307 ملايين إنفاق السوريين اليومي على المياه المعبأة

05-07-2010

307 ملايين إنفاق السوريين اليومي على المياه المعبأة

من خطر بباله أن ينتبه إلى مصروفه اليومي وإنفاقه على مياه الشرب المعبأة (هذه السلعة التي تتسلل إلى جيوبنا وتستنزفها يومياً دون دراية أو حسبان)، بدليل أننا عندما نجدول الراتب في بداية كل شهر ونقوم بتوزيع نسب إنفاقه على المواد الغذائية وغير الغذائية والفواتير والمواصلات وخلافها، نستذكر أدقَّ التفاصيل كـ«مصروف الخبز» دون ذكر مصروفنا على مياه الشرب.

فمن يتوقَّع أن يصل إنفاق السوريين على مياه الشرب إلى 300 مليون ليرة سورية يومياً، إضافة إلى 7.5 ملايين ليرة تُنفق يومياً على مياه الشرب المعبأة في المقاهي والمطاعم. هذه الأرقام تُضاف إلى أرقام الإنفاق على مياه الاستخدام اليومي التي تقدّمها الدولة.
ويمكننا القول إنَّ إنفاق المواطن على مياه الشرب المعبأة تتراوح بين 0.5 % و10 % من دخله الشهري.. فهل خطر ببالك يوماً أن تحسب إنفاقك على مياه الشرب؟!..
 ¶ الباعة مؤشر
في أصغر أحياء جرمانا، اعترف أحد باعة المفرق بأنه يومياً يبيع ما لايقلّ عن 300 عبوة مياه معدنية من حجم الليتر، ونصفها من عبوة خمسة ليترات، ونحو 500 ليتر مياه من خزان بناه لغاية المتاجرة في مياه الشرب.. مؤكداً أنَّ المتاجرة بمياه الشرب وحدها تكفي لسدّ احتياجات حياته اليومية.
وفي مكان آخر، دفعني الفضول لسؤال صاحب أحد المقاهي الصغيرة في دمشق عن استهلاكه اليومي من عبوات المياه المعبأة، لتكون الإجابة: بين 150 - 300 عبوة يومياً.
طبعاً هذه الأمثلة البسيطة تقود إلى نتيجة حتمية. وهي ضرورة البحث وتبيان الأرقام التي يُنفقها المواطن السوري يومياً على مياه الشرب، وخاصة المعدنية، بعد تحوّل مياه الفيجة إلى ذكرى، ومياه نبع بقين إلى وزارة الصناعة.

 ¶ إنفاق متباين
يتباين الإنفاق على مياه الشرب بين أسرة وأخرى حسب الإمكانات، على أنهم يتقاطعون في عدم احتسابها ضمن إنفاقهم اليومي.
بعض الأسر، وبشكل وسطي، يستهلك يومياً بحدود 10 عبوات من المياه المعبأة؛ أي ما قيمته 200 ليرة، إضافة إلى استهلاكها مياه الشرب الصالحة للطبخ والمشروبات وما شابه، بقيمة 50 ليرة يومياً، في حين بعض الأسر تستهلك يومياً عبوتين من القطع الكبير بحدود 80 ليرة سورية، إضافة إلى المياه الصالحة للطبخ والمشروبات.
وفي اتجاه آخر، أقلّ الأسر إنفاقاً على مياه الشرب تتكبّد نحو 50 ليرة يومياً.

¶ مياه الشرب تحوَّلت إلى تجارة
في الآونة الأخيرة، غدت مياه الصنبور، التي كان يشرب منها المواطن، مياه غير صالحة للشرب بالمعنى الدقيق؛ يختلط فيها الكلور ببقايا من الأتربة والكلس وماشابه.. ما دفع العديد من الناس، وبعد نصائح وإرشادات أطبائهم، إلى استخدام المياه المعدنية؛ ما نشط الاستهلاك ورفع نسب الإنفاق على هذا المنتج.
وسبب ذلك أكده مدير خدمات المياه في وزارة الإسكان، بقوله: «الجفاف أدّى إلى تملح التربة وتكلسها. وسمة أمطارنا أنها غزيرة وسريعة؛ ما يؤدي إلى تسرب التملح والكلس إلى مياه الشرب».
إذاً مشاكل التلوث والجفاف أثرت على مياه الشرب التقليدية التي كانت مصدراً أساسياً للمواطن.

¶ الدولة تتكبد
طبعاً الدولة تتكبَّد مبالغَ طائلة جراء الإنفاق على مياه الشرب، التي بلغت ميزانيتها الاستثمارية خلال عام 2010  ملياراً و950 مليون ليرة سورية.. يُضاف هذا الرقم إلى ارتفاع نسب إنفاق المواطن على المياه من جانبه؛ ما يعني أننا أمام منتج بدأ يشغل حيزاً كبيراً في ميزانية الدولة وحيزاً مرهقاً لميزانية المواطن.  
 سورية تنتج وتستورد وتستهلك 
لا شكَّ، وعلى ضوء هذا الاحتياج المتزايد لمياه الشرب المعبأة، قد نشطت صناعة وتعبئة المياه المعدنية، كما ارتفعت قيمة أرقام استيرادها. فهناك أربعة معامل تابعة إلى وزارة الصناعة، وعدد من المعامل الخاصة. ووفق الأرقام المصرّح بها، فقد حقَّق معمل مياه بقين العام الماضي أرباحاً قدرها 240 مليون ليرة، من خلال إنتاج نحو 2. 9 مليون جعبة ماء من أصل الإنتاج المخطط البالغ 5. 7 مليون جعبة. وأكد المعنيون أنَّ منتجات المعمل استطاعت اختراق أسواق عدد من الدول العربية، منها السعودية والكويت، رغم المنافسة الشديدة من قبل المنتجات الأجنبية في تلك الأسواق.
وبلغ إنتاج معمل دريكيش للمياه المعدنية 2.9 مليون عبوة، سعة 1,5 لتر خلال العام الماضي. هذه الأرقام هي الأفضل التي حقَّقها المعمل منذ إحداثه، سواء في الإنتاج أم المبيع أم الأرباح. أما بالنسبة إلى معمل الفيجة، فتشير الأرقام إلى 100 مليون ليرة سورية أرباح محقَّقة منذ ثلاثة أعوام.
إلا أنَّ مؤشرات العام الماضي الصادرة عن المؤسسة العامة للصناعات الغذائية أشارت إلى أنَّ معمل بقين هو أكثر المعامل قدرة على تحقيق الأرباح، في حين سجَّلت المعامل الثلاثة، وخلال الربع الأول من العام، خسارات مالية أسبابها تراجع نسب الإنتاج والمبيعات؛ لوجود صعوبات تسويقية، وعدم وجود مستودعات كافية لتخزين الإنتاج.
ما تقدَّم يشير إلى ارتفاع استهلاك المواطن لهذه المادة، وضعف أفق وخطط معاملنا وقدرتها على المنافسة أمام اجتياح منتجات دول تعاني الجفاف وارتفاع تكاليف صناعة المياه لديها وتحليتها من مياه البحر؛ حال السعودية والإمارات العربية المتحدة، حيث تجاوزت مستورداتنا منها 2000 طناً بحسب تأكيدات رسمية. وتعتبر سورية أكبر أسواق مبيعات المياه المنتجة في لبنان والأردن، حيث تجاوزت مستورداتنا من لبنان 5 ملايين دولار. وبالتالي الواقع يشير إلى ارتفاع إنفاق المواطن السوري على مياه الشرب، وإلى حقيقة وجود مشاكل في معاملنا الأربعة التي يتكدَّس إنتاجها كما يقال، أو تعاني من ثقل المشاكل التسويقية. أما موضوع الخسارات، فهذا مرتبط بكونها مؤسسات رسمية وحسب!.. إلا أنَّ هذا لايلغي حقيقة ارتفاع إنفاق السوري على مياه الشرب المعبأة، والمباعة على شاحنات جوالة. 
 ¶ دراسة تقديرية 
أشارت دراسة تقديرية، أجراها الباحث والخبير الاقتصادي هيثم ناصر، إلى أنَّ المواطن السوري ينفق 300 مليون ليرة يومياً على مياه الشرب المعبأة ونحو 7.5 مليون على مياه الشرب التي تباع في الشاحنات الجوالة؛ ما يعني أنَّ الإنفاق الشهري يصل إلى 9 مليارات ليرة سورية على المياه المعبأة، ونحو 210 ملايين ليرة من المياه التقليدية من الشاحنات.
طبعاً هذه الأرقام تشير إلى ارتفاع تكاليف الإنفاق على مياه الشرب التي غدت مطلباً ملحاً وحقيقياً. والغريب في الموضوع أنَّ المواطن المحلي لا يشعر بنسب إنفاقه على مياه الشرب، خلاف غيرها من السلع؛ لجهة اعتباره لها أنها مادة أساسية. يقول الخبير ناصر: «يعتبر هذا الرقم طبيعياً حيال باقي إنفاقات المواطن السوري على فواتير الهاتف وخاصة الجوال، والإنفاق على التدخين وغيره من السلع.. إلا أنَّ الفرق بينهما أنَّ المواطن ينتبه إلى إنفاقه الشهري على الدخان مثلاً أو الخبز، وقد يتأفف من استهلاكه الزائد للجوال وصرفه على وقود سيارته، إلا أنني مطلقاً لم أسمع من قال عن ارتفاع إنفاقه على مياه الشرب».
ويضيف ناصر: «هذا إن دلَّ على شيء إنما يدلّ على نشاط تجارة المياه المعبأة. وهذا يتطلَّب من الجهات المحلية التوسع في قاعدة صناعة هذا المنتج الصاعد الذي سيسجل نمواً متزايداً، ومناقشة مواضيع القدرة على المنافسة وضعفها للمنتج المستورد. فهذا يعتبر أمراً غير مقبول؛ لجهة توافر المياه الحلوة لدينا، والتي تصبّ بمجملها في البحر دون فائدة منها أو تتعرّض للتبخر.. يكفي أن تعالج ويعاد تصنيعها. ومع ذلك، ستكون تكلفتها أرخص حكماً من المياه المستوردة من السعودية والمحلاة من مياه البحر، وتنافس المنتجات المحلية في السعر. والتجربة اللبنانية من التجارب المهمة، حيث تصدّر لأكثر من بلد عربي، مثل سورية والسعودية والكويت وقطر وبعض الدول الأوروبية وليبيريا. فما المانع لدينا من الاستفادة من مصادرنا المائية واستثمارها بالشكل الأفضل».
 ¶ وجهة نظر 

يقول الخبير سعد بساطة: «منطقة الشرق الأوسط حارّة صيفاً، وتفتقر إلى المصادر المائية، وفي ظلّ زيادات السكان غـير المخطـّط لها، والتمركز العـشوائي في وعـلى أطراف المحافظات الكبيرة، وصلنا إلى مرحلة الخطر المائي.
ليس هنالك حلّ سوى ترشيد الاستهلاك بتسعـيرة تترك للعـائلة الخيار الواعـي، بحسب موازنتها!!».

رياض أحمد

المصدر: بلدنا

إضافة تعليق جديد

لا يسمح باستخدام الأحرف الانكليزية في اسم المستخدم. استخدم اسم مستخدم بالعربية

محتويات هذا الحقل سرية ولن تظهر للآخرين.

نص عادي

  • لا يسمح بوسوم HTML.
  • تفصل السطور و الفقرات تلقائيا.
  • يتم تحويل عناوين الإنترنت إلى روابط تلقائيا

تخضع التعليقات لإشراف المحرر لحمايتنا وحمايتكم من خطر محاكم الجرائم الإلكترونية. المزيد...