سوريا السفينة التي تبحر في محيط من الشرور

18-10-2007

سوريا السفينة التي تبحر في محيط من الشرور

الجمل: تتميز بيئة الأمن الإقليمي الشرق أوسطي بديناميكيتها المتجددة والمتسارعة الإيقاع والخطى، ولفترة طويلة ظلت بيئة الأمن الإقليمي عرضة للاهتزازات والزلازل، على النحو الذي يدفع الأطراف الشرق أوسطية على الاستمرار في حالة "استباق" الأحداث الدراماتيكية، لجهة عدم إتاحة الفرصة لوقوعها وتداعياتها التي قد تعصف بالاستقرار العالمي دفعة واحدة.
* سوريا وديناميكيات بيئة الأمن الإقليمي الشرق أوسطي:
تقع سوريا في مركز واحدة من الحلقات الجيو-سياسية التي تعتبر الأكثر أهمية في العالم لجهة احتوائها على الشرور والمخاطر... ويمكن أن نستعرض أبرز صناديق الشر والمخاطر الموجودة حالياً على النحو الآتي:
* صندوق الشر العراقي: وتتضمن محتوياته: الصراع الكردي – العربي، الصراع السني – الشيعي، الصراع السني – السني، الصراع الشيعي – الشيعي، الصراع العراقي- الأمريكي..
* صندوق الشر اللبناني: وتتضمن محتوياته: منظومة الصراع الطائفي – البيني، صراع الموالاة - المعارضة، شبكات عملاء كل أجهزة الأمن الإسرائيلية كـ«الموساد» و«الشين بين»، المخابرات العسكرية الإسرائيلية وغيرها، شبكات عملاء وكالة المخابرات المركزية الأمريكية، الزعماء السياسيون اللبنانيون الذين يضعون خدماتهم تحت طلب أمريكا وفرنسا وإسرائيل، شبكات الإعلام التي تنخرط بوعي أو دون وعي في العمليات النفسية السرية، الفساد المؤسسي والوظيفي، عصابات ومافيات التهريب البري والبحري والجوي، وهلمجراً..
* صندوق الشر الأردني: وتتضمن محتوياته: الحركات الأصولية الإسلامية المتصاعدة، النظام الملكي الذي وضع نفسه في خدمة إسرائيل، الاقتصاد المتزايد التبعية والهامشية، المخابرات الأردنية التي انخرطت في حرب الوكالة الاستخبارية السرية نيابة عن المخابرات الإسرائيلية ضد دول المنطقة وضد حركات المقاومة اللبنانية والفلسطينية على النحو الذي انزلقت فيه المخابرات الأردنية في برنامج تخطي النطاق السيادي الأردني، والقيام بتنفيذ عمليات الوكالة الاستخبارية العابرة للحدود في لبنان، والعراق، والأراضي الفلسطينية، وبقية المنطقة..
* صندوق الشر التركي: وتتضمن محتوياته الصراع الكردي – التركي، والقواعد الأمريكية، وقواعد حلف الناتو، إضافة إلى الصراع المحتمل بين المؤسسة العسكرية التركية وحكومة حزب العدالة والتنمية التي تحاول معالجة الموقف.. إضافةً إلى ملف الأزمة القبرصية، واحتمالات قيام أمريكا وإسرائيل باستغلاله وتوظيفه على النحو الذي يعيد انفجار بركان الصراع اليوناني – التركي الذي ظل هامداً لفترة طويلة..
* صندوق الشر الإسرائيلي: وهو الصندوق الذي يمكن وصفه بـ"أبو الأشرار"، ومن أبرز محتوياته: الصراع الفلسطيني – الإسرائيلي، الصراع الفلسطيني – الفلسطيني، الصراع السوري – الإسرائيلي، الصراع اللبناني – الإسرائيلي... وإذا أضفنا الصراعات الإسرائيلية مع بقية دول العالم، فإن منظومة الشر الإسرائيلي سوف تتفوق في نطاقها وتعقيداتها على شبكة «غوغل Google» العالمية لخدمات الانترنيت..
* سوريا ومهددات البيئة الأمنية الإقليمية الشرق أوسطية:
تشبه البيئة الأمنية الشرق أوسطية رقعة الشطرنج تماماً، وحالياً أصبح كل مربع من مربعات رقعة الشطرنج هذه بمثابة "مستودع" يختزن طاقات العنف والتهديد الأمني الكامن، والتي إذا انطلقت من أي مربع فإن تداعياتها الأمنية العنيفة سوف يتردد صداها في بقية المربعات:
 * المهددات الداخلية:
* مهددات اقتصادية: تتمثل في المشكلات الاقتصادية المزمنة (المتميزة بطابعها الهيكلي والبنيوي) والتي أدت إلى الارتفاع المستمر لمؤشرات البطالة والتضخم والأنشطة الاقتصادية غير القانونية (الاقتصاد السرّي أو الموازي)، على النحو الذي رفع معدلات "المعاناة الاقتصادية" بسبب انخفاض القدرة الشرائية للأفراد والانخفاض الحاد في مستوى المعيشة ومتوسط دخل الفرد وبالتالي التراجع الكبير فيما يمكن أن نطلق عليه "نوعية الحياة".
* مهددات سياسية: وتتمثل في الأنظمة التي ربطت بين بقائها في السلطة والارتباط بإسرائيل.. ومن أمثلتها دول المعتدلين العرب وحكومة السنيورة.
* مهددات اجتماعية: تتمثل في تزايد عمليات الاصطفاف القائم على أساس الخطوط الطائفية والإثنيّة. وحالياً يمكن القول بأن عدد الجماعات الطائفية والإثنيّة والمذهبية السياسية المسلحة وغير المسلحة بخلاياها الناشطة والـ"نائمة" قد تجاوز العشرات وأصبح بالمئات... وذلك إضافة إلى موجات اللجوء والنزوح الكبيرة بالملايين، والتي تجاوزت الحراك الداخلي وأصبحت تتميز بطابعها العابر للحدود...
* مهددات عسكرية: وتتمثل في ترسانة السلاح الإسرائيلية، والميليشيات المسلحة، وعمليات سباق التسلح، إضافة إلى الصراعات المسلحة الدائرة حالياً في العراق، جنوب تركيا، والأراضي الفلسطينية، بالإضافة إلى بؤر التوتر الوشيكة الاشتعال في لبنان، ومرتفعات الجولان السوري الذي تحتله إسرائيل. إضافة لكل ذلك، هناك كارثة الحرب الإسرائيلية – الأمريكية ضد إيران، والاقتحام العسكري التركي لشمال العراق..
* المهددات الخارجية:
وهي مهددات تشعبت اتجاهاتها وتداخلت هياكلها وبنياتها، بحيث أصبح مصدر التهديد الرئيسي يتمثل في الولايات المتحدة وإسرائيل، والمصادر الثانوية التي تقدم المساندة للخط الرئيسي هي الأمم المتحدة والاتحاد الأوروبي، هذا، وعلى أساس الاعتبارات النوعية يمكن استعراض التهديدات الخارجية على النحو الآتي:
* مهددات اقتصادية: وتتمثل في عمليات فرض اقتصاديات السوق، التي تقول المزاعم الظاهرية بأنها تهدف إلى تحقيق التنمية والإصلاح الاقتصادي، ولكنها من الناحية الباطنية تهدف إلى فرض حالة التبعية الاقتصادية الكاملة للاقتصاد الرأسمالي الغربي.. وتتدرج ضمن آليات التهديد: القروض والمعونات، سياسات مثلث البنك الدولي وصندوق النقد الدولي ومنظمة التجارة العالمية.
* مهددات سياسية: تتمثل في أجندة السياسة الخارجية الأمريكية المرتبطة بالأجندة السياسية الإسرائيلية، ودور الأطراف الخارجية في دفع بعض القوى السياسية في المنطقة إلى التخلي عن التوجهات السياسية الوطنية، واعتماد أجندة المشروع السياسي الأمريكي – الإسرائيلي، ومن أبرز الأمثلة على ذلك تحالف قوى 14 آذار اللبنانية، وتوجهات الحكومة المصرية والأردنية.
* مهددات عسكرية: وتتمثل في القواعد العسكرية الأمريكية الموجودة في المنطقة، إضافة إلى محاولات حلف الناتو للتمركز عن طريق تمديد المنطقة العسكرية الجنوبية للحلف بما يشمل كامل منطقة الشرق الأوسط، وذلك إضافة إلى الحشود العسكرية الضخمة غير المسبوقة في العراق والخليج وأفغانستان وأيضاً وجود القوات الدولية في جنوب لبنان..
والآن، على خلفية كل "صناديق الشر" الموزعة في مناطق الجوار السوري، ومنظومة المهددات التي حوّلت كل الشرق الأوسط إلى مسارح للحروب الفرعية "الباردة" و"الساخنة"، المنخفضة والمرتفعة الشدة، فإن التوقعات أصبحت تنذر بـ"تجمع" هذه البؤر الساخنة والباردة، ضمن بركان واحد، قد يأخذ شكل "الحرب العالمية الثالثة" التي تحدث عنها الرئيس الأمريكي جورج بوش بالأمس..
حتى الآن ما تزال المعطيات السياسية والأمنية الإقليمية والدولية تطرح أمام سوريا أكثر من سؤال، وبالذات إزاء الاعتبارات المتعلقة بالطبيعة النوعية والكمية للتهديدات، ومسار تطور وتصاعد خطر المهددات الرئيسية، واحتمالات تطور المهددات الثانوية وتحولها إلى مهددات رئيسية. وبرغم ذلك ما تزال سوريا تعمل بهدوء وحذر من أجل نزع فتيل الانفجار ودرء خطر اندلاع الحرب في المنطقة.. ولكن هل المجتمع الدولي راغب في ذلك؟ وهو السؤال الجدير بالاهتمام على خلفية الغرور والعجرفة الإسرائيلية – الأمريكية التي تصوّر الأمور وكأن العالم قد أصبح في جيب بوش الذي يعمل -مجبراً وغصباً عنه- رهن إشارة تل أبيب وجماعة المحافظين الجدد..


الجمل: قسم الدراسات والترجمة

إضافة تعليق جديد

لا يسمح باستخدام الأحرف الانكليزية في اسم المستخدم. استخدم اسم مستخدم بالعربية

محتويات هذا الحقل سرية ولن تظهر للآخرين.

نص عادي

  • لا يسمح بوسوم HTML.
  • تفصل السطور و الفقرات تلقائيا.
  • يتم تحويل عناوين الإنترنت إلى روابط تلقائيا

تخضع التعليقات لإشراف المحرر لحمايتنا وحمايتكم من خطر محاكم الجرائم الإلكترونية. المزيد...