الأمريكيون يفكرون باطلاق سراح صدام وتكبير حصة السنة

08-12-2006

الأمريكيون يفكرون باطلاق سراح صدام وتكبير حصة السنة

تقرير بايكر ­ هاملتون اشارة الانطلاق الى الانعطافات الجديدة, لكن ماذا في حوارات الغرف المغلقة؟ «الكفاح العربي» جمعت معلومات عن بعض الجوانب السرية في لقاء الرئيس الاميركي جورج بوش مع زعيم الائتلاف الشيعي عبد العزيز الحكيم في واشنطن, تشكل عناوين «الصفقة الانقلابية» التي يهيئ لها الاميركيون في العراق, والتي تشكل ترجمة ميدانية للحوارات السرية الاخرى بين واشنطن وزعماء المقاومة. ما لم يقله جورج بوش ونوري المالكي في المؤتمر الصحفي الذي عقداه في عمان لم يبق سجين الغرف المغلقة, فقد كاشف الرئيس الاميركي بعض الصحفيين المقربين من البيت الابيض في عودته بأنه ليس مقتنعا بـ«الرجل» ­ اي المالكي ­ ومما قاله: تصوروا انه اخبرني ان منزله ليس محميا! جانب آخر من المحادثات كشفته مصادر سعودية واسعة الاطلاع اوردت ان بوش اطلع المالكي على قرار اميركي مبدئي يقضي بإطلاق سراح الرئيس العراقي السابق صدام حسين وتوفير مكان يلجأ اليه خارج العراق, تمهيدا لإقناع الجنرالات السابقين بإعادة تشكيل الجيش في ضوء المناقشات التي دارت معهم في الاشهر الاخيرة بصورة سرية. وقد فهم المالكي من هذين الطرحين انهما يشكلان انقلابا اميركيا لمصلحة السنة على حساب الشيعة العراقيين, او بداية «انقلاب» يعيد التوازن الى الداخل العراقي, بعدما برهنت الحكومات الشيعية المدنية على انها عاجزة عن ضبط الامن وإدارة شؤون البلاد, وبعدما اسهمت اطراف شيعية متشددة في تأزيم الوضع واغراق الاحتلال في مآزق يصعب الخروج منها, الامر الذي اساء الى الولايات المتحدة وإيران وشيعة العراق في الوقت نفسه ودفع بالعراق الى حافة الحرب الاهلية الحقيقية. ومعروف ان الاشهر الاخيرة كانت حافلة باللقاءات السرية التي احتضنت في دمشق وعمان عددا من المسؤولين العراقيين السابقين الذين يشكلون عماد المقاومة العراقية السياسية والعسكرية, وقد جرى في هذه الاجتماعات التباحث في كيفية وضع حد للانهيارات التي يشهدها العراق والتي باتت تشكل خطرا, ليس على المشروع الاميركي فحسب وإنما على امن دول الجوار. آخر هذه اللقاءات جرت داخل مبنى السفارة الاميركية في عمان ضم مسؤولين اميركيين وأطرافا في فصائل المقاومة او قياداتها لم يتسرب منه سوى شذرات او عناوين عريضة. وفي معلومات «الكفاح العربي» ان المقاومة وضعت ما يشبه «دفتر الشروط» للحوار مع الاميركيين, وهي شروط تبدأ بإطلاق صدام حسين وتنتهي بإعادة صياغة الدستور العراقي وإجراء انتخابات جديدة تنبثق عنها حكومة جديدة متوازنة. وفي عداد المطالب ايضا اعادة تشكيل قوى الامن والجيش, وتجريد الميليشيات من السلاح. ما حصل عقب هذه اللقاءات, وفي انتظار نشر توصيات لجنة بايكر ­ هاملتون, ان عبد العزيز الحكيم زعيم الائتلاف الشيعي الموحد ابلغ السفير الاميركي في بغداد زلماي خليل زاد انه يرفض «صفقة عمان» التي تقضي بإعادة الحرية الى صدام حسين ورفاقه من قادة البعث السابقين وإعادة تشكيل الجيش تمهيدا لتشكيل حكومة جديدة, كما انه يرفض فكرة انعقاد المؤتمر الدولي الذي دعا اليه الامين العام للامم المتحدة من اجل تأمين مظلة واسعة للحل المرتقب في العراق. ولأن واشنطن تدرك تماما وزن الحكيم في الداخل العراقي وطبيعة علاقاته بإيران, فقد دعته ­ او استدعته ­ الى البيت الابيض لمقابلة الرئيس جورج بوش. ما نشر في اعقاب هذا اللقاء يختصر في ان الزعيم الشيعي حمل معه اقتراحات للتعاطي مع الازمة تختصر في مجموعة نقاط ابرزها: عقد اتفاقات امنية مع دول الجوار, تعزيز الرقابة على الحدود لمنع تسرب المقاتلين, تقوية اجهزة الامن العراقية وتزويدها بمعدات متطورة, اقرار قانون جديد لمكافحة الارهاب داخل العراق, نزع سلاح الميليشيات, حشد دعم دولي للحكومة العراقية الحالية, وإقامة علاقات دبلوماسية مع كل دول الجوار وتعزيز التبادل التجاري معها, وكل ذلك تمهيدا لمؤتمر وطني موسع يتم فيه اقرار المصالحة. وما لم ينشر عن اللقاء هو ان بوش اسمع الحكيم كلاما من نوع جديد ينتقد بحدة موقفه السلبي من عودة السنة الى مواقع القرار وإطلاق سراح صدام حسين. ويبدو ان الزعيم الشيعي ابدى تحفظا حقيقيا على تلبية المطالب الاميركية وقال انه لن يخضع كما ان الشيعة لن يرضخوا لهذه الشروط, مؤكدا ان الحكومات العراقية لم تفشل في ادارة شؤون البلاد, وإذا كان هناك فشل فإن تبعاته تلقى على السياسات الاميركية الخاطئة. مصدر عراقي مقرب من المقاومة نقل الى «الكفاح العربي» بعد اجتماع واشنطن ان السفير الاميركي في بغداد هو الذي اعد بهدوء اللقاءات التي تمت في عمان بحضور شخصيات سنية عراقية وزعماء عشائر يقيمون في العاصمة الاردنية, وهو الذي امن لقاءات اخرى بين شخصيات اميركية زارت بغداد والرئيس العراقي السابق في سجنه. في المعلومات ايضا ان صدام وافق على بعض الطروحات الاميركية, خصوصا ما يتصل منها بإعادة بناء الجيش ورفض البعض الآخر كي لا يغضب قيادات المقاومة. والمفاجأة الكبيرة تمثلت بنشر تصريحات منسوبة الى عضو لجنة الدفاع عن صدام حسين المحامي الايطالي جيوفاني دي ستيفانو في صحيفة «الرأي» الاردنية نفتها مصادر مقربة من اللجنة. يقول المحامي الايطالي انه سيغادر العاصمة الاردنية الى بغداد لابلاغ السلطات العراقية بوقف طارئ لتنفيذ حكم الاعدام بحق الرئيس صدام لمدة 12 اسبوعا على الاقل استنادا الى قرار صادر من محكمة العدل الاميركية العليا. ويضيف انه ارسل القرار بالفاكس, لكنه سيطلب ذلك رسميا من المحكمة الجنائية العراقية تمهيدا لنقل صدام حسين وطارق عزيز الى واشنطن لمثولهما في قضية جديدة رفعت ضدهما هناك, مؤكدا انه سيتم اطلاق سراح طارق عزيز خلال شهر على الاكثر ما لم تصدر بحقه اي احكام. وبحسب ستيفانو فإن القانون يقضي بمثول صدام امام المحكمة الاميركية, الامر الذي يستدعي بقاءه حياً, فيما ترى محكمة العدل الاميركية ان احتجاز صدام غير شرعي وأنه ليس من حق القوات الاميركية القاء القبض عليه, وأن من حقها المطالبة باحضاره ومثوله امام محكمة محلية. ويؤكد المحامي الايطالي ان محكمة حقوق الانسان في اوروبا ترى ان الاجراءات المتخذة ضد صدام باطلة لأنه لا يزال الرئيس الشرعي للعراق, ولأن قضيته سياسية لا قانونية ومرتبطة ببقاء القوات الاميركية في العراق. ويقول ايضا انه يملك وثائق تثبت ان واشنطن منحت العراق اسلحة تبلغ قيمتها اكثر من خمسة مليارات دولار بين اعوام 1980 و1988, بالاضافة الى مليار ونصف مليار دولار للتصنيع الحربي الكيميائي والبيولوجي بمساعدة فرنسا وبريطانيا وإيطاليا, وزودته بمعلومات استخباراتية كافية لتمكينه من كسب الحرب ضد ايران. وفي سياق الحديث عن «صفقة عمان» التي رفضها المالكي ورفضها بعده عبد العزيز الحكيم, ذكرت معلومات اردنية ان بوش ابلغ العاهل الاردني ليس هناك ما يبرر تخوف «الاطراف العربية المعتدلة» او المسماة كذلك من توجه واشنطن الى فتح حوار مع طهران ودمشق حول مستقبل العراق, لكنه ليس مقتنعا بما يبذله رئيس الحكومة العراقية من جهود لضبط الوضع الامني وليس مرتاحا للاداء الحكومي ونتائجه في الاشهر الستة الاخيرة. هذه «التطمينات» لم تطمئن احدا من المسؤولين السعوديين والمصريين والاردنيين الذين ابدوا تخوفا من وقوع مواجهة مباشرة ­ وليس بالوكالة كما يحصل حاليا ­ بين المحور السوري ­ الايراني وأصدقاء واشنطن, اذا قررت الولايات المتحدة الانسحاب التدريجي من ارض المعركة, لأن هذا القرار مرادف لسحب «العازل» الذي حال دون الاحتكاك المباشر حتى الآن. استاذ العلوم السياسية في جامعة بغداد حسين حافظ قال في هذا السياق «ان الاوضاع تتدهور منذ اللقاء الاول بين بوش والمالكي في 24 تموز €يوليو€ الفائت, بعد شهرين من تسلم المالكي مسؤولياته, والوجود الاميركي يشكل حتى الآن عازلا بين القوى الاقليمية المتصارعة, ومع اقتراب استحقاق الانسحابات التدريجية او اعادة الانتشار فإن هذه القوى سوف تجد نفسها وجها لوجه في العراق». خبير آخر طلب كتم اسمه قال «ان عملية شد الحبال بين قوى الداخل تزداد ضراوة, والمجال الزمني الذي يسبق الانسحاب الاميركي يمنح الاطراف المعنية هامشا للتحرك بغية تحسين اوضاعها وضمان مواقع اقوى في مرحلة ما بعد الانسحاب, والشيعة والاكراد بصورة خاصة يسعون الى تعزيز مكانتهم وزيادة مكاسبهم, من خلال المشروع الفيدرالي, في حين يحاول العرب السنة الحصول على موقع الشريك القوي وليس فقط الشريك الملتزم بالعملية السياسية من دون قطف ثمارها. والخلافات قد تتفاقم اذا لم يتم منح السنة العراقيين موقعا افضل في الحكومة الحالية او غيرها, خصوصا بعد تزايد التلميحات من دول عدة €ابرزها السعودية€ القائلة بأنها لن تتخلى عنهم وستمدهم بالمال والسلاح. والمشكلة الظاهرة ان الحلول ليست متاحة بالقدر الكافي لأن تشكيل حكومة جديدة, او تعديل الحكومة الحالية, لن يغير كثيرا في اوضاع السنة ما لم يقترن بتغيير في الاستراتيجية الاميركية على مستوى المنطقة ككل لمصلحة مزيد من التوافق بين السنة والشيعة والاكراد». الدكتور حسن ابو طالب, وهو خبير مصري استراتيجي, من جهته, يرى ان الوضع في العراق ليس معزولا في نهاية المطاف عن احوال المنطقة ككل وملفاتها الكبرى المتداخلة على نحو كبير,اما «مجموعة دراسة العراق» فقد توصلت الى اقتراحات القصد منها تقليل الخسائر التي تمنى بها السياسة الاميركية, لكن الخطوات العملية التي تعكس هذه الاقتراحات لم تتبلور بعد في سياسة واضحة المعالم حتى الآن. ويمكن الاستدلال على تداخل الملفات المطروحة من معلومات اوردها دنيس روس المنسق الاميركي السابق لعملية السلام في الشرق الاوسط, في حديث ادلى به قبل ايام اكد فيه ان الحوار مع ايران وسوريا حول العراق يفترض ألا يتم بشكل ثنائي, بل في اطار مؤتمر اقليمي لدول الجوار تحضره السعودية ومصر وتركيا والاردن ودول اخرى. ومما قاله في هذا الصدد: ليس هناك اي طريق مضمون للخروج من العراق, ولست ادري اذا كان في وسع سوريا وإيران المساهمة في اصلاح الاوضاع الحالية. ومن الواضح ان السنة لم يستوعبوا بعد انهم فقدوا السيطرة على القرار, وأن الشيعة لا يصدقون ان السنة سيتقبلون فكرة انهم باتوا اهم قوة سياسية في العراق. وبكلام اكثر وضوحا اضاف: ان التحدي المطروح امامنا هو فصل السوريين عن الايرانيين واقناعهم بوقف تسليح «حزب الله» ووقف دعم عناصر «حماس» في الخارج. وإدارة بوش, في ولايتها الاولى,ارسلت ثلاث مرات مبعوثا رفيع المستوى الى الرئيس السوري بشار الاسد, مع وعود وتحذيرات, غير ان هذه الادارة لم تنفذ الوعود ولا التهديدات.وقد قدمت ادارة بوش خمسة عشر مطلبا الى سوريا, ولم يعرف السوريون ما هي الطلبات الاكثر اهمية, وإذا هم فعلوا شيئا ما هي المكاسب التي يمكن ان يحصلوا عليها في المقابل. بمعنى آخر ان السياسة الاميركية عنيفة لغويا وناعمة عمليا. اضاف روس «الشيء نفسه ينطبق على الايرانيين, فقد استخدمت واشنطن لغة تهديد قوية من دون عواقب حقيقية. خلال السنوات الخمس الاخيرة لم يدفع الايرانيون اي ثمن بسبب مواصلتهم برنامجهم النووي, ولم يخسروا شيئا. العقوبات التي تم بحثها وحتى تبنيها, عقوبات ناعمة جدا وهذا يعزز اعتقاد الايرانيين بأنهم على حق. وإذا كنا نريد فرض عقوبات علينا ان نجمع الاوروبيين واليابانيين وربما الصينيين, ولا اعتقد اننا سوف نحصل على دعم الروس. بخلاف ذلك ارى ان للروس اجندة مختلفة في التعامل مع ايران وهم يخشون ان تتسبب لهم بمشاكل في بعض المناطق الروسية ذات الاغلبية المسلمة». واستطرادا قال: «يفترض ألا نتعامل مع ايران وسوريا على شكل ثنائي بل على نحو اقليمي, لأن كل دول الجوار العراقي تستطيع ان تفعل شيئا لحل الازمة في العراق, والفرق بين السعودية والاردن والكويت من جهة وإيران وسوريا من جهة اخرى, ان المجموعة الاولى لا تريد المشاركة في استمرار الازمة, في حين ان طهران ودمشق لا تمانعان في ذلك», ومن غير الواضح ما اذا كانت ايران تريد فعلا المساعدة على حل المأزق العراقي.

 أسعد العزوني

المصدر : الكفاح العربي

إضافة تعليق جديد

لا يسمح باستخدام الأحرف الانكليزية في اسم المستخدم. استخدم اسم مستخدم بالعربية

محتويات هذا الحقل سرية ولن تظهر للآخرين.

نص عادي

  • لا يسمح بوسوم HTML.
  • تفصل السطور و الفقرات تلقائيا.
  • يتم تحويل عناوين الإنترنت إلى روابط تلقائيا

تخضع التعليقات لإشراف المحرر لحمايتنا وحمايتكم من خطر محاكم الجرائم الإلكترونية. المزيد...