الأسد: دمشق تمكنت من استثمار الرياح السياسية لمصلحتها

05-07-2010

الأسد: دمشق تمكنت من استثمار الرياح السياسية لمصلحتها

أعلن الرئيس بشار الأسد أن قدرة دمشق على الصمود جاءت من براعتها في استثمار الرياح السياسية التي تحرك المنطقة، معتبرا أن السنوات العشر التي مضت من حكمه حتى الآن، أثبتت مكانة سوريا في المنطقة ودورها الذي لا يمكن تجاوزه.
كلام الأسد جاء ردا على سؤال في اجتماع له مع الوفد الإعلامي المرافق في مقر إقامته في بيونس ايريس قبل توجهه إلى مدريد، مختتما جولة تاريخية في أميركا اللاتينية شملت أربعة بلدان، هي فنزويلا وكوبا والبرازيل والأرجنتين. كارلوس وعقيلته الملكة صوفيا خلال استقبالهما الأسد وعقيلته أسماء في مدريد أمس
ووصف الأسد جولته بأنها كانت بمثابة عملية «جس نبض» لآفاق العلاقة مع القارة التي ترتبط مع منطقتنا بروابط بشرية كبيرة. وقال ان الجولة ستساهم في وضع تصورات لمستقبل العلاقة مع البلدان «الصاعدة»، مشددا على رغبة الجانبين في تطوير هذه العلاقة، وعلى تميز هذه البلدان باستقلالية قرارها السياسي، وموقفها الداعم للقضايا العربية.
وشدد الأسد على أن سوريا لا تعلق آمالا على عملية السلام في الوقت الحالي، مؤكدا في الوقت ذاته تمسكها بالدور التركي، حيث تأتي الأدوار الأخرى لمن يريد كدور مساعد لهذا الأمر. واعتبر أن إدارة الرئيس الأميركي باراك أوباما قدمت بعض الإشارات لحسن النية، لكنه أوضح أن حسن النيات لا يكفي في هذه العلاقة.
وتطرق الأسد لدور الجاليتين السورية واللبنانية في المهجر وعلاقتهما المتميزة هناك أكثر من أي مكان آخر في العالم «لأن ليس ثمة سياسيون يلعبون بهم».
وحين سئل عن حقول الغاز في البحر المتوسط، أعلن الأسد أن سوريا اتفقت مع لبنان على ترسيم الحدود البحرية لمعرفة حق كل طرف في هذه الحقول مستقبلا.
وعن موضوع عملية السلام وإن كانت البرازيل أو الأرجنتين طرحتا إمكانية القيام بوساطة في استئناف المفاوضات، قال الأسد ان البرازيل لفتت «انتباهنا إلى إمكانية أن تقوم بدور ما»، مشيرا إلى التواصل السياسي القائم مع الرئيس البرازيلي لويس اغناسيو لولا داسيلفا، موضحا انه طلب «من لولا أن يدعم الدور التركي». وقال «نحن نريد للجميع أن يساعد في عملية السلام، لكن أحدا لا يمكن أن يحل مكان تركيا على الأقل من خلال الموقع الجغرافي، فالمسافة بين دمشق وأنقرة ساعة ونصف الساعة وساعتان لاسطنبول، ويمكن يوميا أن يكون هناك تواصل مع تركيا بالنسبة للناحية العملية للمفاوضات، وهذا لا يمكن لأي دولة أخرى في العالم أن تحظى به، بالإضافة إلى الدور الذي سبق أن قامت به تركيا ونجحت فيه، لذلك نحن نبحث في زياراتنا إلى أوروبا وأميركا الجنوبية ومختلف دول العالم تشكيل دعم للموقع التركي. ونحن لا نبحث عن دول لتؤدي دورا في المفاوضات. لدينا رؤية واضحة، فالدور التركي يبقى هو الأساس وتأتي الأدوار الأخرى لتدعم هذا الدور».
وأعلن الأسد أن سوريا لا تعول كثيرا على دور أميركي منفرد في هذه العملية، معتبرا أن أوباما «مقيد في الداخل ومن مصلحته أن يدعم دولا أخرى للتحرك، فأميركا غير قادرة اليوم على إدارة عملية السلام، لكن غيرها قادر ويمكنها في النهاية أن تأتي بثقلها وتضمن السلام».
وعن العلاقة مع واشنطن، فضّل الأسد عدم المبالغة في توصيفها، موضحا أن الأميركيين قاموا بإشارات من بينها «تعيين سفير ورفع الفيتو عن انضمام سوريا إلى منظمة التجارة العالمية والسماح بشراء قطع غيار لطائراتنا»، مشيرا إلى أن «بعض الخطوات تدل على حسن النيات، لكن هل تتحول النيات إلى واقع؟ هذا لا يمكن أن أجيب عنه».
وعن عملية السلام ووجود حكومة متطرفة وغير راغبة في السلام، وإن كانت دمشق ستوقع اتفاقية سلام في حال تم تنفيذ شروطها، قال الرئيس السوري إن «موقفنا واضح وهو حين تتهيأ الظروف وتعود الأرض كاملة، طبعا نحن سنوقع اتفاقية السلام بغض النظر عن هوية الحكومة الإسرائيلية أو توجه الإدارة الأميركية». وأضاف «نحن لا نفرق بين حكومة إسرائيلية وأخرى أو بين رئيس وزراء وآخر، كل الإسرائيليين محتلون للأرض وبالتالي لا داعي للدخول في نقاش كما يفعل الأوروبيون حول أسماء أو توجه الحكومات الإسرائيلية، فعملياً لا فرق بينهم، لذلك نحن نقول: في حال تحققت شروطنا وعادت الأرض، هل هذا يعني أننا حققنا السلام؟».
وتساءل «ما فائدة السلام لو كانت السفارات مطوقة ولا تجارة أو سياحة أو أي تبادل بين الطرفيالاسد خلال لقائه الجالية السورية في بيونس ايريس امس الاولن؟». وتابع «هذا ليس سلاماً، هذه اتفاقية وقف إطلاق نار دائم، وهذا ما أقوله للزوار الذين يأتون إلينا للحديث عن المسار السوري في السلام، ما نريده هو سلام شامل أي علاقات طبيعية ومن هنا نقول إن هناك فارقاً بين السلام واتفاقية سلام».
وتطرق الأسد إلى الحصار المفروض على غزة. وقال إن «سوريا تدعم كل ما يدعم كسر الحصار، والشعب السوري يتبرع للقوافل التي تذهب إلى غزة ونحن ندعمها حكومياً».
وشدد على أن «سوريا، في تحركاتها السياسية من أجل قضاياها، لا تنتظر أي دعم من أي جهة، وهي تتحرك تجاه قضاياها مع دول عربية وأحياناً مع دول غير عربية أو وحدها لأننا نؤمن بأن القضايا لا تنتظر الآخرين». وأوضح أنه على تواصل دائم مع القادة العرب خصوصا في ضوء التحضيرات للقمة العربية الاستثنائية المقبلة.
وسألت «السفير» الأسد حيال نظرته لما تم إنجازه مع قرب مرور 10 سنوات على حكمه، فقال «نحن اجتزنا الكثير من المراحل، وبعد تسلمي رئاسة الجمهورية بأشهر حصلت أحداث 11 أيلول (في الولايات المتحدة) ثم حرب أفغانستان وبعدها سقوط بغداد، وقبلها وصول (ارييل) شارون (لرئاسة الحكومة الإسرائيلية) وهجومه على جنين ونابلس وتلتها مرحلة دفع الثمن للمواقف التي اتخذتها سوريا للسنوات التي سبقت سقوط بغداد ودخلنا هنا في مرحلة التهديدات والضغوطات والمساومات. بالنسبة لنا كانت الفترة الماضية، مرحلة تثبيت لموقعنا نحن السوريين، واليوم دخلنا مرحلة الاعتراف بدور سوريا، وذلك على الرغم من معرفة كل العالم بدور سوريا على مر السنين، لكنهم حاولوا أن يقنعوا أنفسهم بأنه لا دور لسوريا وهي ضعيفة، واليوم عادوا ليؤكدوا دورها الذي لم يتغير طوال هذه السنوات».
وأضاف «أنا أشبه الأمر بمن يريد أن يولد الكهرباء، فهو بحاجة إلى محطة كهرباء وإلى وقود لتغذيتها، ففي حال أنه لا يملك المال لإحضار الوقود لمحطته الكهربائية، فإنه لا يمكن له أن يولد كهرباء، ونحن بالفعل لا نملك المال، لكننا نملك الرياح، وأنا أسميها الرياح السياسية، وقوة سوريا تكمن في امتلاكها وسائل استثمار الرياح السياسية. وكما هو معروف فإن منطقتنا غنية بالرياح السياسية، وسوريا استثمرتها بالشكل الصحيح، لسنا نحن من ولد هذه الرياح لكن نحن من استثمرها».
واختصر السنوات العشر بأن سوريا استثمرت الرياح السياسية لمصلحتها، وكنا ننظر إلى المشاكل من جانبها الإيجابي، بمعنى آخر استثمرنا السلبيات وحولناها إلى ايجابيات.
وعن المرحلة المقبلة، أوضح أنه يرغب بتوسيع العلاقة السورية مع الشرق الأقصى، وأن ثمة خطة للانفتاح نحو تلك الدول وأيضا باتجاه أفريقيا.
وعن العلاقة مع دول أميركا اللاتينية، أوضح الأسد أن ما يجب القيام به هو بناء تصور لطبيعة التعاون الذي يمكن أن يقوم بين الجانبين، مفضلا البدء بالتجارب العملية قبل سن القوانين التي تؤطر عملية التعاون. وأكد رغبة قادة هذه البلدان في بناء علاقة خاصة مع سوريا، منوها بطبيعتها الاستقلالية، ولفت إلى أن «هذه الدول أسست عمليا تكتل «الأوناسور» لتُخرج أميركا من منطقتها، وهذا دليل على أن هذه الدول قالت لأميركا «نحن لدينا خصوصية ولا نريد لأحد أن يتدخل فيها»، ثم أسست في ما بينها «الميركوسور» وهو عبارة عن تكتل اقتصادي وسوق مشتركة في ما بينها، وهو أيضاً تعبير واضح عن رؤيتها تجاه استقلالية قرارها السياسي والاقتصادي.
وكرر الأسد ملاحظته التي كان ذكرها في لقاءات الجالية السورية في تلك البلدان من ضرورة الانتباه إلى «الفصل بين القضايا الداخلية لبلدانها ودعم قضايانا»، مشيرا إلى مثال الرئيس الفنزويلي هوغو تشافيز ومناصرته للقضايا العربية.
وتطرق لدعوة الجانب السوري لممثلين عن الجالية اللبنانية في اجتماعه والجالية السورية في بيونس ايريس. وقال «لقد تأكدنا خلال هذه الزيارة من أن السوريين واللبنانيين موحدون هنا في المهجر وهذه الحالة الطبيعية للعلاقات بين البلدين، وليس لديهم سياسيون يلعبون فيهم، فهم هاجروا معا ويعيشون مجتمعا واحدا ولا يفرقون بين سوري ولبناني، ولفت انتباهي أنه في البرازيل كان هناك عتب من الجالية اللبنانية لعدم دعوتها إلى اللقاء الذي نظم مع الجالية السورية، وكما هو معروف ففي مثل هذه الزيارات يتم تنظيم لقاء بين الرئيس وجاليته، لكن لمجرد عتبهم فهذا دليل على أن لا فارق بين السوري واللبناني هنا، فهم يعتبرون أنهم ينتمون إلى منطقة واحدة، ولم يكن من المقصود مطلقاً في تنظيم الزيارة عدم لقاء اللبنانيين لكن كان الترتيب أن يلتقي الرئيس مع جاليته فقط».
وحول اكتشافات الغاز الأخيرة التي أعلن عنها في البحر المتوسط وعما إذا كان هناك ما يشير إلى وجودها في المياه الإقليمية السورية، قال الأسد إن «الدراسات الأولية تشير لآفاق واسعة لاستثمار الغاز في المتوسط على حدود المياه الإقليمية السورية، وحين تنتهي الدراسات يمكن أن تطرح الموضوع للشركات».
وردا على سؤال عن عدم الإعلان عن موعد للمؤتمر القطري لحزب البعث، أوضح الرئيس السوري أن سبب ذلك يعود إلى الارتباط بمسائل داخلية وخارجية، بينها عدم وجود فترة هدوء في المنطقة، أما العامل الداخلي فيأتي من الحاجة لأن «نحدد ماذا نريد من المؤتمر وإن كان مؤتمرا حزبيا فقط، وما الذي يريده الناس؟». وقال «لا بد من تقييم التوصيات التي لم تطبق»، مشيرا إلى أن جزءا من ذلك يعود لكونه تقصيرا والجزء الآخر لكونه غير جدي. وأضاف «العام الماضي ركزنا على جانب إصلاح الحزب نفسه، خصوصا في ضوء وجود عقيدة الحزب الحالية والنظام الداخلي فيما البلد يتطور؟». وتابع إن «موعد المؤتمر ليس له قيمة إن لم نكن نعرف ما نريد».
واعتبر الاسد، (ا ف ب) في مقابلة مع صحيفة «كلارين» الارجنتينية نشرت امس، ان الولايات المتحدة «ضعيفة» للغاية لانجاح عملية السلام. وقال «عندما لا نحصل على نتائج، نكون ضعفاء». واضاف «ان تجربتنا مع الولايات المتحدة هي ان هؤلاء عاجزون عن ادارة عملية سلام من البداية الى النهاية». واعتبر «ان الثقل السياسي الاساسي لبعض دول الشمال، مثل اوروبا او الولايات المتحدة، تغير» وانتقل الى «دول اخرى في جنوب العالم مثل تركيا والبرازيل»، مشيرا الى الاتفاق الذي تم التفاوض بشأنه عبر برازيليا وانقرة مع طهران حول تبادل اليورانيوم الايراني المخصب مقابل وقود. وكرر ان موقف سوريا هو «تحويل الشرق الاوسط الى منطقة خالية من الاسلحة النووية»، محذرا من انه لو انطلق سباق الى التسلح النووي في هذه المنطقة «فلن يكون بالامكان التحكم به».

زياد حيدر

المصدر: السفير

إضافة تعليق جديد

لا يسمح باستخدام الأحرف الانكليزية في اسم المستخدم. استخدم اسم مستخدم بالعربية

محتويات هذا الحقل سرية ولن تظهر للآخرين.

نص عادي

  • لا يسمح بوسوم HTML.
  • تفصل السطور و الفقرات تلقائيا.
  • يتم تحويل عناوين الإنترنت إلى روابط تلقائيا

تخضع التعليقات لإشراف المحرر لحمايتنا وحمايتكم من خطر محاكم الجرائم الإلكترونية. المزيد...