هذه المهزلة التي اسمها قطر

18-07-2013

هذه المهزلة التي اسمها قطر

الجمل- براين كلاوغلي- ترجمة: د. مالك سلمان:
 
"أريد أن أرحبَ بأمير قطر, وقد انتهينا للتو من محادثات مفيدة جداً. عبرت له عن تقديري للدور القيادي الذي لعبه الأمير في تحقيق الديمقراطية في الشرق الأوسط."
- الرئيس أوباما, النشرة الصحفية للبيت الأبيض, 6 نيسان/إبريل 2013.
"لكنه هو نفسه [أمير قطر] لا يقوم بإصلاحات ذات معنى. ليس هناك أي توجه حقيقي نحو الديمقراطية في قطر. ولكن تعرفون أن أحد الأسباب هو أن متوسط دخل الفرد في قطر يصل إلى 145,000 دولاراً في السنة. ومن شأن هذا أن يجهض الكثير من النزاعات."
- الرئيس أوباما, البيت الأبيض, سُمعَ بالخطأ عن طريق مكرفون مفتوح لمحطة "إن بي سي", وهو يقول الحقيقة للمرة الأولى, 16 نيسان/إبريل 2013.
"عبرَ الرئيس عن رغبته مرة أخرى في الاستمرار في تعزيز الشراكة القائمة بين الولايات المتحدة وقطر, كما عبر عن أحر تمنياته للأمير."
- النشرة الصحفية للبيت الأبيض, 9 تموز/يوليو 2013.
كان أمير قطر, الحاكم المطلق لبلده الصغير الفاحش الثراء والبعيد عن الديمقراطية, في ذلك الوقت من علاقته الغرامية النيسانية مع أوباما رجلاً يدعى حمد بن خليفة آل ثاني. وفي 25 حزيران/يونيو سلم السلطة للشيخ تميم بن حمد آل ثاني, الابن الثاني من الزوجة الثانية من بين الزوجات الثلاث الحاليات. وقبل توريثه كان, من بين أشياء أخرى, رئيسَ "الهيئة التعليمية العليا". لا توجد أية مفاجأة هنا, لأن كل شخص في السلطة في الدكتاتورية التي اسمها قطر يدعى آل ثاني. ومن الواضح أن الأمير الجديد تميم ذكي جداً, لأنه أصبح ضابطاً في الجيش في سنة 1998, وبالإضافة إلى تفوقه في الدراسة أصبح نائبَ القائد العام للقوات المسلحة بعد ذلك بعشر سنوات. من الواضح أنه عبقرية عسكرية.
يبدو أن آل ثاني مجموعة من القادة والإداريين اللامعين, لأن رئيسَ الوزراء ووزير الخارجية هو الآن عبد الله بن ناصر بن خليفة آل ثاني (الرجل السابق, حمد بن جاسم بن جابر آل ثاني, لم يكن على علاقة جيدة مع الأمير الجديد)؛ كما أن وزير الخارجية هو عبد الله بن خالد آل ثاني؛ ووزير الشؤون البلدية والتخطيط المدني هو عبد الرحمن بن خليفة آل ثاني؛ ووزير العمل والتجارة هو جاسم بن عبد العزيز آل ثاني؛ والمدير العام للأمن العام وقائد الشرطة هو حمد بن خالد بن حمد بن عبد الله بن جاسم بن محمد آل ثاني ... وسوف يكون هناك المزيد من هؤلاء حيث كان لآخر حاكم مطلق 24 ولد, وقد أنتجت زوجتا الحاكم المطلق الجديد (حتى الآن) 6 أولاد (حتى الآن), وعمره لا يتجاوز 33 عاماً ... ولكن من الأفضل له أن يحمي ظهرَه, فالرجل الذي عزله لديه 25 ولداً.
من المفهوم أن عائلة آل ثاني تريد تحسينَ نسبة الولادة, لأن عدد المواطنين القطريين لا يتجاوز 220,000 بينما بقية الناس الذين يعيشون هناك من بين 1.9 مليوناً هم من الأجانب. ومعظمهم عمال وخدم منزليون من البلدان الآسيوية يعيشون في ظروف أقرب ما تكون إلى العبودية – إذ إن حياتهم أقرب إلى الجحيم, مثلهم مثل أولئك العمال في كافة البلدان الخليجية الثرية بشكل مقرف – وهم بالتأكيد ليسوا ضمن إشارة أوباما الجاهلة والساخرة إلى "متوسط دخل الفرد الذي يبلغ 145,000 دولاراً في السنة".
في قطر, هناك أيضاً آلاف من المحتالين الماليين الأمريكيين والأوروبيين الهواة الذين يعيشون حياة باذخة ويتمتعون بمرتبات ضخمة. الخليج مليء بالعبيد والفقراء, ومجموعات من الغربيين الباحثين عن المال الذين يتجاهلون الدكتاتورية ويتعيشون على فتات آل ثاني ومستبدين آخرين. كلهم حثالات؛ على شاكلة أوباما الذي يتجاهل تقريرَ وزارة الخارجية حول قطر (24 آذار/مارس 2012) الذي يقول إن مشاكل حقوق الإنسان الرئيسة في تلك السنة المعايَنة تمثلت في عدم قدرة المواطنين على تغيير حكومتهم بطرق سلمية, وفي القيود المفروضة على الحريات المدنية الأساسية, وإنكار حقوق العمال. فعلى الرغم من اعتراف الدستور بحق التجمعات, إلا أن الحكومة المعينة من قبل الأمير تمنع الحياة السياسية المنظمة وتفرض القيود على الحريات المدنية, بما في ذلك حريات التعبير والصحافة والتجمع.
ومع ذلك, ومنذ عدة أيام, عبرَ الرئيس الأمريكي عن"رغبته مرة أخرى في الاستمرار في تعزيز الشراكة القائمة" مع دكتاتور قطر. ماذا يقول كل هذا للعالم عن المعايير الأمريكية؟ في شهر تشرين الثاني/نوفمبر الماضي تم الحكم على شاعر قطري بتهمة "الإساءة" للعائلة المالكة بالسجن مدى الحياة. كيف يمكن لأي شخص أن يصدق بأن أوباما – أو أمريكا – يمكن أن يمثل الحرية عندما يتودد إلى طاغية يتصرف بهذه الطريقة؟ (تم وضع الشاعر محمد ابن الضيب العجمي في السجن الانفرادي لأشهر قبل محاكمته, التي تمت بشكل سري؛ مما يذكر ببرادلي مانينغ.)
* * *
لا تذرفوا دمعة واحدة على رئيس وزراء قطر المخلوع, حمد بن جاسم بن جابر آل ثاني, لأن فقدانه لعمله لن سيبب له أي قلق. إذ لا يزعجه أي شيء, كما يبين سلوكه عندما تورط مع مجموعة الراشينَ البريطانيين المعروفين, مهربي الأسلحة, "أنظمة بي إيه إي". فقد ساعد الشيخ حمد في ترتيب صفقة سلاح مشبوهة ("بروجكت نايل") حيث قامت "بي إيه إي", حسب ما قالت صحيفة "الغارديان" البريطانية, "بدفع مبلغ ‘عمولة’ سرية مقداره 7 مليون جنيهاً استرلينياً [100 مليون دولاراً أمريكياً] ... تم إيداعه في حساب يديره بنك غريندليز في جيرزي, باسم شركتين مجهولتين تدعيان يهيب وهافانا. وقد كان المبلغ جزأ من مبلغ أكبر قدره 100 مليون جنيهاً احتفظت به بنوك حمد له في تشانل آيلز." ولم تعمل بريطانيا – التي فقدت, للأسف, كلَ حسٍ أخلاقي – بمقاضاة أحد في عملية الاحتيال هذه لأنها باعت روحَها لإله المال "مامون", كما "قدم الشيخ حمد لسلطات جيرزي ‘تعويضاً طوعياً’ قدره 6 مليون جنيهاً استرلينياً," لا يمثل بالنسبة إليه حتى مصروفَ جيب. إذ تصل قيمة اليخت الذي يملكه, وهو واحد من أضخم اليخوت في العالم, حوالي 400 مليون دولاراً, كما يمكنه أن يشتري أي شيء يريد – وأي شخص يريد.
ولكن هناك شاب صغير من آل ثاني يمكن ألا يكون قائداً متميزاً بذكائه مثل باقي أفراد العائلة الممتدة, وبالطبع لم يتم ذكر هفوته الطفيفة الأخيرة في لندن في وسائل الإعلام. وقد أحبت الصحف الجماهيرية هذه الحادثة, بالطبع, فقد جاء في إحداها:
"صادرت الشرطة سيارة فاخرة ‘تلمع في الظلمة’ في أحد شوارع لندن بعد أن تم إيقاف مالكها القطري الثري لعدم امتلاكه على رخصة قيادة أو ضمان صحيح. تم إيقاف سيارة اللامبورغيني التي بلغ سعرها 350,000 جنيهاً استرلينياً (530,000 دولاراً أمريكياً) بالقرب من مخزن هارودز في نايتسبريدج البارحة. وقد عرف أن صاحبها هو ناصر آل ثاني البالغ من العمر 24 عاماً, وهو أحد أفراد العائلة الحاكمة في قطر."
يلخص هذا كل شيء عن هؤلاء القوم الأنجاس: لديهم المال والسلطة لكنهم لا يملكون أي احترام أو نزاهة أو إحساس بالمسؤولية. وهم منسبون جداً لبريطانيا الجديدة الحيوية المهووسة, إلى درجة العبث, بالرياضة والجشع و "ثقافة" المشاهير, وهي المكان الملائم لآل ثاني الذين ينفقون أموالهم المنهوبة وطباعة كميات أكبر منها.
لم يضطر أيٌ من أفراد عائلة آل ثاني لأن يعمل. هل تفهمون؟ كل ما عليهم أن يفعلوه هو أن يجلسوا هناك ويراقبوا الأموالَ وهي تدخل في حساباتهم المصرفية, بينما تخرج أكبر كميات من احتياطي الغاز في العالم من الأرض التي صدفَ أن امتلكوها. إن العالم يدفع المبالغ الطائلة مقابل الغاز, أما أفراد نظام آل ثاني الأوتوقراطي في قطر فيضحكون ملء أفواههم المليئة بالرمل والغاز.
"هارودز" [مخزن ضخم في شارع أوكسفورد في قلب لندن كان يملكه سابقاً محمد الفايد] ليس كراجاً لسيارات أولاد آل ثاني الأثرياء؛ إنه مخزن ضخم يرتاده الأثرياء في لندن وهو مليء بأشخاص يتوهمون أنهم يشترون أشياءَ مميزة. يملكه الآن آل ثاني, الذين يملكون معظم بورصة لندن وعدداً كبيراً من الأماكن الأخرى في لندن بما في ذلك برج "شارد" المهزلة. لقد تم استثمار أموال غاز العائلة المالكة القطرية في العديد من البلدان التي تضحك على نفسها معتقدة أنها, بطريقة ما, تفيد من تمليك شركاتها وعقاراتها لهؤلاء المسوخ. ومن المؤكد أن هناك أشخاصاً في بريطانيا وأمريكا ملؤوا جيوبهم بأموال العائلة الحاكمة في قطر, ولكن ليس لدى المواطنين العاديين في الولايات المتحدة أو بريطانيا أي سبب لكي يشكروا آل ثاني على أي شيء اللهم إلا لرفع تكاليف معيشتهم.
استثمر آل ثاني بعض الأموال في قطر, بالطبع, وأنفقوا أكثر من مليار دولاراً في بناء قاعدتي البنتاغون العسكريتين: العُديد وسايلية. ففي سنة 2003 بدا واضحاً أن واشنطن بوش سوف تشن الحربَ على العراق, وكانت القاعدة القطرية الجديدة أهمَ منشأة قيادية تم بناؤها لذلك الغرض. كان الموضوع سرياً تماماً, بالطبع, ولكن عندما مررت في تلك المنطقة في ذلك الوقت التقيتُ عسكرياً أجنبياً يتمتع بشخصية ساحرة ولسان طويل وصف لي المكان, وأخبرني عمن يتواجدون هناك – ولم يكونوا أمريكيين فقط. كان هناك عساكرُ من بلدان أخرى أرسلتهم حكوماتهم بشكل سري جداً لأنها لم تستطع إخبار مواطنيها (ومعظمهم من البريطانيين والأستراليين) أنهم على وشك الانضمام إلى الحرب الأمريكية. قمة في الديموقراطية: مثل قطر تماماً. ليس من المستغرب أنهم على علاقة جيدة.
تأوي القواعد الأمريكية في قطر الآن آلافَ العسكريين وشبه العسكريين يقومون بإدارة عمليات هجومية سرية مباشرة ضد إيران وعبر الإمبراطورية الضخمة للقيادة المركزية الأمريكية. كما أن هذه القواعد في غاية الأهمية لنشر الحرية والديمقراطية على الطراز الأمريكي حول العالم بحيث على أوباما الاحتفاظ بها مع أنه, كما قال في شهر نيسان/إبريل, " ليس هناك أي توجه حقيقي نحو الديمقراطية في قطر."
وإذا كنتم ترغبون في الضحك أكثر, فكروا في النشرة الصحفية للبيت الأبيض (9 تموز/يوليو) التي قالت للعالم إن رئيسَ الولايات المتحدة الأمريكية المحبة للحرية وحاكمَ قطر المطلق "قد أكدا أن الولايات المتحدة وقطر ستبقيان على اتصال دائم مع كافة الأطراف في مصر للتشجيع على العودة السريعة والمسؤولة إلى حكومة مدنية منتخبة ديمقراطياً تحمل أسباب استمراريتها." مثل الحكومة الموجودة في قطر ربما, حيث يحكم أوتوقراطي مستبد, وكما تقول وزارة الخارجية الأمريكية نفسها, حيث توجد "قيود على الحريات المدنية الأساسية."
مهزلة ... في مهزلة.



http://www.counterpunch.org/2013/07/16/the-humbugs-of-despotic-qatar/

تُرجم عن ("كاونتربنتش", 16 تموز/يوليو 2013)

إضافة تعليق جديد

لا يسمح باستخدام الأحرف الانكليزية في اسم المستخدم. استخدم اسم مستخدم بالعربية

محتويات هذا الحقل سرية ولن تظهر للآخرين.

نص عادي

  • لا يسمح بوسوم HTML.
  • تفصل السطور و الفقرات تلقائيا.
  • يتم تحويل عناوين الإنترنت إلى روابط تلقائيا

تخضع التعليقات لإشراف المحرر لحمايتنا وحمايتكم من خطر محاكم الجرائم الإلكترونية. المزيد...