العمل بعقود شفهية لمدّة تصل إلى عشرين عاماً

18-09-2008

العمل بعقود شفهية لمدّة تصل إلى عشرين عاماً

حكاية نحو الف عامل وأسرهم في محافظة الرقّة، لايمكن أن يلخّص مسيرتها في حياتهم سوى الاسم الرسمي الذي أطلق عليهم، فهؤلاء العمّال اسمهم «عرضيون».

هؤلاء العرضيون الذين بدأ بعضهم في العمل في مؤسسة استثمار وتنمية حوض الفرات منذ سنوات طوال وصلت إلى عشرين عاماً، عاش خلالها هؤلاء العمّال وأسرهم المعنى الحقيقي لكلمة "عرضيين" فقد كانوا فعلاً يتعاملون على انهم طارئون في كل شيء، إلى أن أصبحوا اليوم أمام اللحظة التي تندمج فيها مؤسستهم مع مؤسسة استصلاح الأراضي، وليفهموا عملياً ولأوّل مرّة معنى تسميتهم الوظيفية عندما يقول لهم ولي أمرهم الجديد: مع السلامة. ‏

رغم أنّ على أكتافهم كانت تنهض أعمال البنية التحتية لنحو 70 ألف هكتار من الأراضي بأعمالها الزراعية والصيانة والمتابعة وصولاً إلى أدنى المهن في هذا المجال، فقد كان هؤلاء العمّال يتقاضون راتباً ثابتاً لايتجاوز 6500 ليرة سورية وهو اقل اجر حكومي في الدولة على الإطلاق، وهذا الراتب لايفهم مامعنى التضخّم او ارتفاع الأسعار أو التطورات التي حصلت على بنية الأسواق وتحرير الأسعار، فهو ثابت لايتحوّل، بل ونزيدكم من الشعر بيتاً أنّ هذا الراتب حاله حال العمّال الذين يقبضونه، لايخضع للترفيع الذي يناله موظفو الدولة كل عامين، كما لايخضع لأية صيغة من صيغ الضمان الصحّي، ولا الإجازات الصحية والإدارية، وغيرها مما نص عليه قانون العاملين الأساسي بصيغتيه القديمة والجديدة. 
 ‏ بعض هؤلاء العاملين بدؤوا مع ولادة مؤسسة حوض الفرات في بداية الثمانينيات، ثم انضم إليهم الآخرون ليكمّلوا هذا العدد البالغ نحو ألف عامل يعيلون مامتوسطه نحو 6 آلاف فرد من أسر محافظة الرقة التي تسمّى رسمياً «محافظة نامية». ‏

منذ البداية جرت معاملتهم على انّهم عمّال بلاهوية وبلا أمان وظيفي، فقد تم تشغيلهم بلاعقود وبلا صكوك رسمية كالتي يعمل على أساسها نحو 165 عاملاً من عمّال المؤسسة ذاتها وغيرهم الآلاف في مؤسسات الدولة استناداً إلى قانون العاملين الأساسي. ‏

هؤلاء العمّال الذين نحن بصدد الحديث عن النهاية الكارثية لمصيرهم المهني بعد هذه الخدمة الطويلة والمليئة بالمعاناة كانوا يعملون بشكل شبه شفهي غير مستندين إلى أية ورقة رسمية تحميهم أو تحمي حقوقهم. ‏

وحتى حين تنبّهت القيادة القطرية إلى حالهم وأصدرت قرارتها بتسوية اوضاعهم وتوزيع أراضي مزارع الدولة ومساكنها في المزارع التي يعملون بها، كان نصيب هؤلاء العمّال الذين نتحدّث عنهم أنّهم خرجوا من المولد بلاحمّص وبقوا حتى تاريخه عمّالاً عرضيين، بينما جاء بعض أقارب النافذين في محافظة الرقّة ليحصلوا على الأراضي التي هي من حق هؤلاء العمّال دون جهد بل بجرّة قلم أثبتت التحقيقات اللاحقة من الرقابة والتفتيش بأنّ الكثيرين حصلوا على تلك الأراضي بالتلاعب والتزوير، تاركين هؤلاء العمّال الدراويش تحت مسمّى عمال عرضيين ورهناً «للتقليع» في أية لحظة، وهو الأمر الذي وصلوا إليه على مايبدو كمكافأة لنهاية الخدمة. ‏

خلال سنوات عملهم كان هؤلاء العمّال يتعرّضون للفصل لفترات متقطعة، ولذلك فلمّا جاء قانون العاملين الأساسي رقم 50 وجد أنّ لدى هؤلاء العمّال انقطاعات في العمل تزيد عن خمسة عشر يوماً فلم يفلحوا في الحصول على عقود رسمية ليتم تحويلهم من تسمية عمّال عرضيين إلى مؤقتين، لاسيما أنّ قانون العاملين الأساسي لاينص على وجود صيغة «العرضيين» هذه. ‏

ليأتي هذا مشروع القانون الذي لم يسمع به أحد حتى ظهر في وسائل الإعلام انّ الحكومة أقرّته، دون أن نسمع لأعضاء مجلس الشعب المنتمين إلى هذه الطبقة الكادحة أي حسّ أو خبر. ‏

وربما كانت مسيرة مشروع القانون هذا من العجالة بمكان لدرجة أنّ مدير عام حوض الفرات الحالي كان متفاجئاً به كما أفادنا، ولذا فقد كان ردّه الوحيد على سؤالنا عن مصير هؤلاء الألف عرضي والموقعين على لوائح الشكاوى، مطالبين بتوضيح مصيرهم قبل أن تقع الفأس في الرأس. ‏

كان مدير عام حوض الفرات جاسم العسكر يخمّن في إجابته بأنّ العمّال العاملين بصكوك مؤقتة ربما يستمرون في أعمالهم في المؤسسة الجديدة، بينما لم يستبعد تسريح الألف عامل والذين يسمّون «عرضيين». ‏

ورغم أنّ عدم اطلاع مدير عام إحدى المؤسستين المزمع دمجهما على مجرّد فكرة الدمج، فضلاً عن مشروع القانون الذي سيحدد مصيره ومصيره موظفيه، رغم أنّ هذا الأمر يعتبر طريفاً للغاية ومؤشراً على شفافية المؤسسات المعنية في محافظة الرقة ووزارة الري، فإنّ طبخ عملية الدمج بهذه العجالة والسريّة، يستحق التساؤل عن حق هؤلاء العمّال في معرفة مصيرهم على الأقل وإشراكهم في النقاش للوصول إلى صيغة من صيغ الحل. ‏

البيان الرسمي الذي صدر عن الحكومة قبل أيام كان عاماً وغير مفصّل فقد ورد فيه أن جلسة مجلس الوزراء أقرّت: «مشروع القانون الذي يقضي بأن تحل المؤسسة العامة لاستصلاح الاراضي محل المؤسسة العامة لاستثمار وتنمية حوض الفرات بما لها من حقوق وما عليها من التزامات ودمجهما في مؤسسة واحدة بهدف توحيد الجهة المسؤولة عن أعمال تشغيل واستثمار وصيانة المشاريع المائية وما يتبع لها من شبكات ري ومحطات ضخ رئيسية وثانوية وغيرها من المنشآت المساعدة». ‏

لتأتي هذه الصيغة الجديدة وتضاف إلى مجموع الغرائب التي سجّلها تاريخ هاتين المؤسستين، فقد كانتا مؤسسة واحدة منذ إنشائها في عام 1968 تحت اسم المؤسسة العامّة لاستثمار حوض الفرات، ثم جرى فصلهما عام 1981 لتصبح كل واحدة منهما مؤسسة مستقلة: المؤسسة العامّة لاستصلاح الأراضي والمؤسسة العامّة لاستثمار وتنمية حوض الفرات. ‏

بحيث تحددت مهام كل منهما بحسب المرسوم التشريعي رقم 27 وفقاً لمايلي: تحدد مهمة المؤسسة العامة لاستصلاح الأراضي بإجراء التحريات والبحوث والدراسات ووضع التصاميم والإشراف على تنفيذ وصيانة مشاريع الري والصرف واستصلاح الأراضي والمنشآت التابعة لها في المناطق التي يمكن ريها من نهر الفرات وروافده وبحيرة الأسد ، وكذلك القيام بكل ما يكلفها به وزير سد الفرات من مهام أخرى في حدود اختصاصها . ‏

وتحدد مهمة المؤسسة العامة لاستثمار وتنمية حوض الفرات بالقيام باستثمار وتنمية الأراضي المستصلحة في حوض الفرات زراعيا واجتماعيا وفقا للخطط الزراعية المعتمدة ، وتأمين الخدمات الفنية والاجتماعية بما يتناسب مع أنماط الاستثمار المحددة لكل من مناطق الاستصلاح والقيام بكل ما يكلفها به وزير سد الفرات من مهام أخرى في حدود اختصاصها . ‏

ثم جاء قرار من وزير الري بدعم أهمية مؤسسة حوض الفرات فأصدر قراراً في عام 2007 كلّفها بإدارة وتشغيل وصيانة شبكات الري والصرف ومحطات الضخ ليس في الرقة وحدها بل في حوض الفرات مشتملاً: الرقة، حلب، دير الزور، لكنّ هذا القرار لم ينفّذ على أرض الواقع كما يكشف أمين فرع الحزب في محافظة الرقة عبد الرزاق الجاسم. ‏

واليوم يأتي مشروع قانون الدمج بصيغة واضحة وهي حل مؤسسة حوض الفرات على أن تحل محلّها مؤسسة استصلاح الأراضي، وهي الصيغة التي زادت من تخوّف هؤلاء العمّال البالغ عددهم نحو ألف عامل، لاسيما أنّ رب عملهم الجديد الذي هو مؤسسة استصلاح الراضي لايعترف بنظامه الداخلي بصيغة من قبيل: عمّال عرضيين... ولذلك فإنّ مصيرهم بأنّهم سيصبحون معرضين للانضمام إلى صفوف البطالة في محافظة الرقة. ‏

حمود المحمود

المصدر: تشرين

إضافة تعليق جديد

لا يسمح باستخدام الأحرف الانكليزية في اسم المستخدم. استخدم اسم مستخدم بالعربية

محتويات هذا الحقل سرية ولن تظهر للآخرين.

نص عادي

  • لا يسمح بوسوم HTML.
  • تفصل السطور و الفقرات تلقائيا.
  • يتم تحويل عناوين الإنترنت إلى روابط تلقائيا

تخضع التعليقات لإشراف المحرر لحمايتنا وحمايتكم من خطر محاكم الجرائم الإلكترونية. المزيد...