لماذا يخافون الانتخابات السورية؟

01-06-2014

لماذا يخافون الانتخابات السورية؟

الجمل-  ريك ستيرلينغ- ترجمة: د. مالك سلمان:

تجري الانتخابات الرئاسية في سوريا يوم الثلاثاء القادم، 3 حزيران/يونيو. بعد تعديل الدستور في سنة 2012، لم تعد سوريا دولة يحكمها حزب واحد، وهناك عدة مرشحين لمنصب رئاسة الجمهورية. يتنافس مع بشار الأسد كل من الشيوعي السابق والمشرع ماهر الحجار، ورجل الأعمال حسان النوري.

عبرت ما تسمى مجموعة "أصدقاء سوريا" (أعضاء الناتو: تركيا، وألمانيا، وفرنسا، وبريطانيا، وإيطاليا، والولايات المتحدة؛ بالإضافة إلى الملكيات الخليجية: الإمارات، وقطر، والسعودية؛ زائد الأردن ومصر) عن رفضها القوي لهذه الانتخابات. منذ سنة 2011، كانت مجموعة "الأصدقاء" تلتقي بشكل دوري لتنسيق تمويل وتسليح وتدريب المتمردين، إضافة إلى محاولة دعم وتعزيز قيادة سياسية خارجية تتمتع بشيء من المصداقية. وتبعاً ل "المرصد السوري لحقوق الإنسان" المعارض، فقد أودت هذه الانتفاضة المدعومة من الخارج بحياة أكثر من 62,000 من الجنود والميليشيات السورية، زائد 80,836 من المدنيين. قام المتمردون بقتل الكثير من هؤلاء المدنيين. إذا دققنا في عدد الجنود وعناصر الأمن السوريين الذين قضوا في هذه الحرب، هل يمكنكم أن تتخيلوا ماذا يمكن أن يحدث في حال قتلَ 10% من ذلك الرقم (6,000 جندي وعنصر أمن) في الولايات المتحدة الأمريكية؟

إذا أخذنا بعين الاعتبار مستوى العنف هذا، وتعصب وتطرف المتمردين المعلنَين، وصعوبة إدارة المسؤولين السياسيين الذين من المفترض أن يلعبوا دور "القادة"، يمكن للمرء أن يتساءل عن السبب الذي يدفع بالولايات المتحدة والبلدان الأخرى للاستمرار في محاولة إسقاط النظام في سوريا.

فبدلاً من النظر إلى الانتخابات في سوريا، التي يتنافس فيها عدة مرشحين، كخطوة إلى الأمام، ينظرون إليها بصفتها تهديداً قاتلاً. "الانتخابات التي يجريها الأسدس مزيفة"، قال كيري بعد اجتماع ما يسمى "أصدقاء سوريا" في لندن يوم الثلاثاء، 15 أيار/مايو. وأضاف: "إنها إهانة. إنها تدليس على الديمقراطية، وعلى الشعب السوري والعالم."

منعت كل من فرنسا وألمانيا والدول الخليجية التصويت في الانتخابات السورية. فقد تم إغلاق السفارات السورية في الولايات المتحدة وكندا، مانعين بذلك السوريين المقيمين في هذين البلدين من التصويت.

ماهو سبب غضب كيري و "الأصدقاء" وخوفهم من الانتخابات السورية؟ فإذا كانت هذه الانتخابات مجرد مهزلة، فإن معظم السوريين لن يشاركوا فيها. وإذا كان الشعب يعتقد أن هذه الانتخابات بلا معنى، فإن الإقبال على التصويت سيكون ضعيفاً، كما حدث في مصر هذا الأسبوع.

أما بالنسبة إلى موضوع إجراء الانتخابات في خضم الحرب، فقد تم ذلك هنا في الولايات المتحدة. فقد جرت انتخابات 1864، التي تم فيها إعادة انتخاب إبراهام لينكولن، في خضم الحرب الأهلية الأمريكية الدموية.

المجموعة الأخرى الخائفة من الانتخابات السورية هي "المجلس السوري الأمريكي". تزعم مجموعة الضغط، المموَلة جيداً، هذه أنها تمثل الأمريكيين السوريين. وقد شنت حملة على "تويتر" و "فيسبوك" تحت عنوان "الانتخابات الدموية". وتتمتع هذه المجموعة بعلاقات مهنية عامة وتسويقية، ولديها موظفون مأجورون، كما تتمتع بالدعم من دعاة التدخل من المحافظين الجدد والصهاينة في الكونغرس الأمريكي. ومع ذلك لا تلقى هذه المجموعة أي دعم يُذكر من قبل السوريين في الولايات المتحدة. في آب/أغسطس وأيلول/سبتمبر الماضيين 2013، عملت هذه المجموعة على دعم الهجوم الأمريكي المزمع على سوريا. ولم يكن هؤلاء مهتمينَ بحمام الدماء الذي كان سينتج عن مثل هكذا تدخل. ومن باب المفارقة أنهم يتحدثون عن الدماء الآن في الوقت الذي تقيم فيه سوريا انتخابات سلمية.

على النقيض من "المجلس السوري الأمريكي"، تناهض منظمات بديلة مثل "أمريكيون عرب من أجل سوريا" و "المنتدى السوري الأمريكي" استخدام أموال الضرائب الأمريكية لتدمير بلدهم الأم. وكتعبير عن عمق مشاعرهم، يسافر أكثر من 25 عضواً في "أمريكيون عرب من أجل سوريا" إلى بيروت، ومن ثم بالبر إلى سوريا، للتصويت في الانتخابات التي ستجري يوم الثلاثاء. والشيء نفسه يحدث في بلدان أخرى منعت السوريين من التصويت على أراضيها. كما أن السوريين المقيمين في الخليج يسافرون إلى سوريا كتعبير عن التزامهم بوطنهم.

السبب هو أن الكثير من السوريين، داخل سوريا وخارجها، ينظرون إلى التصويت في هذه الانتخابات كمؤشر على دعم وطنهم في هذه الأوقات العصيبة.

بدأ تصويت السوريين المقيمين في الخارج بالتصويت البارحة 28 أيار/مايو في لبنان والأردن وبضع دول أخرى. كان الإقبال في بيروت ضخماً، حيث قام عشرات الآلاف من السوريين بالسير عبر الشوارع وهم يغنون وينشدون في طريقهم نحو مقرالسفارة السورية الكائن شرق مركز المدينة. شاهدوا أشرطة الفيديو ثم احكموا بأنفسكم إن كان هؤلاء الناس "مرغمين" على التصويت لبشار الأسد أو الهتاف له.

تم تمديد فترة التصويت في بيروت نتيجة الإقبال الضخم. ويشكل ذلك مفارقة صارخة مقابل الوضع في مصر، حيث تسعى الحكومة يائسة إلى تمديد ساعات وأيام التصويت في محاولة منها لتشجيع الناخبين للإقبال على الانتخابات.

إذا كان التاريخ الحديث يشكل نوعاً من الدليل، يمكن أن يكون هناك نوع من الحدث الإعلامي الكبير أو الاعتداء الوحشي في الأيام القليلة القدمة. فقد حصل أن نفذت المعارضة السورية وداعموها عمليات استعراضية في أوقات عصيبة. وإذا حصل هذا الأمر، فإن الغرض سيكون لفت الانتباه عن المشاركة السورية الكبيرة في الانتخابات ومحاولة شيطنة الأسد بصفته "دكتاتوراً متوحشاً".

لكن هذه التسميات فقدت بريقها، وأولئك المتأثرون بالأزمة يعرفون الحقيقة، وحتى أولئك المتأثرون بهذه الحملات الدعائية الضخمة يمكن أن يبدؤوا في التساؤل: هل كانت حقاً "ثورة سورية"؟ ما هذه "الثورة" التي تمولها الأنظمة الملكية الفاسدة والقوى الاستعمارية السابقة؟ وهل "الدكتاتور المتوحش" سيء إلى هذه الدرجة التي يروجونها؟ إن مشاهد الآلاف من السوريين الذين يلوحون بصور الأسد ويهتفون باسمه والشباب الذين يعبرون عن حبهم له ليست، بالتأكيد ما يرغبون أن نشاهده.

في الأسبوع القادم يمكننا أن نرى الفيديوهات والصور والقصص القادمة من سوريا. ونأمل أن تتمتع بعض التقارير بشيء من الموضوعية. لم يرغب جون كيري و "أصدقاء سوريا" في حصول هذه الانتخابات، ويمكن أن يظهر العنف والمطبات خلال هذه الرحلة، لكن الانتخابات في سوريا ماضية في طريقها. فلننتظر ونرَ ما الذي يخاف منه كيري وشركاه.

 

http://www.counterpunch.org/2014/05/30/why-are-they-afraid-of-the-syrian-elections/

("كاونتربنتش"، 30 أيار/مايو – 1 حزيران/يونيو 2014)

الجمل

إضافة تعليق جديد

لا يسمح باستخدام الأحرف الانكليزية في اسم المستخدم. استخدم اسم مستخدم بالعربية

محتويات هذا الحقل سرية ولن تظهر للآخرين.

نص عادي

  • لا يسمح بوسوم HTML.
  • تفصل السطور و الفقرات تلقائيا.
  • يتم تحويل عناوين الإنترنت إلى روابط تلقائيا

تخضع التعليقات لإشراف المحرر لحمايتنا وحمايتكم من خطر محاكم الجرائم الإلكترونية. المزيد...