«الإخوان» تواصل النفخ في «بالون» رابعة

29-07-2013

«الإخوان» تواصل النفخ في «بالون» رابعة

أصبح الارتباك سمة عامة لدى جماعة «الإخوان المسلمين»، بعدما تجاوزت القيادات والقواعد لتصل إلى قلب الفكرة.
لم تعد الجماعة هي ذات الجماعة التي أحبها مريدوها وأخلصوا لها، ورهبها رافضوها. دقة التنظيم التي دأب «الأخوان» على المباهاة بها ذابت، وحلت محلها عشوائية تصل إلى حد الارتياب في مصدر القرار.
أصبح اعتصام رابعة العدوية ماكينة لإنتاج الشائعات، وتربة خصبة للخيال الذي تختلط به قصص البطولات الاسلامية بالحديث عن الهجوم المنتظر.متظاهرون من «الإخوان» في اعتصام ميدان النهضة في الجيزة امس (اب)
أصبح اعتصام رابعة العدوية أشبه بـ«بالون» كبير تواصل الجماعة النفخ فيه لكي يتسع لأكبر عدد. الهواء الذي يدخل إلى «البالون» مليء بالقلق والخوف لكن الإيهام الشعوري بالغ التأثير على المعتصمين.
حمزة عم الرسول وسيد قطب هما أكثر الأسماء تردداً هنا بعدما أصبحت الشهادة هي «الجائزة المرجوة» للجميع، ومقياس ايمانك وتقواك وحبك لله. يتهدج صوت الخطيب من على المنصة، يقول ما شاء، وأمامه الجموع تصدقه وتطيعه من دون تردد.
«إخوانكم الشهداء من فوق سبع سماوات باعثين لكم بجواب. يقولون لكم لا تضعفوا ولا تحزنوا، اثبتوا وأكملوا». حينما وقف البلتاجى منفعلا أمس على منصة النهضة مردداً تلك الكلمات كان يلخص مأزقه هو وجماعته: «الارتباك»... لم يجد الرجل حلولا لأزمته سوى الانتحار، فقرر أن يأخذ معه من يستطيع من الشباب.
الاعتصام الآن - بل الجماعة قاطبة - تدار بواسطة من يطلق عليهم «قيادات الصف الثاني»، وتحديدا من قبل «قسم التنمية الإدارية»، الذي تولى زمام الأمور عقب فشل نائب المرشد العام خيرت الشاطر في ادارة الموقف، ورفضه الاستماع إلى النصائح التي قدمت له، وكان آخرها الدعوة إلى استفتاء مبكر على استمرار محمد مرسي رئيساً، والذي، وفقا لرأي مقترحيه، كان سيفقد الجماعة الرئاسة لكنه سيكسبها احترام الشارع، فضلا عن حفاظه على تماسكها.
خيرت الشاطر الآن محبوس على ذمة تحقيقات تطال قضايا عدة. ووفقا لمصادر قريبة ومطلعة داخل الجماعة فإن المرشد محمد بديع والرجل القوي محمود عزت مختبئان فى فيلا في التجمع الخامس، وان التواصل معهما يتم عن طريق ابن أحد مسؤولي الجماعة في القاهرة، فهو يحمل الرسائل الشفاهية من الميدان وإليه.
السيطرة الفعلية والأوامر المباشرة تصدر من «قسم التنمية الادارية»، حتى البلتاجي وصفوت حجازي يتلقيان تعليماتهما المباشرة منه.
«يا عالِم يا ابني هنعمل سحور ولا لأ»، قالها عم سعد المكلف باعداد وجبتي السحور والافطار في مدرسة عبد العزيز جاويش، التي حولها المعتصمون إلى مطبخ كبير لهم.
عم سعد يؤمن بالله وموقن بأن ما يفعله هنا هو سبيله للجنة. لا يخفي قلقه وخوفه من احتمال فض الاعتصام بالقوة، وان كان يطمئن نفسه بترديد كلام البلتاجي عن الجنة وحور العين وعظمة الشهادة في سبيل الله.
طيبة عم سعد وبشاشته تشجعانك على طرح اسئلتك عن أن كل ما تقوم به الجماعة هو من أجل السلطة وتماسك الجماعة، وبهدف عودة مرسي. يجيبك الرجل منفعلا: «حسبي الله ونعم الوكيل»، ثم يردد: «هي لله هي لله»، ويدافع عن الجماعة قائلاً إن «الإخوان ليسوا طلاب حكم او جاه، بل هي دعوة محمد ودين محمد».
أمام خيمة مركز ابوحماد في محافظة الشرقية تجد مجموعة من الفتيات غالبيتهن طالبات في جامعة الازهر، ومعهنّ سيدة في الأربعينيات من العمر. ما إن تراك تحادث الفتيات حتى تقفز إليك متسائلة «أؤمر يا استاذ؟». تقولها بغضب وحدة، وتعرفك بنفسها قبل أن تتبادلا الحديث. تنصب المرأة حديثها كله إلى الجنة والشهادة ودين الله.
المدهش ان الفتيات الصغيرات كن اقرب للحياة منها. لم يذكرن الموت او الشهادة. تحدثن عن الرئيس المظلوم والشرعية المغتصبة والدين المستهدف، لكنهنّ لا يذكرن الموت ولا الشهادة. تسألهنّ «هل سمعتن أن الاعتصام قد يفض اليوم بالقوة؟»، فيجبن في وقت واحد والقلق بادٍ عليهن: «ربنا يستر».
تتحول المنصة إلى أداة تثبيت وتشجيع. لا أحد يتحدث في السياسة أو عن الشرعية. حتى الرئيس المعزول لا يرد اسمه تقريبا. بات الحديث كله منصباً على التذكير بعقوبة التولي يوم الزحف والترغيب في الجنة وفضل الشهادة في سبيل الله.
تسأل تامر، طالب الهندسة في جامعة الأزهر الذي كان منهمكا في تعلية الجدار العازل الذي تقيمه الجماعة في شارع الطيران: «يعني هو انت لو مت مرسي هيرجع؟»، فيجيبك: «اللي عاوزه ربنا هيكون».
تسأله عن السور الذي يشيده، فيشرح انه لتعطيل المدرعات عند الاقتحام، فضلا عن أنه يمكن الاختفاء خلفه والدفاع عن الاعتصام.
«بماذا ستدافع؟ هل لديك سلاح؟»، تسأل تامر. يتردد قليلا قبل ان يجيب «لا». تبتعد عن الشاب رغبة منك في عدم الضغط عليه أكثر، لكنه ينظر إليك منادياً، ليسألك سؤالاً واحداً والحيرة تملأ وجهه: «تفتكر حضرتك هيفضّوا الاعتصام النهارده؟!».

ماجد عاطف

المصدر: السفير

إضافة تعليق جديد

لا يسمح باستخدام الأحرف الانكليزية في اسم المستخدم. استخدم اسم مستخدم بالعربية

محتويات هذا الحقل سرية ولن تظهر للآخرين.

نص عادي

  • لا يسمح بوسوم HTML.
  • تفصل السطور و الفقرات تلقائيا.
  • يتم تحويل عناوين الإنترنت إلى روابط تلقائيا

تخضع التعليقات لإشراف المحرر لحمايتنا وحمايتكم من خطر محاكم الجرائم الإلكترونية. المزيد...