بحثًا عن مظهر «حضاريّ» لدمشق

26-11-2016

بحثًا عن مظهر «حضاريّ» لدمشق

الساعة التاسعة مساء في حي الصالحية، سيدة تبحث عن ابنها وليد (17 عاما) الذي لم يعد إلى المنزل في الوقت المحدد له، تسأل المارّة «ابني بيشتغل على بسطة، وما رجع وما بعرف وينو عم اتصل فيه ما عم يرد، مشان الله وين بدي اسأل عليه». يجيب صاحب أحد المحال المجاورة «أختي اجت دورية أخدت كل أصحاب البسطات وصادرت البضاعة».
اعتادت «أم وليد» على خروج ولدها منبسطات-دمشق المنزل في الساعة الثامنة صباحاً للذهاب إلى المدرسة، وبعدها إلى العمل ليعيل أسرته المهجرة من منطقة مخيم اليرموك، والمكونة من خمسة أشخاص. هذا المشهد يختصر حال الكثير من الأًسر السورية الباحثة عن مورد رزق تعيش من خلاله بكرامة، في ظروف استنزفت طاقات المواطن السوري.
في المقابل تصرّ محافظة دمشق على استكمال بحثها عن «المشهد الجمالي» في بلد دُمرت فيه كل مقومات الحياة الأساسية. أطلقت المحافظة حملة لإزالة البسطات من الأسواق، وصرح عضو المكتب التنفيذي لقطاع التخطيط والمالية في محافظة دمشق فيصل سرور أن عدد الإشغالات التي تمت إزالتها تجاوز 4 آلاف إشغال، من شوادر وبسطات وخيم وأعمدة، وتم حجز سيارات مخالفة مستخدمة كورشات، إضافة إلى هدم 14 كشكاً مخالفاً. أكّد سرور أنه لن يتم التساهل مع هذا الموضوع «الذي يعتبر خطاً أحمر، خصوصًا أنه يحمل تعديًا على الأملاك العامة»، مؤكداً «الأصداء الايجابية لهذا الإجراء، ولا سيما لجهة إعادة الرونق لبعض المناطق التي تحولت إلى مناطق بيع عشوائية».
اتخذ القرار في وقت أصبحت الشريحة الأكبر من السوريين تحت خط الفقر وتعاني البطالة على وقع أزمة اقتصادية وحرب تشهدها البلاد منذ أكثر من خمس سنوات. أربعة آلاف بسطة تمت إزالتها حتى الآن، تعيل 12 ألف مواطن على أقل تقدير. قرار المحافظة أغضب الرأي العام، لكن القنوات التلفزيونية الرسمية حاولت إظهار العكس من خلال تصريحات مسؤولي الحملة، بقي للمواطنين منفذ مواقع التواصل الاجتماعي للتعبير عن رأيهم بحرية. وجاء في التعليقات: «نحن في حالة حرب وليس الآن وقت الرفاهية والبحث عن الشكليات، أيهما أفضل التسول أم البيع على البسطة، من لديه أطفال ماذا يفعل ليطعمهم هل يسرق أم يقف بشرف للعمل على بسطة»، «لماذا لا تتم مراقبة إيجارات البيوت التي أصبحت خيالية، علماً أن محافظة دمشق هي المسؤولة بصورة أساسية عن ذلك، أو ضبط الأسعار التي يضعها أصحاب المحال التجارية على أهوائهم أو محاسبة تجار الأزمات الذين أنهكوا الشعب... لكن القانون لا يطبق سوى على الفقير». كما اقترح أحدهم تأمين البديل قبل تنفيذ الحملة، أو تخصيص أسواق وتنظيم عملها وأخذ قيمة إشغال منطقية.
المظهر «الحضاري» التي تبحث عنه محافظة دمشق بقراراتها الجائرة، من دون مراعاة ظروف العائلات التي خسرت بيوتها وأعمالها وربما أحد أفراد أسرتها، لم يعد مقبولاً. فتارةً تتحفنا بقرار مخالفة لمن يرتكب «جرم» نشر السجاد على شرفات المنازل، وتارةً أخرى بقرار إعادة تأهيل «حديقة السبكي» في منطقة الشعلان التي بقيت حوالي ثلاث أو أربع سنوات مهملة بعد تخريبها من قبل المحافظة لإعادة تأهيلها بميزانية بلغت مئة مليون ليرة سورية. لربما أرادت إدارة المحافظة إيجاد بيئة ترفيهية للمهجرين، أو مكان إقامة خمس نجوم للأطفال المشردة في الحدائق العامة وعلى الأرصفة.
كان من الأفضل لمحافظة دمشق أن تنفق هذه الأموال على مشروع يؤمّن عملاً لأصحاب البسطات. فهؤلاء الشباب أرادوا البقاء في وطنهم على الرغم من كل الظروف والعيش بشرف وكرامة لإعالة أسرهم فاحتجزتهم الدولة بطريقة مهينة ومنعتهم من العمل وصادرت مصدر رزقهم. من هنا يصبح مشروعًا التساؤل: هل يعيش محافظ دمشق في دمشق؟ أم أن قصره العاجي لا يسمح له بالنزول إلى الشارع لمعرفة ما يعانيه المواطن السوري؟

حسانة سقباني

المصدر: السفير

إضافة تعليق جديد

لا يسمح باستخدام الأحرف الانكليزية في اسم المستخدم. استخدم اسم مستخدم بالعربية

محتويات هذا الحقل سرية ولن تظهر للآخرين.

نص عادي

  • لا يسمح بوسوم HTML.
  • تفصل السطور و الفقرات تلقائيا.
  • يتم تحويل عناوين الإنترنت إلى روابط تلقائيا

تخضع التعليقات لإشراف المحرر لحمايتنا وحمايتكم من خطر محاكم الجرائم الإلكترونية. المزيد...