التاريخ يعيد نفسه: "تدخل إنساني" في سوريا قبل 100 سنة

06-01-2013

التاريخ يعيد نفسه: "تدخل إنساني" في سوريا قبل 100 سنة

الجمل-  (باسكال هيرين)- ترجمة:  مالك سلمان:
 
تدخل إنساني في سوريا؟ لقد تم سابقاً استخدام الموجبات الإنسانية في سنة 1860 ومن قبل فرنسا بالتحديد كذريعة للتدخل العسكري في سوريا التي كانت آنذاك مقاطعة عثمانية. في هذه المقالة يُعَري الباحث في جامعة جنيف, باسكال هيرين, أهدافَ فرنسا الحقيقية في عهد نابليون الثالث التي كانت مخجلة كما هي نوايا ساركوزي وأولاند اليوم. كما يسلط الضوء على الكوارث التي أحاقت بشعوب المنطقة.
في 16 آب/أغسطس, نزلت قوات الحملة الفرنسية في بيروت. وتبعاً لنابليون الثالث, كان الجيش الفرنسي مزمعاً على "إعادة النظام" في سوريا التي كانت مقاطعة عثمانية آنذاك. إن ذلك التدخل العسكري, الذي يُنظر إليه اليوم بصفته المثال الأول على "حق التدخل لموجبات إنسانية", ساعد في الحقيقة على إحكام فرنسا لسيطرتها الاقتصادية على المنطقة.
تتم المطالبة بشكل متكرر بالتدخل الإنساني في سوريا؛ إذ من شأنه أن يضعَ حداً لمعاناة الشعب التي بدأت منذ سنة 2011 نتيجة الصراع بين النظام والمعارضة المسلحة. ويتم تحميل المسؤولية الرئيسة لهذا الاقتتال – بشكل صائب أو خاطىء – على الحكومة.
لذلك, سوف تتضمن هذه المساعدة الإطاحة بالنظام الحالي. من المرجح أن ذلك قد بدأ بشكل غير مباشر منذ عدة أشهر عندما تم تسليح المتمردين ونشر العملاء والقوات الأجنبية في المنطقة. ومع ذلك, فإن استخدام القوة على أراضي دولة أجنبية دون موافقة السلطات المختصة يناقض مبدأ سيادة الدولة الذي ينص عليه ميثاق الأمم المتحدة. فاستخدام القوة بين الدول ممنوع باستثناء حالة الدفاع الشرعي أو من خلال عمل مشترك بتفويض من مجلس الأمن.
أدانت ‘محكمة العدل الدولية’ الدعمَ العسكري الذي قدمته إدارة ريغان لقوات ‘الكونترا’ النيكاراغوية التي كانت تقاتل للإطاحة بحكومة ‘ساندنستا’ في سنة 1986. حتى أن ‘محكمة العدل’ قد حددت أن مثل هذا الدعم لم يكن مناسباً لضمان احترام حقوق الإنسان, على الرغم من أن واشنطن اتهمت النظام بارتكاب جرائم وحشية.
لم تمنع هذه العقبات القانونية تطورَ الممارسة الأحادية, التي يتم تبريرها بشكل رسمي على أساس دوافع إنسانية غيرية, مثل قصف يوغوسلافيا السابقة خلال أزمة كوسوڤو في سنة 1999, أو غزو العراق في سنة 2003. والمثال الأخير في هذه السلسلة يمثل العمل العسكري في ليبيا في سنة 2011, حيث اعترفت بعض الدول أن الأمرَ تعَدى التفويضَ الذي منحه قرار مجلس الأمن رقم 1973.
 (الصورة: في 17 تشرين الثاني/نوفمبر 2012, استقبل الرئيس الفرنسي فرانسوا أولاند في قصر الإيليزيه رئيسَ "الائتلاف الوطني لقوى الثورة والمعارضة السورية", الذي تم تشكيله في الدوحة قبل ذلك بأقل من أسبوع. وعلى الرغم من اسمه المستهلك, فإن وليدَ العقل الغربي والملكيات الخليجية هذا عاجز عن توحيد المعارضة, ولكن تم استغلال وجوده لتبرير تقديم دعم مالي بقيمة 1.2 مليون يورو باسم "المساعدة الإنسانية الطارئة". ويشكل العسكريون جزأ لا يتجزأ من هذه البانوراما.)
(الصورة: في 17 تشرين الثاني/نوفمبر 2012, استقبل الرئيس الفرنسي فرانسوا أولاند في قصر الإيليزيه رئيسَ "الائتلاف الوطني لقوى الثورة والمعارضة السورية", الذي تم تشكيله في الدوحة قبل ذلك بأقل من أسبوع. وعلى الرغم من اسمه المستهلك, فإن وليدَ العقل الغربي والملكيات الخليجية هذا عاجز عن توحيد المعارضة, ولكن تم استغلال وجوده لتبرير تقديم دعم مالي بقيمة 1.2 مليون يورو باسم "المساعدة الإنسانية الطارئة". ويشكل العسكريون جزأ لا يتجزأ من هذه البانوراما.)
يتم استخدام فكرة مستمدة من نموذج كوني أعلى بمثابة تبرير لهذه التدخلات الأحادية: واجب حماية حياة أي شعب في وجه التهديدات القمعية الكبيرة. لكن هذا المبدأ, الشرعي تماماً بحد ذاته, يعتمد بشكل حصري على النوايا الطيبة لهذا التدخل. كيف يمكنك التأكد من أن أحداً ما يستخدم هذه السلطة الضخمة المنتحَلة ويستخدم العنفَ ضد دولة أخرى للسعي لتحقيق أهداف عدوانية أخرى؟ التاريخ مليء بالحروب "العادلة" التي تركت آثاراً وخيمة على الشعوب المعنية. وقد أدانَ القانوني الكبير من نوشاتل, إمير دي ڤاتل, إخضاعَ هنود أمريكا من قبل الغزاة الأسبان في سنة 1758. وقد تم هذا الغزو أيضاً تحت ذريعة تحريرهم من المستبدين.
كان الخبراء في هذا المجال يبحثون دوماً عن سابقة تبين أن قوة ما قد تدخلت في دولة أخرى بأسلوب إيجابي لا تشوبه شائبة. ولفترة طويلة كانوا يعتقدون أنهم وجدوا هذه السابقة في الحملة التي حدثت في سنة 1860, والتي توجهت إلى المقاطعة العثمانية, سوريا, التي كانت تشمل أيضاً ما يعرف اليوم بلبنان. من شهر أيار/مايو إلى شهر آب/أغسطس 1860, تم ذبح 17,000 – 23,000 شخصاً, معظمهم من المسيحيين, في جبال لبنان ودمشق في معارك حصلت بين مجتمعات قبَلية مختلفة. وعندما وصلت هذه الأنباء إلى أوروبا صدمت الرأيَ العام. وقد تم اتهام السلطات العثمانية بتشجيع الميليشيات الدرزية على استغلال السلطة في جبال لبنان, والمتمردين المسلحين في دمشق؛ حتى أنه تم اتهامهم بتقديم المساعدة.
قرر نابليون الثالث إرسالَ حملة من 6,000 جندي إلى مواقع الاقتتال لوضع حدٍ ﻠ "المجزرة", مع موافقة القوى الأوروبية الأخرى. بقيت القوات الفرنسية في المنطقة أقل من سنة. وبعد إحلال السلام وإعادة تنظيم السلطات والحفاظ على السلم الأهلي حتى مجيء الحرب العالمية الأولى, انسحبت هذه القوات. وحتى اليوم, يعترف بعض رجال القانون المعارضون لحق التدخل الإنساني أن هذا العمل في سنة 1860 كان التدخلَ الإنساني "الحقيقي" الوحيد في القرن التاسع عشر.
ولكن إذا تمعَنا في الموضوع نرى أن النزاعات التي نشبت بين المجتمعات المختلفة في سنة 1860 كانت نتيجة "التبعية" التي خلقتها القوى الغربية بين صفوف الأقليات المحلية في ذلك الوقت. تجب الإشارة هنا إلى أن المصالح الكبيرة كانت على المحك. وكانت تتعلق بتوزيع الإمبراطورية العثمانية المتهاوية التي تم النزاع عليها بين القوى الأوروبية. تحتل سوريا موقعاً استراتيجياً على الطريق الهام المؤدي إلى الهند, جوهرة المملكة البريطانية. ولم تُخفِ فرنسا اهتمامَها بهذه المنطقة التي تعِدُ بفرص تجارية كبيرة. وكانت روسيا تسعى لوقت طويل إلى توسيع أراضيها إلى الجنوب. ولتحقيق أهدافهم, ركز كل طرف على مجتمع محلي عمل على استغلاله: فقد كان الفرنسيون حماة الكاثوليك, بينما دافع الروس عن الأورثوذوكس, وكان البريطانيون رعاة الدروز.
خلال الفترة التي تلت التدخل في سنة 1860, وسعت فرنسا تأثيرها الاقتصادي على لبنان إلى درجة أن 50% من سكان لبنان كانوا يعملون في إنتاج الحرير الفرنسي في سنة 1914. وقد تلاشى هذا القطاع الاقتصادي عندما قررت الصناعة الفرنسية التخلي عن الموردين اللبنانيين. ونتيجة لذلك فقدوا الركيزة التي كانت تقوم عليها حياتهم.
وبعد ذلك بسنة, في 1915, نظم الحلفاء البريطانيون والفرنسيون حصارَ السواحل السورية من خلال منع إدخال الشحنات الغذائية إلى البلاد التي كانت تعتمد, بشكل كبير, على واردات الحبوب, وذلك بهدف تشجيع المقاطعات العربية للقيام ضد ‘الحكومة المركزية’ في اسطنبول, التي كانت حليفة ولهلم الثاني, ملك ألمانيا, في الحرب العالمية الأولى. وقد نتج عن ذلك مجاعة لم يسبق لها مثيل: فقد ذهب ضحيتها 200,000 إنسان في المناطق الوسطى وشمال الجبال اللبنانية, و 300,000 إنسان في بقية أنحاء سوريا.
في سنة 1840 كان فرانسوا غيزو, سفير فرنسا السابق إلى لندن, قد لخصَ الاعتبارات الجيو – سياسية السائدة في البلاطات الأوروبية التي, برأيه, اتبعت سياسة وزير الخارجية البريطاني لورد بالمرستون, كما يلي:
"هناك, في أعماق أي وادٍ, وعلى قمة أي جبل من الجبال اللبنانية, يعيش أزواج ونساء وأطفال يحبون بعضهم البعض, ويتمتعون بالحياة, سوف يتعرضون للذبح غداً لأن اللورد بالمرستون قد قال لنفسه, وهو جالس في القطار الذي يقله من لندن إلى ساوثامبتون: ‘يجب أن تنتفض سوريا, أنا بحاجة إلى انتفاضة في سوريا, وإن لم تنتفض سوريا, سأكون رجلاً غبياً.’"

*شبكة ڤولتير (باسكال هيرين)

(‘غلوبل ريسيرتش’, 2 كانون الثاني 2013)

الجمل: قسم الترجمة

إضافة تعليق جديد

لا يسمح باستخدام الأحرف الانكليزية في اسم المستخدم. استخدم اسم مستخدم بالعربية

محتويات هذا الحقل سرية ولن تظهر للآخرين.

نص عادي

  • لا يسمح بوسوم HTML.
  • تفصل السطور و الفقرات تلقائيا.
  • يتم تحويل عناوين الإنترنت إلى روابط تلقائيا

تخضع التعليقات لإشراف المحرر لحمايتنا وحمايتكم من خطر محاكم الجرائم الإلكترونية. المزيد...