الأبعاد المعلنة وغير المعلنة لجولة كلينتون الإفريقية

06-08-2009

الأبعاد المعلنة وغير المعلنة لجولة كلينتون الإفريقية

الجمل: تقوم وزيرة الخارجية الأمريكية حالياً بجولة إفريقية بدءاً من يوم 3 حتى يوم 14 آب الجاري، وتقول التقارير أن جولة الوزيرة هي الأطول منذ توليها منصبها، وبرغم المصاعب التي ظلت تعرقل توجهات السياسة الأمريكية إزاء إفريقيا فإن التوقعات في واشنطن أصبحت مرتفعة السقف لجهة احتمالات نجاح جولة الوزيرة هيلاري كلينتون.
* الأبعاد المعلنة لخارطة طريق جولة كلينتون:
أشارت التقارير إلى ن هيلاري كلينتون ستزور سبع دول إفريقية هي: كينيا – الكونغو – الصومال – نيجيريا – ليبيريا – جنوب إفريقيا، إضافة إلى وقفة صغيرة في أنجولا. هذا، وتجدر الإشارة إلى ان خارطة طريق كلينتون ركزت على زيارة الدول التي يصفها الخبراء بأنها تمثل مناطق تركيز السياسة الخارجية الأمريكية الإفريقية خلال الفترة المتبقية من عمر الإدارة الأمريكية الحالية مع ملاحظة ضرورة إضافة غانا التي سبق أن زارها الرئيس باراك أوباما. ويمكن توضيح الوضع الميداني السائد في محطات خارطة طريق زيارة كلينتون على النحو الآتي:
• كينيا: يعاني النظام السياسي الاضطراب والعجز بسبب الانقسام السياسي الذي أعقب إعلان نتائج الانتخابات الأخيرة واخذ طابعاً إثنو-عرقياً مسيّساً بين القبائل الداعمة للرئيس الكيني والقبائل الداعمة للمعارضة.
• الكونغو: تعاني من ظاهرة فراغ القوة والسلطة بما أدى إلى انقسام البلاد إلى غرب الكونغو الذي تسيطر عليه الحكومة وشرق الكونغو الذي تسيطر عليه المليشيات.
• نيجيريا: تعاني من الصراع المسلح في دلتا النيجر الغنية بالنفط والأصولية الإسلامية المسلحة في الشمال والنزاعات الإسلامية – المسيحية الدامية في الوسط إضافة إلى تفشي الفساد الذي تحول من ظاهرة وظيفية إلى ظاهرة هيكلية متغلغلة في الهياكل المؤسسية الرسمية.
• الصومال: التي تحولت إلى مستنقع نزاع كبير لم تفلح كل الجهود الإقليمية والدولية في تجفيف منابعه وحالياً تشهد الصومال ما يمكن أن يوصف بأنه وجود حكومتين، الأولى هي الحكومة الشرعية وتسيطر على القصر الرئاسي وطريق المطار والميناء وطريق الميناء بفضل وجود قوات الاتحاد الإفريقي، والثانية هي حكومة الأمر الواقع التي تسيطر عليها حركة شباب المجاهدين – الحزب الإسلامي وهي التي تقوم بتصريف الأوضاع في المناطق الواقعة خارج سيطرة الحكومة الشرعية.
• ليبريا: عانت لفترة طويلة من الحرب الأهلية التي كانت على المستوى المعلن حرب سياسية وعلى المستوى غير المعلن حرب موارد أدت إلى استنزاف موارد الألماس الليبيري.
• جنوب إفريقيا: تعاني من الانقسامات السياسية وموجات الكراهية للأجانب إضافة إلى التدهور الاقتصادي بسبب تداعيات الأزمة الاقتصادية العالمية.
• أنجولا: تسعى حالياً إلى التقدم بثبات من أجل تجاوز مخلفات الحرب الأهلية الدامية التي بدأت بعد الاستقلال بتمرد سافيمبي المدعوم أمريكياً وغربياً وإسرائيلياً وانتهت بعد مقتله على يد القوات المسلحة الأنجولية.
تقول المعلومات أن زيارة إفريقيا الحالية عي الأطول بالنسبة لهيلاري كلينتون منذ لحظة توليها منصب الخارجية الأمريكية.
* الأبعاد غير المعلنة لخارطة طريق الوزيرة الأمريكية:
عند التطرق إلى الأبعاد غير المعلنة لزيارة إفريقيا من الضروري تحليل المعطيات ضمن ثلاثة أبعاد:
• البعد الهيكلي – البنائي: تتضمن القارة الإفريقية المزيد من الموارد النفطية والمعدنية والزراعية وتوجد في إفريقيا حوالي ثلث دول العالم.
• البعد القيمي – الإدراكي: بعد طول إهمال سعت الإدارات الأمريكية بعد عام 1999 إلى الاهتمام بالقارة الإفريقية وتضمن حراك السياسة الخارجية الأمريكية جولات إفريقية قام بها ثلاثة من وزراء خارجية أمريكا: جولة مادلين أولبرايت – جولة كولن باول – جولة كوندوليزا رايس، وثلاث جولات رئاسية قام بها بيل كلينتون 1998، وجورج بوش مرة في 2003 وأخرى في 2008.
• البعد التفاعلي – السلوكي: ظلت القارة الإفريقية مسرحاً للنفوذ الأوروبي الغربي بدرجة أكبر القوى الأوروبية الرئيسية بريطانيا وفرنسا وبدرجة أقل القوى الأخرى كإسبانيا والبرتغال وبلجيكا، وبعد استقلال الدول الإفريقية بقي النفوذ الفرنسي تحت غطاء الفرانكفونية وتراجع النفوذ البريطاني بسبب عدم قدرة بريطانيا على تعزيز غطاء دول الكمنولث (الأنجلوفونية) وقد ترك تراجع النفوذ البريطاني فراغاً استراتيجياً في كينيا ونيجيريا، والفراغ ذاته حدث في أنجولا وموزامبيق بسبب تراجع النفوذ البرتغالي، وفي الكونغو وزائير بسبب تراجع النفوذ البلجيكي، وقد ترتب على ذلك أن سعت الولايات المتحدة بعد انتهاء الحرب الباردة إلى التقدم وملء الفراغ عن طريق بناء اتفاقات الشراكة وتوطيد الروابط الثابتة.
على خلفية تكامل هذه الأبعاد الثلاثة بدا واضحاً أن إفريقيا تشهد حالياً حرب جيو-سياسية باردة بين الولايات المتحدة والصين في صراع النفوذ على إفريقيا وفرنسا وحالياً نلاحظ أن فرنسا ما زالت أكثر سعياً لجهة تأمين مناطق نفوذها التقليدية في إفريقيا أما أمريكا فتحاول السعي بجدية لحرمان الصين من بناء أي تحالفات استراتيجية في القارة الإفريقية وتحديداً مع دول خليج غينيا النفطية (نيجيريا – الكونغو – زائير – أنجولا – غينيا الاستوائية) وتشير الإحصاءات إلى أن صادرات نفط بلدان خليج غينيا إلى أمريكا تفوق صادرات الخليج العربي النفطية إليها.
من الصعب القول أن دبلوماسية كلينتون الإفريقية ستحقق النجاح الحاسم ولكنها تأتي ضمن جهود ترتيب المسرح الإفريقي بما يتيح لواشنطن ترويض بلدان خليج غينيا ودفعها للدخول في مظلة الأحلاف العسكرية – الأمنية الأمريكية ولكن لما كانت إدارة بوش قد سعت إلى ذلك ولم تنجح في ترويض هذه الدول لجهة استقبال القيادة الإفريقية الأمريكية فإن إدارة أوباما ستسعى لاستخدام الوسائل الاقتصادية في ترويض هذه الدول أولاً بما يترتب عليه لاحقاً توسيع نطاق "الضمير الإفريقي" ليتقبل بصدر رحب تمركز القيادة الإفريقية الأمريكية وشبكات القواعد البرية والجوية والبحرية التابعة لها.


الجمل: قسم الدراسات والترجمة

إضافة تعليق جديد

لا يسمح باستخدام الأحرف الانكليزية في اسم المستخدم. استخدم اسم مستخدم بالعربية

محتويات هذا الحقل سرية ولن تظهر للآخرين.

نص عادي

  • لا يسمح بوسوم HTML.
  • تفصل السطور و الفقرات تلقائيا.
  • يتم تحويل عناوين الإنترنت إلى روابط تلقائيا

تخضع التعليقات لإشراف المحرر لحمايتنا وحمايتكم من خطر محاكم الجرائم الإلكترونية. المزيد...