الاستثمار الأمريكي لجدار العزل الطائفي في بغداد

22-04-2007

الاستثمار الأمريكي لجدار العزل الطائفي في بغداد

الجمل:     توصل جورج الأول ملك بريطانيا، في عام 1609م، إلى واحد من أكثر الاكتشافات سوءاً في العالم، ولم يكن اكتشافه يتمثل في السور الذي يترتب على الحروب المدمرة الكبرى، وإنما كان اكتشافاً يتعلق في كيفية فتح صناديق الشر، وجعل الناس يقاتلون بعضهم بعضاً بلا شفقة ولا رحمة، عن طريق تطبيق مخطط في غاية البساطة: تقسيم الناس على أساس ديني، أو طائفي، أو عرقي، وشحنهم بالخلافات وتعبئتهم بالقدرات، ثم دفعهم إلى الاقتتال، على النحو الذي يتيح للملك تطبيق سياسة فرّق تسد، أو فرّق بينهم لكي تستطيع أن تسيطر على حكمهم، ولا تدعهم يتصالحون أبداً، لأنهم سوف يتوحدون وينقلبون عليك.
• صناديق الشر العراقي:
توصل خبراء علم الاجتماع السياسي، إلى تعريف محدد للعنف السياسي، يقول بأن العنف السياسي هو استخدام القوة أو التهديد باستخدامها، وقد تدخل بعض الخبراء الأشرار في علم الاجتماع السياسي، وقالوا بأن العنف السياسي هو موضوع لظاهرة ترتبط بالوضع الهيكلي البنائي السائد في كل مجتمع.
وبكلمات أخرى: العنف السياسي هو العنف الظاهر في الأداء السلوكي المنظور من جهة، ومن الجهة الأخرى هو العنف الخفي الكامن في الهياكل البنائية للمجتمع، وتزداد معدلات العنف الكامن هذا كلما زاد عدد الأديان والطوائف والاثنيات، أي حالة المجتمع غير المتجانس، وتقل هذه المعدلات عندما يقل عدد الأديان والطوائف والاثنيات، أي حالة المجتمع المتجانس.
أدرك خبراء الإدارة الأمريكية حقيقة العنف الكامن في الهياكل البنائية للمجتمع العراق، ومنذ الوهلة الأولى بعد الغزو والاحتلال، ركّز على الآتي:
- الفصل بين الأكراد والعرب على أساس الانتماء القومي.
- الفصل بين السنة والشيعة على أساس الانتماء الطائفي.
أشرف على عمليات الفصل هذه جون نيغروبونتي الذي كان سفيراً لأمريكا في بغداد بعد وقوع الاحتلال، ثم مضى في مخطط الفصل قدماً زلماي خليل زاده الذي تولى المنصب بعده، وقد وجد الأمريكيون تعاوناً كبيراً (مثمراً) مع الساسة العراقيين الذين برزوا كـ(متعاملين) مع سلطات الاحتلال الأمريكي.
يقول الباحث الأمريكي كانون هالينان في مقاله الذي حمل عنوان (شيعة ضد السنة) المنشور اليوم على موقع افبايف الالكتروني الأمريكي (إذا نجحت إدارة بوش في جهودها الحالية الهادفة لتقسمي الإسلام عن طريق وضع الشيعة ضد السنة، فإنها –أي إدارة بوش- سوف تعيد الحيوية للتكتيك الاستعماري الكولنيالي القديم: فرّق واغزُ واحتل، واستبق السيطرة على الشرق الأوسط بواسطة النخب التسلطية المتحالفة مع الولايات المتحدة الأمريكية..).
وفي هذا الاتجاه ورد تقرير في صحيفة النيويورك تايمز الأمريكية يقول ضمن ما يقول، موضحاً أن الإدارة الأمريكية في تحقيق هذا التكتيك تتمثل في وجود تحالف مدعوم ومسنود أمريكياً، يتكون من أربع دول يسيطر عليها السنة، هي: السعودية، الأردن، لبنان، ومصر، إضافة إلى حركة فتح، وإسرائيل. ويمكن أن يضاف إلى ذلك تركيا وباكستان باعتبارهما دولتان سنيتان.
الطرف الآخر المستهدف سوف لن يكون إيران، بل هو الهلال الشيعي The Shia Crescent، صاحب هذا المصطلح هو الملك عبد الله الثاني ملك الأردن، ويتكون هذا الهلال من: إيران، لبنان وبالذات حزب الله وحركة أمل، والعلويون في سوريا وتركيا.
أما بالنسبة للحكومة العراقية التي يسيطر عليها الشيعة حالياً، فإن الإدارة الأمريكية تعتبرها مستثناة  من هذا التقسيم، ولكن بشكل مؤقت، وفي الوقت المناسب يتوجب أن تقوم الإدارة الأمريكية بالانقلاب عليها، وعلى بقية شيعة العراق، وذلك عن طريق استخدام السعودية والأردن في التقرب من السنة العراقيين ووضعهم كبديل للشيعة في حكومة بغداد، على النحو الذي يثير حفيظة الشيعة أكثر فأكثر.. وبالمقابل يتفاقم تبعاً لذلك الصراع السني- الشيعي داخل العراق أكثر فأكثر أيضاً.
• الدائرة المفرغة: المزيد من الذرائع.. والمزيد من التصعيد:
تزايدت الانفجارات الانتحارية في بغداد خلال العام الماضي، وأيضاً نشطت أعمال فرق الموت التي تبين أن إسهام أجهزة المخابرات الأمريكية والإسرائيلية كان كبيراً فيها، فهناك عمليات تفجير وقتل وخطف ارتكبتها العناصر الأمريكية والإسرائيلية، وبعض العملاء التابعين لها مثل أحمد الجلبي وجماعته التي تم تدريبها في إسرائيل وبلغاريا، وهناك عمليات تفجير وقتل وخطف ارتكبتها العناصر المتطرفة الشيعية والسنية، وقد عملت سلطات الاحتلال الأمريكي على تجاهل هذه الجماعات وإفساح المجال أمامها طالما أن جهودها تصب في خدمة المخطط الأمريكي.
استغلت إدارة بوش، سوء الأوضاع التي أشرفت على صناعتها في العراق كذريعة من أجل:
- زيادة عدد القوات الأمريكية.
- طلب المزيد من الأموال والميزانيات.
- رفض تحديد تاريخ أو جدول زمني للانسحاب من العراق.
- استهداف دول الجوار العراقي وبالذات إيران وسوريا.
- تهديد وابتزاز أموال الدول العربية النفطية الخليجية.
• بغداد تدخل عصر (الفيتو):
على خلفية تصاعد حدة الانفجارات وعمليات القتل الأخيرة التي تعرضت لها بغداد، بدأت سلطات الاحتلال الأمريكية –منفردة ودون مشورة أحد- في عملية بناء الـ(جدار العازل) داخل بغداد وذلك لكي يفصل بين الأحياء السنية والأحياء الشيعية.
كتب سنان صلاح الدين المحرر بوكالة الاسوشيتيد برس اليوم على موقع الوكالة تقريراً قال فيه: انه في العاصمة –بغداد- دافعت سلطات الاحتلال الأمريكي، عن تنفيذ خطتها الرامية إلى بناء جدار عازل يطوق الأحياء السنية في بغداد، وذلك على النحو الذي يؤدي إلى حماية السكان السنة من الهجمات والاعتداءات التي تأتيهم من الأحياء الشيعية الموجودة حولهم.. وبرغم رفض سكان الأحياء السنية لهذا الجدار العازل، إلا أن بعض المسؤولين في الحكومة العراقية لم يجدوا مهرباً من تأييد قيام هذا الجدار، برغم أن السلطات الأمريكية لم تستشرهم في ذلك مطلقاً.
أفادت تصريحات الجيش الأمريكي بأن بناء الجدار العازل سوف يؤدي إلى تأمين الأقليات السنية الموجودة حالياً في بعض مناطق المدينة، وبالذات منطقة الأعظمية، وعلى النحو الذي يوقف عمليات الثأر والانتقام التي ظلوا يتعرضون لها خلال الفترة الماضية.
المناطق التي سوف يتم تطويقها بالجدار العازل تقع بشكل رئيسي في الناحية الشرقية لنهر دجلة، ولن يستطيع أحد الدخول إليها إلا عبر البوابات والمداخل التي سوف تشرف عليها القوات الأمريكية وقوات الأمن العراقية.
تقول المعلومات الأوروبية بأن ارتفاع الجدار العازل سوف يكون 12 قدماً، وسماكته قدمان، وسوف يحاط هذا الجدار بالأسلاك الشائكة المكهربة، وكاميرات الرصد، إضافة إلى وجود أبراج المراقبة الليلية والنهارية.
كذلك فقد صرّح الجنرال الأمريكي جون كامبيل قائلا بأن الجدار العازل هذا سوف لن يكون الأخير، بل سوف تتبعه سلسلة من الجدران العازلة الأخرى بحيث تشمل كافة أحياء بغداد.
وهكذا، فقد تطورت خطة تأمين بغداد التي يدأتها قوات الاحتلال الأمريكي وحكومة المالكي إلى مرحلة تأمينية جديدة، هي مرحلة إيقاع العقاب الجماعي بالسكان العراقيين، عن طريق تحويل أحيائهم السكنية إلى حظائر وزرائب وسجون محوطة بالجدران الاسمنتية العالية، والبوابات والأبراج التي يشرف عليها الجنود الأمريكيون وعملاء الاحتلال العراقيون.

الجمل: قسم الدراسات والترجمة

إضافة تعليق جديد

لا يسمح باستخدام الأحرف الانكليزية في اسم المستخدم. استخدم اسم مستخدم بالعربية

محتويات هذا الحقل سرية ولن تظهر للآخرين.

نص عادي

  • لا يسمح بوسوم HTML.
  • تفصل السطور و الفقرات تلقائيا.
  • يتم تحويل عناوين الإنترنت إلى روابط تلقائيا

تخضع التعليقات لإشراف المحرر لحمايتنا وحمايتكم من خطر محاكم الجرائم الإلكترونية. المزيد...