الحرب دمرت أوروبا والمرأة أعادت بناءها!!

17-09-2008

الحرب دمرت أوروبا والمرأة أعادت بناءها!!

عجبت كثيرا من أحدهم وهو يفاخر بالمجتمع العربي عندما اتهم المجتمعات الغربية بأنهم أولاد «زنى»، لتبدو مفاضلتنا معهم على أننا أولاد صكوك قانونية وأولاد مؤسسات زوجية مسجلة بالقصر العدلي، حالة ملتبسة، إذا ما نظرنا إلى مفهوم الأسرة عند الغرب ومفهومها عندنا بشكل عام بعيدا عن القوانين التي تربط أفرادها فيما بينهم. والقضية في هذا السياق ليست تفضيل نظام اجتماعي على آخر، لكن الفكرة هي محاولة قراءة لاختلاف وضع المرأة والطفل أمام القانون بيننا وبينهم. 
 على مدى أربع سنوات مدة الحرب العالمية الثانية ولد الكثير من الأطفال الذين نسبوا لأمهاتهم اللاتي لا يتذكرن بالضبط من الأب الذي مر من هنا ذات يوم، مع فرقة عسكرية توقفت لمدة ساعتين أو يوم واختفى بعدها من الوجود على الجبهة، لذلك سجل الأولاد على اسم الأم. وبعد انتهاء الحرب تعزز دور الفرد الذي دفع ثمن الحرب مع الدولة غاليا، فانطلقت المرأة بقوة إلى العمل بسبب الفقر الذي خلفته تلك الحرب والتخريب الذي جرى على البنية التحتية واستنزاف موارد البلاد، من التي وضعت الأمهات والأولاد أمام واقع اجتماعي آخر. فكانت السنوات القادمة هي مرحلة النهوض الحقيقية التي أتت بكل ما هو جديد وغريب على البنية المجتمعية البرجوازية التي أعيد تشكيلها، فخلعت المرأة فستانها الطويل وارتدت البنطلون وقصت شعرها الطويل ورمت بكل زينتها جانبا وقررت خوض ميدان العمل عوضا عن زوجها وأخيها اللذين أكلتهما الحرب، كرد فعل وموقف من الحرب والواقع الذي دخله المجتمع الأوروبي، فأعلنت معه المرأة أن الحياة الشخصية وأعباءها الاجتماعية هي آخر ما ستكترث له، لأنها الآن تقوم بدور الرجال المرتبط بحجم المسؤولية والأعباء الحياتية، بعد تحولها بفعل الظروف إلى مخلوق ينوس بين عالمي الذكورة والأنوثة وحملها لمسؤوليتي الأم والأب. وضمن هذه الظروف العصيبة والقاسية والفقر وضغط الحياة العملية الجديدة عليها، أصبحت قضية الإنجاب أمراً مرهقاً، فظهرت قضية الإجهاض كموضوع حقوقي كبير كان يجب الاعتراف بها كحق للمرأة، عندما كانت في السابق غير قانونية، ومنحت لنفسها الخيار بعدم الالتزام بأعباء الزواج وبحقها بالإنجاب أيضاً، وتحملت عبء تربية هذا الطفل ودافعت عنه، مثلما دافعت عنه وحمته الدولة، فلم يُرم في حاويات القمامة أو يوضع أمام بيوت العبادة، ولم تنتحر أمه لأن أهلها سيقتلونها.

- أما ظروف العمل التمييزية فقد فتحت الباب واسعاً أمام المرأة لتطالب بتعديل وضعها الاجتماعي والاعتراف بها كإنسان وليس كمخلوق يقل قيمة عن الرجل وهذا ما لمسته المرأة عندما كان أجرها يقلّ بشكل أوتوماتيكي عن أجر الرجل لنفس العمل، وهذا ما تبنته لاحقا منظمات حقوق الإنسان لتتتالى بعدها انتصارات المرأة بالاعتراف بها قانونيا كإنسان مواز للرجل في الحقوق والواجبات، وعملياً لم تتحرر المرأة من هذا العبء إلا في بداية السبعينيات، ليكون الانطلاق من النقابات العمالية باتجاه الحقوق المدنية، ثم تطورت أكثر فكان ما يسمى التمييز الإيجابي بين الرجل والمرأة، والذي أيضاً يتجلى في ميدان العمل وكان إنجازا للنقابات العمالية، عندما بدأت المنح تُعطى للمرأة العاملة وخاصة عندما تنجب، حيث لم تكتف باستراحة الأمومة التي قد تمتد إلى السنة، ولكن أيضاً هناك إجازة مدفوعة أو نصف مدفوعة الأجر إذا قررت المرأة تربية ابنها لمدة قد تتفاوت بين السنة والسنتين. وقد ساهمت المرأة العاملة في أوروبا بمنح التمييز الإيجابي للرجل أيضاً الذي أصبح من حقه إجازة رعاية للأم وللطفل مثلما تمنح للمرأة وخاصة في الأشهر الأولى من الولادة وقد تزيد على سبعة وثلاثين أسبوعا في بعض أماكن العمل أو بعض البلدان الأوروبية، مثلما يتبادل الزوجان ميزة الانتقال إلى مكان عمل أحدهما إذا انتقل إلى مدينة أخرى.

- قابل اعتراف البلدان الغربية «بالحريات الشخصية» رديفاً قاطعاً وواحداً في البلدان العربية: «الحرية الجنسية»، وتحت هذه الذريعة الذكورية تأخر كثيرا وجود قانون مدني في الدول العربية، حجج رافضيه أن مساواة الرجل بالمرأة وفق قانون مدني سيحرر المرأة وسيجعلها تسيء التصرف لنفسها عندما ستتمكن من الاستقلالية لتصبح نسخة عن المرأة الأوروبية، المعتبرة حسب سلم قيمنا بأنها «منفلتة» من الأخلاق الناظمة للمجتمع، فهي تعيش وتنجب أولاداً خارج المؤسسة الزوجية، التي نحترمها نحن العرب كثيراً.. ولكن ليس إذا ما نظرنا كيف يتعامل قانون الأحوال الشخصية مع المرأة والولد داخل هذه المؤسسة التي نفاخر بها، بالمقارنة مع رعاية الدول الأوروبية لها، والفرق بيننا وبينهم أن الفرد (رجلاً، امرأة، طفلاً) في تلك البلدان هو منتج تنموي تحميه الدولة، أما الطفل والمرأة في مجتمعاتنا فهما أملاك شخصية ومتاع يملكه الرجل من خلال المؤسسة الزوجية المصكوكة باسمه، ولا يحتاج لفك رباطه بتلك المرأة إلا لفتح فمه والتلفظ بالطلاق! أما الطفل فهو بالضرورة سيكون مع والده بعد سن معينة، وسيحرم من العيش مع أمه حتى ولو كان هذا الأب غير مؤهل، أو إذا كانت الأم مؤهلة أكثر بالتربية، وسيصبح أساسا لنزاعات الأسرة التي سيتخللها كل ما يمكن من العنف الذي سيفرغ بالطفل، والذي يختلف عن الطفل الأوروبي بأن الدولة هي من ستتبنى الطفل وستدافع عنه وستحاسب الآباء إذا ما تمت الإساءة إليه، إن كان ابن حرام أو ابن حلال، مثلما تحمي المرأة الأم وتؤمن لها سبيلا لرعاية طفلها الذي سيدخل ضمن مشاريع التنمية للدولة!
هنا ستبدو المقارنة رهيبة إذا ما نظرنا إلى كيفية تعاطي المؤسسة الدينية- الشرعية، التي تخضع لها الأسرة، مع الولد والأم داخل المؤسسة الزوجية وخارجها، عندما سنرى أن آخر ما قد تفكر فيه هذه المؤسسة هو الحالة النفسية للأولاد. ففي الوقت الذي يعتبر فيه العلاقة مع امرأة أخرى غير الزوجة في البلاد الغربية مبرراً للطلاق، ينشغل الأب في مؤسستنا الزوجية منذ دخوله إليها بموجب القانون في التفكير بإتمام نصيبه من الزوجات الأربع طوال حياته الأسرية، حتى وإن لم يحصل الزواج، إلا أن الفكرة ستظل سيفاً موجهاً إلى الأم وسيبقى احتمال الزواج من أخرى قائماً، لنجد ببساطة أن الأب لن يتفرغ في الزواج لتربية أولاده وتنمية أسرته، وعند أول مشكلة مع زوجته سيبحث عن أخرى، وهي بيئة أو وضع قائم لن ينتج أناساً أصحاء! أما القانون الثاني الذي لا يلقي بالا على الأولاد هو عدم تمكن الأم من منح جنسيتها لابنها حين تتزوج من عربي طلقها وسافر، أو هجرها دون أن يطلقها، وسيقضي هذا الولد بقية عمره غريباً في بلد أمه، الذي لا يعرف بلداً غيره. أما الحضانة بعد الطلاق فإنها لا تكون حسب الأجدر، ولكن تمنح للأم خلال السنين الأولى وتسحب منها وتحال للأب أوتوماتيكيا. كذلك إذا ما تزوجت بآخر لأن الولد سيحرم من أمه إذا ما قررت أن تكمل حياتها، وستبدو واضحة تلك النزعة الاجتماعية في قانون الأحوال الشخصية التي تراعي العادات والتقاليد والأعراف بأساسها الذكوري، فالولد ابن أبيه والأم ليست سوى مربية مؤقتة له.
ويظهر الاجتماعي أيضاً في طبيعة العلاقة التي تربط الأبوين بعد الطلاق حيث سيتحولان إلى أعداء أبديين حسب السنة الاجتماعية التي تعيشها مجتمعاتنا العربية، على عكس ما يحصل في الغرب الذي يضع الولد في أول اهتمام الأبوين، وسيحافظ الأب والأم على علاقة طيبة من أجل حماية الولد نفسيا، وستقدم لأمه كل الإعانة اللازمة لتربيته، على عكس ما هي عليه المؤسسة الأسرية القاصرة عندنا والخارجة عن أي حماية، والمتروكة لقانون أحوال شخصية يظلم طرفين من أطراف ثلاثة في الأسرة هما الأم والطفل، وسيعيش الطفل مع شروخاته وأمراضه التي ستتكاثر بعد أن يكبر الطفل ويصبح رجلاً مخرباً!!

- لزمن طويل ظن الجميع أن هذه الميزات هي ميزات متعلقة بالجنس، أي ميزات تمنح للمرأة لأنهم يحترمون المرأة. أو متعلقة بزيادة الرفاهية. لكن الحقيقة أنها من أجل بناء المجتمع، عندما كان الطفل أو الولد هو القيمة المضافة التي سيتكئ عليها البلد من أجل المستقبل، والمحافظة على حقوقهم وصحتهم النفسية هي محافظة على بناء الدولة وقوتها.

فاديا أبو زيد

المصدر: الوطن السورية

إضافة تعليق جديد

لا يسمح باستخدام الأحرف الانكليزية في اسم المستخدم. استخدم اسم مستخدم بالعربية

محتويات هذا الحقل سرية ولن تظهر للآخرين.

نص عادي

  • لا يسمح بوسوم HTML.
  • تفصل السطور و الفقرات تلقائيا.
  • يتم تحويل عناوين الإنترنت إلى روابط تلقائيا

تخضع التعليقات لإشراف المحرر لحمايتنا وحمايتكم من خطر محاكم الجرائم الإلكترونية. المزيد...