ما هي أسباب تقلص دور مصر الإقليمي

10-05-2008

ما هي أسباب تقلص دور مصر الإقليمي

الجمل: درجت العادة على أن تقوم الإدارة الأمريكية والحكومة الإسرائيلية بتوجيه الاتهامات لسوريا وإيران وتحميلهما المسؤولية عن النكسات التي يتعرض لها المشروع الإسرائيلي في لبنان، ولكن هذه المرة وفي تصريح "استباقي" صرح مصدر دبلوماسي مصري رفيع المستوى بأن مصر لن تسمح لإيران ببسط نفوذها على لبنان.
* دلالات وخلفيات التصريح المصري:
جاء التصريح الدبلوماسي المصري بشكل عاجل، واللافت للنظر هذه المرة أن التصريح لم يستبق التصريحات الأمريكية والإسرائيلية وإنما استبق كذلك تصريحات زعماء قوى 14 آذار وحكومة السنيورة، برغم أنهما المعنيان بالأمر وكان الواجب أصولاً أن تلتزم الدبلوماسية المصرية بالترتيب وانتظار ردود أفعال حليفتها ثم بعد ذلك تطلق التصريحات. ومن سخرية القدر أن حلفاء القاهرة اللبنانيين، حكومة السنيورة وقوى 14 آذار، مدا لسانهما لها وحتى الآن لم يقم أي طرف لبناني بتحميل إيران المسؤولية الكاملة عن أحداث 9 أيار ما عدا سمير جعجع التي تحدث عن تمديد نفوذ إيران للبحر الأبيض المتوسط وهو تصريح حاول من خلاله جعجع أن يظهر بدور الخبير الذي يفهم شؤون الإستراتيجية والجيوبوليتيك بدلاً عن أعمال القنص والقتل وإقامة الحواجز المسلحة لإغلاق الطرقات التي يعترف له بالخبرة والدراية فيها.
* القيادة المصرية وأزمة البحث عن دور إقليمي:
حتى الآن، تبدو القيادة المصرية الحالية غير مقتنعة بأن دور مصر الإقليمي الماضي قد تقلص وأصبح لا يتجاوز حدود جمهورية مصر الموجودة على الخارطة، وأسباب تقلص الدور الإقليمي المصري معروفة لكل الخبراء والمحللين السياسيين بما فيهم الخبراء والمحللين المصريين أنفسهم، فمصر لم تعد قوة اقتصادية بمقدورها تقديم الدعم الاقتصادي والمعونات التي تتيح لها الكلمة العليا على من يمدون يدهم طلباً للمعونات، وليست طرفاً رئيسياً في الصراع الإسرائيلي – العربي لأنها وقعت اتفاقيات كامب ديفيد المعلنة والسرية وخرجت نهائياً من المعركة، وحالياً تعاني مصر من حالة الشلل والعجز وعدم القدرة على حفظ ماء وجهها بالإعلان عن فتح معبر رفح بين الأراضي المصرية وقطاع غزة، وليس من سبب سوى أن وزيرة الخارجية الإسرائيلية تسيبي ليفني لم تعط القيادة المصرية الإذن للقيام بذلك!!
* مدى مصداقية دور القيادة المصرية كطرف ثالث في الصراع اللبناني:
ظلت الدبلوماسية المصرية تحاول في الفترة الماضية القيام بدور الطرف الثالث الذي يسعى إلى حل الخلافات اللبنانية – اللبنانية ولكن تصريح الدبلوماسي المصري الأخير قد كشف تماماً أن القيادة المصرية لا تصلح نهائياً للقيام بدور الطرف الثالث بسبب وقوفها الواضح والسافر إلى جانب قوى 14 آذار وحكومة السنيورة، وهو موقف ما كان يمكن للقيادة المصرية أن تتورط فيه لولا أن أجندة السياسة الخارجية الأمريكية قد أقسرتها على التورط رغماً عن أنفها في مستنقع دعم وتأييد قوى 14 آذار وحكومة السنيورة المرتبطة بإدارة بوش وجماعة المحافظين الجدد. بعد التصريحات المصرية الأخيرة نطرح بعض التساؤلات التي تحاول استكناه مستقبل الدور المصري المفترض في لبنان والأسئلة هي:
• هل تصلح القيادة المصرية بوضعها ومواقفها الراهنة للقيام بدور الطرف الثالث الذي يتمتع بثقة طرفي الصراع اللبناني؟
• هل تستطيع القيادة المصرية التعرف على ملفات الأزمة اللبنانية بما يصون ويحفظ أسرار أطراف الصراع ويجعلها في مأمن من عيون الموساد الإسرائيلي ووكالة المخابرات المركزية الأمريكية؟
• هل تستطيع القيادة المصرية القيام بصنع السلام في لبنان الذي يفترض فيه أن يكون حقيقياً ومستقلاً وغير قابل للانصياع للإملاءات الأمريكية أو الإسرائيلية؟
• هل تستطيع القيادة المصرية القيام بدور المرجعية الأساسية لعملية صنع السلام اللبناني دون تحيز لحلفاء أمريكا اللبنانيين؟
• هل تستطيع القيادة المصرية القيام بدعم عمليات بناء السلام في فترة ما بعد التوصل إلى حل سلمي. وبكلمات أخرى، وتأسيساً على القاعدة القائلة «من لا يملك لا يستطيع أن يعطي» فما الذي ستقوم القيام المصرية بتقديمه للبنان وهي القيادة التي تعتمد على المعونات الأمريكية في كل شيء بدءاً من الطحين والخبز وحتى علب الصوص؟
لكل قيادة سياسية في هذا العالم ممارسة حقها المشروع في الطموح، وعادةً ما تلتزم كل حكومات العالم بالواقعية في التعبير عن هذه الطموحات وذلك لأن طرح الطموحات والتعبير عنها بهذه الطريقة سيلحق الكثير من الأضرار بمصداقية الدولة والقيادة، خاصةً إذا كان المتحدث الدبلوماسي الرفيع المستوى لا يتميز باللباقة الدبلوماسية ويتحدث مستعجلاً ومستبقاً الأطراف المعنية بالمشكلة.
المتحدث الدبلوماسي المصري الرفيع المستوى الذي أطلق هذا التصريح يتوجب عليه أن يفهم جيداً أن التصريحات الدبلوماسية تخضع قبل إطلاقها إلى الكثير من عمليات التدقيق والفحص والدراسة واختبارات ردود الأفعال ويعرف جميع الدبلوماسيون في العالم بأن متغير الجغرافيا والتاريخ والمجتمع تلعب مجتمعة دوراً هاماً في قضايا النفوذ وتوازنات الدور الإقليمي، فمصر تفصلها مئات الكيلومترات عن لبنان، والتاريخ اللبناني لا يرتبط كثيراً بالتاريخ المصري والمجتمع اللبناني ليس له امتدادات إثنو-ثقافية في المجتمع المصري وللدبلوماسي المصري صاحب التصريح نقول: "افهمها بقى يا رفيع المستوى".

 


الجمل: قسم الدراسات والترجمة

إضافة تعليق جديد

لا يسمح باستخدام الأحرف الانكليزية في اسم المستخدم. استخدم اسم مستخدم بالعربية

محتويات هذا الحقل سرية ولن تظهر للآخرين.

نص عادي

  • لا يسمح بوسوم HTML.
  • تفصل السطور و الفقرات تلقائيا.
  • يتم تحويل عناوين الإنترنت إلى روابط تلقائيا

تخضع التعليقات لإشراف المحرر لحمايتنا وحمايتكم من خطر محاكم الجرائم الإلكترونية. المزيد...