تأثير سياسات ترحيل السوريين على سوق العمل اللبناني

27-05-2024

تأثير سياسات ترحيل السوريين على سوق العمل اللبناني

ما إن أطلقت صفارة القطار الحكومي اللبناني، معلنة بدء رحلة إعادة اللاجئين السوريين إلى وطنهم، حتى تعالت الأصوات من مختلف القطاعات اللبنانية، مؤكدة أهمية اليد العاملة السورية والحاجة الماسة إليها، وعدم القدرة على الاستغناء عنها.

كان اتحاد “نقابات الأفران والمخابز” في لبنان من أوائل المعبرين عن قلقهم بشأن ترحيل العمال السوريين.

نقيب الاتحاد، ناصر سرور، أكد في مؤتمر صحفي مع رئيس الاتحاد العمالي العام، بشارة الأسمر، أن العمال السوريين هم عصب قطاع الأفران منذ عقود.

أشار سرور إلى أن مغادرة العمال اللبنانيين للقطاع خلال الأزمات الاقتصادية والمالية أدت إلى زيادة عدد العمال السوريين الذين أصبحوا أساساً لضمان استمرار عمل الأفران وتوفير الخبز للمواطنين.

وأوضح أنه أجرى اتصالات مع الأمن العام وقيادة الجيش للتوصل إلى تسوية تضمن معالجة أوضاع جميع العاملين في الأفران تحت سقف القانون.

من جانبه، أكد بشارة الأسمر على أهمية العمالة السورية في قطاعات متعددة، بما في ذلك قطاع المخابز.

وأوضح لموقع “الحرة” أن لبنان لا يمكنه الاستغناء عن اليد العاملة السورية، خصوصاً في قطاعات حيوية مثل البناء والزراعة والأفران، حيث تشكل العمالة السورية جزءاً لا يتجزأ من نهضة لبنان منذ الستينات والسبعينات.

أطلقت الحكومة اللبنانية حملة صارمة ضد “العمالة السورية غير القانونية” بهدف الحد من تواجد العمال الذين لا يحملون أوراقاً قانونية.

تشمل الحملة ملاحقة المخالفات في الإقامة والعمل، وتفتيش المحلات التي يملكها أو يديرها سوريون للتحقق من وضعها القانوني ووثائق الإقامة، إضافة إلى التحقق من وجود كفيل لبناني للعامل أو صاحب العمل السوري، وسحب المستندات وإغلاق المحلات المخالفة.

تثير هذه الحملة جدلاً واسعاً في لبنان، حيث يرى مؤيدوها أنها ضرورية لحماية حقوق العمال اللبنانيين وخلق فرص عمل لهم في ظل الأزمة الاقتصادية المتفاقمة.

في المقابل، يعارضها البعض، مشيرين إلى أن اللاجئين السوريين قد ساهموا في تنشيط قطاعات اقتصادية تعاني من نقص في اليد العاملة.

وأوضح صاحب محل لبيع الفحم في فيديو على مواقع التواصل الاجتماعي أن إغلاق محلات السوريين أثر سلباً على الاقتصاد اللبناني، مضيفاً أنه لا يستطيع إيجاد عمال لمساعدته في تنزيل صناديق الفحم.

كما يشير رئيس تجمع مزارعي وفلاحي البقاع، إبراهيم الترشيشي، إلى أن العمال السوريين يشكلون الغالبية العظمى من اليد العاملة الزراعية في لبنان، مؤكداً أن اعتمادهم على العمال السوريين يعود إلى رخص أجورهم وملاءمتهم للعمل الزراعي.

وأوضح أن القرارات الحكومية بحق هؤلاء العمال تخلط بين العمال السوريين الذين يعملون في لبنان منذ زمن وبين أولئك الذين يدخلون البلاد بطريقة غير شرعية، وهم غالباً ما يكونون من اللصوص والمجرمين الذين يصعب توقيفهم.

دعا رئيس تجمع مزارعي وفلاحي البقاع إلى تبني “صيغة خاصة للعمال الزراعيين يكون المزارع مسؤولاً عنها، عبر توقيعها وتقديمها للأمن العام، تتضمن أسماء العمال الذين يعملون لديه.”

كما طالب بضرورة التصدي للمهربين الذين يسهلون دخول اللصوص والمجرمين، مشيراً إلى أن “أي إجراء آخر لن يكون كافياً ولن ينهي الوجود الفوضوي للسوريين في لبنان.”

تحديات وإطار زمني

رد العمال السوريون على الحملة الحكومية بمقاطع فيديو قصيرة تظهر مهاراتهم في الأعمال الخطيرة والشاقة. انتشرت على مواقع التواصل الاجتماعي فيديوهات لعامل بناء سوري يعمل على ارتفاع شاهق، وآخر لعامل يحمل حمولة ثقيلة، يدعوان اللبنانيين لأداء هذه المهام.

يؤكد جميل طالب، رئيس نقابة عمال البناء في شمال لبنان، أن قطاع البناء يعتمد بشكل كبير على العمالة السورية نظراً لانخفاض أجورهم مقارنة بالعمال اللبنانيين.

ورغم ذلك، طالب بتنظيم العمالة السورية عبر منحهم إقامات وإجازات عمل، على الرغم من الأضرار المحتملة لأرباب العمل الذين سيتعين عليهم دفع مستحقات وزارة العمل والتأمين.

توصيات حكومية

أصدر رئيس مجلس النواب اللبناني، نبيه بري، توصية للحكومة لمعالجة ملف اللجوء السوري وإعادة اللاجئين غير الشرعيين خلال سنة.

وأكد رئيس حكومة تصريف الأعمال، نجيب ميقاتي، خلال جلسة نيابية، أن الهبة الأوروبية المقدمة ليست “رشوة” بل مساعدات غير مشروطة.

تنظيم العمالة الأجنبية

ينظم قانون العمل اللبناني، الصادر في عام 1946 والمعدل في عام 2000، دخول العمال الأجانب إلى لبنان.

وينص القانون على ضرورة حصول الأجانب على موافقة وزارة العمل قبل القدوم إلى لبنان، مع استثناءات لبعض الفئات.

وفي عام 2021، أصدر وزير العمل قراراً يحدد المهن المحصورة باللبنانيين، مع استثناءات للفلسطينيين المولودين في لبنان، والمتزوجين من لبنانيات، والمولودين من أمهات لبنانيات.

انتقادات وتوترات

انتقدت مفوضية الأمم المتحدة لشؤون اللاجئين الإجراءات اللبنانية الأخيرة ضد اللاجئين السوريين، وطالبت بوقف “الممارسات اللاإنسانية” التي تتضمن إغلاق المحلات التجارية وتفتيش المنازل ومصادرة الدراجات النارية.

دفع ذلك وزير الخارجية اللبناني، عبد الله بو حبيب، إلى استدعاء ممثل المفوضية وتوجيه عدد من القرارات، منها سحب الرسالة التي وجهتها المفوضية لوزير الداخلية واعتبارها ملغاة.

دعوات للحوار والتنسيق

ينتقد بشارة الأسمر المقاربات الحالية لملف اللجوء السوري، ويدعو إلى التعامل مع الملف بطريقة قانونية تحافظ على العمالة الضرورية للسوق اللبناني ومعالجة ظاهرة العمالة غير الشرعية.

يشدد الأسمر على ضرورة الحوار مع الجانب السوري والدول الأوروبية والجهات المانحة لتحقيق حلول مستدامة.

الحرة

إضافة تعليق جديد

لا يسمح باستخدام الأحرف الانكليزية في اسم المستخدم. استخدم اسم مستخدم بالعربية

محتويات هذا الحقل سرية ولن تظهر للآخرين.

نص عادي

  • لا يسمح بوسوم HTML.
  • تفصل السطور و الفقرات تلقائيا.
  • يتم تحويل عناوين الإنترنت إلى روابط تلقائيا

تخضع التعليقات لإشراف المحرر لحمايتنا وحمايتكم من خطر محاكم الجرائم الإلكترونية. المزيد...