مدنيو شرق حلب بين نارين: المنع من المغادرة والتسييس الغربي للممرات!

30-07-2016

مدنيو شرق حلب بين نارين: المنع من المغادرة والتسييس الغربي للممرات!

فور اكتمال الطوق العسكري المحيط بمدينة حلب وعزل قوات الجيش السوري والفصائل التي تؤازره المسلحين الموجودين داخل أحيائها الشرقية عن الريف الشمالي المفتوح على تركيا، أطلقت القيادتان العسكريتان السورية والروسية مبادرة إنسانية لإخراج المدنيين المحاصرين استباقا للعبة سياسية دولية توقعتا حصولها ببدء العزف على «الوتر الإنساني»، وهو ما بدأ يحصل في الوقت الحالي بشكل تدريجي، في ظل قيام الفصائل المسلحة بقطع واستهداف جميع الممرات لمنع خروج المدنيين المحاصرين، والذين يبلغ عددهم نحو 250 ألف شخص، وفق تقديرات منظمات إغاثية.
بتناغم تام وبشكل مطَّرد، بدأت كل من الولايات المتحدة وفرنسا وبريطانيا وتركيا إطلاق تصريحات تطالب بفك الحصار عن مدينة حلب. وأكدت واشنطن، أمس، أنه إذا ثبت أن العملية الإنسانية الروسية في حلب حيلة، فإن ذلك سيهدد جهود التعاون بين الولايات المتحدة وروسيا لإنهاء الحرب في سوريا.
وقال وزير الخارجية الاميركي جون كيري: «إذا كانت حيلة، فإنها تحمل مخاطرة تدمير التعاون تماما»، مضيفاً: «إذا تمكنا من حل الأمر اليوم والوصول إلى تفاهم كامل لما يحدث ثم التوصل إلى اتفاق بشأن سبل المضي قدماً، فإن ذلك يمكن أن يفتح فعليا بعض الاحتمالات».
وكان المتحدث باسم الخارجية الأميركية جون كيربي قال للصحافيين، أمس الأول، إن «الإجراءات الإنسانية التي تتخذها روسيا وسوريا في حلب، تبدو وكأنها في الحقيقة محاولة لإجلاء المدنيين قسرا ولدفع الجماعات المسلحة إلى الاستسلام».
بدوره، رأى المتحدث باسم وزارة الخارجية الفرنسية رومان نادال أن «الممرات الانسانية لا تقدم حلا مجديا» للوضع، موضحاً أن «القانون الدولي الانساني يفرض ايصال المساعدة بصورة عاجلة» الى السكان المحاصرين.
وفي أنقرة، بلغت عمليات التنديد بحصار مسلحي حلب مستوى «الغضب»، وأصدرت وزارة الخارجية التركية بيانا اعتبرت فيه أن «الغارات والحصار يأتيان تحت ستار مكافحة الإرهاب واتفاق وقف الأعمال القتالية»، مضيفة أن ذلك يُعد «أمرا مؤسفا وغير مقبول إطلاقا» ويثير «غضب أنقرة العميق».
وفي ظل هذه الاجواء، تقدم المبعوث الدولي إلى سوريا ستيفان دي مستورا بعرض لـ «الإشراف على الممرات الإنسانية». وقال خلال مؤتمر صحافي في جنيف: «نرحب بأية مبادرة تهدف الى مساعدة السكان المدنيين في النزاعات وخصوصا في سوريا. نقترح ان تترك لنا روسيا الممرات التي فتحت بمبادرتها. الامم المتحدة وشركاؤها الانسانيون يعرفون ما ينبغي القيام به، لديهم الخبرة».
وكرر دي ميستورا طلباً قدمه رئيس العمليات الانسانية في الامم المتحدة ستيفن اوبراين الخميس في نيويورك، حيث دعا الى «هدنات انسانية من 48 ساعة لإتاحة العمليات عبر الحدود وعبر خطوط الجبهة» في حلب، مشيراً إلى أنه «يجب ألا يجبر احد على الفرار، عبر طريق محددة او الى وجهة معينة».
وعن الهدف من المبادرة التي تقدم بها دي ميستورا، يرى المحلل والباحث السوري هيثم حسون أن «دي ميستورا يقوم بتطبيق حرفي لتعليمات الولايات المتحدة التي تخشى أن تفقد نفوذها في حلب، كما تخشى أن تسقط إعلاميا، خاصة أن عمليات الجيش السوري الأخيرة أظهرت قوة الجيش السوري في وجه الإرهاب، على عكس الفصائل التي تدعمها أميركا في منطقة قريبة في حلب (منبج) والتي عجزت عن تحقيق أي تقدم فعلي في وجه تنظيم داعش».
ورأى المحلل السوري أن «مبادرة دي ميستورا تهدف أيضاً إلى إخراج دمشق وموسكو من دائرة السيطرة، ومحاولة تثبيت الوضع القائم في حلب لأطول فترة ممكنة».
وعن رد القيادتَين السورية والروسية على مبادرة المبعوث الدولي، يرى حسون أن «العملية الإنسانية التي أطلقتها دمشق وموسكو كانت متكاملة، حيث تضمنت أيضاً خروج المسلحين إن أرادوا، كما تتكامل مع مرسوم العفو الرئاسي، لذلك أعتقد أن سوريا وروسيا ستتمسكان بمتابعة ما بدأته ولن تتنازلا عنه».
وفي حال استمر المسلحون بمنع الأهالي من مغادرة المدينة، يرى الباحث السوري أن «موسكو ودمشق وضعتا ذلك في الحسبان، وحينها قد يتم تنفيذ عمليات دقيقة لإضعاف المسلحين عبر استهداف مقارهم مع استمرار تقديم الدعم للأهالي المحاصرين عبر الممرات الإنسانية».
من جهتها، أكدت وزارة الدفاع الروسية أن عملية حلب إنسانية بحتة، مستغربة موقف بعض السياسيين الذين يرون أهدافا خفية وراء خطوات روسيا. وقال نائب وزير الدفاع الروسي أناتولي أنطونوف للصحافيين: «مستعدون لنفعل كل ما بوسعنا من أجل تقديم المساعدات إلى المواطنين المسالمين وحتى المسلحين الراغبين في إلقاء السلاح»، لافتاً إلى إمكانية فتح ممرات إنسانية ليس فقط من داخل حلب بل وإليها أيضاً إذا اقتضت الضرورة، مشيراً في الوقت ذاته إلى أن الجانب الروسي لن يسمح في أي ظرف بتدفق المزيد من الأسلحة إلى المناطق التي يسيطر عليها مسلحون.
وفي هذا السياق، يرى مصدر عسكري سوري أن التصعيد الغربي يهدف إلى وقف عمليات الجيش السوري للسيطرة على كامل حلب بعد انهيار دفاعات المسلحين بشكل متتابع، موضحاً  أن «الهدف هو منع المدنيين من الخروج لعرقلة العملية العسكرية وتأمين خطوط امداد للمسلحين بإشراف أممي يضمن استمرار إدخال السلاح لهم، وهو ما ترفضه القيادتان العسكريتان السورية والروسية».
و أكد عدد من سكان أحياء حلب الشرقية أن الفصائل المسلحة عممت على الأهالي بأن «اي شخص يحاول الخروج سيتم استهدافه»، وذلك لمنع خروج المدنيين، في وقت ذكر فيه «المرصد السوري لحقوق الإنسان» المعارض أن 12 مدنيا فقط تمكنوا من الخروج قبل أن تقوم الفصائل المسلحة بنشر قناصيها وقطع المعابر التي فتحتها الحكومة السورية. وقال حسن وهو من سكان حي طريق الباب: «معظمنا هنا يرغب بالخروج إلا أن تهديدات المسلحين من جهة، واستهداف كل مَن يحاول الخروج من جهة أخرى، يمنعاننا من ذلك في الوقت الحالي».
ويشير حسن إلى أن «المواد الغذائية نفدت بشكل غريب ومريب من الاسواق، حيث بدأت الفصائل تتحكم بالمواد الغذائية»، في تصرف يهدف إلى زيادة الضغط السياسي لفك الحصار عن أحياء حلب، عوضاً عن الأرباح التي ستجنيها تلك الفصائل من عمليات الاتجار بالمواد الغذائية.
وبرغم ذلك، يؤكد مصدر حكومي سوري أن القيادة العسكرية «تأمل أن يتم إخراج المدنيين من تلك الأحياء، حيث تم تجهيز أماكن آمنة عدة لاستقبالهم في جبرين شرق حلب وفي حي الحمدانية غرب المدينة حيث تم توفير جميع المستلزمات لهم، إلا أن المسلحين ما زالوا يمنعونهم من الخروج».
ويضيف: «نأمل أن يتمكن المدنيون من الضغط على المسلحين ليخرجوا إلى بر الأمان، خاصة أن معظم هؤلاء المقاتلين قاموا بتهريب عائلاتهم إلى تركيا منذ زمن طويل، بينما غالبية من بقي في تلك الأحياء هم من المدنيين الذين لا يملكون أموالا تكفيهم للعيش في مناطق أخرى، لذلك لا يمانع المسلحون تعرض المدنيين للحصار والجوع»، ويضيف: «المسلحون يخشون من البقاء بمفردهم في تلك المناطق وهم لن يستطيعوا استغلال العملية العسكرية سياسياً، لذلك يريدون تحويل المدنيين إلى دروع بشرية».

علاء حلبي

المصدر: السفير

إضافة تعليق جديد

لا يسمح باستخدام الأحرف الانكليزية في اسم المستخدم. استخدم اسم مستخدم بالعربية

محتويات هذا الحقل سرية ولن تظهر للآخرين.

نص عادي

  • لا يسمح بوسوم HTML.
  • تفصل السطور و الفقرات تلقائيا.
  • يتم تحويل عناوين الإنترنت إلى روابط تلقائيا

تخضع التعليقات لإشراف المحرر لحمايتنا وحمايتكم من خطر محاكم الجرائم الإلكترونية. المزيد...