مطران بريطانيا: مسيحيو المشرق لن يذوّبوا

18-09-2015

مطران بريطانيا: مسيحيو المشرق لن يذوّبوا

بلغة هادئة واثقة، يجيب مطران أيرلندا والجزر البريطانية سلوان أونر عن أسئلة «السفير»، في أول حوار صحافي له عقب سيامته. فهو لا يتردد في قول ما يريد، ولا يحب التكتم والابتعاد عن الواقع في إجاباته حول المواضيع الحساسة مسيحياً، خصوصاً تلك التي تشغل بال الرأي العام، وعلى رأسها موضوع هجرة المسيحيين من الشرق.
المطران الأول على أبرشية بريطانيا المستحدثة بقرار بطريركي لا ينكر أن هجرة المسيحيين من المشرق لعبت دوراً أساسياً في استقلال بريطانيا عن مطرانية أوروبا، وتحولها إلى مطرانية مستقلة. فقد ازداد عدد الرعية هناك، «ويجب علينا ككنيسة فعل الخير لهم ومتابعتهم والاهتمام بحاجاتهم الروحية» يقول أونر. ويضيف الواقع الجديد، واتساع جغرافيا مطرانية أوروبا أن يكون هناك مطرانيتان جديدتان «ألمانيا، وبريطانيا» إلى جانب مطرانية فرنسا، فيما ظلت السويد معتمدية تابعة للبطريرك في دمشق.المطران سلوان أونر
نقص أعداد المسيحيين في المشرق أمر يحزن أونر، لكنه لا يخشى على وجودهم. ويقول: «هم يتناقصون لكنهم لن يذوبوا من الشرق»، مؤكداً «انهم باقون، باقون، باقون»، ومن ثم ينظر إلى جدران مطرانية الروم الأرثوذكس في اللاذقية (عمرها 1400 عام)، مضيفاً «لن يختفي المسيحيون من الشرق، فلا شيء يقوى على الكنيسة، فهي باقية للأبد. والمسيحية كالخميرة تخمر المكان والمسيح حاضر ولا يقبل ذوبان المسيحيين».
وكيل المطران السابق في اللاذقية يرد على التساؤلات حول دور الآباء في الحد من الهجرة بأنهم مكبلون أمام هذا الملف الشائك فهم عاجزون عن منعها، وإذا قالوا للشخص لا تسافر فقد يعود لهم بعد أيام ليلومهم على مقتل ولده في الحرب، وإذا قالوا له سافر فإنهم بذلك يساعدون في إنقاص عدد المسيحيين في المشرق، لذلك فهم يلتزمون الصمت في الإجابة عن سؤال الهجرة، وإن كانوا يتمنون أن يبقى الناس جميعا، وألا يسافر أحد.
ينظر الكثيرون في الشرق للمطران أونر على أنه يملك فكراً منفتحاً، ما سيساعده في مهماته الجديدة، فهو ذاهب من مجتمع مسيحي عاطفي إلى مجتمع مسيحي عقلي مادي، وهذا رهان كبير ينتظره منذ لحظة وصوله، وهو أيضاً يرى أن الغرب يفكر بطريقة مختلفة عن الشرق، ويعود بالتاريخ لقرون عديدة مضت عندما انفصلت الكنيسة المشرقية عن المغربية، موضحاً أن «الغرب بعقليته كان سبباً في هذا الانشقاق».
من وجهة نظر أونر فإن الفكر المسيحي في الشرق مختلف عنه في الغرب، لكنه في الوقت ذاته يرى أن الطائفة الأرثوذكسية، التي ينتمي إليها، موجودة في كل أنحاء العالم بفكر ودستور وإيمان واحد، وبالتالي فهو ذاهب لرعاية أرثوذكسيين من الفكر نفسه، وإذا كانوا قد تغربوا قليلاً عن الفكر الأرثوذكسي القويم حسب تعبيره، فإنه سيعمل لإعادتهم للأصالة، مع تشديده على عبارة إذا كانوا تغربوا، علماً أن نسبة كبيرة من رعية أبرشيته هم أرثوذكس بريطانيو الأصل انتسبوا للكنيسة الأنطاكية في عهد البطريرك الراحل هزيم.
خلال حديثه، يشدد أونر على أن «الإلحاد هو نتيجة الفكر الغربي الذي يعتمد فقط على العقل ويقصي القلب، بما فيه ذلك الذي انتشر نسبياً في الشرق، حيث إن الفكر الغربي بدأ يغزو أجيالنا بسبب الهجرة والاحتكاك». ويضيف، مفاخراً بشرقيته، «نحن في الشرق مشكلتنا هي عدم الثقة بما نملك، وسهولة امتصاصنا لما يملكه الآخرون، وبالتالي نتأثر بهم ظناً منا أننا بذلك تحضرنا بدل أن نحضر الغرب بالفكر الشرقي. الغربيون لا يشعرون بوجود الله في قلوبهم، والشرقيون يصلون إلى الإلحاد عندما يغربون الله عن قلبهم».
لكن المطران المتجه إلى أوروبا، مهد الغربيين، يعود ليقول إن الكنسية واحدة في كل العالم، ولا يمكن تحديدها بمكان، في إشارة منه للدعوة إلى وحدة الكنيسة.
أونر يرفض الاعتراض القائل إن كلامه يخلق صداماً بين العقل والقلب عند الإنسان، ويستشهد بنفسه، فهو يحمل دكتوراه في الهندسة. ويقول «هنا اعتمدت على العقل، أما في العلاقة مع الله فقد مزجت العقل في القلب، ووضعت الله في قلبي»، مضيفاً أنه «سيحمل معه إلى بريطانيا محبة الله ودفء العلاقة معه، وفكر الآباء الأنطاكيين، وعلى رأسهم يوحنا الدمشقي، وسينقل آلام الشرق ووجعه، ليكون شاهداً لكل متألم».
طوال حديثه كان المطران أونر، الذي يعتز بسوريته، يتحدث بلغة عربية فصيحة، لكنه فجأة تحول للحديث بلغة عامية عفوية عندما انتقلنا للحديث عن سوريا. ويقول «بآمن فيها كثير، ورح ضل صليلها لتنتصر، وتنتصر المحبة فيها». موضحاً أنه سيغادر سوريا لكنها ستبقى تسكنه، ويجد في مهامه الجديدة فرصةً للتواصل مع الغرب والقول لهم بأنهم أخطأوا في تكوين آرائهم عن سوريا، ومن ثم يشكك في أنهم سيسمعون أو يريدون أن يسمعوا، ويخص بذلك السياسيين.
ويتابع أونر حديثه المفعم بالعاطفة، قائلاً «سأتحدث عن الألم الذي يعيشه الشرق، والذي من الممكن أن يزول جزء منه بموقف أو بقرار من الغرب. سأحكي لهم عن الصورة الداخلية لما يحدث في بلادي، ولن أتوقف عن الكلام في هذا الشأن. سأوضح لهم تماماً أنهم إذا كانوا يريدون الخير لسوريا وللمسيحيين فعليهم أن يسعوا ليؤمنوا لهم سبل البقاء، لا أن يساعدوهم على الهجرة».
ويختم صاحب موقع المنارة الأرثوذكسية، رجل الدين المشبع بالفكر الشرقي والمعروف عنه ميوله للتواصل البصري والحسي، بالقول «علينا ألا نبتعد عن الأجيال التي باتت مرتبطة ارتباطاً وثيقاً بالتكنولوجيا»، داعيا الى الاستثمار، في ما أسماه مجازاً بالعصرنة في إيصال الكلمة البشارية لكل العالم، فالتعامل مع التكنولوجيا ليس خطأً، وإنما الخطأ يكمن في الابتعاد عنها، لأنه يؤدي للابتعاد عن الأجيال التي هي امتداد الكنيسة.

بلال سليطين

المصدر: السفير

إضافة تعليق جديد

لا يسمح باستخدام الأحرف الانكليزية في اسم المستخدم. استخدم اسم مستخدم بالعربية

محتويات هذا الحقل سرية ولن تظهر للآخرين.

نص عادي

  • لا يسمح بوسوم HTML.
  • تفصل السطور و الفقرات تلقائيا.
  • يتم تحويل عناوين الإنترنت إلى روابط تلقائيا

تخضع التعليقات لإشراف المحرر لحمايتنا وحمايتكم من خطر محاكم الجرائم الإلكترونية. المزيد...