كيري يتناول المسألة السورية في موسكو: بداية طريق وعر أم الدخول في الألعاب القذرة؟

16-05-2013

كيري يتناول المسألة السورية في موسكو: بداية طريق وعر أم الدخول في الألعاب القذرة؟

الجمل- دمتري مينين- ترجمة: د. مالك سلمان:

ناقش وزير الخارجية الأمريكية جون كيري مجموعة كبيرة من القضايا في موسكو, بما في ذلك القمة المرتقبة. وكان الاتفاق على عقد مؤتمر دولي حول سوريا لتشكيل حكومة انتقالية مع نهاية هذا الشهر ذات أهمية خاصة. وقد سارع بعض المراقبين لوصفه بأنه إنجاز طال انتظاره في الجهود الرامية إلى إنهاء النزاع الذي مزق البلاد. لكن مراقبينَ آخرين كانوا أكثرَ حذراً, وأشاروا إلى العقبات الكثيرة التي ستواجه هذه الجهود. فحكومة الأسد لا تزال مستقرة بما فيه الكفاية؛ كما أن روسيا والصين مصممتان على منع أي تدخل أجنبي. ولكن من خلال الموافقة على المبادرة الروسية, تسعى واشنطن إلى تحقيق أهدافها الخاصة.
تبعاً ﻠ "الجزيرة", يبدو الاتفاق أشبه بريشة في قبعة الدبلوماسية الروسية التي تمسكت, منذ البداية, ببيان جنيف بصفته الطريقة الوحيدة لحل المشكلة. وتشير إلى أن الاتفاقية الروسية – الأمريكية تؤكد على هدف تشكيل حكومة انتقالية تمثل كافة أطراف النزاع. وتخلص المحطة إلى أن الولايات المتحدة تقدم تنازلات كبيرة, بما في ذلك مصير الرئيس بشار الأسد. ويذكرنا ذلك بكلمات السيد كيري الذي قال "من المستحيل بالنسبة إلي كشخص" أن أتخيل الرئيس الأسد مستمراً في الحكم. قال كيري, إن هذا القرار يحدده الشعب السوري فقط. وتابع قائلاً: "لكنني لن أقرر ذلك الليلة. ولن أقرر ذلك في النهاية. لأن بيان جنيف يقول سيتم اختيار الحكومة الانتقالية باتفاق كافة الأطراف ... النظام الحالي والمعارضة." وافق الوزير على أن اتفاق جنيف تحدث عن موافقة كافة الأطراف المعنية. ونقلت "الجزيرة" من موسكو أن الأطراف المعنية بالنزاع لم تقتنع بعد بأن الولايات المتحدة وروسيا قد توصلتا إلى اتفاق. وهذه هي المهمة الأساسية بالنسبة إلى روسيا والولايات المتحدة.
قبل الزيارة بأسبوع, قام مسؤولون في وزارة الخارجية الأمريكية بالتأكيد على حوار سلام في سوريا يتضمن التحول السياسي في البلاد, مما يعني أن على الرئيس الأسد والمقربين منه أن يتنحوا.
"لدى أمريكا رؤية غير واقعية حول طريقة سير الدبلوماسية, وربما تعمدوا ذلك لأنهم لا يريدون الدبلوماسية في حقيقة الأمر, واعتقدوا أنهم سيحققون انتصاراً سريعاً," قال جوشوا لانديس, مدير "مركز دراسات الشرق الأوسط" في جامعة أوكلاهوما. لكن المعارضة "المؤيدة للغرب" تهرب, بينما يعزز الإسلامويون مواقعهم – وهو شيء لا يمكن لواشنطن أن تتجاهله. في موسكو, وافق كيري على أن سوريا تجذب المتطرفين. وربما يكون هذا انعكاساً لتنبيه وزير الخارجية الروسي في اجتماعهما الأخير في بروكسل. فقد قال لافروف في مؤتمر صحفي حول نتائج المباحثات مع وزير الخارجية الأمريكي جون كيري واجتماع الناتو – روسيا في بروكسل: "أشعر أكثر بضرورة سرعة الانتقال من الكلام والمناشدات إلى العمل الفعلي. وآمل أن نرى تحركات إضافية قريباً من أولئك الذين كانوا يشككون بذلك في السابق."
وبشكل خاص, أكد حينها على "فهمه بأنه في حال استمرار الأقلية في المجتمع الدولي في المراهنة على الحرب لتحقيق الانتصار النهائي, فإن المتطرفين سيهيمنون."
ربما يكون موقف الولايات المتحدة قد تأثر بفشلها في إلصاق تهمة استخدام الأسلحة الكيماوية بالحكومة السورية. فقد قال أحد الأعضاء البارزين في لجنة التحقيق التابعة للأمم المتحدة حول سوريا إن هناك أدلة تشير إلى أن المتمردين هم من استخدم الأسلحة الكيماوية. وقد قال لافروف في موسكو إن الاتحاد الروسي قلق, ولكن يجب عدم تحويل القضية إلى رهينة للاستفزازات المتنوعة: "لا نريد لهذه القضية أن تصبح أسيرة لأي استفزازات", كما قال, على الأقل مع غياب أية أدلة على حقيقة ما يقال. وبدوره, قال كيري إن مسألة تزويد المعارضة السورية بالسلاح, وهو ما يصر عليه العديد من أعضاء مجلس الشيوخ, سيتم تقريرها على أساس التحقيق الشامل في استخدام الأسلحة الكيماوية.
وفي الوقت نفسه, يرى الخبراء عقبات كبيرة في طريق تطبيق هذه الاتفاقيات. فالكثير سيعتمد على الأطراف المتورطة في النزاع السوري, بما في ذلك الجيران. فليس من قبيل المصادفة أن يزور وزير الخارجية روما, فورَ مغادرته موسكو, للقاء تسيبي ليفني, وزيرة العدل الإسرائيلية, وناصر الجودة, وزير الخارجية الأردني. فبالإضافة إلى النزاع الإسرائيلي – الفلسطيني, كانت سوريا على الأجندة. إذ من الممكن أن تشعرَ كلتا الدولتان المتورطتان في القتال إلى جانب المعارضة أن واشنطن قد "استخدمتهما ثم رمتهما", بعد أن ورطتهما في النزاع. فإذا كانت واشنطن, بطريقة أو أخرى, جاهزة للتصالح مع حقيقة بقاء الحكومة السورية في السلطة, من المؤكد أن تل أبيب وعَمان ستواجهان مصاعبَ كبيرة في التعاطي مع دمشق التي أبديا العداءَ ضدها سابقاً. وهذا هو الثمن الذي يدفعه كل من يندفع لخدمة المصالح الأجنبية. فالاستغلال والنسيان ممارسة عادية لدى البيت الأبيض. ومع ذلك بمقدور كلتا الدولتين, وخاصة إسرائيل التي تتمتع بتأثير أكبر, أن يتصرفا في كلتا الحالتين. ففي حال تطورت الأحداث بشكل خاطىء, من المحتمل أن تعمل إسرائيل على عرقلة العملية من خلال عمليات قصف جديدة.
العقبة الأولى هي لائحة المشاركين. إذ إنها ستحدد تركيبة الحكومة القادمة. وسوف تدفع واشنطن ﺑ "المجلس الوطني السوري" و "الجيش السوري الحر", متجاهلة متطرفي "جبهة النصرة". كما أنها سترغب في رؤية العناصر الأقل أهمية وولاءً في الحكومة تعيق مشاركة الأسد ونظامه. فليس هناك أي دليل على أن المقاتلين المتطرفين سيلقون السلاح. كما أن المعارضة المدعومة من الغرب ترغب في دخول العاصمة بمساندة القوة الجاهزة لتقديم كل الدعم الذي تحتاجه لاحقاً.
إن تقسيماً بسيطاً للسلطة مع وجود قادة محنكين لن يؤدي إلى أية نتيجة في القريب العاجل. والمعارضة السورية المؤيدة للغرب ليست متحمسة جداً حول المؤتمر. فمشاركة الأسد نفسه تشكل مشكلة كبيرة. يقول محمود الحمزة, وهو عضو في "المجلس الوطني المعارض, إنه يؤيد عملية السلام, ولكن من دون الأسد. فبحسب رأيه, على الرئيس السوري أن يتنحى؛ وهذا ما تتفق عليه المعارضة. وتبعاً لرأيه, "روسيا تريد أن تبدأ المحادثات دون أي شروط مسبقة, لكن هذا غير مقبول بالنسبة إلى أولئك الذين يشنون حرباً على النظام منذ سنتين." واللاعب الوحيد الذي يؤيد المبادرة الروسية بشكل كامل هو دمشق. فقد قال وزير الخارجية لافروف أثناء المؤتمر الصحفي إن وزير الخارجية السوري وليد محي الدين المعلم قد أكد, في مكالمة هاتفية, استعدادَ بلاده للمشاركة في المؤتمر بناءً على اتفاقيات جنيف. وقد قال, إن الحكومة السورية شكلت سلفاً بعثة خاصة لمحادثات إدارة الأزمة. ولكن لم يبدر أي رد عن المعارضة حتى الآن.

يبدو أن روسيا تحقق تقدماً ملحوظاً في سياستها حول سوريا, لكنها تواجه مصاعبَ دبلوماسية في جهودها الرامية إلى دفع هذه العملية إلى الأمام. إذ إن هناك أسباباً تدفعنا للاعتقاد إن البيت الأبيض ينوي استخدامَ كل زخم "قوته اللينة" في نمط المفاوضات الجديد لتحقيق النتيجة الضرورية "بشكل أو آخر". فتبعاً ﻠ "شيكاغو تريبيون", تعلم موسكو لو أن الولايات المتحدة ترغب فعلاً في إدارة الأزمة السورية, فإنها لن تنتظر موافقة روسيا. فحقيقة أن إدارة أوباما تسعى إلى موافقة روسيا تظهر لموسكو أن واشنطن مترددة. وربما تعتقد روسيا أن كيري يفهمها. وفي الوقت نفسه, سوف تستخدم الولايات المتحدة غيابَ التعاون مع موسكو كذريعة أخرى لدهورة الوضع في سوريا بشكل أكبر.
وبشكل خاص, من المفيد عدم استخدام روسيا للضغط على الأسد لتقديم تنازلات من طرف واحد. كما حصل, على سبيل المثال, في التسعينيات من القرن الماضي عندما كان ميلوسوفيتش يقود الصرب خلال الأزمة اليوغوسلافية. وعندها سيقومون بالضغط على دمشق ويستبعدون روسيا.
بمقدور البيت الأبيض التملص بسهولة من الالتزامات السابقة بحجة عدم موافقة الكونغرس, كما حدث في العديد من المناسبات في الماضي. وقد قال بوب كوركر, عضو لجنة العلاقات الخارجية في الكونغرس, ﻠ "سي بي إس" الثلاثاء: "أعتقد جازماً أننا سنقوم بتسليح المعارضة قريباً."
ولكن يجب على موسكو أن تلتزمَ بعمليتها الرئيسة. وتهدف هذه السياسة إلى دعم الشرعية السورية والقانون الدولي, وليس أشخاصاً بعينهم. حيث قال لافروف, "لسنا مهتمين بمصير أفراد معينين". إن محاولات توريط روسيا في مواجهة مع القوى المتطرفة في سوريا لا تقل خطورة.
يمكن للمؤتمر الدولي المزمع عقده حول سوريا أن يؤتي ثمارَه إذا شاركت كافة الأطراف المعنية في الحكومة. فلدى الحكومة الانتقالية الفرصة لإعادة الاستقرار إلى البلاد في حال تمثيل كافة القوى الشعبية والسياسية.

تُرجم ("ستراتيجيك كلتشر فاونديشن", 11 أيار/مايو 2013)

الجمل: قسم الترجمة

إضافة تعليق جديد

لا يسمح باستخدام الأحرف الانكليزية في اسم المستخدم. استخدم اسم مستخدم بالعربية

محتويات هذا الحقل سرية ولن تظهر للآخرين.

نص عادي

  • لا يسمح بوسوم HTML.
  • تفصل السطور و الفقرات تلقائيا.
  • يتم تحويل عناوين الإنترنت إلى روابط تلقائيا

تخضع التعليقات لإشراف المحرر لحمايتنا وحمايتكم من خطر محاكم الجرائم الإلكترونية. المزيد...