«المحسوبيات» والمجالات المفتوحة لكل من هبّ ودبّ وذي قربى في التلفزيون السوري

27-09-2011

«المحسوبيات» والمجالات المفتوحة لكل من هبّ ودبّ وذي قربى في التلفزيون السوري

«فرخ البط عوام» مثل شعبي ربما ينطبق إلى حد كبير على كثير ممن يعملون في المهن بمختلف الميادين إلا أنه على صعيد الفن والصحافة مَثَلٌ لا ينطبق على الواقع إلا في حالات نادرة واستثنائية يحدث فيها أن يتفوق الابن على أبيه.
 
في عقود خلت عندما كانت الموهبة أساس جواز العبور إلى عقول وقلوب الجمهور برزت عائلات فنية سطرت حضورها بحروف من ذهب وواحد من الأمثلة الساطعة هنا العائلة الرحبانية التي أذهلت الجميع بتعاون وتكامل فني وإبداعي لاقى حفاوة نقدية وجماهيرية لا نظير لها عبر مئات الأعمال الغنائية والمسرحية التي لامست شغاف القلوب وأسست لذاكرة أجيال على امتداد العالم العربي عرفاناً وإعجاباً بالمنجز الرحباني الظاهرة التي لن تتكرر على صعيد المسرح والغناء وتبعاً للفرادة في المنجز الإبداعي الذي استمر سنوات طويلة تسيدت خلالها عائلة الرحابنة الساحة الفنية وحتى عندما جاء الجيل الثاني من العائلة فإن نجاحات كبيرة كانت بانتظاره عبر التجديد والمواكبة والتقاط نبض الناس وأمزجتهم من خلال روح خلاقة بدت فيها الموهبة متأصلة كعلامة فارقة في مجال الفن وابتكاراته التي ذهبت إلى مطارح إبداعية يصعب على الآخرين الاقتراب منها.

على صعيد الصحافة المكتوبة ظهرت وأيضاً منذ عقود خلت مجلات وصحف عريقة أسسها آباء وأدارها فيما بعد أبناء وعلى الرغم من أنها مؤسسات خاصة أو أهلية العائدية في الملكية إلا أنها حافظت على تقاليد مهنة الصحافة في مواكبةٍ وتجديدٍ لتظل من الصحف أو المؤسسات الإعلامية الرائدة.
في ذلك الزمن كان التميز صفة يحصدها الفنان عبر الموهبة والاجتهاد ويؤسس لنفسه خطاً ربما مغايراً لكنه ذو مشروعية في الحضور وخاصة إذا تعلق الأمر بالغناء مثلاً فإما استمراراً في الساحة في نجاح تجربة تتبعها تجارب ناجحة عبر مسيرة واضحة المعالم والتأسيس وإما فشلاً فانسحاب وإن كانت العائلة حاضنة وموفرة كل السبل، أما في أيامنا هذه فاختلط الحابل بالنابل في عصر العلاقات والمحسوبيات فراح آباء يزجون بأبنائهم عنوة ورغبة في الفن والصحافة وكذلك تفعل الأمهات والأخوات وبتنا أمام ظاهرة تفشت وتورمت حتى باتت العلاقات هي التي تحكم العمل الإعلامي وتسيّره حسب الأمزجة والأهواء وإذا كانت المسألة غير ملموسة بصورة واضحة ومؤثرة على صعيد الصحافة المكتوبة إلا من المهتمين والمتتبعين من أبناء الوسط إلا أنها مسألة مفضوحة على صعيد التلفزيون فالأب العامل هناك جاء بابنه وابن أخيه وابن أخته وكذلك الأم فأصبح الأمر أقرب إلى الشوربة العائلية على صعيد المذيعين والمعدين والمخرجين والعاملين في التنسيق والمونتاج والبرامج ومختلف المفاصل بما فيها الإدارية لذلك فإن إعلامنا المرئي ظل متخلفاً درجات كبيرة عن الصحافة المكتوبة من جهة وعن الإعلام المرئي في العالم العربي من جهة أخرى.
وما دام الحديث عن الإعلام الرسمي هنا (المرئي) فإن «الموضة» العائلية في زج الأهل والأقارب في مبنى التلفزيون مسألة يجب عدم السكوت عنها وخاصة إذا افتقد الوافد الجديد أو الذي أصبح قديماً الموهبة والحضور الإبداعي الأمر الذي يجب أن تلتفت إليه إدارة التلفزيون ووزارة الإعلام وهي على أبواب البحث في مشكلات الإعلام والتأسيس لانطلاقة إعلامية تنفض الغبار عن عاملين يقبضون رواتب أو على «البونات» في أداء هزيل أو أصابهم الترهل ونضوب الأفكار وانعدام التجديد وخاصة أن للإعلام والمرئي منه على وجه التحديد دوراً أساسياً في هذا العصر الإعلامي وحروبه الافتراضية فكيف يمكن أن يكون لدينا إعلام صحيح والعلاقات الأهلية ووشائج القربى هي التي تحكم عمل الإعلام وليست الموهبة أو الكفاءة أو الاحتراف والتمرس وحتى التحصيل العلمي فظهر الأداء الإعلامي التلفزيوني بائساً ومخجلاً وخاصة أن العلاقات الأهلية تراكمت على نحو مفضوح، وقسم كبير من هؤلاء الوافدين جاء من مجالات أخرى لا علاقة لها بالإعلام فزادوا الطين بلة والصورة في الأداء قتامة.
طبعاً ثمة استثناءات قليلة يمكن الإشارة إليها في هذا المجال كان أداؤها معقولاً ولكنها لا تكفر، مهما كانت مبدعة، عن سيئات عمل الأقارب عن طريق المحسوبيات والوساطات وليت الأمر انتهى هنا ذلك أن المعدين أنفسهم والمتنفذين في التلفزيون باتوا يستقطبون أقارب لهم في برامج سياسية وثقافية واجتماعية فغاب المتخصصون الحقيقيون عن الإعداد والعمل التلفزيوني إلا ما ندر كذلك غاب المتخصصون عن الشاشة ما دامت الاستضافات والإطلالات على الشاشة محكومة هي الأخرى بالأقارب والجيران ومعارفهم وعندما يكون الأمر متعلقاً بالإعلام فهذه طامة كبرى وما دام الأمر يتعلق بالتلفزيون الرسمي فتلك أشد وقعاً وأدق رقبة ذلك أن التلفزيون يشاهده الملايين ويمثل الوطن بكل ما يعني ويعاني وعليه من المفترض وضع حد لهذه التجاوزات والمحسوبيات التي تصل أحيانا إلىً حد المهزلة والبحث عن الكوادر الكفوءة بصرف النظر عن العلاقات فنحن في زمن الإعلام الذي لا تنفع فيه مجاملة أو ترقيع.
على صعيد الفن والدراما يمكن أن يكون الأمر أهون على صعيد الأدوار والشخصيات ويبقى الأمر عند حدود عمل درامي وإن كان للأقارب حضور فيه فيمكن أن يمر الأمر بصورة عادية أو هزيلة وطبعاً مع استثناءات المبدعين الذين لا يمكن أن نضعهم في سلة واحدة مع آخرين يريدون مجرد الظهور أياً كان المستوى فنحن هنا نتحدث عن الظاهرة وأثرها السيئ ونتائجها الكارثية وحتى صورتها المعيبة التي ضربت أدنى درجات «الحياء» و«حفظ ماء الوجه» ولو كان الأمر يتعلق بمؤسسة خاصة لها علاقة بالزراعة أو الفلاحة أو الدواجن أو البيوت البلاستيكية لما تحدث أحد بالأمر لكن موضوع الإعلام خط أحمر نظراً للأهمية الحيوية الشديدة التي يجب أن تكرس لها كل الجهود وعلى المستويات كافة كما يفترض ويجب وآن الأوان للخروج من المحسوبيات على حساب أعصاب الملايين وفي كل المجالات.

علي الحسن

المصدر: الوطن

إضافة تعليق جديد

لا يسمح باستخدام الأحرف الانكليزية في اسم المستخدم. استخدم اسم مستخدم بالعربية

محتويات هذا الحقل سرية ولن تظهر للآخرين.

نص عادي

  • لا يسمح بوسوم HTML.
  • تفصل السطور و الفقرات تلقائيا.
  • يتم تحويل عناوين الإنترنت إلى روابط تلقائيا

تخضع التعليقات لإشراف المحرر لحمايتنا وحمايتكم من خطر محاكم الجرائم الإلكترونية. المزيد...