من أفغانستان إلى سوريا: حقوق المرأة, الدعاية الحربية و "سي آي إيه"

06-04-2013

من أفغانستان إلى سوريا: حقوق المرأة, الدعاية الحربية و "سي آي إيه"

الجمل- جولي ليڤيسك- ترجمة: د. مالك سلمان:

ما لا يعرفه الشعب الأمريكي (النساء الأفغانيات الآن)[وربما شعوب العالم الأخرى] هو أن الولايات المتحدة نشرت تعاليمَ الجهاد الإسلامي في كتب مدرسية "صنعت في أمريكا" تم وضعها في جامعة نبراسكا:
" ... أنفقت الولايات المتحدة ملايين الدولارات لتزويد أطفال المدارس الأفغانية بكتب مدرسية مليئة بالصور العنيفة والتعاليم الإسلامية المتطرفة, كجزء من خطط سرية للتحريض على مقاومة الاحتلال السوفييتي.
وقد شكلت كتب تعليم مبادىء القراءة هذه – المليئة بالحديث عن الجهاد ورسوم البنادق وارصاص والجنود والألغام –جوهرَ المقررات التعليمية في المدارس الأفغانية منذ ذلك الوقت ...
يدافع البيت الأبيض عن المحتوى الديني بالقول إن المبادىء الإسلامية تهيمن على الثقافة الأفغانية, وإن الكتب ‘متوافقة تماماً مع القانون الأمريكي والسياسة الأمريكية’. لكن الخبراء القانونيين يتساءلون إن كانت هذه الكتب تشكل خرقاً لحظر دستوري على استخدام أموال الضرائب للترويج للدين.
... وقد قال مسؤولون في ‘وكالة التنمية العالمية’ في مقابلات أجريت معهم إنهم تركوا المعلومات الإسلامية كما هي لأنهم كانوا يخشون من أن التربويين الأفغان سيرفضون كتباً تفتقر إلى جرعة قوية من الفكر الإسلامي. وقد أزالت الوكالة شعارَها, وأي ذكر لحكومة الولايات المتحدة, عن الكتب الدينية, كما قالت المتحدثة باسم ‘وكالة التنمية العالمية’ كاثرين ستراتوس.
وقالت ستراتوس: ‘لا يندرج تعزيز المبادىء الدينية ضمن سياسة وكالة التنمية العالمية, لكننا مضينا في هذا المشروع لأن الهدف الرئيسي ... هو تعليم الأطفال, وهو نشاط علماني بشكل رئيسي.’
... تم وضع هذه الكتب المدرسية, المكتوبة باللغتين الأفغانيتين الرئيسيتين ‘داري’ و ‘بشتون’, في بداية الثمانينيات من القرن الماضي بمنحة من ‘وكالة التنمية العالمية’ لجامعة نبراسكا/أوماها و ‘مركز الدراسات الأفغانية’ الموجود فيها. وقد أنفقت الوكالة 51 مليون دولاراً على برامج الجامعة التعليمية في أفغانستان من سنة 1984 وحتى سنة 1994." ("واشنطن بوست", 23 آذار/مارس 2002)

ومضات تاريخية
قبل وصول "طالبان" إلى السلطة, كانت النساء الأفغانيات يعشنَ حياة شبيهة, إلى حد كبير, بحياة النساء الغربيات.
ففي الثمانينيات من القرن الماضي, كانت كابول "مدينة كوزموبوليتانية. كان الفنانون والهيبيون يتوافدون إلى العاصمة. وكانت النساء تدرس العلومَ الزراعية والهندسية والأعمال في جامعة المدينة. كما كانت النساء الأفغانيات يحتلين المناصبَ الحكومية." كما كانت هناك نساء في البرلمان الأفغاني, وكانت النساء يقدنَ السيارات, ويسافرنَ, ويصادقنَ الرجال, دون الحاجة إلى أخذ إذن الذكر الوصي على العائلة.
ومن باب المفارقة, تبين مقالة نشرت في مجلة "فورين بوليسي" ["السياسة الخارجية"] (2010), وهي ناطقة باسم "واشنطن بوست" أسسها صموئيل هنتنغتون, حقوقَ المرأة الأفغانية قبلَ التمرد الجهادي المسلح برعاية الولايات المتحدة:
"ل يبدو حَرَم جامعة كابول ... مختلفاً كثيراً اليوم. لكن الناس مختلفون. ففي الخمسينيات والستينيات من القرن الماضي, كان الطلاب يرتدون ملابسَ غربية, وكان الرجال والنساء يتعاطون مع بعضهم البعض بحرية نسبية. أما اليوم, فإن النساء يغطينَ رؤوسهنَ ومعظم أجسامهنَ, حتى في كابول. فبعد ذلك بحوالي نصف قرن, يعيش النساء والرجال في عالمين مختلفين تماماً.
في الخمسينيات والستينيات من القرن الماضي, كان بمقدور النساء دخول معترك الحياة الوظيفية في حقول مثل الطب. أما اليوم, فإن المدارس التي تعلم النساء تشكل هدفاً للعنف, بدرجة أكبر من السنوات الخمس أو الست الماضية.
وهكذا كان حال محلات الموسيقى أيضاً التي كانت تجلب إيقاعَ وطاقة العالم الإسلامي إلى كابول.
كان في أفغانستان منظمات كشافة للصبيان والبنات. ففي الخمسينيات والستينيات من القرن الماضي, كانت مثل هذه البرامج مشابهة جداً لمثيلاتها في الولايات المتحدة, حيث يتعلم طلاب المدارس الابتدائية والإعدادية حول الممرات الطبيعية والتخييم وأسس السلامة العامة. لكن فرق الكشافة اختفت بشكل كامل مباشرة بعد الغزو السوفييتي في نهاية السبعينيات من القرن الماضي. (محمد قيومي, "كان يا ما كان في أفغانستان", "فورين بوليسي", 27 أيار/مايو 2010)
لا بد أن القارىء اللماح قد لاحظ التضليلَ الماكرَ في المقطع السابق. إذ يقودنا هذا التضليل إلى الاعتقاد بأن تدميرَ أسلوب الحياة الليبرالي للنساء الأفغانيات جاء على يد الاتحاد السوفييتي, بينما كان – في الحقيقة – نتيجة دعم الولايات المتحدة للقاعدة وطالبان. فبحسب اعتراف مستشار السياسة الخارجية الأمريكية, زبيجنيو بريجيزنسكي, جاء دعم موسكو لحكومة كابول الموالية للسوفييت لمواجهة التمرد المسلح للمجاهدين الإسلامويين المدعومين بشكل سري من قبل "سي آي إيه":
"في الحقيقة, وقع الرئيس كارتر الأمر الأول بتقديم المساعدة السرية إلى معارضي نظام كابول المؤيد للسوفيين في 3 تموز/يوليو 1979. وفي ذلك اليوم نفسه, كتبت ملاحظة إلى الرئيس أوضح فيها أن هذه المساعدة, في رأيي, سوف تحرض على التدخل العسكري السوفييتي ...
كانت العملية السرية فكرة رائعة؛ إذ كانت ستستجر الروس إلى المصيدة الأفغانية, وأنت تريدني أن أندمَ عليها؟ ففي اليوم الذي عبر فيه السوفييت الحدود, كتبت إلى الرئيس كارتر. لدينا الفرصة الآن لمنح الروس حرباً أشبه بحرب فيتنام." ("تدخل ‘سي آي إيه’ في أفغانستان’, "نوڤيل أوبزيرڤاتور", 1998, "غلوبل ريسيرتش", 15 تشرين أول/أكتوبر 2001)
وفي ستة 1982, قام الرئيس رونالد ريغان بوضع السفينة الفضائية "كولومبيا" تحت خدمة "مناضلي الحرية" الإسلامويين المدعومين من الولايات المتحدة في أفغانستان, أي القاعدة وطالبان:
"كما نعتقد أن ‘كولومبيا’ تمثل أرقى طموحات الإنسان في مجال العلم والتكنولوجيا, فإن نضال الشعب الأفغاني يمثل أيضاً أقصى آمال الإنسان بالحرية."
ومع ذلك, تزعم الولايات المتحدة وحكومات أعضاء الناتو أن الوجود العسكري للناتو الأمريكي في أفغانستان قد لعب دوراً أساسياً في دعم حقوق المرأة. أما حقيقة الأمر فهي أن تلك الحقوق قد ألغيَت من قبل نظام طالبان المدعوم من الولايات المتحدة والذي جاء إلى السلطة بدعم من واشنطن.

"شبكة النساء السوريات" التابعة لوزارة الخارجية الأمريكية
كيف يرتبط تاريخ النساء في أفغانستان بحقوق المرأة في سوريا في سياق الأزمة الراهنة؟
يبدو أن حربَ الناتو الأمريكي غير المعلنة على سوريا (2011 – 2013) والداعمة للمتمردين المرتبطين بالقاعدة تتمتع بالمنطق نفسه, أي تدمير التعليم العلماني واختفاء حقوق المرأة.
هل ستواجه النساء السوريات المستقبل المظلم نفسه الذي تواجهه النساء الأفغانيات في ظل نظام طالبان؟
في شهر كانون الثاني/يناير الماضي, حضرت "مجموعة متنوعة من النساء السوريات" قيلَ إنها "تمثل حركات المعارضة القيادية" مؤتمراً استضافته " الشبكة الديمقراطية النسائية", بالتنسيق مع "مكتب قضايا المرأة العالمية", التابع لوزارة الخارجية الأمريكية, في الدوحة/قطر.
و " الشبكة الديمقراطية النسائية" عبارة عن مبادرة قام بها "المعهد الجمهوري الدولي" المعروف بدعم المعارضين في بلدان عديدة مناوئة للإمبريالية الأمريكية. و من الواضح أن وزارة الخارجية الأمريكية تستخدم "حقوق المرأة" كأداة, في الوقت نفسه الذي تعمل على تمويل "المعارضة" الإسلاموية بهدف تقويض الدولة العلمانية وتنصيب حكومة إسلاموية في دمشق.
تم تشكيل "شبكة النساء السوريات" في مؤتمر برعاية الولايات المتحدة, حيث تمت كتابة "ميثاق" يهدف إلى "ضمان إشراك النساء في حل النزاع والمرحلة الانتقالية في بلادهنَ":
"تدعو المشاركات, في الميثاق, إلى الحقوق المتساوية والتمثيل المتساوي لكافة السوريين, وتطالبنَ بمشاركة نسائية متساوية في كافة الاجتماعات والمفاوضات الدولية, ووضع مسودة الدستور, ولجان المصالحة, وفي الهيئات الحاكمة المنتخبة. كما يغطي الميثاق مواضيعَ تشمل منع ومعاقبة أعمال العنف ضد النساء, وحرية التعليم, والحاجة إلى مشاركة النساء في إعادة بناء سوريا. وقد شارك في المؤتمر قادة حكوميون أميركيون, تأكيداً على دعمهم للنساء السوريات ... وقد قالت كارلا كوبيل, المنسقة الرئيسية ﻠ ‘المساواة بين الجنسين وتمكين النساء’ في ‘الوكالة الأمريكية للتنمية العالمية’, ‘إن كان بمقدور المجموعة الأكثر تنوعاً من النساء إيجاد أجندة مشتركة, فسيكون لها تأثير قوي.’" ("النساء تطالبنَ بدور في الانتقال والمصالحة في سوريا", 28 كانون الثاني/يناير 2013.)
تتجلى المفارقة البارزة الأولى في هذا المؤتمر في انعقاده في قطر, وهو بلد تتمتع فيه النساء بحقوق محدودة جداً, إذا لم نقل أكثر من ذلك. حتى أن الحكومة القطرية قد عبرت عن قلقها, في أواسط شهر آذار/مارس, "حول الإشارة إلى حقوق النساء المتعلقة بالجنس والولادة", وهي حقوق متضمَنة في إعلان الأمم المتحدة في "بعثة وضع النساء" والمسماة "إزالة ومنع كافة أشكال العنف ضد النساء والبنات".
المفارقة الثانية: إن "الوكالة الأمريكية للتنمية العالمية", التي ساهمت في تجريد النساء من حقوقهنَ من خلال دعم الفكر الديني المتطرف في أفغانستان, تقوم بالترويج لحقوق المرأة الآن بهدف تغيير النظام في سوريا. وفي هذه الأثناء, تقوم الولايات المتحدة وقطر والسعودية بدعم المجموعات الإسلاموية المتطرفة التي تقاتل ضد الحكومة السورية العلمانية. وتُدار بعض "المناطق المحرَرَة" في سوريا الآن من قبل المتطرفين الإسلامويين:
"مدرسة دينية وهابية وحقوق المرأة في منطقة ‘محررة’ من حلب تديرها ‘المعارضة’ المدعومة من الولايات المتحدة والسعودية, وهي تشكل ‘تحسناً أكيداً’ بالمقارنة مع نظام التعليم العلماني القائم في سوريا." (راجع: ميشيل تشوسودوفسكي, "غلوبل ريسيرتش", 27 آذار/مارس 2013)
في حال تنصيب نظام أمريكي بالوكالة في دمشق, من المحتمل لحقوق وحريات النساء السوريات أن تلحق بنفس "الطريق المهدد للحريات" الذي حشرت فيه النساء الأفغانيات في ظل نظام طالبان المدعوم من الولايات المتحدة والمستمر حتى الآن تحت احتلال الناتو الأمريكي.

الجمل: قسم الترجمة

إضافة تعليق جديد

لا يسمح باستخدام الأحرف الانكليزية في اسم المستخدم. استخدم اسم مستخدم بالعربية

محتويات هذا الحقل سرية ولن تظهر للآخرين.

نص عادي

  • لا يسمح بوسوم HTML.
  • تفصل السطور و الفقرات تلقائيا.
  • يتم تحويل عناوين الإنترنت إلى روابط تلقائيا

تخضع التعليقات لإشراف المحرر لحمايتنا وحمايتكم من خطر محاكم الجرائم الإلكترونية. المزيد...