تعقيدات السيناريو العراقي القادم: إشكالية حسابات الفرص والمخاطر

10-08-2009

تعقيدات السيناريو العراقي القادم: إشكالية حسابات الفرص والمخاطر

الجمل: يعتبر النظام السياسي العراقي الحالي من بين الأكثر هشاشة في المنطقة لجهة الانكشاف وتزايد احتمالات التعرض لمخاطر التقلبات إضافة إلى فقدان الإمساك بزمام المبادرة والسيطرة في الساحة العراقية، فإلى أين تشير بوصلة النظام السياسي العراقي؟
* الهياكل السياسية العراقية: الطبيعة والخصوصية:
خلال السنوات الستة الفاصلة بين لحظة قيام القوات الأمريكية بغزو واحتلال العراق مطلع عام 2003 وحتى الآن شهدت الساحة السياسية العراقية المزيد من التقلبات التي حدثت بسبب ضغوط الوقائع الداخلية والإقليمية ومن الجهة الأخرى بسبب ضعف النظام السياسي العراقي وعدم قدرته على مقاومة الصدمات والضغوط.
على أساس اعتبارات القوام الهيكلي السياسي العراقي يمكن الإشارة إلى ثلاثة مستويات:
• المستوى المؤسسي الرسمي: يتكون من مؤسسات السلطة التشريعية (البرلمان العراقي) والسلطة التنفيذية (مجلس الوزراء العراقي) والسلطة القضائية (المحكمة العليا العراقية) إضافة إلى مؤسسة الرئاسة العراقية الرمزية الطابع.
• المستوى المدني الرسمي: يتكون من منظومة القوى السياسية التي قبلت الانخراط في العملية السياسية العراقية الرسمية الجارية في ظل الاحتلال العسكري الأمريكي وبرغم كثرة الحركات والقوى السياسية العراقية فإن الأكثر أهمية من بينها يمكن حصره في حدود خمسين حزباً سياسياً منها: 5 شيعة – 6 كردية – 3 سنة – 4 علمانية – والبقية تتوزع بين قوى إثنو-طائفية وإثنو-غرافية.
• المستوى المدني غير الرسمي: يتكون من منظومة حركات المقاومة السياسية والمسلحة الرافضة على السواء لوجود الاحتلال وللانخراط في العملية السياسية العراقية الجارية تحت ظل الاحتلال ومن أبرزها أنصار النظام العراقي السابق إضافة إلى الحركات الإسلامية السنية بشقيها السياسي والمسلح.
وجود هذه المستويات بشكلها الحالي يرتبط بشكل أساسي بوجود قوات الاحتلال الأمريكي وبالتالي فإن مستقبل توازنات النظام السياسي العراقي الحالية هو مستقبل يرتبط بقدر كبير بمدى وجود أو عدم وجود القوات الأمريكية في العراق وبالتالي فإن الـ"صدمة" التي ستحدث في حالة خروج القوات الأمريكية سيترتب عليها زلزال سياسي – عسكري – أمني عراقي يصعب في كل الأحوال التكهن بنتائجه.
* التفاعلات السياسية العراقية الجارية: إلى أين؟
معرفة التفاعلات السياسية الجارية في العراق ترتبط بمحاولة مقاربة السيناريوهات المحتملة من خلال الإجابة على العديد من التساؤلات المتعلقة بالوضع العراقي والتي من أبرزها:
• ما الذي يحدث في جنوب العراق؟ تجري حالياً عملية استقطاب سياسي تتنافس في مضمارها خمسة قوى سياسية رئيسية هي: التيار الصدري (مقتدى الصدر) – المجلس الأعلى للثورة الإسلامية في العراق (عبد العزيز الحكيم) – حزب الدعوة الإسلامية: منظمة العراق (قاسم محمد ناجي السهلاني) – حزب الدعوة الإسلامية (نوري المالكي) – التجمع القبلي الإسلامي (مقداد البغدادي)، وتشير المعلومات إلى أن الأوفر حظاً بين هذه القوى هم: التيار الصدري الذي أصبح يأخذ طابعاً غير معلن وحزب الدعوة الإسلامية الذي أصبح يجد السند من قبل الأجهزة الرسمية العراقية.
• ما الذي يحدث في وسط العراق؟ يجري حالياً التنافس بين القوى السياسية السنية المنخرطة في العملية السياسية والقوى السياسية والمسلحة السنية الرافضة لهذه العملية وتشير الوقائع إلى تزايد عمليات العنف السياسي في وسط العراق وتقول المعلومات أن الأطراف الرافضة للعملية السياسية ما تزال تملك رصيداً أكبر من القوة الرمزية بما أتاح أمامها فرصة أكبر لكسب تأييد السكان المحليين وكذلك فقد تزايدت عمليات التعبئة الفاعلة في أوساط سكان وسط العراق إزاء رفض تقديم أي تنازلات في ملف ضم كركوك والموصل إلى إقليم كردستان.
• ما الذي يحدث في شمال العراق؟ نجحت القوى السياسية الكردية التقليدية بعد الانتخابات الأخيرة في بسط سيطرتها على الأجهزة التشريعية والتنفيذية والقضائية في كردستان العراق وتقول المعلومات أن تحالف البرزاني – الطالباني سيمضي قدماً باتجاه المزيد من عمليات التعبئة الفاعلة لجهة القيام بضم كركوك والموصل وتعزيز الروابط والعلاقات مع واشنطن بما يدفع الإدارة الأمريكية لاستثناء إقليم كردستان من مخطط انسحاب القوات الأمريكية وإضافة لذلك يسعى هذا التحالف إلى إنفاذ سياسة وضع اليد على الموارد النفطية الموجودة في المنطقة سواء وافقت الأطراف العراقية أو لم توافق وتقول المعلومات والتسريبات أن تحالف البرزاني – الطالباني يسعى لعقد صفقة مع أنقرة برعاية أمريكية تهدف لمقايضة ملف ضم كركوك والموصل بالتزام أربيل حماية وتعزيز ملف المصالح التركية التي تتمثل في تأمين تمرير النفط إلى تركيا وإعطاءها المزايا التجارية والقضاء على أي وجود لحزب العمال الكردستاني التركي في شمال العراق مع الالتزام بدعم جهود المبادرة التركية التي أطلقتها أنقرة لإدماج القوى السياسية الكردية ضمن النظام السياسي التركي.
* تعقيدات السيناريو العراقي القادم: إشكالية حسابات الفرص والمخاطر:
يتميز كل طرف عراقي بنقاط قوة وبنقاط ضعف، وتأسيساً على ذلك فقد ظلت كل الأطراف العراقية تسعى لبناء الروابط والتحالفات الخارجية والداخلية بما يتيح لها الحصول على عوامل القوة المضافة على النحو الذي يمكن هذه القوى من تغطية الانكشاف والقضاء على نقاط ضعفها:
• سعت قوى شمال العراق الكردية إلى بناء الروابط مع أمريكا للتغلب على سنة الوسط وشيعة الجنوب.
• سعت قوى وسط العراق السنية للتحالف مع السعودية وبلدان الخليج بما يتيح لها التغلب على شيعة الجنوب وأكراد الشمال وواشنطن وطهران.
• سعت قوى جنوب العراق الشيعي للتحالف مع إيران بما يتيح لها الحصول على القدرات والتحالف البارد مع واشنطن بما يتيح لها تفادي المواجهة مع القوات الأمريكية والتفرغ لإضعاف نفوذ سنة الوسط.
عل خلفية قرار إدارة أوباما بسحب القوات الأمريكية بحلول عام 2011 فقد بدا واضحاً أن مواقف الأطراف العراقية ستتغير وفقاً للرهانات الجديدة التي بدأت تلوح في الأفق:
• راهنت حركات وقوى المقاومة العراقية بشقيها السياسي والمسلح على خروج القوات الأمريكية باعتباره السبيل لوصولها إلى السلطة.
• راهنت حركات وقوى العملية السياسية على استمرار وجود القوات الأمريكية وإنفاذ الاتفاقية الأمنية الأمريكية – العراقية.
تشير معادلة حسابات الفرص والمخاطر إلى أن نصيب كل طرف عراقي من المكاسب والخسائر سيكون متفاوتاً في حالتي استمرار أو عدم استمرار بقاء القوات الأمريكية وسوف لن تشهد الساحة العراقية أي استقرار على المدى القريب المنظور سواء بقيت القوات الأمريكية طالما أن استمرارها سيؤدي لاستمرار العنف السياسي المتبادل بين المقاومة والاحتلال وحلفاءه وعدم استمرارها سيؤدي إلى اندلاع عنف سياسي نوعي جديد طالما أن القوى السياسية العراقية المسلحة ستسعى لتصفية الحسابات وإقصاء بعضها البعض بما يترتب عليه إشعال ما يمكن أن نطلق عليه تسمية "لعبة الكراسي الدامية" في العراق!

 

الجمل: قسم الدراسات والترجمة

إضافة تعليق جديد

لا يسمح باستخدام الأحرف الانكليزية في اسم المستخدم. استخدم اسم مستخدم بالعربية

محتويات هذا الحقل سرية ولن تظهر للآخرين.

نص عادي

  • لا يسمح بوسوم HTML.
  • تفصل السطور و الفقرات تلقائيا.
  • يتم تحويل عناوين الإنترنت إلى روابط تلقائيا

تخضع التعليقات لإشراف المحرر لحمايتنا وحمايتكم من خطر محاكم الجرائم الإلكترونية. المزيد...