الخيارات المتاحةأمام الصراع التركي–الكردي في تحركات اللحظةالأخيرة

24-10-2007

الخيارات المتاحةأمام الصراع التركي–الكردي في تحركات اللحظةالأخيرة

الجمل: وصل الوضع المتوتر على الحدود التركية – العراقية إلى حافة هاوية الحرب، وتشير المعلومات إلى أن المناوشات العسكرية وعمليات القصف المدفعي التركي ضد المواقع الكردية، قد دخلت مرحلة القصف التمهيدي الذي يسبق الاقتحام العسكري، وبرغم ذلك، وعلى خلفية المعطيات العسكرية والميدانية، ما تزال التحليلات والتكهنات تطرح بعض الإشارات المتضاربة حول إمكانية قيام القوات التركية -حقيقةً- بالاقتحام العسكري لشمال العراق، أم أن التحركات السياسية الأمريكية والأوروبية الجارية حالياً سوف تنجح في عرقلة الجيش التركي في القيام بتنفيذ العملية العسكرية الوشيكة؟
* الدبلوماسية التركية: تحركات اللحظة الأخيرة:
تقول المعلومات الواردة اليوم في الصحافة التركية، بأن الحكومة التركية قد باشرت القيام بإطلاق حملة دبلوماسية معلنة في بغداد على لسان «باباجان» وزير الخارجية التركي، وفي لندن على لسان رئيس الوزراء التركي رجب طيب أردوغان، تقول بأن تركيا ترغب في إعطاء الدبلوماسية فرصة أخيرة، مع التأكيد الشديد على استعداد وجاهزية الحكومة التركية لاستخدام التفويض البرلماني الممنوح لها، وإصدار الأوامر للقوات التركية بعبور الحدود التركية – العراقية، وتنفيذ العملية العسكرية في أي وقت.
* تحركات أردوغان في لندن:
لم يذهب أردوغان هذه المرة إلى واشنطن، واكتفى باختبار العاصمة البريطانية لندن، وعلى ما يبدو فإن هذا الخيار يعكس حالة الشكوك وعدم المصداقية التي باتت تنظر بها السلطات التركية الحالية إلى الدور الأمريكي في المنطقة، الأمر الذي يؤكد بأن ثمة إدراكاً تركياً جديداً قد تشكل وتبلور من خلال معطيات الأداء السلوكي الأمني والعسكري الأمريكي في إقليم كردستان العراقي، ومدى التناقض الواضح لهذا الأداء مع وعود والتزامات الإدارة الأمريكية للسلطات التركية بالتعاون في ملف حزب العمال الكردستاني التركي.
في لندن عقد رئيس الوزراء التركي أردوغان، مؤتمراً مشتركاً مع نظيره البريطاني غوردون براون، وقد ركز حديث أردوغان على النقاط الآتية:
• احتمال لجوء تركيا إلى عبور الحدود التركية – العراقية وتنفيذ العملية العسكرية في شمال العراق.
• احتمال لجوء تركيا للضغط على العراق، عن طريق فرض عقوبات تشمل:
* قطع إمدادات المياه.
   * قطع إمدادات الوقود والطاقة.
   * إيقاف المعاملات التجارية.
* تحركات باباجان في بغداد:
عقد وزير الخارجية  التركي في بغداد اجتماعاً مع نوري المالكي (رئيس وزراء حكومة الاحتلال)، وقد ورد في البيان المشترك لاجتماع باباجان – المالكي ما يلي:
«إن حزب العمال الكردستاني هو منظمة إرهابية، ويجب اتخاذ القرار بإغلاق مقراته وعدم السماح له بالعمل في الأراضي العراقية. ويجب العمل من أجل إنهاء الأنشطة الإرهابية التي يهدد خطرها العراق وتركيا».
وتقول المعلومات الواردة من العراق، بأن وزير الخارجية العراقي هوشيار زيباري (زعيم كردي ينتمي إلى الحزب الديمقراطي الكردستاني التابع لمسعود البرزاني رئيس حكومة كردستان الإقليمية) قد أعاد تأكيداته السابقة للوزير باباجان القائلة بأن العراق أصبح مستعداً لكبح جماح حزب العمال الكردستاني وإيقاف هجماته ضد تركيا. وقال زيباري أيضاً بأن العراق سوف يقوم بالحد من تحركات حزب العمال واستهداف مصادر تموينه.
وأضاف الوزير العراقي قائلاً، بأن الخطر المهدد لاستقرار شمال العراق الكردي، سوف تكون له عواقب خطيرة، كذلك أشار الوزير العراقي مؤكداً بأنه لن يسمح لأي حزب بما في ذلك حزب العمال الكردستاني، بالقيام بتسميم العلاقات الثنائية العراقية – التركية..
أما الرئيس العراقي جلال طالباني (الزعيم الكردي ورئيس الاتحاد الوطني الكردستاني الذي يقتسم السلطة في إقليم كردستان مع الحزب الديمقراطي الكردستاني التابع لمسعود البرزاني). فقد تحدث أمام الصحفيين بحضور وزير الخارجية التركي باباجان، قائلاً بأن بلاده قد طلبت من حزب العمال الكردستاني القيام بإيقاف هجماته العسكرية أو مغادرة العراق.
وتعقيباً على أحاديث والتزامات الرئيس العراقي (رئيس الاتحاد الوطني الكردستاني) ووزير الخارجية العراقي (الزعيم البارز في الحزب الديمقراطي الكردستاني)، علق وزير الخارجية التركي علي باباجان قائلاً بأن تركيا لا تفرق بين إرهابي خير وإرهابي شرير، لأن التصنيف بهكذا طريقة غير مقبول بالنسبة لأنقرة.
* العملية الدبلوماسية الوقائية الجارية: إشكالية التعارضات:
العملية الدبلوماسية الوقائية الجارية حالياً لتفادي الاقتحام العسكري التركي واندلاع القتال في الشمال العراقي هي عملية تشوب مصداقيتها الكثير من الشكوك، وذلك بسبب التعارض الذي بدا واضحاً في النوايا المزدوجة والمتعاكسة للأطراف المنخرطة في العملية الدبلوماسية، خاصة وأن النوايا غير المعلنة لكل طرف أصبحت واضحة للأطراف الأخرى:
• الإدارة الأمريكية: تزعم في العلن وقوفها إلى جانب حليفتها تركيا، وفي نفس الوقت تقدم الدعم لحزب العمال الكردستاني وبقية الحركات الانفصالية الكردية، وتتعهد لهم بالالتزام بعدم السماح لتركيا بأي عمل عسكري ضد شمال العراق.. وحالياً أصبحت السلطات التركية تدرك بوضوح خفايا النوايا الأمريكية غير المعلنة إزاء الصراع التركي – الكردي..
• الحكومة التركية: على خلفية إدراكها للدور المزدوج الذي تقوم به الإدارة الأمريكية، والدور المزدوج الذي يقوم به الزعماء العراقيون، فقد قررت المضي قدماً في مخطط تنفيذ العملية العسكرية، وحالياً تتحرك السلطات التركية من أجل دفع الأطراف الأخرى لاستنفاذ كافة ذرائعهم المتعلقة بإمكانية الحل الدبلوماسي، وحصر الإدارة الأمريكية في المربع الأخير بحيث لا يكون أمامها أي فرصة جديدة.
• الحكومة العراقية: ومن الواضح أنها تعاني من الانقسام والخلافات إزاء الملف الكردي، ويمكن توضيح هذه الخلافات على النحو الآتي:
* خلاف المالكي – طالباني: وهو خلاف التحالف القائم في بغداد، فمجموعة نوري المالكي ترى الوقوف إلى جانب تركيا تفادياً لخطر الصراع والحرب، وتسعى هذه المجموعة في نفس الوقت إلى إخفاء ميولها للعمل العسكري التركي لأنه سوف يضعف نفوذ الحركات الكردية التي تمادت في التواطؤ مع الأمريكيين والإسرائيليين بشأن استمرار الاحتلال وتقسيم العراق.
* خلاف كردي – كردي: تعاني مجموعة الطالباني من الخلافات أيضاً، وبرغم إجماع الأطراف الكردية العراقية على رفض ومقاومة التدخل العسكري التركي في شمال العراق، إلا أنهم مختلفون حول مدى جدوى أنشطة حزب العمال الكردستاني بشمال العراق في الوقت الحالي، ويرى البعض من هؤلاء بأن تجميد نشاط حزب العمال الكردستاني في هذا الوقت سوف يتيح للحركات الكردية العراقية بسط نفوذها على كردستان العراقية، وللحركات الكردية الإيرانية تصعيد صراعها ضد إيران، وفي نفس الوقت يؤمن استمرارية الدعم الأمريكي طالما أنه لن يكون هناك خلاف تركي – أمريكي إذا تم تجميد أنشطة حزب العمال الكردستاني.. وأما بالنسبة لحزب العمال، فإن مسألة التجميد غير مقبولة لأن ذلك سوف يؤدي إلى تغييب الحزب تماماً عن الساحة السياسية التركية، وسوف تتفرد الأحزاب الإسلامية الكردية التركية بالسيطرة على المنطقة، والمضي قدماً في عملية التعاون مع حكومة حزب العدالة والتنمية الجديدة.. كذلك يحاول حزب العمال، ويتواطأ معه بعض الزعماء الأكراد وعلى وجه الخصوص مسعود البرزاني، لإقناع الإدارة الأمريكية وإسرائيل بأن تفعيل وتنشيط الحركات الكردية في جنوب تركيا سوف يؤدي إلى إضعاف حكومة حزب العدالة والتنمية، وعودة الأحزاب العلمانية والقومية التركية إلى السلطة، وهو حلم أمريكا وإسرائيل في هذا الوقت...
* الخيارات المتاحة أمام الصراع التركي – الكردي:
بالنسبة لتركيا، وعلى خلفية الوضع الميداني القائم حالياً في شمال العراق، يعتبر الخيار العسكري هو الأكثر احتمالاً، خاصة وأن السلطات التركية قد أصبحت:
• تواجه ضغوطاً شعبية بسبب المظاهرات الغاضبة في كل المدن التركية، والتي طالبت حكومة حزب العدالة والتنمية بتنفيذ العمل العسكري.
• تواجه ضغوط المؤسسة العسكرية المتأهبة للعمل العسكري والتي ترى في التحركات الدبلوماسية مجرد مضيعة للقوت.
• تواجه انتقادات الأحزاب وقوى المعارضة السياسية العلمانية، التي ترى في عدم قيام حكومة حزب العدالة والتنمية بتنفيذ العملية العسكرية ضعفاً وتقصيراً في الالتزام بحماية أمن وسلامة تركيا..
أما العوامل المواتية للعملية العسكرية التركية ضد شمال العراق، فتتمثل في:
• إدراك دول المنطقة لمدى خطر تزايد تهديدات أنشطة الفصائل والحركات الانفصالية الكردية، والتي أخذت طابعاً حركياً عابراً للحدود، بحيث أصبح إقليم كردستان العراقي يقوم اليوم بدور "القاعدة" التي توفر الملاذ الآمن للحركات الانفصالية الكردية الناشطة في إيران وتركيا وبقية المنطقة..
• النتائج المترتبة على العملية العسكرية التركية ضد شمال العراق سوف لن تتوقف حصراً على تدمير قواعد حزب العمال الكردستاني، بل سوف تتجاوز ذلك إلى القضاء على مخطط ضم منطقة كركوك الغنية بالنفط إلى كردستان، مما يؤدي إلى حرمان الفصائل والحركات الانفصالية الكردية من المورد الرئيسي الذي تخطط للاعتماد عليه، وأيضاً إلى توظيفه في بناء العلاقات الثنائية مع الشركات الأمريكية والإسرائيلية.. وإضافة لذلك، فإن القضاء على الحركات الانفصالية الكردية سوف يؤدي إلى استقرار منطقة شمال العراق، على النحو الذي يقود إلى تعزيز التعاون المستقبلي بين دول المنطقة الأربعة المجاورة لإقليم كردستان العراقي: سوريا، تركيا، إيران، والعراق.. كذلك فإن شبح التدخل الأجنبي بواسطة أمريكا وإسرائيل سوف يتم القضاء عليه، وبالتالي تضمن تركيا بأن أمريكا وإسرائيل لن تحاولا استخدام "الورقة الكردية" مستقبلاً في القيام بالمزيد من عمليات الضغط والابتزاز ضد أنقرة..
عموماً، ومع تزايد شبح حرب القوات التركية – حزب العمال الكردستاني، فإن الصراع، كما هو واضح، سوف يتسع أكثر فأكثر، وذلك لأن القتال لن يكون بين القوات التركية وعناصر حزب العمال الكردستاني وحسب، بل سيتسع ليصبح صراعاً تركياً كردياً، ومن خلال مجرى الصراع، فإن أبرز النتائج القصيرة الأجل قد تتمثل في:
• تخفيف الضغوط ضد إيران.
• تمتع مجموعة المالكي بالمزيد من حرية الحركة في بغداد.
• تزايد الخلافات بين الزعماء الأكراد.
• تزايد موجات نزوح الأكراد من الشمال إلى مناطق وسط العراق، وبسبب خلفيات تعاون الحركات الكردية مع الاحتلال الأمريكي، فمن المؤكد أن تحدث بعض الصراعات بين العراقيين السنة والعراقيين الأكراد، لذلك، تقول التوقعات بأن موجات النزوح الكردي سوف تتدفق عابرة الحدود باتجاه شمال سوريا، الأكثر استقراراً في الوقت الحالي.
إن اندلاع الصراع التركي – الكردي سوف يؤثر على مستقبل الوجود الأمريكي في العراق، وذلك لأن أمريكا برغم محاولتها الحالية لكسب الوقت وإطالة عمر لعبتها المزدوجة الهادفة إلى دعم الحركات الكردية ضد العرب من جهة، والاستفادة من مزايا تحالفها مع تركيا من جهة أخرى، فإنها سوف تكون امام خيارين، إما تركيا وإما الحركات الكردية الانفصالية.
وتقول المعلومات بأن الإدارة الأمريكية قد حزمت أمرها عل خيار التخلي عن الحركات الكردية، والوقوف نهائياً إلى جانب تركيا.. ومن سخرية القدر أن الإدارة الأمريكية طوال الفترة الماضية، وكما قالت صحيفة هيرالد صن الأسترالية الصادرة صباح اليوم، فإن الرئيس بوش قد عرض على الأتراك قيام أمريكا بمساعدة الجيش التركي بقصف الأتراك..
ويقول تقرير الصحيفة الأسترالية: "تدرس الإدارة الأمريكية أمر الضربات الجوية، بما في ذلك استخدام صواريخ كروز، ضد جماعة حزب العمال الكردستاني في شمال العراق"، كما تقول معلومات الصحيفة أن الرئيس بوش قد نقل هذا العرض في محادثة هاتفية مع الرئيس التركي عبد الله غول.

الجمل: قسم الدراسات والترجمة

إضافة تعليق جديد

لا يسمح باستخدام الأحرف الانكليزية في اسم المستخدم. استخدم اسم مستخدم بالعربية

محتويات هذا الحقل سرية ولن تظهر للآخرين.

نص عادي

  • لا يسمح بوسوم HTML.
  • تفصل السطور و الفقرات تلقائيا.
  • يتم تحويل عناوين الإنترنت إلى روابط تلقائيا

تخضع التعليقات لإشراف المحرر لحمايتنا وحمايتكم من خطر محاكم الجرائم الإلكترونية. المزيد...