خرافة الفرقة الناجية

16-07-2024

خرافة الفرقة الناجية

 يوسف زيدان:

( الفرقة الناجية) بمعنى أن كل جماعة، كانت ترى لنفسها فقط، فضلَ الإيمان الذى يجعلهم الناجين من نار الكفر وجحيم الهرطقة، فى الدنيا والآخرة. 

فى التراث اليهودى، تشكل منذ وقت مبكر اعتقادٌ يقول إن اليهود وحدهم هم أبناء الرب، والآخرين من الناس هم (الأمم) وجعل اليهود الانتساب لدائرتهم «المتميِّزة خيالياً» يتم على أساس عرقى، لا إيمانى. 

فاليهودى (النقى) هو من كانت أمه يهودية، والذى يؤمن بديانتهم من دون أن يولد لأم يهودية، لا يسمى (يهودياً) وإنما هو (هودى) بمعنى أنه أقل درجةً وأخفض منـزلةً.. 

إذن، فى اليهودية تصوُّر قائم على أن «النسل الإبراهيمى» من الزوجة الأولى «سارة» هو فقط: شعب الله المختار.. من دون بيانٍ لسبب ذلك الاختيار، أو علة ذلك الاحتقار الذى ينظر به اليهود إلى الآخرين (وأظنه فى حقيقة الأمر، رداً على الاحتقار بالاحتقار) المهم ، أن الفكرة نبتت أولاً مع اليهودية، على أساس عرقى.

ومن هنا، ظهرت فى التراث المسيحى المكتوب باللغة اليونانية (اللغة الرسمية للكنائس الكبرى آنذاك) نصوص تسمى باليونانية «أناثيما»، التى تعنى بالعربية «اللعنات» أو «الحرومات» وهى إقرارات إيمانية تُعرض على الشخص المسيحى، فإن قبلها صار من المؤمنين الناجين، وإن أنكرها أو اعترض على شىء فيها، فهو هرطوقى (كافر) لا ينتسب للجماعة التى اختارها الربُّ! 

وظهر فى الإسلام، مع صراع المذاهب العقائدية (الكلامية) المختلفة: أهل السنة، المعتزلة، الأشاعرة، الخوارج، الشيعة.. إلخ، حديثٌ نبوى يقول ما نصه: تفترق أمتى على بضعٍ وسبعين فرقة، كلها فى النار إلا واحدة. 

وقد عرفت هذه الفرقة «الواحدة» فى التراث الإسلامى، باسم «الفرقة الناجية» مع أن كثيرين من المحدِّثين (علماء الحديث النبوى) نقدوا سند هذا الحديث ومتنه (نصه) إلا أن ذلك لم يمنع من انتشار فكرة الفرقة الناجية، خاصة فى أزمنة التخلف الحضارى وضعف دولة الإسلام. 

ومهما يكن من صحة الحديث النبوى المذكور سابقاً، والذى لم ينص صراحة على لفظ (الفرقة الناجية) فإن الإمعان فى إشاعة هذا المفهوم، يعود فى تقديرى إلى «أزمة» نفسية تعصف بأصحاب هذه الاتجاهات التى تسلب عن الجميع صفة الإيمان، ومن ثم صفة النجاة من عذاب الآخرة، ومن ثم وجوب التنكيل بهم فى الدنيا .. 

وهو مدخلٌ خطير، ووَهمٌ عظيم، يخالف أبسط المعانى التى دعت إليها الديانات ، عموماً، ويهدر الفكرة الأساسية فى أى دين .. أعنى فكرة أن الإله، هو إله الجميع. 

 

إضافة تعليق جديد

لا يسمح باستخدام الأحرف الانكليزية في اسم المستخدم. استخدم اسم مستخدم بالعربية

محتويات هذا الحقل سرية ولن تظهر للآخرين.

نص عادي

  • لا يسمح بوسوم HTML.
  • تفصل السطور و الفقرات تلقائيا.
  • يتم تحويل عناوين الإنترنت إلى روابط تلقائيا

تخضع التعليقات لإشراف المحرر لحمايتنا وحمايتكم من خطر محاكم الجرائم الإلكترونية. المزيد...