إعادة ترسيم خارطة التحالفات السياسية الشرق أوسطية

21-01-2012

إعادة ترسيم خارطة التحالفات السياسية الشرق أوسطية

Image
Middle East in 1914

الجمل: دخلت التطورات الشرق أوسطية الجارية نقطة مفترق الطرق، على كافة المستويات الإدراكية والميدانية، وبالذات في مرحلة ما بعد خروج قوات الاحتلال الأمريكي من العراق، وفي هذا الخصوص تشير المعطيات الجارية إلى المزيد من الاحتمالات المتوقعة باتجاه تبلور المزيد من المواقف الإقليمية والدولية الميدانية بشكل قد يفضي إلى إعادة ترسيم خارطة التحالفات السياسية الشرق أوسطية والدولية ضمن سياقات جديدة: فما هي يا ترى التباينات الإدراكية والميدانية الجديدة التي بدأت تتشكل خلال مرحلة ما بعد الخروج الأمريكي من العراق، وما هو تأثير العامل السوري ـ الإيراني على معطيات الخارطة الجديدة.. وأيضاً على جدول أعمال محور واشنطن ـ تل أبيب؟

* جدول أعمال محور واشنطن ـ تل أبيب: تأثيرات العامل السوري ـ الإيراني
تقول المعلومات بأن دوائر صنع واتخاذ القرار الأمريكي والإسرائيلي أصبحت تتعرض لضغوط سلوكية وإدراكية متعاكسة الاتجاهات، وذلك لجهة الإجابة على التساؤلات الحرجة الآتية:
• لمن الأولوية: لاستهداف سوريا أم لاستهداف إيران؟
• ما الذي يتوجب القيام به في سوريا: إسقاط النظام، أم إشعال الحرب الأهلية، أم تكثيف الضغوط الدبلوماسية والسياسية والاقتصادية بما يؤدي إلى إضعاف وعزل سوريا..
• ما الذي يتوجب القيام به في إيران: إسقاط النظام، أم إشعال الاضطرابات العرقية الداخلية، أم تكثيف الضغوط الدبلوماسية والسياسية والاقتصادية بما يؤدي إلى إضعاف وعزل إيران، أم تكثيف العمليات السرية بما يؤدي إلى تدمير القدرات الإستراتيجية الإيرانية، أم القيام بعمل عسكري بما يؤدي إلى إنهاء الدولة الإيرانية.
تشير التسريبات والتقارير إلى أن الأطراف الضاغطة على عملية صنع واتخاذ القرار، ظلت على مدى الأسبوعين الماضيين، وهي أكثر اهتماماً ببناء وتنظيم حملات الذرائع، ويمكن الإشارة على سبيل المثال لا الحصر إلى الآتي:
• الأطراف الأمريكية الداعمة لاستهداف سوريا، تركز هذه الأيام على القول بأن سوريا فعلاً هي ليست ليبيا، وبالتالي إذا كانت واشنطن قد نجحت في استهداف ليبيا عن طريقة دفع حلفاءها لجهة القيام بإنجاز المهمة، فإن هؤلاء الحلفاء لن يستطيعوا القيام بإنجاز المهمة في سوريا، وذلك بسبب قوة دمشق. وبالتالي يتوجب على واشنطن أن تتولى بنفسها إنجاز المهمة على غرار ما فعلت في أفغانستان والعراق..
• الأطراف الداعمة لاستهداف إيران، تركز هذه الأيام على القول بأن فرض العقوبات وعمليات الحصار والعمليات السرية وبناء التحالفات المعادية لإيران، جميعها لن تجدي نفعاً. خاصة أن طهران قد أثبتت قدرة غير مسبوقة لجهة التغلب على هذه الضغوط إضافة إلى القيام باختراق كل منظومات العقوبات الاقتصادية والدبلوماسية المفروضة ضدها.
هذا، وعلى أساس اعتبار التصنيف النوعي، نلاحظ أن اليمين الديني الإسرائيلي هو الأكثر ميلاً لجهة القيام باستهداف إيران. وبالنسبة لليمين الأمريكي وجماعات اللوبي الإسرائيلي فهم الأكثر ميلاً لجهة استهداف سوريا ، وبدرجة أقل إيران.

* محور واشنطن ـ تل أبيب: صراع الخيارات المترددة
تحدثت التسريبات عن معطيات الخلافات داخل دوائر صنع واتخاذ القرار السياسي التدخلي الخارجي الأمريكي، وبالذات إزاء سوريا وإيران وبقية مناطق الشرق الأوسط، وفي هذا الخصوص نشير إلى الآتي:
أولاً: معسكر المطالبين بتفادي إشعال الحرب مع إيران: ويركزون على أن نتائج الامتناع عن إشعال الحرب مع إيران، هي الأفضل بالنسبة لتحقيق الأهداف الأمريكية، وبالذات لجهة القيام بتقويض القدرات الإيرانية وتغيير النظام الإيراني، ويستند هذا المعسكر على النقاط الآتية:
• السياسة الإيرانية غير الواقعية هي مصدر رئيسي لتزايد مشاكل إيران الداخلية والخارجية، وبالتالي فمن الأفضل ترك إيران تتمادى في توجهاتها غير الواقعية، طالما أن ذلك سوف يؤدي بالضرورة إلى صنع المزيد من المشاكل، ومن أمثلة ذلك أن توجهات السياسة الخارجية الإيرانية لم تنجح طوال الحقب الماضية في صنع المزيد من الأصدقاء والحلفاء الإقليميين.. وبالنسبة لتوجهات السياسة الداخلية الإيرانية، فهي لم تنجح في تحقيق التماسك الداخلي بين مكونات المجتمع الإيراني، إضافة إلى عدم النجاح في التغلب على الأزمات الداخلية، والتي بدأت تأخذ طريقها نحو التفاقم.
• النخبة الإيرانية الحاكمة تركز حالياً على استمرار وجودها في السلطة، مهما كان الثمن، الأمر الذي أثر على أداء آليات التداول السلمي للسلطة، وبالتالي، فإن تصلب النظام السياسي الإيراني باتجاه المزيد من الشمولية والتسلطية، هو أمر وارد وسوف يؤدي بالضرورة إلى تزايد وتائر المعارضة السياسية الداخلية وحركات الاحتجاج السياسي.
• ظلت طهران أكثر اهتماماً بالسعي لاستفزاز أمريكا، وذلك من أجل الحصول على المزيد من ردود الأفعال الأمريكية العدائية ضد إيران، الأمر الذي ظلت طهران تستخدمه كوسيلة لتعزيز الدعم الداخلي، وتعزيز قبضتها على السلطة.
• قد لا تكون طهران ساعية من أجل الحصول على القدرات النووية العسكرية غير التقليدية، وذلك لأن تقارير وكالة الطاقة الذرية العالمية قد نفت مراراً وتكراراً ذلك، إضافة إلى أن تقرير الوكالة الأخير والمزاعم الأمريكية والإسرائيلية التي تحدثت عن سعي إيران لجهة امتلاك الرؤوس الحربية النووية، تقارير غير حقيقية، ويدرك الأمريكيين جيداً أنهم هم والإسرائيليين قد قاموا بتزويرها، وبالتالي يتوجب إعادة التخمين بشكل واقعي لفرضية احتمال وجود قدرات نووية إيرانية غير تقليدية.
• حصول إيران على الرؤوس النووية غير التقليدية، لن يفيد طهران نفعاً لجهة التغلب على مشاكلها الاقتصادية والاجتماعية، وبكلمات أخرى الأزمة الاقتصادية لا يمكن تدميرها بالسلاح النووي، وأيضاً مشاكل الأقليات العرقية الإيرانية لا يمكن مواجهتها بالأسلحة النووية. 
ثانياً: معسكر المطالبين بتحسين علاقات أمريكا مع الشرق الأوسط: ويركزون على أن حركة الاحتجاجات السياسية الشرق أوسطية الجارية حالياً ضمن ما اصطلح على تسميته بـ(الربيع العربي) هي فرصة يصعب على أمريكا الحصول على مثلها لاحقاً، وبالتالي يتوجب على واشنطن السعي لاستغلال هذه الفرصة، وذلك من أجل تحسين علاقات واشنطن المتدهورة مع شعوب الشرق الأوسط، إضافة إلى تعزيز مفهوم حماية المصالح الأمريكية في الشرق الأوسط، وفي هذا الخصوص يطالب أنصار هذا المعسكر الإدارة الأمريكية لجهة القيام بالآتي:
• السعي لتنظيف صفحة واشنطن من تهمة دعم الأنظمة الديكتاتورية الشرق أوسطية السابقة، وبالذات نظام الرئيس المصري حسني مبارك، والرئيس التونسي زين العابدين بن علي، بما يتيح تحسين صورة أمريكا في أوساط الرأي العام.
• السعي لاحترام الديمقراطيات الصاعدة في مصر وتونس، إضافة إلى دعم قيام الديمقراطية في ليبيا، إضافة إلى دعم حركات الاحتجاجية السياسية المطالبة بالديمقراطية في اليمن والبحرين وبقية البلدان الشرق أوسطية الأخرى، وسوف يؤدي ذلك بالطبع إلى تعزيز احترام الرأي العام الشرق أوسطي لمكانة وأهمية أمريكا والتجاوب الشعبي مع توجهاتها في المنطقة.
• تكثيف الدعم الأمريكي لمنظمات المجتمع المدني الشرق أوسطية بكافة أنواعها وتوجهاتها، وفي نفس الوقت تقليل المساعدات العسكرية الأمريكية، الأمر الذي يطلق إشارة قوية في أوساط الرأي العام الشرق أوسطي مفادها أن أمريكا مع بناء الدول المدنية وليس العسكرية.
• توظيف مشهد الانسحاب العسكري الأمريكي من العراق، من أجل إظهار وتضخيم مفهوم أمريكي جديد يقول، أن واشنطن تسعى "من أجل وجود عسكري أمريكي أقل ودعم أمريكي أكبر للمدنيين الشرق أوسطيين".
• توظيف عملية دعم الديمقراطية ودعم احترام القانون، ودعم احترام حقوق الإنسان في عملية دعم أمن وحماية أمريكا والمصالح الأمريكية الشرق أوسطية.
تأسيساً على هذين الجانبين، فقد بدأت الخلافات الأمريكية ـ الإسرائيلية أكثر وضوحاً من خلال حديث رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو (الذي قال فيه بأن طهران قدرت أن تصبح دولة نووية، وأن الوقت قد بدأ ينفذ أمام إسرائيل) وبالمقابل لذلك لا تزال واشنطن أكثر تردداً لجهة التركيز على خيار محور ، هل سوريا أولاً وإيران ثانياً.. أم إيران أولاً وسوريا ثانياً، وعلى الأغلب أن تسعى واشنطن لجهة البحث عن خيارات ثالثة، وذلك لإدراكها بأن المواجهة مع إيران سوف لن تؤدي سوى إلى الكارثة الكبرى التي سوف تدفع ثمنها أمريكا وتكون إسرائيل ضحيتها الأولى. وأما بالنسبة لسوريا فقد أيقنت واشنطن بأن الفعاليات الاحتجاجية الجارية  أصبحت على وشك الانحسار.. بحيث لن تكون كافية لجهة الإطاحة بالنظام في محافظة من المحافظات ناهيك عن الإطاحة بكامل النظام السوري.

الجمل ـ قسم الدراسات والترجمة

إضافة تعليق جديد

لا يسمح باستخدام الأحرف الانكليزية في اسم المستخدم. استخدم اسم مستخدم بالعربية

محتويات هذا الحقل سرية ولن تظهر للآخرين.

نص عادي

  • لا يسمح بوسوم HTML.
  • تفصل السطور و الفقرات تلقائيا.
  • يتم تحويل عناوين الإنترنت إلى روابط تلقائيا

تخضع التعليقات لإشراف المحرر لحمايتنا وحمايتكم من خطر محاكم الجرائم الإلكترونية. المزيد...