توقعات الساحة العراقية بعد الاستفتاء على الاتفاقية الأمنية مع واشنطن

14-05-2009

توقعات الساحة العراقية بعد الاستفتاء على الاتفاقية الأمنية مع واشنطن

الجمل: ظلت التقارير الإخبارية والتحليلات السياسية المتعلقة بالشأن العراقي تركز على الطابع التقليدي الذي يتناول الوقائع والأحداث ضمن أبعادها المعلنة وتطوراتها الجارية كما هي، وحالياً تشهد الساحة العراقية المزيد من التطورات سواء بواسطة محور بغداد – واشنطن أو بواسطة حركة المقاومة المسلحة العراقية التي عاودت الظهور بما يبشر بسيناريو جديد يتضمن المزيد من العنف السياسي الإثنو-طائفي العراقي.
* الأبعاد غير المعلنة في التطورات الجديدة:
رصدت التقارير والتحليلات العملية العسكرية التي تقوم بها القوات العراقية حالياً ضد الفصائل والمليشيات المسلحة ضمن المنظور التقليدي – العادي الذي يركز على رصد الخسائر والأبعاد الدراماتيكية المتعلقة بالصراع العسكري ولكن ما لم يتم الانتباه له يتمثل في الأبعاد غير المعلنة الآتية:
• إن العملية العسكرية الجارية حالياً تتم بالتعاون بين القوات الأمريكية وقوات الأمن العراقية.
• إن القوات الأجنبية الأخرى الموجودة في العراق لا تلعب أي دور مباشر في هذه العملية العسكرية.
• إن التعاون الجاري حالياً بين قوات الاحتلال الأمريكي وقوات الأمن العراقية يتم على خلفيات وضمن سياق الاتفاقية الأمنية – العسكرية المشتركة الأمريكية – العراقية.
• إن الاتفاقية الأمنية – العسكرية العراقية – الأمريكية سيتم عرضها للاستفتاء العام خلال الأشهر القادمة ولكن التعاون الجاري حالياً سيضفي على هذه الاتفاقية ما يطلق عليه خبراء القانون الدولي تسمية "اعتراف الأمر الواقع" بالاتفاقية.
من المعروف أن الاتفاقية الأمنية – العسكرية قد أحدثت خلافاً كبيراً بين الأطراف العراقية ولم ينحصر الخلاف بين المتعاونين مع الاحتلال والمعارضين له وحسب، وإنما كذلك بين صفوف المتعاونين أنفسهم وقد انعكست هذه الخلافات في تعامل أعضاء البرلمان العراقي الحالي مع الاتفاقية.
ظلت حكومة نوري المالكي تراهن من جهة على ضرورة خروج القوات الأمريكية من العراق ولكنها من الجهة الأخرى ظلت تراهن على استخدام الاتفاقية الأمنية – العسكرية كضرورة لتأمين استقرار العراق مع غض النظر عن تداعيات هذه الاتفاقية والتي يتمثل أبرزها في إعطاء الشرعية لاستمرار وبقاء القوات الأمريكية في العراق!
* التحديات الأمنية العراقية: هل من هدف غير معلن؟
تقول المعلومات والوقائع الجارية بأن القوات الأمريكية المتمركزة في العراق قد بدأت بالفعل في تسليم القواعد والنقاط الخارجية لقوات الأمن العراقية كما تقول المصادر الأمريكية بأنه يتم عملاً ببنود الاتفاقية الأمنية – العسكرية العراقية – الأمريكية، وتقول المصادر الأمريكية أن عملية تسليم القواعد والنقاط الخارجية لقوات الأمن العراقية ستكتمل بحلول 30 حزيران 2009 القادم وفقاً لما هو محدد في نصوص الاتفاقية التي أشارت بوضوح إلى أن القوات الأمريكية يجب أن تكون بحلول هذا التاريخ قد خرجت من كل المدن العراقية وتمركزت بعيداً عنها.
نلاحظ أن قيام قوات الاحتلال الأمريكي بالبدء في تسليم قواعدها ونقاطها الخارجية لقوات الأمن العراقية هو قيام قد تزامن مع حدوث التطورات الهامة الآتية:
• تزايد أعمال العنف السياسي الإثنو-طائفي الدامية بما أوقع المزيد من الضحايا في صفوف المدنيين العراقيين.
• إن أعمال العنف التي تمت كانت في المناطق التي بدأت فيها القوات الأمريكية عملية تسليم القواعد والنقاط الخارجية لقوات الأمن العراقية.
• تزامنت أعمال العنف مع قيام سلطات الاحتلال الأمريكي بإطلاق العديد من المعتقلين العراقيين بحيث تحتفظ سلطات الاحتلال بحوالي 2500 معتقل وتطلق 9000 معتقل عراقي.
التدقيق الفاحص في دلالة هذه التطورات الأربعة يفضي بنا إلى المزيد من الشكوك التي بالضرورة تفضي إلى التساؤلات الآتية:
• تزايدت أعمال العنف فهل معنى ذلك تذكير العراقيين بأن وجود واستمرار بقاء القوات الأمريكية هو أمر ضروري لحمايتهم من هذا العنف؟
• تمت أعمال العنف في المناطق التي تولت المسؤولية عنها قوات الأمن العراقية بدلاً عن القوات الأمريكية فهل معنى ذلك أن يفهم العراقيون أن قوات الأمن العراقية لن تستطيع توفير الحماية اللازمة لأمنهم من أعمال العنف.
• تزامن تصاعد أعمال العنف مع قيام سلطات الاحتلال الأمريكي بإطلاق سراح المعتقلين، فهل معنى ذلك دفع العراقيين لإدراك أن الذين أطلق سراحهم هم الذين قاموا بتنفيذ العمليات الأخيرة؟
من المفيد أن نفهم أن استراتيجية الاحتلال الأمريكي في العراق ظلت دائماً أكثر تركيزاً على شن العمليات النفسية بما يفسح المجال أمام تنفيذ العمليات العسكرية وهو أمر اعترف به كبار خبراء البنتاغون إضافة إلى كبار الجنرالات الذين تولوا قيادة القوات الأمريكية في العراق.
أما بالنسبة لرئيس الوزراء نوري المالكي وحكومته فإن تصريحاتهم ظلت تعكس وتنطوي على الكثير من المواقف المتعاكسة التي تشير من جهة للرغبة في استمرار القوات الأمريكية ومن الجهة الأخرى للرغبة في انسحاب هذه القوات ولكن برغم هذا التضارب فإن الأداء السلوكي لنوري المالكي ووزارته يفيد لجهة إيلاء الأفضلية لبقاء القوات الأمريكية في العراق وما يتم القيام به حالياً هو مجرد تمهيد للمسرح العراقي من أجل كسب نتيجة الاستفتاء العام القادم ولصالح الاتفاقية الأمنية في أحسن الأحوال، وفي أسوأ الأحوال إذا تبين أن الرأي العام العراقي سوف لن يؤيد الاتفاقية فإن ما علينا توقعه هو أن يتم تأجيل الاستفتاء بما يتيح فرصة أكبر لقوات الاحتلال الأمريكي لشن المزيد من العمليات النفسية وريثما يتمكن من إحداث التعديلات المطلوبة في أوساط الرأي العام وبمجرد أن يتم التأكد عبر استطلاعات الرأي أن غالبية العراقيين سيصوتون لصالح الاتفاقية فإن الاستفتاء ستتم إقامته على عجل بما يتيح لسلطات الاحتلال خطف النصر المباغت قبل أن يغير الرأي العام العراقي موقفه!


الجمل: قسم الدراسات والترجمة

إضافة تعليق جديد

لا يسمح باستخدام الأحرف الانكليزية في اسم المستخدم. استخدم اسم مستخدم بالعربية

محتويات هذا الحقل سرية ولن تظهر للآخرين.

نص عادي

  • لا يسمح بوسوم HTML.
  • تفصل السطور و الفقرات تلقائيا.
  • يتم تحويل عناوين الإنترنت إلى روابط تلقائيا

تخضع التعليقات لإشراف المحرر لحمايتنا وحمايتكم من خطر محاكم الجرائم الإلكترونية. المزيد...