٣ أيام بابوية «طويلة» في فرنسا.. تبدأ اليوم

12-09-2008

٣ أيام بابوية «طويلة» في فرنسا.. تبدأ اليوم

كاتدرائية القديس سان آلوا في مدينة ليموج، قلب ريف الوسط الفرنسي، لم تنل عشرة قرون على تشييدها من صلابة »البازلت« المحلي. لم يتغير شيء في رتابة الطقوس، التي تجذب مؤمني المدينة إلى إحياء قداسها المسائي، عدا حدثين عاديين: ندرة ان تمتلئ مقاعدها الخشبية الطويلة، منذ الستينيات. وليموج الكاثوليكية العميقة ليست استثناء في المشهد الكاثوليكي الفرنسي الذي تعود هجرة المؤمنين، بل نموذج عن كنائس فرنسا، حتى ان جمهرة المؤمنين التي تقول بكاثوليكيتها، لم تعد تتجاوز ٥ في المئة.
وحدثها الآخر، الذي يجعل منها قرينة كنائس فرنسا كلها، اللكنة الغليظة لكاهنها الأب انطوان... الكاميروني، وهو واحد من ١٢٠٠ كاهن إفريقي يحيون كنائس فرنسا من بين خمسة عشر ألف كاهن. ففرنسا، التي يمضي فيها البابا بندكت السادس عشر ثلاثة أيام، لم تعد »الابنة البكر« للكنيسة كما عمدها اسلافه على كرسي القديس بطرس.
فلا رسامة الرئيس ساركوزي، الذي تلقاها من يدي البابا الزائر، كاهنا لكنيسة القديس يوحنا، مستأنفا تقليدا قطعه أسلافه للتقارب مع كنيسة فصلت أواصرها مع »ابنة الأمس«، علمانية هجومية، ولا منديل التقوى الذي ستلقيه كارلا بروني ساركوزي، لتستقبل سيد الكنيسة إلى جانب زوجها عند اسفل الطائرة، وتنحني مقبلة خاتم البابوية المقدس كأي إيطالية تخلص عرفا، ستحجب السؤال الذي يطرحه بندكت السادس عشر الذي جاء محتفلا بقرن ونصف القرن على ظهور السيدة العذراء على الصغيرة برناديت سوبيرو، في مغارة لمدينة لورد: هل ما زالت فرنسا كاثوليكية؟.
»نحن نغادر بنية كنسية عمرت حتى القرن التاسع عشر، وهذا لا يحدث من دون أوجاع. القرويون الذين لم يشهدوا سوى كنائس مزدحمة في الآحاد، والذين يرتادون قداسا مرة كل شهرين في كنيسة ثلاثة أرباعها فارغ، يعرفون عما اتحدث، لكن ذلك لا يعني ان الكنيسة قد ماتت، انها تعيش فقط، فترة انتقالية«. كاردينال الكنيسة الفرنسية، جان فانتروا، ليس سوى مكابر، في قوله هذا.. والكنيسة على صورة المجتمع الذي تعيش في كنفه، والكاثوليكية الفرنسية على صورة البلاد نفسها، تشيخ.
يغادر مئات الكهنة كنائسهم من دون عقب لإحياء العبادات. وليس انتقاليا ان تتوسط أعمار ثلثي الكهنة شطرا يذهب من ٦٦ لأكثرهم فتوة، إلى ٧٦ لأعتقهم. وليس بوسع الكنيسة ان تجدد الإكليروس، فالإحصاءات التي تخرج من دليل الكنيسة السنوي لا تحمل سوى الأخبار السيئة: ٥١ أسقفية لم ترسم كاهنا واحدا، وأنقذت ٢٤ أسقفية، الكاثوليكية، بكاهن واحد لكل منها.
والكنيسة، التي كانت تباهي أوروبا بـ٩٠٠ دارس في كلياتها اللاهوتية قبل أربعة عقود، لن تجد أكثر من ٧٠ اليوم. ولولا نجدة الكهنة الأفارقة، الذين يقومون اليوم بتنصير فرنسا بعدما أدى المرسلون في ركاب المستعمرين دورا رئيسيا في تنصير أفريقيا، لن تجد الكاثوليكية الفرنسية حلا لندرة الكرازة والتبشير، وتذهب الأخبار السيئة إلى انخفاض عدد الكهنة العاملين في الكنائس، في العام ٢٠٢٠ إلى أقل من ٦ آلاف كاهن.
ولن تساعد صورة بندكت السادس عشر الشديد المحافظة، او المثقف المتعالي، على إحياء الحماسة الدينية حتى في أوساط الكاثوليك الفرنسيين. فأن يستقبله جمهور من ٢٥٠ الف فرنسي في باريس، او ان يحتشد ٢٠٠ الف آخرون على جنبات موكبه إلى مغارة القديسة برناديت في لورد، يجب ألا يساء فهمه أو يفسر إقبال المؤمنين وحده على تحية خليفة القديس بطرس، لكنه خليط كبير من الفضوليين والمؤمنين وصدى للطرق الدعائي الذي يجعل من نزول بندكت فرنسا حدثا إعلاميا من الطراز الأول.
ولن يمنع احتفاء الرئيس ساركوزي به، أن تظل زيارته موضع تساؤل، وأهدافها الأخرى مثار سجال. والزائر لا يخفي مثابرة على محاولة إعادة صياغة تعايش الكنيسة الكاثوليكية مع العلمانية الفرنسية الهجومية وتقليم أظافرها.
وسيجدد، وهذا محور زيارته، »دعوة إلى إيجاد مسالك كي تأخذ الكنيسة قسطا أوفر في التأثير على المجتمع، رغم العلمانية«، ما قال قبل عامين. وسيتابع حوارا مع رئيس سببت دعوته إلى علمانية إيجابية في لقائهما الربيع الماضي، ولا تزال تسبب، ثورة في أوساط الفرنسيين، عندما فاضل على درج هيكل كنيسة يوحنا في روما »بين المعلم في مدارس الجمهورية، وهي حصن العلمانية التاريخي، والكاهن الذي يبتدع في كنيسته الأمل ويبثه في المجتمع«.
وسيكتب على الباريسيين الصبر والأمل رغم كل شيء اليوم. وسيحاول أكــثرهم أن يتعــايش مع اليوم البابوي الطويل، وان ينــزلق بــين الثــلاثة والثلاثين كلم من العوارض المعدنية التي تقطع شوارع العاصــمة، والــتي سيرعاها ٩ آلاف رجل أمن. والنـهار يبدأ، بعد قــبلة كارلا بروني على اليد المقدسة ومنحــها بركاته في قاعات الاليــزيه، باستــقبال ممثلي الطائفة اليهودية في فرنسا، وهو الموعد الأول في البرنامج البابوي.


محمد بلوط
المصدر: السفير

إضافة تعليق جديد

لا يسمح باستخدام الأحرف الانكليزية في اسم المستخدم. استخدم اسم مستخدم بالعربية

محتويات هذا الحقل سرية ولن تظهر للآخرين.

نص عادي

  • لا يسمح بوسوم HTML.
  • تفصل السطور و الفقرات تلقائيا.
  • يتم تحويل عناوين الإنترنت إلى روابط تلقائيا

تخضع التعليقات لإشراف المحرر لحمايتنا وحمايتكم من خطر محاكم الجرائم الإلكترونية. المزيد...