سيناريوهات الوضع الميداني بين تركيا والعمال الكردستاني

22-10-2007

سيناريوهات الوضع الميداني بين تركيا والعمال الكردستاني

الجمل: بعد اجتماع البرلمان التركي الذي أعطى الضوء الأخضر للحكومة التركية الحالية بالقيام بعملية الاقتحام العسكري لشمال العراق، وما صاحب ذلك من مطالبة البرلمان التركي للحكومة التركية بضرورة ألا يكون الهدف الرئيسي للعملية العسكرية هو حزب العمال الكردستاني فقط، بل يجب أن تكون العملية موجهة ضد كل من: مسعود البرزاني وحكومة إقليم كردستان، والحزب الديمقراطي الكردستاني، والاتحاد الوطني الكردستاني، وحزب الحياة الحرة الكردي العراقي... وذلك لأن مسعود البرزاني وحزبه وحكومته هم المسئولين الرئيسيين عن وجود ودعم وإيواء حزب العمال الكردستاني.
* مغامرة حزب العمال الكردستاني الجديدة:
برغم تصريحات السلطات التركية التي قالت بأن العمل العسكري التركي في شمال العراق سوف يكون الخيار الأخير من بين قائمة الخيارات المطروحة، فقد قام بالأمس حزب العمال الكردستاني بواحدة من أخطر المغامرات، حيث أوردت صحيفة التايمز البريطانية تقريراً إخبارياً أعدّته «سونا إيرديم» مراسلة الصحيفة في اسطنبول، حمل عنوان "حزب العمال الكردستاني يدفع تركيا إلى الهاوية بعد هجماته الأخيرة".
ويقول التقرير:
لقد أصبح الاقتحام العسكري التركي لشمال العراق اليوم وشيكاً بعد أن قام المتمردون الأكراد -في أحد الكمائن التي نصبوها- بقتل حوالي 12 جندياً تركياًَ، بالقرب من الحدود العراقية..
وأشار التقرير إلى أن رئيس الوزراء التركي الذي كان في الخارج قد غادر بالطائرة عائداً على وجه السرعة إلى العاصمة أنقرة، وذلك للانضمام إلى الرئيس التركي عبد الله غول في حضور الاجتماع الطارئ مع القادة العسكريين الأتراك للنظر في موضوع الهجوم الذي أدى -إضافة إلى مقتل الـ 12 جندياً- إلى جرح 16 آخرين و10 لا يزالون مفقودين حتى الآن... إضافة لذلك، فقد أعقب الهجوم انفجار أحد الألغام التي زرعها حزب العمال الكردستاني، مما أسفر عن جرح 17 شخصاً -على الأقل- كانوا يسيرون ضمن موكب زفاف.
* ردود الأفعال التركية إزاء الهجمات الأخيرة:
قامت تركيا مراراً وتكراراً خلال الفترة الأخيرة، بإلقاء اللوم على الولايات المتحدة الأمريكية، والسلطات العراقية، بالفشل في القضاء على أنشطة حزب العمال الكردستاني، من جراء استخدام الحزب لقواعد حرب العصابات التي أقامها في الجبال الواقعة في إقليم كردستان العراقي الذي يتمتع بالاستقلال الذاتي، وما ترتب على ذلك من هجمات متزايدة ومتصاعدة الشدّة ضد الأهداف التركية في الفترة الأخيرة.
أبرز ردود الأفعال جاءت على لسان رئيس الوزراء التركي رجب طيب أردوغان، الذي أخبر صحيفة التايمز البريطانية قائلاً بأن تركيا سوف تقوم بعمل عسكري ضد المتمردين الأكراد في شمال العراق برغم الالتماسات والمناشدات الملحة والمتكررة من جانب أمريكا، وحلف الناتو، والتي طالبت تركيا بممارسة ضبط النفس.
اتهم أردوغان الولايات المتحدة والسلطات العراقية بعدم القيام بأي شيء فيما يتعلق بطرد الانفصاليين الأكراد، كما أضاف قائلاً بأن صبر تركيا قد نفد، وأصبح لتركيا حق الدفاع عن نفسها، وبأن الأتراك سيقومون بفعل ما هو ضروري، ولا يتوجب عليهم أخذ الإذن بذلك من أي طرف كان..
* تداعيات الاقتحام العسكري التركي لشمال العراق:
تقول المعلومات، بأن رئيس الوزراء التركي قد أثار الكثير من مشاعر الحذر في واشنطن ولندن، وحالياً أصبح الأمريكيون وحلفاءهم يدركون أن السلطات التركية الجديدة عازمة على القيام بعملية الاقتحام العسكري..
على الجانب الكردي، تقول المعلومات بأن حكومة كردستان الإقليمية قامت بتجهيز حوالي 1000 عنصر من قوات البشمركة وقررت القيام بالمواجهة العسكرية ضد أي تدخل عسكري تركي، أما حزب العمال الكردستاني فقد جهز الترتيبات اللازمة بتدمير خطوط نقل أنابيب النفط العراقي إلى تركيا..
تقول المعلومات أيضاً بأن الهجوم العسكري التركي ضد قواعد حزب العمال الموجودة شمال العراق، سوف يترتب عليه حدوث صدع خطير في العلاقات التركية – الأمريكية، ويتحسب الأمريكيون كثيراً لمخاطر خسارة علاقاتهم مع تركيا، التي تعتبر بالنسبة لهم ولحلفائهم الأوروبيين، البلد الذي يملك ثاني أكبر جيش في حلف الناتو بعد أمريكا، والحليف الرئيسي الذي قدم لأمريكا الممر الحيوي لقواتها التي تحارب في العراق وأفغانستان.
هذا وقد كشف أردوغان للصحفيين أن وزيرة الخارجية الأمريكية، كوندوليزا رايس، ووزير الدفاع الأمريكي روبرت غيتز، قد اتصلا بالأمس به، وطلبا منه القيام بتأخير وإرجاء أي إجراء تركي لبضعة أيام، وأضاف أردوغان قائلاً للصحفيين، بأنه أخبر الأمريكيين بأن تركيا تتوقع من حليفتها أمريكا القيام بإجراء عاجل لمعالجة الأوضاع..
وأشارت الصحافة العالمية إلى أن "مزاج" أردوغان في مؤتمره الصحفي قد عكس الكثير من المشاعر السلبية، وبشكل أوضح فقد عكس عدم رغبة أردوغان في الاستجابة للمناشدات والوساطات الدبلوماسية الأمريكية والأوروبية الغربية إزاء ملف كردستان، ولاحظ الصحفيون تصريح أردوغان الذي قال فيه: "لقد أخبرنا الرئيس بوش مراراً وتكراراً حول مدى حساسيتنا البالغة إزاء تخفّي عناصر حزب العمال الكردستاني خلف الولايات المتحدة والسلطات العراقية، واستخدامهم للأسلحة الأمريكية، ولكننا لم نحصل على نتيجة إيجابية واحدة من الرئيس بوش"..
وأيضاً تصريح أردوغان الذي قال فيه بأن الأهداف التركية ليست المدنيين الأبرياء ولا سلامة ووحدة أراضي العراق، وإنما تتمثل هذه الأهداف في تنظيم إرهابي يعتدي بشكل منتظم على الأهداف التركية. وأضاف أردوغان قائلاً: "إذا كان ثمة بلد مجاور يقدم الملاذ الآمن للإرهاب.. فلدينا الحقوق بموجب القانون الدولي وسوف نستخدم هذه الحقوق، ولن نقوم بأخذ الإذن من أحد"..
وتقول التحليلات والمعلومات التي أوردتها صحيفة التايمز البريطانية، بأن الاقتحام العسكري التركي لشمال العراق يمكن تجنبه إذا ما قام الأمريكيون والعراقيون بـ:
• طرد حزب العمال الكردستاني.
• إغلاق معسكرات تدريبه.
• تسليم قادته وعناصره المطلوبين إلى تركيا.
واتهم أردوغان في تصريحاته النارية، لجنة الشئون الخارجية بالكونغرس الأمريكي، بالقيام بإطلاق رصاصة على العلاقات التركية – الأمريكية، عندما قامت بدفع مجلس النواب الأمريكي إلى الموافقة على عريضة قانون المذبحة الأرمنية، وذلك على النحو الذي يلقي على تركيا أعباءً وتعويضات للأرمن على غرار أعباء ألمانيا إزاء اليهود بسبب موضوع الهولوكوست..
وتشير المعلومات الصحفية إلى أن أردوغان قد وجّه الكثير من الكلمات القاسية والعبارات المتشددة في حق البلدان الأوروبية الغربية، وبالذات: فرنسا، ألمانيا، والنمسا.
السلطات العراقية من جانبها أعلنت عن رفضها القاطع لتسليم أي مطلوب للسلطات التركية، وتحدث "الرئيس" العراقي جلال الطالباني، قائلاً لوكالة الأسوشيتيد برس، بأن حزب العمال الكردستاني جاهز لكي يعلن وقفاً لإطلاق النار مع تركيا بدءاً من اليوم..
* الوضع الميداني في شمال العراق:
نقلت صحيفة الإندبندنت البريطانية في شمال العراق قائلة بأن المهمة العسكرية في هناك سوف تكون صعبة وشاقة أمام الجيش التركي، وذلك لأن عناصر حزب العمال الكردستاني تحتمي بالمناطق الجبلية الوعرة، وبأنها موزعة ضمن مجموعات وخلايا صغيرة، إضافة إلى أن هذه الخلايا في حالة تنقل دائم بين المخابئ الجبلية التي قاموا بإعدادها خلال الفترة السابقة... وأضافت الصحيفة قائلة بأنه برغم أن عدد عناصر حزب العمال الكردستاني الكلي يبلغ 3500 عنصر، إلا أنهم وبسبب المزايا الميدانية المواتية لهم، قادرون على إلحاق الخسائر بالجيش التركي الذي سوف يجد نفسه أمام عدة جبهات داخل الشمال العراقي، مما يستلزم منه القيام بالآتي:
• مقاتلة عناصر حزب العمال الكردستاني.
• مقاتلة عناصر البشمركة التابعة لحكومة إقليم كردستان والبالغ عددهم 100 ألف عنصر.
• احتمالات الدخول في مواجهات محدودة مع القوات العراقية والقوات الأمريكية.
* الموقف السوري إزاء الأزمة:
تقول صحيفة زمان التركية بأن الموقف السوري، وأيضاً الإيراني يؤكد بأن الحل السياسي هو الحل الأمثل والأفضل، برغم أن لتركيا حقها المشروع في اتخاذ ما تراه مناسباً..
وأشارت الصحيفة إلى التقارير الواردة من دمشق والتي أكدت أن "سوريا تنظر إلى الحل السياسي لأي مشكلة ولأي نزاع باعتباره السبيل الأفضل".
عموماً، وحول النتائج المترتبة على قيام الجيش التركي بالاقتحام العسكري لشمال العراق، يقول تحليل الخبير الدفاعي البريطاني مايكل إيفانز: إن أي عملية عسكرية لاقتحام شمال العراق بشكل واسع النطاق سوف يترتب عليها المزيد من التداعيات السياسية والأمنية، ليس فقط بالنسبة لإقليم كردستان العراقي، وإنما لكامل الإستراتيجية الأمريكية الجاري تنفيذها حالياً في المنطقة، وأيضاً إلى علاقات محور أنقرة – واشنطن.
ويضيف المحلل العسكري البريطاني بأن الوسائل العسكرية لن تؤدي إلى حل المشكلة، ولكنه يطالب الحكومة الأمريكية والسلطات العراقية باتخاذ المواقف الحازمة تجاه المليشيات الكردية التي ظلت تمارس الهجمات والتهديدات بشكل استفز الأتراك وحفزهم على القيام بالرد العسكري المطلوب..
إن أزمة إقليم كردستان أصبحت ترتبط بعدد من الرهانات المتعاكسة حول سيناريوهات الوضع الميداني:
• الرهان التركي: ويستند على أن العمل العسكري ممكن النجاح في القضاء على نشاط حزب العمال الكردستاني (الهدف المعلن) وعلى إحباط مخطط المشروع الانفصالي الكردي (الهدف غير المعلن) بحرمان الأكراد من ضم كركوك الغنية بالنفط، وتقليل وزنهم السياسي داخل العراق المحتل، وإسقاط مشروع قانون توزيع عائدات النفط، وبث بذور الخلاف ضمن المحاور الآتية:
* خلاف كردي – عراقي: بسبب عدم قيام العراقيين بدعم الأكراد في مواجهة القوات التركية.
* خلاف كردي – أمريكي: بسبب عدم وقوف أمريكا إلى جانب الأكراد في مواجهة الجيش التركي.
  * خلاف كردي – كردي: بسبب وجود حزب العمال الكردستاني.
• الرهان الكردي: ويستند إلى أن المواجهة ضد القوات التركية سوف تؤدي إلى:
* توحيد الحركات الكردية تحت زعامة مسعود البرزاني وحكومة كردستان الإقليمية.
* خوض الحرب وفقاً لإستراتيجية الحرب اللامتماثلة التي سبق أن خاضها حزب الله ضد إسرائيل، سوف يؤدي إلى هزيمة تركيا، وإعطاء المشاعر الكردية في المنطقة دفعة قوية بإمكانية قيام الدولة الكردية المتوقعة.
* انهيار علاقة أمريكا مع تركيا، ووقوفها نهائياً إلى جانب الأكراد باعتبارهم الأقوى.
* بناء الروابط الأقوى مع إسرائيل، والتي سوف تعزز علاقاتها بهم وتستعين بالحركات الكردية في مواجهة خصومها في المنطقة.
• الرهان العراقي: إن المواجهة التركية – الكردية، سوف تؤدي إلى القضاء على النزعة الانفصالية الكردية في العراق وبالتالي يحصل العراقيون على ما يريدونه دون خوض الصراع ضد الحركات الكردية التي تجد حالياً الحماية والدعم الأمريكي – الإسرائيلي.
ويبين مثلث الرهانات بقاء الأزمة الكردية معلقة، على عدد من الاحتمالات، وسوف تظل بعد ذلك مفتوحة على كافة الحلول... بالتأكيد ليس السلام واحداً منها طالما أن الزعماء الأكراد تتملكهم النزعة الانفصالية ويعيدون تعبئة المليشيات والتحالف مع أبرز أعداء البيئة الإقليمية الشرق أوسطية: وتحديداً إسرائيل وأمريكا..
وما هو ممكن حالياً يتمثل في استمرار الصراع والعنف السياسي التركي – الكردي، ضمن وتائر تتراوح بين الشدة المرتفعة والشدة المنخفضة.. ولن تهدأ الأمور تماماً إلا بهدوء حماسة وشهية زعماء الحركات الكردية الانفصالية، والتي بدورها لن تهدأ أيضاً إلا إذا توقفت الإمدادات العسكرية واللوجستية والاستخبارية الإسرائيلية – الأمريكية لبارونات الحرب في المناطق الكردية، وقتها فقط يمكن القول بأن الحس السياسي سوف يكون ممكناً..


الجمل: قسم الدراسات والترجمة

إضافة تعليق جديد

لا يسمح باستخدام الأحرف الانكليزية في اسم المستخدم. استخدم اسم مستخدم بالعربية

محتويات هذا الحقل سرية ولن تظهر للآخرين.

نص عادي

  • لا يسمح بوسوم HTML.
  • تفصل السطور و الفقرات تلقائيا.
  • يتم تحويل عناوين الإنترنت إلى روابط تلقائيا

تخضع التعليقات لإشراف المحرر لحمايتنا وحمايتكم من خطر محاكم الجرائم الإلكترونية. المزيد...