الاستراتيجية الأمريكية لاستمرار احتلال الأراضي العراقية

23-08-2008

الاستراتيجية الأمريكية لاستمرار احتلال الأراضي العراقية

الجمل: تمثل عملية سحب القوات الأمريكية المطلب الأكثر أهمية للشعب العراقي وهو أمر يدركه الأمريكيون جيداً، خاصة أن استطلاعات الرأي العام العراقي التي قامت بإجرائها مراكز البحوث والدراسات الأمريكية والأوروبية بأن جميع العراقيين يطالبون بسحب القوات الأمريكية ما عدا الأكراد الذين أكدوا تمسكهم اللامحدود لجهة استمرار الاحتلال الأمريكي وبقاء القوات الأمريكية.
* محاولة الخلاف حول وجود القوات الأمريكية في العراق:
نفذت الولايات المتحدة عملية غزو واحتلال العراق خارج إطار الشرعية الدولية، ولكنها ووفقاً لسيناريو فرض الأمر الواقع وافقت لاحقاً على قرار مجلس الأمن الدولي الذي اعتبر العراق دولة تحت الاحتلال الأمريكي وحدد نهاية عام 2008م موعداً لإنهاء الاحتلال الأمريكي.
مع اقتراب انتهاء صلاحية الغطاء الدولي للوجود العسكري الأمريكي في العراق تدور الآن المزيد من الخلافات حول هذا الأمر ويمكن استعراض محاور هذه الخلافات على النحو الآتي:
• الخلاف العراقي – العراقي: خلال الفترة الماضية كانت اصطفافات القوى السياسية العراقية على خارطة تحالفات بغداد تتأثر وفقاً للاعتبارات المتعلقة بالموقف إزاء قانون الفيدرالية وقانون توزيع عائدات النفط العراقي ولاحقاً وتحديداً خلال الأيام الحالية ظهرت الخلافات المتعلقة بالموقف من استمرار وجود القوات الأمريكية وبرغم تباين المواقف فقد برز في الفترة الأخيرة المعسكر الذي يطالب بضرورة انسحاب القوات الأمريكية بحيث يتم على الأقل وضع جدول زمني لجدولة هذا الانسحاب وبالمقابل برز معسكر تحالف أربيل الكردي وهو أكثر تمسكاً ببقاء القوات الأمريكية.
• الخلاف الأمريكي – الأمريكي: أدت تداعيات فشل الإدارة الأمريكية في السيطرة على العراق إضافة إلى تزايد الخسائر البشرية الأمريكية وانكشاف فظائع القوات الأمريكية إلى تزايد معارضة الرأي العام الأمريكي للحرب في العراق وقد نجح الديمقراطيون في توظيف واستثمار ملف حرب العراق ضد الجمهوريين وعلى خلفية ذلك بدا المشهد الداخلي أكثر انقساماً بين طرفين الأول يمثل معسكر الديمقراطيين المطالبين بالانسحاب والثاني يتمثل في معسكر الجمهوريين المطالبين بإبقاء القوات الأمريكية.
• الخلاف الأمريكي – العراقي: يسيطر الجمهوريون المطالبون بإبقاء القوات على الإدارة الأمريكية ويسيطر تحالف بغداد على ما يعرف بحكومة بغداد، وقد سعى الجمهوريون إلى محاولة وضع الترتيبات التي تفرض بقاء القوات الأمريكية في العراق كأمر واقع بحيث لا يستطيع أي رئيس أو إدارة أمريكية قادمة أن يصدر قرار بالانسحاب من العراق ولكن بالمقابل سعى تحالف بغداد هذه المرة إلى استثمار الفرصة وأصبح يحاول الدفع باتجاه مطلب يوازن بين استثمار بقاء القوات الأمريكية وبين عدم بقاءها، وعلى ما يبدو فإن قيام تحالف بغداد بالربط بين الموافقة على توقيع الاتفاقية الأمنية الأمريكية – العراقية وإصدار الإدارة الأمريكية لجدول والانسحاب هو مطلب يعبر في الحقيقة عن صفقة تهدف إلى:
- إطالة عمر بقاء التحالف الحاكم في بغداد.
- اكتساب المرونة لجهة التعامل مع الديمقراطيين في حالة فوزهم بالرئاسة.
- إفساح المجال أمام إيران لاستخدام القواعد الأمريكية في العراق ضمن كروت لعبة مفاوضات المنطقة الخضراء العراقية.
* ماذا تقول حملة الذرائع الأمريكية الجديدة؟
لم تتورع إدارة بوش مدعومة بمساندة مراكز الدراسات والإعلام التابع لجماعة المحافظين الجدد من الاستمرار في القيام بحملة ذرائع جديدة تعيد إنتاج مفهوم ضرورة استمرار الوجود الأمريكي في العراق. وتركز حملة الذرائع هذه على توظيف عاملين:
• ملف مشكلة عدم استقرار العراق: وتركز حملة الإدارة الأمريكية على المزاعم الآتية:
- أن العراقيين لا يرغبون في بقاء القوات الأمريكية في بلادهم.
- أن العراقيين لا يدركون مغبة تداعيات الانسحاب في هذا القوات غير المناسب.
- أن على الأمريكيين أن يقدروا موقف الإدارة الأمريكية الذي يرى بأن بقاء القوات الأمريكية في العراق ستترتب عليه خسائر تقل كثيراً عن الخسائر التي قد تحدث في حالة انسحاب القوات الأمريكية من العراق.
• ملف بناء قوات الأمن العراقية: وتركز حملة الإدارة الأمريكية على المزاعم التالية:
- أن أمريكا تعمل بجدية لجهة بناء وإعداد قوات الأمن العراقية التي تقوم بالاضطلاع بمهام ومسؤوليات حفظ الأمن والاستقرار.
- إن بناء وإعداد القوات العراقية لا يمكن أن يتم بين يوم وليلة بل يتطلب المزيد من الجهود والإمكانات بسبب عدم توفر العناصر العراقية المحايدة التي يمكن الوثوق بها واستيعابها في قوات الأمن، وبسبب أن القوات العراقية تعاني من الخلافات والاختراقات التي أدت إلى سيطرة بعض الأطراف الطائفية والقبلية عليها، وبسبب أنه من الصعب إمداد القوات العراقية بالوسائط والمعدات العسكرية الأمريكية المتطورة في هذا الوقت بسبب احتمالات أن يتم استخدام هذه الوسائط ضد حلفاء أمريكا وعلى وجه الخصوص إسرائيل إضافةً إلى احتمالات تسرب هذه المعدات ووقوعها في يد إيران والتي سوف لن تتردد في استخدامها ضد الأمريكيين والإسرائيليين متى ما اندلعت المواجهة ضد إيران.
* السيناريو المتوقع:
تشير المعلومات إلى أن عملية سحب القوات الأمريكية من العراق سوف لن تكون مجرد انسحاب شكلي صوري على الورق وبكلمات أخرى سوف تقوم القوات الأمريكية بعملية إعادة انتشار واسعة في كافة أنحاء العراق ومن أبرز الملامح الأساسية المتوقعة ضمن هذا السيناريو يمكن الإشارة إلى الآتي:
• توزيع القواعد العسكرية الأمريكية بحيث تشمل كافة المناطق العراقية.
• هيكلة القواعد العسكرية الأمريكية بحيث تتكون كل قاعدة من عدد من المنشآت الفرعية التابعة لها التي يتم نشرها ضمن إطار نطاق القاعدة العسكري – الجغرافي.
• استخدام مفهوم القوات داخل الوحدات والقوات خارج الوحدات بما يترتب عليه إضفاء المزيد من الشرعية لنشر الوحدات العسكرية الأمريكية خارج نطاق القواعد العسكرية وذلك بما يجعل من وجود القوات الأمريكية في المناطق المدنية والسكانية العراقية أمراً مشروعاً.
• إعاقة بناء وتكوين قوات الأمن العراقية لأطول فترة ممكنة بحيث يتسنى للأمريكيين من الناحية الأخرى استخدام هذه الإعاقة كمبرر لاستمرار الوجود الأمريكي.
• استخدام القواعد الأمريكية كنقاط ارتكاز لتنفيذ المزيد من العمليات السرية في الساحة العراقية بما يعطي المبررات والذرائع المتجددة للمزاعم الأمريكية إزاء إشكالية عدم استقرار العراق.
يقول الخبير الأمريكي أنطوني كورديسمان بأن أمريكا سوف لن تقبل مطلقاً بأن يقل عدد قواتها الموجودة في العراق عن ستة فرق (24 لواء) ويرى كورديسمان بأن على العراقيين عدم التشديد لجهة المطالبة بالانسحاب الأمريكي الكامل. ويشير كورديسمان إلى أن البدء بالانسحاب لن يكون قبل عام 2011 أو مطلع عام 2012م وهي الفترة المحددة من قبل خبراء البنتاغون لاحتمالات أن تكون قوات الأمن العراقية قد اكتسبت بعض القدرة على القيام بتولي بعض مسؤوليات حفظ الأمن والاستقرار في العراق.
ويضيف كورديسمان بأن سحب جزء من القوات معناه أن تتم زيادة عدد المتعاقدين الأمريكيين ليقوموا بملء الفراغ العسكري – الأمني، ويرى كورديسمان ضرورة التزام العراقيين بالاعتراف في الاتفاقية الأمنية – العسكرية وضرورة منح الحقوق الاستثنائية للقوات الأمريكية لجهة الحصانات التي يتمتعون بها، حيث يفسح هذا الاعتراف المجال للأمريكيين لتقديم المساعدات الفاعلة لهم والتي يصعب تقديمها إذا لم يتمتع الأمريكيون بالحصانات.

 


الجمل: قسم الدراسات والترجمة

إضافة تعليق جديد

لا يسمح باستخدام الأحرف الانكليزية في اسم المستخدم. استخدم اسم مستخدم بالعربية

محتويات هذا الحقل سرية ولن تظهر للآخرين.

نص عادي

  • لا يسمح بوسوم HTML.
  • تفصل السطور و الفقرات تلقائيا.
  • يتم تحويل عناوين الإنترنت إلى روابط تلقائيا

تخضع التعليقات لإشراف المحرر لحمايتنا وحمايتكم من خطر محاكم الجرائم الإلكترونية. المزيد...