هل سيصبح الإسلام العربي إسلام أقلية؟

29-10-2010

هل سيصبح الإسلام العربي إسلام أقلية؟

في هذا المقال سأطرح مجموعة من الأفكار ما فتئت تراودني منذ فترة، وأتمنى أن تكون بداية لنقاش يمس إشكاليات معقدة: علاقة الدين بالتاريخ، علاقة الدين بالثقافة، علاقة الدين باللغة، وما قد يترتب عن هذه العلاقات من تشكلات ثقافية ومخيالات جديدة ورؤى متقاطعة، كل ذلك في ضوء ما يجري الآن من صراعات وحروب عقائدية ومالية وسياسية حيث الإسلام مكون أساسي فيها، إذا لم أقل انه محركها الأول.
بدءا، أعتقد أن الإسلام العربي في انكماش وتقلص، بل أكاد أقول إنه يزحف نحو خانة دين الأقلية داخل المجموعات الإسلامية العالمية. قد يبدو هذا الكلام خطيرا لكنها الحقيقة التي نعيشها والتي علينا التفكير فيها ومناقشتها. إن من يلاحظ توسع الظاهرة الدينية الإسلامية بشكل كبير في كل من أفغانستان وباكستان والصين والكشمير وأوروبا وأميركا يدرك جيدا أن الإسلام خرج من لغته واستوطن بطريق سياسية لغات وثقافات وعادات وحضارات أخرى، لا تملك أي علاقة باللغة العربية، إلا علاقة النوستالجيا، فمجمل القوى والقوميات التي تطرح الآن الإسلام بشكل واضح وعالمي، في شكله السياسي والإيديولوجي والحربي، هي قوميات أخرى غير القومية العربية التي نزل الإسلام بلغتها وانطلق من ديارها منذ أربعة عشر قرنا.
أمام ما نراه اليوم وما يعيشه الإسلام في دول كثيرة لا يعرف أبناؤها اللغة العربية ولا تملك أي علاقة مع الحضارة العربية، أمام هذا الواقع هل يمكننا أن نتصور ولادة إسلام يمارَس سياسيا وعقائديا بلغات أخرى دون ذاكرة عربية. لا أريد أن أذكر هنا بما يعتقد به المسلمون وهو أن الإسلام دين جاء للبشرية جمعاء، ولا أريد أيضا أن أذكر بأنه جاء بلسان عربي فصيح، ولا أريد أيضا أن أعيد قول ما هو معروف وملموس ومحزن وهو هذا التدهور الذي تعرفه حال اللغة العربية في موطنها الأول وبين أهلها، فالذي يذهب اليوم إلى بلدان الخليج سيشعر بمشكلة ديموغرافية سياسية وثقافية كبيرة إذ أصبح المواطنون الأصليون يمثلون الأقلية على تراب بلدهم أمام القوميات الأخرى التي زحفت إلى هذه البلدان مدفوعة بحركية الاقتصاد والمال والأعمال وفرص العمل، وفي هذا الوضع الجديد والمقلق تعرف اللغة العربية تراجعا كبيرا أمام «الإنجليزية الخليجية» التي أصبحت لغة هذا الشعب ذي التشكل الديموغراسياسي الجديد ومع تنامي ودعم وتشجيع اللهجات المحلية كجزء من «هويات وطنية مغتالة» أو مهددة في حياتها.
وحال الإسلام وهو يستوطن بلدانا تعيشها قوميات أخرى دون أن يكون له حماية باللغة التي نزل بها القرآن وهي العربية المعرضة للانقراض، ستكون حاله كحال العرب الخليجيين الذين يمثلون الأقلية في بلدهم، وهو ما يجعلنا نتوقع أن هذه الشعوب والقوميات المختلفة القوية عددا واقتصادا والتي تهيمن الآن على الإسلام السياسي والإيديولوجي والمقاومي والحربي سيجيء اليوم الذي تتخلى فيه كلية عن التعامل بالقرآن في نصه العربي الأصيل لصالح القرآن المترجم إلى لغاتها، فالعربية اليوم لغة ضعيفة وغير مثقفة والمضامين العلمية المعاصرة التي تحملها ضعيفة جدا وطرائق تدريسها تقليدية بالية، وهي إضافة إلى ذلك لها أعداء كثر ينصبون لها في الشمال والجنوب، وهو ما يجعلنا نعتقد أيضا أن القرآن وهو النص الأساس والمقدس في الدين الإسلامي والذي يوجد الآن مترجما إلى مئات اللغات سيصبح ذات يوم يقرأ في المساجد بلغات هذه الشعوب المعتزة والمتطرفة في أصولياتها القومية واللغوية وفي عاداتها القبلية، وستقام الصلوات لاحقا بهذه اللغات المحلية، وبالتالي سيصبح القرآن بلغته الأصلية وبلسانه الذي أنزل به وفيه يعيش حالة من الأقلية.
إن تخلف العرب حضاريا وتكنولوجيا وتخلف لغتهم وانحصارها علميا وثقافيا وفي المقابل صعود ظاهرة الدين الإسلامي ووصوله أقاصي العالم حتى أصبح الشغل الشاغل للمفكرين والفلاسفة والسياسيين والاستراتيجيين العسكريين في العالم الأوروبي والأميركي، هذه الهوة الكبيرة بين تخلف العرب ورواج الإسلام الذي نزل فيهم وبلغتهم هي التي تجعلنا نعتقد أن الدين باللغة العربية سيصبح دين أقلية عربية أمام إسلام ومسلمي الصين والهند وأفغانستان وباكستان وتركيا وإيران وأوروبا وغيرها.
وإذا كان الدين معاملات فإنه دون شك سيدخل الحياة اليومية لهذه القوميات البعيدة التي أصبحت ترافع بقوة عن الدين بأشكال ممارساتية مختلفة وبلغاتها الخاصة وضمن تقاليدها الثقافية والقبلية التي تختلف كلية عن الثقافة العربية، فلم يعد من العربية في الطقوس الدينية لهذه الشعوب والقوميات سوى «بعض جمل وعبارات وبسملات وبعض الأدعية التقليدية الفارغة»، أمام هذا الوضع الجديد الذي يتكرس أكثر فأكثر، يؤسس الإسلام غير العربي فضاءات تفكير جديدة. وبقدر ما يبتعد عن اللغة العربية غير القادرة على ملاحقة هذا الوضع لأنها متخلفة في باب الترجمة، يخلق مخيالات جديدة للإسلام وللمسلمين غير العرب، وبالتالي فإننا نعتقد أن السنوات العشرين القادمة ستشهد وضعا دينيا جديدا وممارسات ثقافية وروحية جديدة باسم الدين، وهو ما يجعلنا نعتقد أيضا أننا دخلنا مرحلة جديدة من مراحل علاقة الدين بالتاريخ.

أمين الزاوي

المصدر: السفير

إضافة تعليق جديد

لا يسمح باستخدام الأحرف الانكليزية في اسم المستخدم. استخدم اسم مستخدم بالعربية

محتويات هذا الحقل سرية ولن تظهر للآخرين.

نص عادي

  • لا يسمح بوسوم HTML.
  • تفصل السطور و الفقرات تلقائيا.
  • يتم تحويل عناوين الإنترنت إلى روابط تلقائيا

تخضع التعليقات لإشراف المحرر لحمايتنا وحمايتكم من خطر محاكم الجرائم الإلكترونية. المزيد...