"أزمة البقاء" و"العمال الكردستاني"... أوراق مؤثرة قبل الاستحقاقات الانتخابية التركية

26-01-2024

"أزمة البقاء" و"العمال الكردستاني"... أوراق مؤثرة قبل الاستحقاقات الانتخابية التركية

سركيس قصارجيان:

تحظى قضية "حزب العمال الكردستاني" بتأثير كبير على السياسة الداخلية التركية بفضل وجود مؤيّدين ومعارضين للحزب داخل البلاد، من جهة، وتيارات مختلفة لجهة اقتراح حلول للمسألة الكردية والصراع مع الحزب، من جهة أخرى، ما يجعلها ورقة أكثر أهمية خلال فترات الاستحقاقات الانتخابية.
 
ونجحت الأحزاب اليمينية في تركيا على مدى عقود من خلال استراتيجية الترهيب، في إيهام الرأي العام بأنّ سقوطها من السلطة أو ابتعادها يهدّد سلامة الدولة أو استقلالها أو وحدة أراضيها وسلامتها، وقد شهد هذا الخطاب تصعيداً بشكل خاص في فترات تراجع القاعدة الشعبية لليمين بنسختيه الدينية والقومية.

"الأردوغانية" وحزب العمال الكردستاني 

خلال سنوات حكمه أفلح الرئيس التركي في ترسيخ "الأردوغانية"، ليتحوّل إلى محور الهيكلية السياسية في البلاد، فهو الذي يضع المعايير ويحدّد الصواب من الخطأ، والوطنية من الخيانة، مقنعاً ناخبيه بأنّه في كل العلاقات مع خصوم تركيا أو جيرانها داخل تركيا وعلى المستوى الدولي، يدافع عن مصالح هذا المجتمع، سواءً بالتصعيد أم بالاتّفاق، وبالتالي فإنّ خسارته تعني خسارة المجتمع التركي الذي بات يرى في مقالات بعض وسائل الإعلام الغربية المنتقدة للرئيس أردوغان "مشكلة بقاء وتعدٍّ على الأمن القومي التركي".
 
احتلّت قضايا "الأمن القومي" و"الخطر الوجودي" صدارة جدول الأعمال في الانتخابات المحلّية التركية في 31 آذار (مارس) 2019 والانتخابات البرلمانية والرئاسية الأخيرة في أيار (مايو) 2023، حين نجحت السلطة متمثّلة بالرئيس رجب طيّب أردوغان وحزبه "العدالة والتنمية" مع شريكه دولت باهتشلي رئيس "حزب الحركة القومية"، في مناقشة المسألتين من منظور أمني، من خلال العمليات خارج الحدود التي تمّ تنفيذها في شمال العراق وسوريا في تلك السنوات.
 
ويتوقّع المحلّلون الأتراك أن تقوم السلطة بتكرار النهج السابق في الانتخابات البلدية القادمة بعد شهرين، نظراً الى النتائج الإيجابية التي حقّقتها من خلال تطويق الناخبين بمخاوف "الأمن القومي والوجودي" من جهة، وربط المعارضة بالإرهاب كوسيلة لمنع قيام تحالفات انتخابية بين الأحزاب المعارضة التركية والحزب الموالي للكرد ذي الأصوات الحاسمة في الولايات الشرقية والمؤثّرة في الولايات الكبرى.

تكتيك انتخابي متكرّر

مع بدء أعمال البرلمان التركي للعام الجديد بعد عطلة استمرت لثلاثة أسابيع تقريباً، تقدّمت السلطة باقتراح "إعلان مكافحة الإرهاب"، اعتُبر مناورة من قِبل الائتلاف الحاكم لزيادة الضغوط على حزب "ديم" (الديموقراطية ومساواة الشعوب) الموالي للكرد، وقطع الطريق أمام أي تنسيق أو اتفّاق بينه وبين المعارضة الأم في البلاد حزب "الشعب الجمهوري". 
 
بدأت الجلسة الاستثنائية بإحاطة قدّمها وزير الدفاع يشار غولر ووزير الخارجية هاكان فيدان، بشأن مقتل 21 جندياً في الأسابيع الثلاثة الماضية في هجمات لـ"حزب العمال الكردستاني" في العراق، آخرها كان في 12 كانون الثاني (يناير)، أثناء عمليات "قفل المخلب"، تبعه وزير الخارجية هاكان فيدان بإحاطة سياسية.
 
وفي نهاية الجلسة التي استمرت نحو 4 ساعات ونصف، تمّ التصويت بـ"نعم" على "إعلان مكافحة الإرهاب" الذي نصّ على أنّ "الجمهورية التركية لديها القوة والقدرة على القتال بحزم ضدّ جميع المنظمات الإرهابية في الداخل والخارج"، إذ حصد موافقة جميع أحزاب البرلمان عدا "ديم"، الذي ركّز على أنّ الحل سياسي وتحت قبة البرلمان، فيما جاءت موافقة حزب "الشعب الجمهوري" وحزب "السعادة" بعد تعديل النسخة الأولى وتلافي اعتراضاتهما.
 
وفي بيان صادر عن حزب "الشعب الجمهوري" شدّد على أنّ "قضايا الأمن القومي لا ينبغي أن تُستخدم كمواد للسياسة الداخلية".
 
والأسبوع الماضي، قام الرئيسان المشاركان لحزب "ديم"، تولاي حاتم أوغلو وتونجر باكيرهان، بزيارة رئيس حزب "الشعب الجمهوري" أوزغور أوزيل في مقرّه في أنقرة، حيث تمّت مناقشة التعاون المحتمل بين الطرفين في الانتخابات المحلية.
 
ويشترط حزب "ديم" من أجل التحرّك مع المعارضة الأم في الانتخابات القادمة، الاتّفاق على "الإجماع الحضري" لمدينة اسطنبول، ويقصد به وفق مسؤولي الحزب، "الاتّفاق على ديناميكيات المدينة والتوافق على مرشّحين يمثّلون الديناميكيات والحركة النسائية وحركة الشباب والطبيعة والمدافعين عن حقوق الإنسان وغيرها من الفئات والقضايا".
 
ويشرح عضو لجنة القرار المركزي في "الحزب الديموقراطي" التركي مصطفى بوغورجو لـ "النهار العربي"، أنّ "لدى حزب ديم أصواتا تفوق نسبة 10%، وتعتبر الانتخابات المحلية، وبخاصة انتخابات إسطنبول، مهمّة للغاية لرجب طيب أردوغان، لذا يبدو أنّ استراتيجية التأثير على الناخبين الأكراد أو حزب ديم باتت أولوية للرئيس التركي".

 
ويضيف بوغورجو: "قبل هجمات حزب العمال الكردستاني، اتبع (العدالة والتنمية) سياسة التقارب (مع ديم) من خلال نائب الحزب في ديار بكر، إذ تلقّى حزب "العدالة والتنمية" إشارات حول كسب الأصوات الكردية في المنطقة وفي الغرب، وسيبذل قصارى جهده لصبّها في مصلحته".
 
أمّا في حال فشله في التوصّل إلى تفاهم مع "ديم"، أو تفضيل الأخير التفاهم مع المعارضة، فمن المنتظر أن يشنّ الائتلاف الحاكم حرباً شرسة على المعارضة والاستمرار في خطاب ربطها بالإرهاب.

الانتخابات و"مسألة البقاء"

وتعود جذور مسألة البقاء في تركيا إلى حقبة الحرب الباردة وانقسام المجتمع بين اليسار الموالي للاتّحاد السوفياتي واليمين المدعوم من شمال الأطلسي والدول الغربية التي حرصت على تعميق الشراكة بين المؤسسة العسكرية والأحزاب الدينية من أجل قمع اليسار وإبعاد شبح "بلشفة تركيا".
 
واستمرّت هذه الاستراتيجية بعد عام 1980، وبخاصة في التسعينات لتكتسب فاعليّتها أحياناً في القضية الكردية، وأحياناً أخرى في ملفّات الطوائف والأقلّيات، وصراع الهويات والأيديولوجيات.
 
و
عندما وصل حزب "العدالة والتنمية" إلى السلطة في العقد الأول من القرن الحادي والعشرين، ظهر كحكومة ليبرالية وديموقراطية وتحررية دافعت عن الاتحاد الأوروبي، وبعد عام 2015، وكنتيجة للتقارب مع "حزب الحركة القومية"، استخدم وجوده في السلطة كنوع من ضمان الاستقلال الوطني، مع الترويج  أنّ وصول المعارضة إلى السلطة سيتسبب "بتهديد وجودي" للدولة التركية.
 
وفي الانتخابات الأخيرة وصل إجمالي أصوات "حزب الحركة القومية" اليميني المتطرف والحزبين المنشقّين، حزب "النصر" الأكثر تطرّفاً وحزب "الجيد" إلى 25%، ما يشير إلى صعود اليمين المتطرف في البلاد، في تكرار لما تشهده العديد من الدول الأوروبية.
 
ولعب الركود الاقتصادي العالمي والإرهاب العالمي والأزمات في توزيع الدخل العالمي، والحروب الأهلية وحركات الهجرة، دوراً مهماً في وصول اليمين المتطرّف إلى السلطة على مستوى العالم. لعقود مضت وضع اليمين المتطرّف التركي، الأرمن في مركز استهدافه، ثم استبدل بهم الأكراد، وأخيراً اللاجئين والمهاجرين غير الشرعيين، لدرجة أنّ حزب النصر، الذي أسس حملته الانتخابية على إعادة اللاجئين إلى بلادهم بالمنجنيق، حصل في الانتخابات على نحو 1.2 مليون صوت، بينما حصل مرشّحه الرئاسي سنان أوغان على نحو 2.7 مليون صوت.
 
تدخل تركيا الانتخابات بأجندة متوترة ومزدحمة. ومع استمرار تداعيات الزلزال الكبير الذي ضرب جنوب البلاد في 6 شباط (فبراير) 2023، والأزمة الاقتصادية، واحتجاز النشطاء السياسيين والمثقّفين من أمثال صلاح الدين دميرتاش وعثمان كافالا وجان أتالاي، والعقبات التي تعترض حرّية التعبير، والضغوط على الحركة السياسية الكردية، فإنّ الأغلبية الصامتة، تبدو ميّالة بشكل متزايد إلى اتّخاذ موقف وقائي وتفضيل "الوحدة الوطنية للبلاد وسلامتها"، والتي يتعهّدها أردوغان، على حلّ المشاكل الاقتصادية وحرّية التعبير وسيادة القانون وفق أجندة المعارضة.

دوّامة من المخاوف الأمنية قبل كل عملية انتخابية
لطالما اتّهمت الجهات والأوساط المعارضة للحكومة التركية، أردوغان، باستغلال الصراع مع "حزب العمال الكردستاني" في تشكيل السياسة الداخلية.
 
ويشرح بوغورجو أنّ "السلطة السياسية في تركيا وشريكها حزب الحركة القومية يعملان على تقسيم المجتمع بالخطاب الديني والوطني، من خلال تطوير خطاب يتّهم المعارضة بالتعامل مع منظمات إرهابية. ومع تزايد جرعة الخطاب القومي والديني، تزداد الفترات التي تشتد فيها هذه الهجمات الإرهابية، لسبب ما، خلال فترات الانتخابات أو عشية الانتخابات، ويدخل المجتمع في دوامة من الخوف مع السياسات الأمنية".
 
ويضيف: "رأينا ذلك مع الهجوم على محطة أنقرة، أو استشهاد ضابطي شرطة في أورفا جيلان بينار، أو إرسال شقيق زعيم حزب العمال الكردستاني إلى إمرالي، أو ربط المعارضة بالإرهاب في انتخابات بلدية إسطنبول الكبرى في إسطنبول، أو الدعاية التي عرضت في الانتخابات العامة الأخيرة في أيار (مايو) 2023، والآن يشهد المجتمع التركي تكرار ذلك قبيل الانتخابات المحلية المقبلة 2024".
 
ويشبّه بوغورجو "الدين والقومية باللبن والثوم، الذي يتمّ سكبه على الطعام الفاسد، لتستير العيوب. وكذلك تتمّ تغطية العديد من مشاكل البلاد اليوم بالخطاب الديني والقومي".
 
وكان رئيس الوزراء التركي ووزير الخارجية السابق، أحمد داود أوغلو، قد ألمح سابقاً إلى خبايا الفترة بين العمليتين الانتخابيتين عام 2015، بعد انشقاقه عن حزب "العدالة والتنمية" وتأسيسه حزب "المستقبل" المعارض، قائلاً في خطاب له أمام مؤيدي حزبه: "إذا تحدّثت عن تفاصيل تلك الفترة لن يجرؤ أحد على النظر إلى وجه الآخر في الشارع بعد اليوم".

النهار

إضافة تعليق جديد

لا يسمح باستخدام الأحرف الانكليزية في اسم المستخدم. استخدم اسم مستخدم بالعربية

محتويات هذا الحقل سرية ولن تظهر للآخرين.

نص عادي

  • لا يسمح بوسوم HTML.
  • تفصل السطور و الفقرات تلقائيا.
  • يتم تحويل عناوين الإنترنت إلى روابط تلقائيا

تخضع التعليقات لإشراف المحرر لحمايتنا وحمايتكم من خطر محاكم الجرائم الإلكترونية. المزيد...