هل هُرِّبَ القمح السوري للخارج لتعود الحكومة وتستورده باليورو؟

02-11-2015

هل هُرِّبَ القمح السوري للخارج لتعود الحكومة وتستورده باليورو؟

في ليلة ظلماء من ليالي تشرين الباردة وعلى نار حامية جداً تم القبض على العروض المتقدمة للإعلان الخاص بتوريد كمية 200 ألف طن من مادة القمح الطري المعلن عنه من المؤسسة العامة لتجارة وتصنيع الحبوب وصباح اليوم التالي تم الإفراج عن محضر اجتماع أهم ما جاء فيه أننا على موعد في كل صباح مع خبز هبط فيه المستوى لدرجة من التدني قاربت مستوى القمح العلفي.
وقصة الفساد بدأت برسو مناقصة استيراد 200 ألف طن من القمح أعلنت عنها وزارة التجارة الداخلية وحماية المستهلك على الشركة التي كانت تكفلت بنقل القمح إلى مخازن وصوامع الحبوب من المناطق الشرقية إلا أنه وفجأة ودون سابق إنذار توقف عقد النقل واختفت آلاف أطنان القمح التي من المفترض نقلها والتي أعلنت الدولة أنها تتجاوز ثلاثة ملايين طن ولم يصل إلى المخازن والصوامع أكثر من 500 ألف طن تحت ذرائع متعددة لتعلن بعدها الشركة ذاتها عن تقدمها لمناقصة استيراد 200 ألف طن من القمح والغريب أن ترسو المناقصة عليها الأمر الذي يثير العديد من الشكوك حول تحيز بعض أعضاء اللجنة أو حتى بعض موظفي الوزارة مع هذه الشركة وخاصة أنها ستستورد القمح بسعر أقل ما يقال عنه إنه سعر شاذ.
ومن هذا المنطلق أثارت مصادر العديد من الأسئلة عن مصير القمح السوري وهل هو ذاته سيتم استيراده من خارج سورية وكيف تمت ترسية العقد على الشركة التي ضمنت نقل القمح ولم تورد القمح ولم تترك غيرها يقوم بتوريده وعادت لضمان استيراده وبسعر لا يتجاوز 190 يورو للطن الواحد بعدما عرضت سعراً في فض المناقصة بلغ 225 ألف يورو لذات المادة الأمر الذي يثير جدلاً واسعاً في الأوساط الزراعية والتموينية.
وحصلنا على وثائق تكشف لنا حجم الكارثة التي حدثت أثناء فض المناقصة الخاصة باستيراد 200 ألف طن من القمح موضحة أن الوزارة أعلنت عن مناقصة لاستيراد 200 ألف طن من القمح وأن بداية تقديم العروض يبدأ في الثامن من الشهر الماضي على أن ينتهي في التاسع عشر من الشهر ذاته إلا أنه ومن دون توضيح الأسباب تم تأجيل الموعد إلى السادس والعشرين من الشهر ذاته ما أثار شكوك وريبة الكثير من المصادر حول هذه المناقصة.
وبينت الوثائق أنه تم فض العروض في السادس والعشرين من الشهر الماضي بطريقة مسرحية هزلية بطلها القانون السوري الذي أنهاها المخرج وكالعادة بمقتل البطل المواطن السوري، حيث سطر القانون السوري ملحمة جديدة في الدفاع عن وجوده لكنه استشهد على عتبات الفساد واللعب بقوت الشعب السوري الذي ينازع يومياً للبقاء على قيد الكرامة والإنسانية.
فوضى عارمة ومخالفات توصف بالجنايات

منذ بداية الأزمة ما انفكَ تجار الأزمات يستخدمون أبشع أساليب الفساد ويمارسون أقصى درجات الاحتكار مستظلين بغطاء ابتكره مسؤولون ليواروا مساوئ أفعالهم، وليحافظوا على مناصبهم (مظلة محاربة الفساد ودعم صمود الشعب والحفاظ على لقمة عيشه) والحقيقة هي أن البعض في الفريق الاقتصادي أفرط في استغلال الأزمة ليملأ جيوبه وليزيد ثرواته ولو على حساب آخر ما تبقى للمواطن السوري من بقايا سنوات عز ورفاه عاشها ما قبل سنين الأزمة (قوت يومه).
نام المواطن السوري وهو مطمئن إلى لقمته ليصبح على ثمن لربطة الخبز تتجاوز 50 ليرة إلا أنه استيقظ على رغيف آخر شيء يمكن أن يطلق عليه اسمه وهذا ما ستوضحه الأيام القليلة القادمة كإحدى أهم نتائج مناقصة 200 ألف طن قمح. التي أعلنت عنها الوزارة نهاية الأسبوع الماضي ارتقى فيها الفساد إلى درجة الفضيحة القانونية والتي تم إبلاغ أعلى المستويات الحكومية عنها إلا أن ساكناً لم يتحرك، أَبِدَاْعِيْ المصلحة الوطنية ومصلحة الدولة العليا؟!
كشفت الوثائق أنه تقدمت للمناقصة 12 شركة لاستيراد القمح باليورو وتم قبول من لم يتقدم باليورو علماً أن شروط التقدم للمناقصة وفق دفتر الشروط لا يكون إلا باليورو، مؤكدة أن هذا لم يكن التجاوز الوحيد بل إن هناك تجاوزاً حصل أبعد من ذلك وهو تجزئة السعر على العرض الواحد أي إن شركات تقدمت بسعرين بعرض واحد ودفتر الشروط تحدث عن تجزئة الكمية وليس تجزئة السعر، وهذا بحد ذاته يعتبر مخالفاً وموجباً لازماً لرفض العرض.
وتساءلت مصادر مطلعة من أين للجنة فض العروض كل هذه الصلاحيات وكل هذا الإفراط في تكييف العروض ومن أين لها أن تمنح لنفسها الحق في مخالفة أبسط قواعد المناقصات وبهذه الطريقة الفاضحة، معتبرة أن هذا يندرج ضمن الفوضى العارمة في تغييب القانون الناظم للمناقصات.
وشددت المصادر على ضرورة محاسبة من وجه وأمر وصرف نفوذه في تجاوز الأنظمة والقوانين فهنا تجاوز لأهم مقومات صمود الشعب فالمناقصة للقمح، والقمح والخبز ركيزة من ركائز الصمود وشريان الشعب الذي قاوم خمس سنوات كل أنواع التجاوز والفساد.؟!
وبينت الوثائق أن الإجراءات الناظمة لنفس العروض وطريقة كسر الأسعار كانت أيضاً مخالفة للأسس القانونية الناظمة والمتبعة في إعلان المناقصات فنص المشرع السوري أنه وبعد فض العروض لأول مرة لا يجوز لمجلس الإدارة وبشكل مفاجئ وعلى حين غرة استدعاء العارضين لكسر الأسعار مرة ثانية دون أسس قانونية مبينة، وأن دفتر الشروط نص على عدم قبول أي تعديل في الأسعار، كما أن هناك قراراً واضحاً للجهاز المركزي للرقابة المالية ينص أنه في المناقصات يتم مفاوضة العارض الفائز أو المرشح بالأسعار ولا يجوز بحال من الأحوال مفاوضة جميع العارضين على أن أسلوب كسر الأسعار هو بدعة غير قانونية لكن جرى العرف على التماشي معها.

وعلى فرض ذلك
 أوضحت الوثائق أنه بعد أن تم كسر سعر جميع العارضين مرة ثانية تم فض الاجتماع دون أن يتم ترسية المناقصة على أية شركة، ليُفاجأ الجميع في صباح اليوم التالي بأن إحدى الشركات قد فازت بالعرض بعد أن اسْتدعِيَ ممثلها في الساعة الواحدة بعد منتصف الليل ليُكسر سعر جميع العارضين الذين درسوا أسعارهم طوال عشرة أيام خلت بهدف تحقيق ربح بسيط يتماشى مع جودة ونوعية القمح، ومع ذلك تمت ترسية المناقصة بسعر غير مدروس، لذا بدا لمن لا يهمه الأمر بأنه توفير على الدولة، في حين أنه بالواقع غير مدروس وغير حقيقي في الحالات المثالية، لا بل هو سعر لا يستطيع أي كان تقديمه وضمن أية شروط كانت إلا بحال أن يُسْتَحْوذ عليه من جهة معينة ويُعاد بيعه للدولة، أو إذا استورده ستكون حظائر حيواناتنا ومداجن الفروج أولى باستخدامه.
ومما لا يَدعْ مجالاً للشك أو للريبة بل يؤكد ويزيد تيقننا على أن عملية غامضة قد جرت من خلال أن هذه الشركة المستوردة هي ذاتها الشركة التي استحوذت على عقد ناقل حصري وضامن وحيد للقمح السوري على أن تورده من مناطق سورية إلى صوامع الدولة ليتم توقف هذا العقد الذي أعقبه وفوراً إعلان الدولة عن حاجتها لـ200 ألف طن قمح.

ذات الكمية والنوعية والشركة  وبوقت دقيق وبظروف أدق؟!
الأمر الذي يؤكد شكوك المختصين فكيف لهذه الشركة التي ضمنت توريدها إلى صوامع الدولة أن تعود لتضمن استيرادها، وبمناقصة خلت فيها أبسط القواعد القانونية والأخلاقية الناظمة لها فهنا يكمن الفساد الكبير والخطأ الكارثي وكل ما سبق على مرأى ومسمع أهل المكاتب والأقلام وأصحاب المصالح الضيقة والآنية.

أين الحكومة؟ إلا أن بعض وزرائها شركاء
 تساءلت مصادر مطلعة أين دور الحكومة في كل ما يحدث ولاسيما أنها أخذت على عاتقها محاربة الفساد بدءاً من الموظف الصغير وحتى المسؤول الكبير، مؤكدة أن الفساد يزداد يوماً بعد يوم ويتفشى بشكل كبير على الرغم من تصريحات الحكومة التي زادت من الأمر سوءاً مؤكدين أن هؤلاء التجار لم يتاجروا بدم الشعب السوري بهذه الطريقة لو لم يكن هناك بعض الوزراء يقفون وراءهم ويساندوهم مستدلين بذلك لما حدث في مناقصة استيراد 200 ألف طن من القمح.
وأشارت المصادر إلى أن محاربة الفساد يبدأ في محاسبة المسؤولين المتورطين في مثل هذه العمليات المشبوهة معتبرين أن مادة القمح غير مسموح التلاعب بها أبداً فكيف سمحت الحكومة لنفسها أن تكون لاعباً أساسياً؟ وكيف سمحت لمناقصة أن تحدث في هذه الآلية المخالفة لكل القوانين والتعاميم الخاصة في مجال المناقصات؟
 وما مبرر ذلك أهي شراكة فعلية في سفك لقمة عيش المواطن؟
 وأخيراً وليس آخراً فكيف لحكومة أزمة أن تحارب شعبها الذي حارب معها وصمد مكتفياً بلقمة عيش بسيطة اُحتسبتْ باهظة عليه!!
وتصبحون على وطن لا يلبس مما يصنع ولا يأكل مما يزرع.

المصدر: الوطن

إضافة تعليق جديد

لا يسمح باستخدام الأحرف الانكليزية في اسم المستخدم. استخدم اسم مستخدم بالعربية

محتويات هذا الحقل سرية ولن تظهر للآخرين.

نص عادي

  • لا يسمح بوسوم HTML.
  • تفصل السطور و الفقرات تلقائيا.
  • يتم تحويل عناوين الإنترنت إلى روابط تلقائيا

تخضع التعليقات لإشراف المحرر لحمايتنا وحمايتكم من خطر محاكم الجرائم الإلكترونية. المزيد...