ليبيا على أبواب كارثة إنسانية: المقدمات والنتائج

06-10-2011

ليبيا على أبواب كارثة إنسانية: المقدمات والنتائج

Image
p16jul7d_0

الجمل: سعت المعارضة الليبية قبل بضعة أشهر إلى المطالبة بالتدخل الدولي من أجل حماية المدنيين الليبيين من خطر قوات الزعيم معمر القذافي، وسارعت أطراف مثلث واشنطن ـ باريس ـ لندن بالتعاون مع محور الرياض ـ الدوحة لجهة القيام بالترتيبات اللازمة للتدخل من أجل حماية المدنيين الليبيين، بما تضمن عقد اجتماع الجامعة العربية الذي طالب بالتدخل الدولي، إضافة إلى اجتماعات مجلس الأمن الدولي التي أصدرت القرار الدولي 1970 والقرار الدولي 1973، والآن وبعد أن أصبح التدخل الدولي أمراً واقعاً وتم إخراج نظام القذافي من العاصمة الليبية طرابلس: هل تمت حماية السكان الليبيين المدنيين الأبرياء من قوات القذافي. وما الذي يحدث لليبيين المدنيين حالياً على أيدي قوات المعارضة الليبية وطائرات حلف الناتو؟

* أوضاع المدنيين الليبيين الحالية: ماذا تقول المعلومات والتقارير؟

بدأ الصراع الليبي في منتصف شهر شباط (فبراير) 2011م الماضي كحركة احتجاجات سياسية محدودة في بنغازي، وعلى خلفية التصعيدات الإعلامية، وقيام المعارضة الليببية بالمطالبة بالتدخل الدولي لحماية السكان المدنيين في مدينة بنغازي وبعض مناطق شمالي شرق ليبيا المجاورة لها، وبرغم أن قوات القذافي لم تقم بقصف هؤلاء المدنيين بالطائرات أو المدفعية الثقيلة، أو حتى مجرد القيام بهجوم بقوات المشاة والعربات المدرعة العادية، فقد جاءت الأطراف الدولية على عجل، وقامت بعملية تدخل عسكري تضمنت الآتي:
•    القيام بعمليات قصف جوي واسعة النطاق، تحت مزاعم معلنة بضرورة تدمير قوات القذافي التي تحاول التقدم شرقاً والقيام باستهداف الليبيين المدنيين في منطقة بنغازي، ولكن ما كان حقيقياً وغير معلن هو قيام طائرات حلف الناتو بقصف كل مقومات القدرات العسكرية الليبية، وتحديداً الرادارات ومخازن الأسلحة، إضافة إلى الوحدات المدرعة الموجودة في مناطق شمال غرب ليبيا، إضافة إلى قصف المنشآت المدنية مثل مراكز الاتصالات ومحطات التلفزيون والإذاعة، والمدارس والمستشفيات.
•    القيام بعمليات تدريب وتسليح عناصر المعارضة الليبية في خرق واضح للقرار الدولي 1970 الذي حظر بشكل قاطع إدخال الأسلحة إلى ليبيا أياً كان الطرف الليبي، ومن الشواهد على ذلك شحنات الأسلحة القطرية التي احتجزتها السلطات التونسية، وقيام فرنسا بالإعلان رسمياً بأنها قدمت المزيد من الأسلحة إلى المعارضين في مناطق الجبل الأخضر، إضافة إلى اعتراف البريطانيين بأنهم أرسلوا بعض وحدات القوات الخاصة إلى ليبيا.
وإضافة لذلك، تقول المعلومات الجارية، بأن قوات المعارضة الليبية المسلحة تسيطر حالياً، بدعم حلف الناتو على حوالي 80% من المدن الليبية، وتبقت لها بعض المدن والبلدات الليبية، وتحديداً مدينة سرت، ومدينة بني وليد، إضافة إلى بعض مدن منطقة سبها الجنوبية الغربية، وفي هذا الخصوص نشير إلى الآتي:
•    المناطق تحت سيطرة قوات المعارضة الليبية: أكدت المعلومات والتقارير بأن المناطق تحت سيطرة المعارضة الليبية تواجه المعاناة المتزايدة في الآتي:
ـ تدهور الخدمات الأساسية المتعلقة بالصحة والتعليم وإمدادات الكهرباء والمياه.
ـ تدهور قضايا حقوق الإنسان، فقد سعت قوات المعارضة الليبية المسلحة التي تسيطر على هذه المناطق إلى تصفية الأعداد الكبيرة من السكان المدنيين لمجرد الاشتباه في عدم ولائهم للمعارضة.
•    المناطق خارج سيطرة قوات المعارضة: تقول المعلومات بوجود ثلاثة مناطق خارج سيطرة قوات المعارضة الليبية، هي:
ـ منطقة سرت: وتتكون من مدينة سرت وضواحيها، وتعاني هذه المنطقة من عملية حصار قاسية، لجهة قيام قوات المعارضة المسلحة بتطويقها وحرمانها من الخدمات والإمدادات الحيوية، إضافة إلى قيام طائرات حلف الناتو بقصف مستمر ضد المنشآت المدنية والبنايات السكانية، وبرغم تكتم وسائل الإعلام العالمية والعربية الحليفة للمعارضة الليبية، فقد أكدت المعلومات والتقارير بسقوط آلاف الضحايا بفعل قصف الناتو، وقيام قوات المعارضة بإطلاق المزيد من القذائف ضد المدنيين وبشكل عشوائي، وحالياً تقوم العديد من الفضائيات بعرض مشاهد قوات المعارضة التي تطوق مدينة سرت وهي تقوم بإطلاق قذائف المدفعية ضد المدينة، وهو المشهد الذي لم يره الناس في أيام الزعيم القذافي، وحتى مساء الأمس، فقد كشفت التقارير الغربية عن وجود أكثر من 50 ألف نازح من سكان المدينة، أكدت المعارضة الليبية بأنها وفرت لهم المأوى والخدمات، ولكن التقارير الإعلامية الغربية كشفت أنهم يعيشون في العراء، بلا خدمات أو مأوى، وإضافة لذلك تحدثت التقارير الغربية بأن طائرات الناتو، تقوم حالياً بقصف المدارس والمستشفيات داخل المدينة، وذلك لإجبار السكان على الاستسلام والسماح لقوات المعارضة بالدخول والسيطرة على المدينة.
ـ منطقة بني وليد: وتتكون من مدينة بني وليد وضواحيها، وتعاني هذه المدينة وضواحيها من عمليات الحصار والتطويق التي تقوم بها قوات المعارضة الليبية، إضافة إلى طلعات طيران حلف الناتو الذي يقوم بقصف المنشآت والأهداف المدنية، وأضافت التقارير بأن قوات المعارضة الليبية قد حاولت مراراً وتكراراً التقدم واحتلال المدينة، ولكنها ظلت تتراجع إلى خارج المدينة بفعل المقاومة الشديدة التي تواجهها.
ـ منطقة سبها: وتتكون من مدينة سبها وبعض المدن والبلدات الليبية الصغيرة الموزعة في الواحات الموجودة في منطقة جنوب غرب ليبيا، وتحديداً المتاخمة للحدود مع الجزائر ومع دولة النيجر. وتحدث التقارير والمعلومات عن قيام قوات المعارضة الليبية بعمليات تصفية لكل من تشك في احتمالات عدم مساندته للمعارضة إضافة إلى عمليات التطهير العرقي والإثني الواسعة النطاق ضد رعايا دولة النيجر ودولة تشاد المقيمين في منطقة سبها، وأضافت التقارير بأن عمليات القتل الجماعي التي تمت في منطقة سبها كانت من الضخامة والخطورة بمكان، ولكن، تمت التغطية عليها بواسطة حلفاء الناتو  وبقية أطراف التحالف الدولي، وامتناع الإعلام الغربي والفضائيات العربية...
تشير التوقعات إلى تزايد مخاوف حلفاء الناتو من تمكن الناشطين في مجالات حقوق الإنسان، ومنظمات المجتمع المدني الأوروبية الغربية من معرفة تفاصيل الانتهاكات والجرائم الواسعة النطاق التي قامت بها قوات حلف الناتو في ليبيا تحت مزاعم حماية السكان المديين، وأشارت التسريبات والمعلومات إلى تزايد الخلافات في صفوف المعارضة الليبية، بحيث أبرز العديد من صفوف هذه المعارضة وهم يوجهون الانتقادات لجرائم حلف الناتو ضد المدنيين الليبيين الذين من المفترض أن يكون حلف الناتو قد تدخل لحمايتهم من خطر قوات القذافي.

* التدخل الأجنبي الخارجي لحماية المدنيين الليبيين: ماذا تقول سخرية القدر؟

سعت المعارضة الليبية، وتحديداً المعارضة الخارجية الليبية لجهة استغلال الاحتجاجات السياسية الليبية المحدودة التي اندلعت في مدينة بنغازي من أجل المطالبة بالتدخل الدولي لحماية المدنيين الليبيين، وبالمقابل فقد سعت الأطراف الدولية قيادة فرنسا وبريطانيا وأمريكا إضافة إلى السعودية وقطر لجهة القيام بدعم المعارضة الليبية على النحو الآتي:
•    تجميع المعارضة الليبية ضمن ما أطلقوا عليه تسمية "المجلس الوطني" الليبي.
•    إعلان بعض خصوم القذافي الغربيين والأمريكيين والعرب الخليجيين الاعتراف بالمجلس الوطني الليبي كممثل شرعي للشعب الليبي.
وإضافة لذلك، فقد سعت هذه الأطراف لجهة القيام بتجميد الأرصدة المالية الليبية التي بلغ حجمها الأولي في حدود 165 مليار دولار، وحالياً تشير المعطيات الجارية إلى أن المعارضة الليبية التي سعت إلى المطالبة بالتدخل الخارجي من أجل حماية الليبيين، قد أصبحت بطلبها هذا، والذي تحقق بالفعل، في موضع من وضع مستقبل ليبيا والشعب الليبي في مواجهة سخرية القدر:
•    برغم خروج نظام القذافي وسيطرة المعارضة الليبية المدعومة بواسطة أمريكا والغرب والسعودية وقطر على حوالي 80% من المدن والبلدات الليبية، فإن الدول الأوروبية  وأمريكا إضافة إلى تركيا ما زالوا أكثر إصراراً على عدم القيام بالإفراج عن الأرصدة المالية الليبية، والتي تقول التسريبات بأنها ساعدت العديد من البلدان الأوروبية في تخفيف ضغوط الأزمة المالية التي أمسكت بخناق ساركوزي الفرنسي وكاميرون البريطاني.
•    برغم توافر الموارد النفطية في ليبيا التي تقول التقديرات الأولية بأنها في حدود 65 مليار برميل نفط، والتي تقدر قيمتها الأولية في حدود 6.5 تريليون دولار، فإن باريس ولندن، حاولتا عقد الاجتماعات والتفاهمات المبكرة لجهة القيام بالضغط على المجلس الوطني الليبي من أجل التوقيع على العقودات التي تمنح المزايا الاحتكارية للفرنسيين والبريطانيين، وفي هذا الخصوص فقد حصلت فرنسا على حق احتكار 30% من احتياطيات الثروة النفطية الليبية، أي ما يقدر بحوالي 2 تريليون دولار. وحصلت بريطانيا على حوالي 25% أي ما يقدر بحوالي 1.5 تريليون دولار.
ظلت ليبيا تمثل بلداً موحداً، يتمتع بكافة مقومات الوحدة الوطنية، وبرغم ذلك، تقول المعلومات الجارية، بأن سيناريو الصراع الليبي سوف يأخذ شكل السيناريو المنزلق بحيث لا يتم السماح لأي واحدة من حلقاته أن تنتهي إلا إذا بدأت الحلقة الأخرى الجديدة التالية لها، وفي هذا الخصوص نشير إلى الآتي:
•    لن يسمح لحلقة القضاء على نظام القذافي أن تنتهي إلا إذا بدأت الحلقة الثانية والمتمثلة في الحرب الأهلية الليبية.
•    لن يسمح لحلقة الحرب الأهلية الليبية أن تنتهي إلا إذا بدأت الحلقة التالية لها، والممثلة في تحويل ليبيا إلى تجمعات جهوية منفصلة تعادي بعضها البعض بحيث: يتكتل سكان منطقة سبها، وسكان منطقة طرابلس، وسكان منطقة بنغازي، ضمن ولايات سياسية محلية الطابع ترفض الاعتراف بالآخر.
•    لن يسمح للتجمعات الجهوية المتصلبة أن تسعى إلى التوافق والاندماج الوطني الليبي، وفقط سوف يكون المتاح أمامهم هو خيار تقرير المصير والانفصال، وتكوين دولتهم المستقلة.
تقول سخرية القدر، بأن التاريخ القادم سوف يتحدث بقدر من الاستفاضة عن الدولة الليبية الواحدة، والتي برغم حق سكانها في اختيار النظام السياسي الذي يريدونه، واختيار القيادة التي يريدونها، فقد ظهرت بعض العناصر الليبية التي تعيش في الخارج وعمدت إلى تشكيل تنظيم أطلقت عليه تسمية المؤتمر الوطني الليبي، وبسبب الضعف وعدم القدرة والتبعية فقد سعى هذا المجلس إلى دعوة الأطراف الأجنبية من أجل التدخل لحماية المدنيين، ولكن هذه الأطراف قامت بالتدخل وقامت بعمليات قصف المدنيين بطائرات الأباتشي وإف16، وقامت بتسليح "الثوار" الذين شاركوا أيضاً بقدر كبير في عمليات القصف وارتكاب عمليات القتل الجماعي خارج النطاق القضائي، وذلك على النحو الذي أخجل وزيرة الخارجية الأمريكية هيلاري كلنتون والتي ناشدت الثوار بضرورة الامتناع عن عمليات الانتقام، وبرغم أن الأرقام الحقيقية ما تزال في طي الكتمان فإن المعلومات الموثقة تقول بأن عدد القتلى المدنيين والعسكريين خلال الستة أشهر الأولى كان في حدود 10 آلاف. ولكن وعند دخول "ثوار حلف الناتو" إلى العاصمة الليبية طرابلس فقد ارتفع هذا العدد إلى 50 ألف!

الجمل ـ قسم الدراسات والترجمة

إضافة تعليق جديد

لا يسمح باستخدام الأحرف الانكليزية في اسم المستخدم. استخدم اسم مستخدم بالعربية

محتويات هذا الحقل سرية ولن تظهر للآخرين.

نص عادي

  • لا يسمح بوسوم HTML.
  • تفصل السطور و الفقرات تلقائيا.
  • يتم تحويل عناوين الإنترنت إلى روابط تلقائيا

تخضع التعليقات لإشراف المحرر لحمايتنا وحمايتكم من خطر محاكم الجرائم الإلكترونية. المزيد...