من الخيال إلى الواقع:سوريا نموذجا

13-11-2012

من الخيال إلى الواقع:سوريا نموذجا

الجمل- ميشيل تشوسودوفسكي- ترجمة: مالك سلمان:

 "الشعب الأمريكي لا يصدق أي شيء حتى يشاهده على شاشة التلفزيون."
"الشعب الأمريكي لا يصدق أي شيء حتى يشاهده على شاشة التلفزيون."
(الرئيس الأمريكي ريتشارد نيكسون)

 

أربع طرق تصنع من خلالها وسائل الإعلام العالمية المهيمنة و المشبوهة واقعاً مزيفاً:
1. لفت الانتباه المفرط إلى حدث معين أو قضية معينة, وصيَغ الشعوذة
تركز وسائل الإعلام الداعمة للتيار السائد بشكل حصري على قصة واحدة حول حدث أو قضية بطريقة مصممة لتهميش وجهات النظر الأخرى التي تنطوي على الدرجة نفسها من المصداقية, إن لم يكن على درجة أكبر. تحتل السرود القصصية – وليس الحقائق والبيانات الموضوعية – دوراً مركزياً في عقل الصحفي الصاعد. ويلعب الصحفيون والمحررون الذين يشرفون على صنع الأخبار الدورَ الذي يلعبه كتاب السيناريو في عملية صناعة الأفلام. وتنبثق قوتهم من حقيقة أن الجمهور ينظر إلى الأخبار بصفتها "واقعية", بينما يدرك أن الأفلام مزيفة تماماً. لكن الأخبار في الولايات المتحدة والغرب أبعد ما تكون عن الواقع.
إن الصحفيين الذين يعملون لصالح المجتمع الاستخباراتي الأمريكي ووكالات الاستخبارات الحكومية الأخرى هم رُسُل السلطة. إذ يتركز عملهم على تكرار السرود والشعوذات الحكومية. فمثلاً, "القاعدة" عبارة عن ضرب من الشعوذة, وليس منظمة إرهابية عالمية تخوض حرباً ضد أمريكا. اقرؤوا, على سبيل المثال, "القاعدة والوعي الإنساني: القاعدة, القاعدة ... الخطاب الشعبي المتواصل والمتكرر" لميشيل تشودوفسكي. "الربيع العربي" شعوذة أخرى تستخدمها واشنطن لتحقيق أهداف السياسة الخارجية الأمريكية في الشرق الأوسط.
أحدث شعوذة تستخدمها وسائل الإعلام المهيمنة هذه في سياق محلي هي "الجُرف الأميري" [أميري: متعلق بأموال خزانة الدولة]. طبعاً لا يناقش الرُسُل الإعلاميون للمؤسسة الاستبدادية كيف عملت الآلة المالية الخاصة ل "الاحتياطي الفدرالي", وعمليات الإنقاذ السريع التي يقوم بها "وول ستريت", وحروب المجمعات العسكرية-الصناعية على رفع ديون الولايات المتحدة إلى مستويات مخيفة. فهم يكتفون بتكرار عبارة "الجرف الأميري", ومن ثم يقدمون حلولاً منوطة بالحزبين الحاكمين تهدف إلى إفادة العصابات المصرفية المهيمنة والتي من شأنها تدمير مستويات العيش لموظفي ودافعي ضرائب الطبقة الوسطى.
فمن خلال التركيز على "الجرف الأميري", عوضاً عن هذه الهوة السحيقة من الخداع والمتمثلة في "الاحتياطي الفدرالي" غير الدستوري, تعمل وسائل الإعلام السائدة على تشريع نهب وسرقة الشعب الأمريكي من قبل المصرفيين الدوليين.

2. إنتاج التقارير الإخبارية مزيفة
الدعاية الحربية ليست ميزة جديدة من ميزات الحرب, لكن وسائل الإعلام الجماهيرية الغربية دفعت هذا الفن إلى أقصى أبعاده التقنية. فمما حققته وسائل الإعلام الأمريكية والإسرائيلية والغربية في 11 أيلول/سبتمبر 2001 يبعث على الدهشة. كان يوم 9/11 نتاجاً هوليودياً مذهلاً, من البداية إلى النهاية, من الصباح حتى المساء. فقد جعل أعضاء فريق هتلر الدعائي يبكون في قبورهم. لكن قصة 9/11 الرسمية مجرد مثال واحد عن كيفية تصنيع الأخبار من قبل الحكومة بشكل متناغم مع الصحافة.
هناك الكثير من الأمثلة في سورية. فقد عرضت المحطات الدعائية مثل "سي إن إن" و "ب ب سي" تقاريرَ إخبارية عن مجازر مزيفة ارتكبتها الحكومة السورية, وبالغت في حجم التظاهرات المناهضة للرئيس الأسد, وبشكل عام ضخمت حدة الكراهية للأسد داخل سورية. ولا يمكننا الاعتماد على العدد الرسمي للأشخاص الذين ماتوا في هذا النزاع لأن وسائل الإعلام المسمومة تخترع أرقاماً بشكل روتيني وتكررها باستمرار إلى أن تصيرَ بمثابة حقائق.
حتى الآن, رسمت وسائل الإعلام الغربية صورة وردية عن ‘الثوار’ المناوئين للأسد الذين لا يتعدون كونهم إرهابيين جهاديين مموَلين من الخارج, بينما قللت من أهمية الألم والموت العبثي اللذين يعاني منهما مؤيدو الأسد من أمثال الممثل السوري-الفلسطيني محمد رافع.
يمكننا أن نرى بوضوح أن الثورة في سورية هي ثورة متخيَلة وليست ثورة حقيقية. إن ‘الربيع العربي’ لا يشبه طاعوناً عضوياً ينتشر من بلد إلى آخر. فقد زرعت الولايات المتحدة وتركيا وقطر والسعودية ‘الربيع العربي’ في سورية, وقد لاقى مقاومة من قبل الشعب السوري الذي يتمتع بوعي سياسي والحكومة السورية القوية. وهذا طبيعي لأنه لم تكن هناك أبداً دعوة إلى الثورة الجهادية العنيفة في سورية. كما أن المشاعر المعادية للحكومة في سورية لم تصل قط إلى مستوى اليأس, على العكس من مصر والبحرين وبلدان أخرى في المنطقة.

3. تغييب الحقائق والآراء البديلة
بما أن وسائل الإعلام السائدة تعمل في عالم مبني سياسياً, يتم حجب الحقائق التي تتعارض مع رأي الحكومة الأمريكية. وبذلك تتم المحافظة على تماسك هذا العالم المزيف مقابل تدمير العالم الحقيقي.
أما من يجرؤون على التعبير عن آراء مغايرة حول الأحداث التي غيرت الولايات المتحدة, مثل 9/11 وعمليات الإنقاذ السريعة التي قامت بها العصابات المصرفية في سنة 2008, فيتم التعامل معهم على أنهم مجانين. فعندما تعبر عن رأي بديل يفترق عن السرود الرسمية للحكومة الأمريكية, يتم اتهامك بأنك مصاب بجنون الارتياب, وأنك تروج لنظريات المؤامرة, وأنك تدعم ‘القاعدة’, وأنك تنتمي إلى الطابور الخامس. وللإطلاع أكثر على آلية عمل الدعاية الإعلامية ضد الرأي الآخر, يمكنكم مراجعة "ميدان الدعاية: المسلحون في الخارج, وأصحاب نظريات المؤامرة في الداخل".
يمكن لإخفاء الحقيقة أن ينجحَ لفترة قصيرة, لكن الكلمة الأخيرة تبقى للحقيقة. إذ تواجه وسائل الإعلام السائدة الآن صعوبات متزايدة في السخرية من المحققين المستقلين بصفتهم مروجين لنظريات المؤامرة لإشارتهم بأن الولايات المتحدة وحلفاءها المستبدين يدعمون الإرهابَ الجهادي ضد سورية. فحتى الصحفيون الذين يعملون لصالح وسائل الإعلام هذه بدؤوا في الاعتراف بذلك. وكيف يمكنهم ألا يعترفوا به؟ من الصعوبة جداً إخفاء الحقيقة.
هناك شرائط فيديو تصور مرتزقة جهاديين يقومون بعمليات إعدام جماعي ضد المدنيين, لكن آلة وسائل الإعلام الغربية عاجزة في وجه هذا النوع من الدليل الساطع. إذ أنهم سيبدون معاتيهَ لو قالوا إن عمليات الإعدام الجماعي من قبل الإرهابيين المناهضين للحكومة لا تحدث وأن كلَ اللوم على هذه الأزمة في سورية يقع على كاهل الأسد.

4. التلقين الجماهيري من خلال الأساطير والطقوس
يبرهن مثال "طقس 9/11" على أننا نفكر بطريقة أسطورية, وليس بعقلانية. من السهل على حكومة توتاليتارية تسيطر على موارد إعلامية ضخمة أن تتحكم بالشعب وتنومَه بشكل دائم. لكن المشكلة تبدأ مع وصول السرد المنافس, سرد مبني على الحقائق العلمية مقابل الدعاية.
لكن حملة إعلامية مستدامة لغسيل دماغ الشعب, مع حالة من إثارة الرعب, يمكن أن يُبقيا الشعب تحت سيطرة الحكومة لوقت طويل جداً. اقرؤوا, مثلاً, "سبع طرق تُمَكِن من خلالها أحداث مثل 7/7 الحرب الاجتماعية" لتتعرفوا على فاعلية إرهاب الرايات المزيف", بالإضافة إلى "7 أسباب تساعد على استمرار الأساطير العظيمة لمكافحة واشنطن للإرهاب في وجه الدلائل".
ما هو السر في الطقوس الشعبية الجماهيرية الذي يقوي القادة السياسيين ويشجعهم على للقيام بأعمال متطرفة لم يكن ليقبلها معظم الشعب؟ إنها أحداث تبث الهلعَ والفوضى بين الجماهير, مما يمنح الحكومات سلطة أكبر على عقول المواطنين المأخوذة. يقول مارتن س. دي, مؤلف كتاب "المعاني المتعددة للأسطورة", إن هناك ستة أهداف سوسيولوجية للطقوس الثقافية والاجتماعية.
[ سوف أستعرض هذه الأهداف بإيجاز شديد, اعتماداً على مقالة مارتن دي: (1) تقنين الانفعال عند الفرد والمجموعة؛ (2) الحد من مشاعر الفوضى وانعدام اليقين؛ (3) التواصل والتعليم؛ (4) خلق الوحدة الجمعية؛ (5) التعاطي مع المفاهيم البسيطة المثقلة بالرموز؛ (6) رفع معنويات الجماهير وتعزيز الروح المجتمعية].
عندما يتم استثمار حضارة بأكملها عاطفياً وفكرياً في أسطورة معينة, يصبح من المستحيل تقريباً أن نفصل بين الحضارة والأسطورة. كيف أفادت أسطورة 9/11 الحضارة الغربية؟ من مفهوم الحرب, تمكن الغرب سياسياً من الاعتداء على بلدان بريئة عديدة في الشرق الأوسط من خلال تقديم أسطورة 9/11 لبقية العالم بمثابة تبرير أخلاقي لجرائم الحروب التي ارتكبها.
لكن أمريكا والغرب تعرَضا للدمار بسبب أسطورة 9/11 والحرب الكونية غير الشرعية على الإرهاب. فمن الناحية الاقتصادية, والسياسية, والأخلاقية, والفكرية, والروحية, وصلت الحكومات الغربية إلى نقطة الإفلاس. 

الجمل- قسم الترجمة-

إضافة تعليق جديد

لا يسمح باستخدام الأحرف الانكليزية في اسم المستخدم. استخدم اسم مستخدم بالعربية

محتويات هذا الحقل سرية ولن تظهر للآخرين.

نص عادي

  • لا يسمح بوسوم HTML.
  • تفصل السطور و الفقرات تلقائيا.
  • يتم تحويل عناوين الإنترنت إلى روابط تلقائيا

تخضع التعليقات لإشراف المحرر لحمايتنا وحمايتكم من خطر محاكم الجرائم الإلكترونية. المزيد...