة ضمن صيغة «لا غالب ولا مغلوب»، أي أنه وبدلاً من إعطاء الفرصة للجميع للقيام بعملية التغيير في لبنان، فقد حصرت قوى 14 آذار وزعيمها الحريري عملية التغيير في الآتي:
• السعي لاستهداف سوريا.
• العجلة الشديدة في تطبيق الإصلاحات الاقتصادية وفقاً لوصفات المؤسسات المالية الدولية كصندوق النقد الدولي والبنك الدولي.
• العجلة في موضوع المحكمة الدولية.
• العجلة في الارتباط الوثيق بواشنطن وحلفائها في المنطقة العربية.
هذه هي نقاط وخطوات إصلاح لبنان وفقاً لمنظور قوى 14 آذار وزعيمها سعد الحريري، وبسبب الطموح الشديد لدى الحريري وقوى 14 آذار لتنفيذ هذه الأجندة، فقد رفضوا إعطاء المعارضة حق ممارسة الفيتو، ذلك أن إعطاء الفيتو لها سيضعف سيطرة الحريري و14 آذار على السلطة التنفيذية والمؤسسات الحكومية اللبنانية.
* قوى 8 آذار: إشكالية الوحدة في الداخل والاختلاف في الخارج:
ترى الدراسة بأن قوى 8 آذار تتمتع بالوحدة الداخلية ولكن إزاء قضايا السياسة الداخلية فقط، أما فيما يتعلق بالسياسة الخارجية فإنها لم تستطع حتى الآن الاتفاق حول صيغة موحدة لها، فحزب الله وحركة أمل يرتبطان بعلاقة وثيقة مع سوريا وإيران، أما التجمع الوطني الحر الذي يتزعمه الجنرال ميشال عون فما زال يحاول الحفاظ على علاقاته مع فرنسا وأمريكا والغرب عموماً.
* التشعبات الإقليمية والدولية:
تشير الدراسة إلى الخلاف والصراع الكبير الذي يفصل في المنطقة بين سوريا وإسرائيل، وقد ترتب عليه أن أصبح لبنان جزءاً من الصراع لفرض النفوذ على المنطقة الدائر حالياً بين أمريكا وحلفائها من جهة وبين سوريا وإيران وحلفائهما من الجهة الأخرى الذين ظلوا يرفضون النفوذ الأمريكي في المنطقة. وقد أدت الأزمة اللبنانية إلى استقطاب الأطراف الإقليمية والدولية وشهد لبنان وصول الكثير من الوسطاء والمبعوثين إضافة إلى المبادرات العديدة. وقد أدت الخلافات حول المبادرات والوساطات إلى خلافات إقليمية ودولية عميقة من أبرزها الخلاف الإقليمي السوري – السعودي، والخلاف الدولي السوري – الأمريكي حول لبنان، وقد أدت هذه الخلافات إلى التأثير في الملفات والقضايا الشرق أوسطية الأخرى.
* ما هو مطلوب: سياسية أمريكية مختلفة:
برغم تعدد النقاط الواردة تحت هذا البند، فقد تمثل أبرز ما أشارت إليه الدراسة في مطالبة الإدارة الأمريكية بعدم السعي لاستخدام وتوظيف لبنان كساحة لتصفية حساباتها مع سوريا وإيران، وأكدت الدراسة بأن محاولات الإدارة الأمريكية السابقة والتي ما زالت مستمرة لاستخدام الساحة اللبنانية لتصفية الحسابات والعداء ضد سوريا وإيران، هي السبب الرئيسي المسؤول عن حالة التناحر والانشقاقات التي أصبحت تهدد بتقويض ونسف استقرار وأمن لبنان.
* تقييم عام:
تتمثل نقاط القوة في الدراسة في الآتي:
• الوضوح المباشر في تحديد أسباب الأزمة اللبنانية الجارية حالياً عن طريق إرجاعها إلى أسبابها الداخلية الحقيقية، وبالتالي فإن هذه الدراسة تعتبر أول دراسة أمريكية لا تحاول الالتفاف والتحايل على أسباب الأزمة عن طريق اللجوء إلى تحميل سوريا وإيران المسؤولية.
• توضيح العيوب المتعلقة بالأداء السياسي اللبناني لجهة أنها ترجع إلى عدم مصداقية الأطراف اللبنانية مع بعضها البعض، وأيضاً العيوب الدستورية والعيوب الموجودة في النظام الانتخابي اللبناني. وفي هذا الخصوص لم تحاول الدراسة الالتفاف على الموضع وتحميل سوريا وإيران مسؤولية الخلافات اللبنانية – اللبنانية، ويبدو تحليل الدراسة لهذه النقطة صحيحاً لأن سوريا أو إيران لم تقوما بوضع الدستور اللبناني ولا الإشراف على الانتخابات اللبنانية التي لم تكن سوريا موجودة عند إجرائها.
• أوضحت عيوب وتشوهات أداء قوى الحكم وقوى المعارضة ضمن مجلس النواب اللبناني الذي لم تقم لا سوريا ولا إيران بترتيب مقاعده وطريقة جلوس النواب عليها.
إضافةً لنقاط القوة المتعددة، فقد عانت الدراسة من نقطة ضعف مركزية تمثلت في عدم التصدي بوضوح لدور العامل الإسرائيلي في توجيه السياسة الأمريكية تجاه لبنان، كما لم تتطرق الدراسة أيضاً إلى دور إسرائيل وأمريكا ليس في التأثير فقط على زعماء قوى 14 آذار وإنما في توجيههم عن طريق التدخل المباشر والفعلي بواسطة السفير الأمريكي في بيروت، واليهودي الأمريكي ديفيد والش مساعد وزيرة الخارجية الأمريكية لشؤون الشرق الأوسط. إضافة لذلك أيضاً، تطرقت الدراسة إلى استخدام لبنان كساحة لتصفية الحسابات مع سوريا وإيران، ولكنها لم تتطرق إلى استخدام أمريكا للخلافات اللبنانية كوسيلة للتدخل في لبنان وتنفيذ المزيد من العمليات السرية التي استهدفت اللبنانيين أنفسهم عن طريق تقديم المال السياسي أو عن طريق استخدام فرق الموت التي اغتالت حلفاء أمريكا، بما يتيح لأمريكا وإسرائيل استخدام دمائهم كسلعة رخيصة في سوق النخاسة لتسويق العداء ضد سوريا والمقاومة الوطنية اللبنانية وإيران.

 


الجمل: قسم الدراسات والترجمة

إضافة تعليق جديد

لا يسمح باستخدام الأحرف الانكليزية في اسم المستخدم. استخدم اسم مستخدم بالعربية

محتويات هذا الحقل سرية ولن تظهر للآخرين.

نص عادي

  • لا يسمح بوسوم HTML.
  • تفصل السطور و الفقرات تلقائيا.
  • يتم تحويل عناوين الإنترنت إلى روابط تلقائيا

تخضع التعليقات لإشراف المحرر لحمايتنا وحمايتكم من خطر محاكم الجرائم الإلكترونية. المزيد...