الصيادلة يتهربون من صرف وصفات «التأمين»

02-03-2016

الصيادلة يتهربون من صرف وصفات «التأمين»

تكاد معاناة المتعاقدين مع شركات التأمين الصحي وخصوصاً شريحة موظفي جهات القطاع العام، لا تنتهي فوق مرضهم، وتصلح أن تتحول إلى قصص تروى كما هي الحال الآن. فالمعاناة تبدأ من لحظة البحث عن صيدلية قريبة من مكان مسكن الموظف أو موقع وظيفته، مروراً بالتساؤل هل الصيدلية متعاقدة مع الشركة الطبية المعنية، وستقوم بصرف الوصفة التي يبرزها المتعاقد؟
 تقليعات
 الموضة السائدة حالياً أن أغلبية الصيدليات لا تصرف الوصفات بدعوى حجج وذرائع واهية على شكل (تطفيشة) أو (تقليعة) لكن بطرق لبقة كأن يجيب الصيدلاني أن أصناف الادوية الموصوفة غير متوافرة لدينا حاليا، أو أنها مقطوعة من المصدر – علما أن 80 % من الدواء محلي الصنع- أو يتحجج بأن شبكة الانترنت مفصولة. وغير ذلك الكثير من الأعذار التي لا يمكن وصفها إلا «بأعذار أقبح من ذنب».
إقحام
 أيُعقل أن يكون هذا سلوك الصيدليات المتعاقدة مع الشركة، ولا نعلم ما السبب الحقيقي الذي يحول دون صرف الصيدليات للوصفات؟ وهل الأخيرة تتحمل مسؤولية إقحام المتعاقد في دوامات البحث عن بدائل أخرى كإلغاء اشتراكه مع الشركة، والتوجه إلى أخرى – لن نقول أنها أفضل وإنما تؤمن له أبسط الحقوق التي ينص كتيب التأمين، والذي- بالمناسبة- لا يغطي اختصاصات ومجالات كثيرة من الأمراض والعلاجات والأدوية، وكأن الشركة قد أخطأت أو نسيت أن تزود المتعاقدين بالكتيب المغطى، فأرسلت له الكتيب غير المغطى، ذلك أن هناك الكثير من العلاجات لا تغطيها باعتبارها مُصنفة في خانة التجميل والفيتامينات والمسكنات.
نهفات
 يقول أحد المتعاقدين: إن غطت شركة التأمين صنفا دوائيا بعينه موصوفاً في الوصفة، فإنها لا تصرف أكثر من علبتين، علما أن الطبيب قد وصف ثلاث أو أربع علب. فالثابت أن المتعامل مريض والطبيب قد وصف له الدواء حتى يشفى، وهو أدرى بحالته إن كان بحاجة علبة أو اثنتين لأنه لن يقدر على بيعها- إن فكر- ذلك أن الصيدلية تأخذ قصاصات من العلب عليها اسم الصنف الدوائي مع الوصفة.
وفقا لخريطة شركات التأمين ومنها كيركارد وميدكسا على سبيل المثال والتي تتضمن أسماء الصيدليات المتعاقدة، فإن المتعامل المقيم في منطقة المزة عليه أن يتوجه إلى القصاع مثلاً حتى يجد صيدلية تصرف له الدواء هذا إن صرفته أصلاً.
يقول المتعاقد (م. ح): «توجهت في يوم واحد إلى خمس صيدليات متعاقدة مع شركة (ك. د) ولم تصرف وصفتي، اثنتان ادعتا أن الشركة متوقفة عن الصرف، واثنتان أخريان ادعتا أن الانترنت مقطوع مع العلم أن الانترنت متوافر في معظم المناطق».
عيادات الأطباء
 هذا ما يتعلق بالصيدليات، ولكن الصورة أكثر قتامة في عيادات الأطباء والمشافي المتعاقدة، وكأن المراكز الطبية تتصدق على المتعاقدين وتكمن معاناة المريض الحقيقية في البحث عن طبيب مختص متعاقد مع شركة تأمين وخاصة أن أغلب هذه الشركات لم تحدّث بياناتها حيث يُفاجأ المريض بإلغاء اشتراك الطبيب المدرج اسمه في الخريطة مع شركة التأمين المتعاقدة معها الجهة التي ينمتي إليها المواطن بحجة أن التأمين (مو جايب همو في ظل تبدل سعر صرف الليرة) فالشركات تتأخر في دفع مستحقاتها إلى الطبيب لمدد قد تصل إلى ستة أشهر ما يزيد الأمر سوءا لتبدأ رحلة جديدة بالبحث عن طبيب آخر متعاقد بنفس الاختصاص.
وفي عيادات الأطباء يقع المريض في دوامة المواعيد وقائمة الانتظار المطولة حالما يعرفون أن المريض من (عليلي) بطاقة التأمين لا نعلم إن كان هذا مقصودا أم لا أو أن أغلبية الناس مرضى وكأن المريض يبحث عن صدقة.
تساؤل مشروع
 أسئلة كثيرة تتطلب إجابات صريحة وواضحة من إدارات الشركات ووضع حد لهذه التصرفات والتجاوزات إما بعقود جديدة أو إجبارها على الصرف من دون أي تقاعس، وقبول المرضى في المشافي ولاسيما أن هناك جهات حكومية عديدة متعاقدة معها، ما يعني أن مدة التعاقد أبدية طوال فترة الوظيفة والتقاعد.
وفي معرض رده على التساؤلات والشكاوى المثارة ألقى مدير هيئة الإشراف على التأمين الدكتور عمار آغا جانبا من المسؤولية على المواطن لجهة عدم تقديمه شكاوى حول المشكلات التي يلاقيها من مقدمي الخدمة الطبية (أطباء، صيدليات، مشاف، مخابر) مؤكداً أن جميع الشكاوى المقدمة إلى الهيئة أو المؤسسة تتم معالجتها مباشرة.
واعتبر آغا أن أهم المشاكل التي تحول دون تطوير مشروع التأمين الصحي تتمثل بزيادة تكاليف وأسعار الخدمات الطبية حيث مازالت شركات التأمين الصحي تتعامل مع عيادات الأطباء على أساس التسعيرة التي وضعتها وزارة الصحة لعام 2004 والمقدرة 700 ليرة سورية للمعاينة الواحدة في حين تسعيرة الطبيب التي يتقاضاها من المواطن خارج التأمين تصل إلى أكثر من ضعفي تسعيرة الصحة.
وأوضح آغا أن المؤسسة العامة السورية للتأمين عقدت اجتماعاً ضم وزارة الصحة ونقابتي الأطباء والصيادلة وهيئة المخابر والأشعة والجهات الأخرى المعنية بموضوع الخدمات الطبية المقدمة من أجل دراسة الأسعار ونحن بانتظار قرار وزارة الصحة بتعديل أسعارها.
ورأى الآغا أن رفع البدل الخاص بالتأمين الصحي بات حاجة ملحة وعلى المؤسسات الحكومية التي يتبع لها المؤمن دراسة إمكانية رفع قسط العامل لديها أو أن يكون بشكل اختياري، الأمر الذي يتيح للشركة رفع مستوى الخدمات الصحية وزيادة مجالات التغطية الصحية لتشمل اختصاصات أخرى غير موجودة في عقد التأمين بين الشركة والجهة المتعاقدة وخاصة أنه مع غلاء الأسعار فإن 8000 ليرة التي تدفع إلى شركات التأمين سنوياً مقابل كل عامل مؤمن عليه في المؤسسات الحكومية (3000 سنويا من قبل الجهة المتعاقدة مقتطعة من أجور العامل بشكل شهري و5000 ليرة تدفعها وزارة المالية) لم تعد كافية لتقديم الخدمات الطبية بالشكل المناسب.
وبين آغا أن حجج مقدمي الخدمات الطبية حول وجود تأخير من قبل شركات التأمين بدفع مستحقاتها لا صحة لها حيث تقوم هذه الشركات بالتسديد خلال مدة أقصاها 45 يوماً من تاريخ ورود الفواتير من قبل مقدمي الخدمة سواء كانوا صيدليات أو أطباء أو مشافي أو مخابر، إلا أن رفع مستوى الوعي التأميني للمواطن من أهم العوامل التي تساهم في الارتقاء بواقع التأمين الصحي في سورية وذلك بتعاون شركات التأمين والمؤسسة العامة السورية للتأمين والأطراف ذات العلاقة.
ورغم كل ما ذكر من مشكلات ومبررات بما يخص موضوع التأمين الصحي فإنه لا يعقل أن تكون الخدمات بهذا الشكل في وقت تحتضن سوق التأمين السورية العشرات من شركات التأمين خاصة وعامة، حيث يفترض بها أن تتنافس من أجل رفع مستوى الخدمة لا أن يصاب أداؤها بالترهل وتقاذف المسؤوليات والتهرب منها أحياناً وهي في أول مشوارها المهني وخاصة أن عدد متعامليها يقدر بمئات الألوف.

رجاء يونس

المصدر: الوطن

إضافة تعليق جديد

لا يسمح باستخدام الأحرف الانكليزية في اسم المستخدم. استخدم اسم مستخدم بالعربية

محتويات هذا الحقل سرية ولن تظهر للآخرين.

نص عادي

  • لا يسمح بوسوم HTML.
  • تفصل السطور و الفقرات تلقائيا.
  • يتم تحويل عناوين الإنترنت إلى روابط تلقائيا

تخضع التعليقات لإشراف المحرر لحمايتنا وحمايتكم من خطر محاكم الجرائم الإلكترونية. المزيد...